التغيير الفقهي وأنماطه
يحيى محمد
يمكن القول إن الممارسة الفقهية بما تعبّر عن نوع من التشريع الإمتدادي المستند الى قواعد معتبرة كالعقل والقياس والمصالح والإستحسان والعرف وغيرها؛ لم تستطع بدورها ان تتخلى عن ظاهرة النسخ في الاحكام والفتاوى. فضغط الحاجة الزمنية الذي جعلها تمارس عملية التشريع الاجتهادي؛ هو نفسه الذي حدا بها الى ان تقوم بعملية النسخ ذاته. وقد كانت هناك مبررات عديدة وضعت لتبرير ضرورة تغيير الاحكام؛ كلها تعود في النتيجة الى ما افرزه الواقع من حاجات ومصالح وتغيير في الظروف والاحوال.
فتغيير الفتوى تارة يستند الى ما قد يؤثر فيه العثور على دليل شرعي أقوى؛ من النص والقياس وما اليه مما ليس له علاقة بالواقع. وتارة اخرى يستند الى فعل الواقع وتأثيره، وذلك باعتبارات إما مردها الى كشف الواقع عن خطأ الفتوى جملة وتفصيلاً، او لاعتبارات تقدير الواقع من الضرورة والحاجة والمصلحة ونفي العسر، او لاعتبارات تخص تغير احوال الناس وظروفهم. وفي جميع هذه الاعتبارات نلاحظ ان للواقع دوراً اساساً في عملية التغيير وانشاء الاحكام الجديدة. وقد ادرك الكثير من الفقهاء ان من بين مبررات تغيرات الاحكام هو تغير الظروف التي تصبح غير منسجمة مع الحكم السابق، وكذا تغير عادات الناس واعرافهم، وكذلك فساد الاخلاق المعبر عنه بفساد الزمان، فضلاً عن حدوث التنظيمات الجديدة والترتيبات الادارية. وسبق للفقيه المالكي ابن العربي ان اعتبر ان الاستحسان الذي فيه يتم ترك مقتضى الدليل ينقسم الى اربعة أقسام، وهو ان الدليل يترك إما بسبب العرف، او للمصلحة، او للتيسير ورفع المشقة، او لايثار التوسعة ( 1). مع ان هناك اعتبارات اخرى تصلح ان تكون سبباً لترك الدليل او مقتضاه، سواء كان ذلك ضمن ما يعد من الاستحسان او لا، مثل ما لو تبين خطأ الفتوى كلياً نتيجة الواقع او غيره. وكذلك فيما لو رأى العقل معنى للحكم ضمن ظروف معينة دون اخرى.
على ان هناك ثلاثة أنماط من الصور التي حدث فيها تغيير الاحكام؛ وصل الأمر في بعضها الى تغيير حكم النص تبعاً للاجتهاد وضغط الحاجة الزمنية. لكن حيث لم يكن هناك إلتفات مقصود لدراسة الواقع وعلاقته بالخطاب، ومن ثم إجراء التقنين بينهما بالكشف عن موارد ثبات الاحكام وتغيرها؛ فقد كانت عملية التغيير تجري بحسب ما يصادفه الفقيه من نقاط يظن انها لا تتلاءم مع ما هو موضوع من احكام وذلك جرياً بحسب قاعدتي العرف والاستحسان. ولو ان الفقهاء أولو اهتماماً في النظر الى الواقع وتغيراته والموارد التي تتقبل تغير الاحكام؛ لكان نسيج فقهنا اليوم هو غير النسيج الذي ألفنا فيه طابعه المتصلب والذي لا يتسق مع ما يحدث من تطورات للواقع، مما جعله يصطدم في كثير من الاحوال بما يحصل من تغيرات غير محسوبة ولا مرتقبة، خاصة خلال الفترة الحديثة التي قلبت الكثير من الموازين، فأصبح الفقه بالشكل الذي هو عليه الآن متهماً لا فقط من الذين عادوه، بل وحتى من الذين تربوا فيه وافادوا منه. وكان من أهم نقاط ضعفه واضطرابه هو انه في كثير من الاحيان لا يتقبل في البداية ما يفرضه الواقع من تغيرات وتطورات بمبررات تستند الى النص او السلف، لكنه يعود مرة اخرى فيضطر الى قبولها وتمريرها من خلال النص او السلف أيضاً. مما يكشف عن وهن آليته الاجتهادية، حيث تجعله صريع الواقع بخلاف ما يفترض فيه ان يكون موجهاً له بالشكل الذي لا يهمل فيه امكاناته ونواحيه. الامر الذي يتطلب فيه دراسة الواقع عن كثب. ولا ينتهي الحال عند هذا الحد، بل لا بد من العودة مرة اخرى للكشف عما يمكن ان يحدث من نتائج وآثار بعد عملية التشريع لتكون هذه العملية في تماس مع المعالجة المناسبة لمظاهر الواقع وخصوصياته. فمن غير هذه العودة لا يؤمّن ما قد يحصل من اضرار ونتائج عكسية ربما على اكثر من صعيد بسبب تداخلات الواقع وتسارع أحداثه.
مع كل ما سبق فقد ظهر للفقه ثروة كبيرة من تغيرات الاحكام بحسب ما فرضته الحاجات الزمنية، وهي بحق تعد مادة خصبة لتشكيل منعطف يتصدر فيه الواقع كعنصر أساس في عملية التشريع. واذا كان اسلافنا لم يدركوا اهمية دراسة الواقع بجميع خصوصياته ونواحيه، سواء قبل تشريع الحكم وامتثاله أم بعده؛ فان من الحري بعلمائنا اليوم ان يأخذوا بهذه المهمة الثرية على عاتقهم بعد تأصيلها ضمن علم الاصول. والا فلا قيمة للفتاوى اذا ما كانت مفصولة عن النظر الى الواقع وفحصه.
يظل ان نعرف ان الفقهاء مارسوا مختلف الانواع من تغيير الاحكام، وذلك انطلاقاً من الحاجات الزمنية وضغوطها، بما في ذلك تغيير بعض احكام النص، وإن كانوا قد انكروا من الناحية المبدئية ان تكون اجتهاداتهم عملت على مثل هذا التغيير، وذلك دفعاً لشبهة الوقوع في الاجتهاد في قبال النص، او الاجتهاد مع وجوده، او العمل على ممارسة النسخ في الاحكام.. وواقع الحال ان هناك الكثير من الممارسات الاجتهادية التي جاءت نتائجها مخالفة لاحكام النص. ويدخل ضمن هذا الإطار تلك الاجتهادات التي عوّلت على تخصيص النص بالمصلحة والعرف، وسنعرف ان ذلك لا يختلف عن الممارسة الاجتهادية المفضية الى نتيجة هي خلاف ما عليه حكم النص بتمامه. على هذا فان عملية الاجتهاد وتغيير الاحكام أضحت لا تفرق بين حكم النص وغيره؛ مادامت الظروف تتنوع والأحوال تتبدل.
أما فيما يخص الممارسات التغييرية للاحكام كما مارسها الفقهاء فهي كما قلنا تدخل ضمن ثلاثة أنماط، وذلك كالاتي:
1ــ وحدة الدليل الاجتهادي
إن أخف حالات التغيير وأقلها وطأة ومؤونة هي تلك التي تعبر عن تبديل الحكم بحكم آخر مع وحدة الدليل. وغالباً ما يحصل هذا الإعتبار نتيجة لتبدل العرف والعادة، الامر الذي يجعل من الحكم متغيراً تبعاً لتغير الظرف حتى لو كان الموضوع الظاهر على ما هو عليه من البقاء. فالكثير من الفتاوى الفقهية تنشأ وتتغير تبعاً لما هو متعارف عليه من معاملات لفظية وسلوكية. فعلى حد قول الشاطبي: ان ((الحكم يتنزل على ما هو معتاد فيه، بالنسبة الى من اعتاده دون من لم يعتده)) ( 2).
ففي عالم الألفاظ يؤخذ بما هو متعارف عليه من الفاظ المتعاملين وليس على اساس الحقيقة في معناها، وذلك في كل من الايمان والعقود والجرائم والقضاء وغيرها. فمثلاً قد يكون اللفظ دالاً بعرف ما على الشتم فيكون جريمة، لكنه في عرف آخر لا يدل على ذلك، فلا يكون جريمة. وكذا جاء في (الاشباه) انه لو حلف الحالف أن لا يأكل لحماً حنث بأكل الكبد والكرش، وذلك إن كان الامر يجري على عادة أهل الكوفة، أما في عرف غيرهم فقد لا يحنث تبعاً لما يقصدونه من لفظة (لحم) ( 3). ومثله ما قاله أصحاب الشافعي: لو حلف رجل ان لا يبيت على فراش ولا يستسرج سراجاً، فبات على الأرض وجلس في الشمس لم يحنث، لأن اللفظ لا يرجع اليهما عرفاً رغم ما ورد في النص من اعتبار الارض فراشاً، وذلك في قوله تعالى: ((الذي جعل لكم الأرض فراشاً)) ( 4).
ومن ذلك ما قاله القرافي في ايقاع الطلاق الثلاث بقول الزوج (انتِ عليَّ حرام، او الحرام يلزمني): ((إياك ان تقول إنا لا نفهم منه الا الطلاق الثلاث لأن مالكاً قاله، او لأنه مسطور في كتب الفقه، لأن ذلك غلط، بل لا بد ان يكون ذلك الفهم حاصلاً لك من جهة الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام، كما في لفظ الدابة والبحر والرواية. فالفقيه والعامي في هذه الالفاظ سواء في الفهم لا يسبق الى افهامهم الا المعاني المنقول اليها. فهذا هو الضابط لا فهم ذلك من كتب الفقه، فان النقل انما يحصل باستعمال الناس لا بتسطير ذلك في الكتب، بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس فافهم ذلك. اذا تقرر ذلك فيجب علينا امور: أحدها ان نعتقد ان مالكاً او غيره من العلماء انما افتى في هذه الالفاظ بهذه الاحكام لأن زمانهم كان فيه عوائد اقتضت نقل هذه الالفاظ للمعاني التي افتوا بها فيها صوناً لهم عن الزلل. وثانيها انا اذا وجدنا زماننا عرياً عن ذلك وجب علينا ان لا نفتي بتلك الاحكام في هذه الالفاظ، لأن انتقال العوائد يوجب انتقال الاحكام، كما نقول في النقود وفي غيرها فانا نفتي في زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة معينة من النقود عند الاطلاق لأن تلك السكة هي التي جرت العادة بالمعاملة بها في ذلك الزمان، فاذا وجدنا بلداً آخر وزماناً آخر يقع التعامل فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا الى السكة الثانية وحرمت الفتيا الاولى لأجل تغير العادة. وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والاقارب وكسوتهم تختلف بحسب العوائد، وتنتقل الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير العادة الحاضرة، وكذلك تقدير العوارى بالعوائد.. واذا وضح لك ان ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء من الفتيا في هذه الالفاظ باطلاق هو خلاف الاجماع، وان من توقف منهم عن ذلك ولم يجر المسطورات في الكتب على ما هي عليه بل لاحظ تنقل العوائد في ذلك، فانه على الصواب وسالم من هذه الورطة العظيمة)) ( 5). وقال بعض العلماء: ((التحقيق ان لفظ الواقف والموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته وفي خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع او لا)) ( 6).
أما في المعاملات السلوكية، فقد يرفض سماع بعض الدعاوى في القضاء لأنها مما يكذبها العرف او العادة. كما ان العرف يتدخل فيما يُعد في المبيع عيباً مسوغاً لفسخ البيع او لا يعد . يضاف الى ان للعرف الجاري دخالة اكيدة في تحديد قبول لباس الناس بما يخرجه عن (لباس الشهرة). فمثلاً كان كشف الرأس يختلف بحسب البقاع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحاً في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح ( 7). وكذا فيما يتعلق بتقدير النفقات الزوجية والأجور المعطاة وما يعتبر حقاً او ضرراً بحق الغير في بعض المنافع.. الخ. فلو ان العرف تغير في مثل تلك الحالات لتغيرت الفتوى تبعاً له. ونفس الشيء فيما ذكره بعض العلماء من ان القول قول الزوج في دفع الصداق بناءً على العادة، وان القول قول الزوجة هو ايضاً بناءً على نسخ تلك العادة، وبالتالي فالحكم ثابت ليس فيه اختلاف الا من حيث اختلاف العادة ( 8).
ومما يدخل في هذا الاطار هو ان جماعة من السلف والفقهاء ردوا شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه والزوج لزوجه، وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن حنبل. في حين ان السابقين عليهم كانوا يقبلون الشهادة منهم ركوناً الى قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم او الوالدَين والأقربين)). لذا ينقل عن الزهري قوله: ((لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لإمرأته، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم امور حملت الولاة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم اذا كانت من قرابة، وصار ذلك من الولد والوالد والاخ والزوج والمرأة. فلم يتهم الا هؤلاء في آخر الزمان ( 9).
بل قد تكون هناك أحكام خارجة عن المكلف يحددها الواقع وسننه التكوينية، او العادة باصطلاح القدماء، مثل البلوغ الذي يرتهن بالاحتلام والحيض وهو يختلف من بيئة الى اخرى، حيث البيئة ذات المناخ الحار تعجل على البلوغ بخلاف تلك التي مناخها بارد ( 0 1).
ومن الطريف ما ينقل بهذا الصدد ان الإمام ابا حنيفة كان يرى ان غاصب الثوب اذا صبغ الثوب المغصوب باللون الأسود، فإن ذلك يُعدّ انقاصاً وتعييباً له، وعليه لا بد ان يتكفل الغاصب بضمان هذا الإنقاص حين يُردّ الثوب الى المالك. لكن لما تبدل عرف الناس في النظر الى اللون الأسود واعتباره علامة على الكمال لا النقصان وذلك حين اتخذه العباسيون شعاراً لهم؛ فان بعض الاحناف (ابو يوسف) حكم بأن صبغ الغاصب للثوب باللون الاسود لا يعد تعييباً له بل زيادة في الكمال، وعليه لو أن المالك استرده اليه كان عليه أن يدفع للغاصب قيمة تلك الزيادة ( 1 1).
على ان مثل هذا الاختلاف بين الفقهاء هو ما كان يعرف لديهم بأنه اختلاف عرف وزمان لا اختلاف نظر وبرهان ( 2 1). لذلك وردت الكثير من القواعد الفقهية التي تؤكد على أهمية العرف والعادة في علاقتهما بتحديد نوع الحكم الشرعي الوضعي، والتي منها ما ذكرته مجلة الاحكام العدلية، من قبيل: العادة محكمة، والحقيقة تترك بدلالة العادة، والممتنع عادة كالممتنع حقيقة، والعادة تعتبر فيما لو اطردت او غلبت، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها، والعبرة للغالب الشائع لا النادر، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص، ولا ينكر تغيرالاحكام بتغير الازمان... الخ ( 3 1).
2ــ تعارض الدليل الاجتهادي
يضاف الى ما سبق هناك نمط آخر من التغيير يحصل نتيجة وجود التعارض في الادلة الاجتهادية، مما يقتضي العمل بالترجيح. فمثلاً ان الفقهاء يرجحون الحاجة العرفية والمصلحة المقدرة في الواقع على القواعد والادلة الاجتهادية كالقياس والاستصحاب وغيرهما.
إن ترجيح المصالح على القواعد القياسية والاصول الاجتهادية؛ يفترض وجود تعارض بين هذه الادلة، الامر الذي يعكس حالة تغيير الحكم او نسخه. حيث ان الدليل الفقهي اذا عارض دليلاً قبله فانما يعني الغاءه، او الغاء الحكم الذي يستند اليه، لهذا يشبّه البعض كما يذكر ابن تيمية ((تعارض الاجتهادات من العلماء بالناسخ والمنسوخ في شرائع الانبياء، مع الفرق بينهما بأن كل واحد من الناسخ والمنسوخ ثابت بخطاب حكم الله باطناً وظاهراً بخلاف أحد قولي العالم المتناقضين)) ( 4 1). لكن في تعارض الادلة التي تخص المصالح، قد يكون الدليل قائماً على الاستثناء المقدم على الاصول الاجتهادية الاساسية، وهو ما يطلق عليه بالاستحسان، فسواء كان يُعمل باطلاق تلك الاصول ام يُستثنى منها دليل المصلحة المشار اليه، فانه سواء بهذا أو بذلك فالأمر سيّان، من حيث وجود الداعي الذي يبرر تغيير الحكم العائد الى تلك الاصول. كل ما في الامر ان تغيير الحكم في الحالة التي يسبق فيها العمل باطلاق تلك الاصول يعد تغييراً حاصلاً فعلاً، أما اذا كانت عملية الاستثناء قد تمت من غير سابقة لامتثال ذلك الاطلاق والعمل بأحكامه؛ فان تغيير الحكم يبقى نظرياً لم يحالفه الحظ من التطبيق على ارض الواقع، وإن كانت حقيقته لا تختلف عن التغيير الفعلي المشار اليه آنفاً ؛ طالما ان عملية التغيير نابعة من دواعي ظروف الواقع ومصالحه من غير ان يكون لها اثر مباشر من دلالات النص وظلاله.
على ذلك ان هناك اعتبارات متعددة لتغيير الحكم طبقاً لتعارض الأدلة. فقد يؤلف المجتهد اجتهاداً ما ثم يغيره، او ينظر الى مصلحة ما تعدله عما يفترض ان يطرحه من اجتهاد وحكم، أو يأتي من يغير حكمه تبعاً لمصلحة ما من المصالح، او طبقاً لعرف ما من الاعراف. ويعد العرف من اعظم الدواعي الذي يستند اليه الفقهاء في تغيير الحكم. فالعرف مقدر لديهم ولو كان حادثاً احياناً وذلك باعتباره غالباً ما يكون دليل حاجة، واليه الاشارة في قوله تعالى: ((خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين)) الاعراف/ 9 9 1. لذلك فهو اقوى من القياس، وهو اذ يرجح على القياس الذي يستند الى نص تشريعي بصورة غير مباشرة، فكذلك أنه بطريق أولى يكون مرجحاً على الاستصلاح (المصلحة المرسلة) باعتباره لا يستند الى النص، بل الى مجرد مصلحة زمنية عرضة للتبدل باختلاف الظروف والازمنة. وعليه إن العرف وكما يقول ابن الهمام في (شرح الهداية) هو ((بمنزلة الاجماع شرعاً عند عدم النص)) ( 5 1).
هكذا فان الطريق الى تغيير الاحكام ونسخها من قبل الواقع بحسب تعارض الأدلة انما ينفذ غالباً من خلال المصلحة والعرف.
فبالنسبة للمفقود - مثلاً - اذا لم تثبت وفاته وكان متزوجاً، فبطريقة الاستصحاب يكون المفقود كالحي وبالتالي يحرم على زوجته أن تتزوج بآخر، بينما بطريقة الاستصلاح او المصلحة المرسلة بمراعاة حقوق الزوجة وحاجاتها؛ فان الامر ينقلب الى جواز زواجها ( 6 1).
كذلك ان الاصل القياسي يوجب على الحاكم ان يستجيب لكل دعوى ترفع اليه ليقضي على اساسها لصالح صاحب الدعوى او عليه. لكن الفقهاء تركوا هذا القياس في بعض الحالات، كما فيما اذا ادعت الزوجة المدخول بها ان زوجها لم يدفع لها شيئاً من مهرها العاجل، ورفعت ذلك الى القضاء. ففي هذه الحالة يرى بعض الفقهاء ان القاضي لا يقبل منها ولا يسأل الزوج عن ذلك؛ استناداً الى العرف، لأن عادة الناس مطردة في ان المرأة لا تزف الى زوجها ما لم يدفع بعضاً من مهرها العاجل ( 7 1). فهذا ما ذهب اليه الفقيه ابو الليث ورجحه ابن عابدين ( 8 1).
كذلك انه اذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول، فالقول قول الزوج، مع ان الأصل عدم القبض. وعلق القاضي اسماعيل من فقهاء المالكية على ذلك بقوله: هذه كانت عادتهم بالمدينة: ان الرجل لا يدخل بإمرأته حتى تقبض جميع صداقها، واليوم عادتهم على خلاف ذلك، فالقول قول المرأة مع يمينها، لأجل اختلاف العادات.
كما ان القواعد القياسية توجب بأن لا يجوز دفع الدين لغير صاحبه الا بوكالة أو ولاية، لكن الفقهاء تركوا هذا الحكم في بعض الحالات، كما في البنت البكر البالغة اذا قبض أبوها ــ أو جدها عند عدم الأب ـــ المهر من زوجها حين زواجها، اذ اعتبروا هذا القبض نافذاً للعرف والعادة ما لم يصدر من البنت نهي عن دفع المهر الى سواها ( 9 1).
كما انه بحسب القياس فإنه لا يجوز بيع لبن امرأة في قدح لأنه جزء الآدمي، وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع، لكن الشافعي أجاز بيعه لأنه مشروب طاهر جرى العرف على بيعه من دون فرق بين الحرة والأمة ( 0 2).
كذلك ذهب المتأخرون من الفقهاء الى ان اعتبار ما يكتبه التاجر في الحساب الجاري حجة على المدين أخذاً بالعرف، بينما القياس لا يعتبر الا البينة ولا يعتبر ما يكتبه هذا التاجر في دفتره العادي ( 1 2).
وأيضاً انه بحسب القياس يبطل العقد اذا كان محله معدوماً او مجهولاً لا يقبل التحديد وقت الانشاء، لكن استحساناً استثني من ذلك حالات تُرجّح فيها المصلحة والتيسير، مثل دخول الحمام رغم عدم تحديد كمية المياه المستعملة ولا وقت البقاء فيه. وعلى هذه الشاكلة أُجيز الشرب من السقاء رغم عدم تبيان القدر المستهلك من الماء. وكذا مختلف إجارات المنافع كالاراضي والديار وغيرها ( 2 2).
ومثل ذلك أُجيز بيع السمك المحصور في الأجمة اذا كان قد أخذه ثم أرسله في الأجمة لأن بارساله لا يزول ملكه، وإن كان لا يتمكن من أخذه الا بالصيد وذلك لتعارف الناس، وهو خلاف اجتهاد ابن عمر وابن مسعود الذين جاء عنهما انهما قالا: ((لا تشتروا السمك في الماء فانه غرر)). وقد أخذ الأحناف باجتهادهما تبعاً للغرر ( 3 2).
كذلك ان الفقهاء القدماء لم يجوزوا الاستصناع طبقاً للقياس ( 4 2)، حيث لا يجوز بيع ما ليس عند الانسان، لنهي النبي (ص) عن ذلك باستثناء السلم. لكن أجازه من جاء بعدهم لتعارف الناس على التعامل به. فقيل انه جائز استحساناً للعرف العام، فبنوا احكامه الفرعية عليه ( 5 2). كما قيل انه جائز استحساناً لاجماع الناس عليه، لأنهم يعملون ذلك في سائر الاعصار من غير نكير، وعليه يكون مقدماً على القياس ( 6 2). وبعضهم اعتبره جائزاً لقياس السلم عليه، من حيث انه مستثنى من نهي البيع المعدوم صراحة، فيكون الاستصناع مستثنى ضمناً، وذلك للعرف الجاري في التعامل به، فهو مخصص للنص العام المانع لمثل هذا البيع ( 7 2). كل ذلك مبرر بالعرف او لاعتبار القاعدة الفقهية الشهيرة ((الحاجة تنزل منزلة الضرورة)).
كما بالرغم من ان يد الأمانة لا تعد ضامنة عند عدم التقصير، لكن مع هذا فقد لجأ الفقهاء الى تضمين الصناع بالمصلحة والاستحسان، وذلك عند لحاظ انهم كثيراً ما يفرطون بالامانة ويدعون حفظها، فاقتضى الأمر بالتضمين عند تلف او فقد الامانة. وقد نُقل ان الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع عند تلف او ضياع ما في أيديهم من أمانة، وقال الامام علي بهذا الشأن: ((لا يصلح الناس الا ذاك)) ( 8 2).
كذلك مع ان انقطاع الصلة بين الزوج والزوجة بالطلاق يحرم الأخيرة الميراث من الزوج، لكن الفقهاء استثنوا من ذلك فيما لو توافرت الشروط لتحقق مظنة فرار الزوج من التوريث؛ كإن طلق زوجته وهو في مرض الموت، حيث ان هذا الطلاق لا يمنعها من الميراث ( 9 2).
كما رغم ان القاعدة العامة ترى لزوم الحجر على السفيه في تصرفاته المالية؛ الا انه استثني من ذلك التصرفات التي يكون لها نفع تام من الهبات والوصيا. فالوصايا العقلائية مقبولة من السفيه، وذلك لان القصد من الحجر عليه انما هو للمحافظة على ماله، حتى لا يصبح كلاً على الناس وعالة عليهم، والوصية التي يتبرع بها لا تنفذ الا بعد وفاته، فلا يضره ذلك في حياته، بعد حفظ حق الورثة منه ( 0 3).
ومن ذلك ايضاً انه رغم اتفاق الفقهاء على عدم اجازة بيع الثمار على الشجر قبل ان ينضج بعضه على الأقل للنص ( 1 3)، الا انهم اختلفوا في جواز ذلك اذا نضج اكثره او بعضه، ومثله بيع الزروع كالبطيخ والباذنجان والكوسا وغيرها، فانها تخرج ثمراتها دفعات، وتسقى عدة مرات في اثناء ذلك، وقد جرى العرف على بيعها ولو خالف اجتهادات المجتهدين من قبل في منع بيع الثمار على الشجر. جاء في (الهداية): ((من باع ثمرة لم يبد صلاحها او قد بدا جاز البيع، لأنه مال متقوم إما لكونه منتفعاً به في الحال او في الثاني، وقد قيل انه لا يجوز قبل ان يبدو صلاحها، والاول اصل)). وقد اختار الامام محمد بن الحسن جواز تركها على الشجر خلافاً لأبي حنيفة وأبي يوسف واستحسنه للعادة والعرف. وذكر السرخسي في (المبسوط): ((وعند الشافعي يتركها الى وقت الادراك لانه هو المتعارف بين الناس، ولو اشتراها بشرط الترك فالعقد فاسد عندنا جائز عند الشافعي رحمه الله لأنه متعارف بين الناس)). وهو في هذا يتفق مع محمد بن الحسن خلافاً للصاحبين استحساناً مبنياً على العرف، وقال مالك وبعض اصحاب احمد وابن القيم وشيخه بجواز هذا النوع من البيع ( 2 3).
وعلى هذه الشاكلة ذكر ابن القيم عدداً من الأحكام الواقعة تحت تأثير مبادئ العرف والحاجة والمصلحة ودفع الضرر؛ لولاها لاتخذت قالباً مغايراً ومضاداً من الأحكام، منها تضمين الاجير المشترك، ومنع الوصي من المضاربة بمال اليتيم في الزمن المتأخر لفساد الناس، وعدم اجارة الوقف اكثر من سنة في الدور واكثر من ثلاث سنين في الاراضي، وسقوط الشفعة اذا أقر طلب التملك شهراً عند الامام محمد دفعاً للضرر، وبافتاء العلماء بالعفو عن طين الشوارع للضرورة، وكذا طهارة الحياض والآبار واغتفار الغبن اليسير والعفو عن رشاش البول. ومن ذلك ايضاً القضاء بالاجرة للغسال والخباز والطباخ والدقاق والحمال وصاحب الحمام والقيم وان لم يعقد معهم عقد اجارة اكتفاء بشاهد الحال ودلالته، ولو استوفى هذه المنافع ولم يعطهم الاجرة عد ظالماً غاصباً، ومن ذلك قبول قول الوصي فيما ينفقه على اليتيم اذا ادعى ما يقتضيه العرف ( 3 3).
ومن النماذج الاخرى لتغيير الاحكام طبقاً لتعارض الادلة؛ هو أن بيع النحل ودود القز يعد غير جائز عند الامام ابي حنيفة وصاحبه ابي يوسف، لأن مثل هذه الحشرات غير معتبرة عندهما من الاموال، قياساً على سائر هوام الارض كالوزغ والضفادع. لكن الامام محمد بن الحسن من أصحاب ابي حنيفة والشافعي حكما بماليتهما وصحة بيعهما لجريان التعامل بهما في عرف الناس بيعاً وشراءاً ( 4 3).
كذلك إن تعليم القرآن والدين لا يجوز أخذ الاجرة عليه لدى كل من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وذلك كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن، لكن من جاء بعدهم أجاز ذلك بحجة انه لو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا اجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الاجرة على التعليم وكذا على الامامة والأذان، مع ان ذلك مخالف لما اتفق عليه ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستيجار واخذ الاجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك ( 5 3).
ولدى ابي حنيفة والشافعي انه بحسب القياس اذا فقأ صحيحٌ عينَ أعور فان عليه نصف الدية، لكن المالكية لم يأخذوا بهذا القياس استناداً الى المنفعة المقدرة في الواقع، حيث ان منفعة الأعور ببصره كمنفعة السالم او قريب من ذلك، لذا وجب عليه مثل ديته لديهم ( 6 3).
وبحسب القياس لا يُحدّ الرجل الذي شهد عليه أربعة اذا ما عيّن كل واحد منهم الجهة بغير ما عيّنه الآخر، حيث ان الظاهر هو ان الأربعة لم يجتمعوا على زنا واحد، لكن ابا حنيفة استحسن حدّه، كي لا يفضي الأمر الى تفسيق العدول او الشهود ( 7 3).
كما أن من المقرر في أصل المذهب الحنفي أن المدين تنفذ تصرفاته في أمواله بالهبة والوقف وسائر وجوه التبرع، ولو كانت ديونه مستغرقة أمواله كلها؛ باعتبار أن الديون تتعلق بذمته، فتبقى أعيان أمواله حرة، فينفذ فيها تصرفه، وذلك طبقاً لمقتضى القواعد القياسية، لكن لما فسدت ذمم الناس بقلة الورع وكثرة الطمع؛ فقد أصبح المديونون يعمدون الى تهريب أموالهم باجراء الوقف عليها أو هبتها لمن يثقون به. وهذا ما حدا بفقهاء الحنفية والحنبلية المتأخرين الى الافتاء بعدم نفاذ مثل تلك التصرفات من المدين الا فيما كان زائداً عن وفاء دينه من أمواله ( 8 3). وقد كان الصاحبان ابو يوسف ومحمد بن الحسن ممن يذهب الى ذلك خلافاً لاستاذهما ابي حنيفة ( 9 3).
وأيضاً في أصل المذهب الحنفي أن القاضي يقضي بعلمه الشخصي في الحوادث استناداً الى ما فعله عمر بن الخطاب، الا أنه لوحظ فيما بعد أن القضاة قد غلب عليهم الفساد وأخذ الرشوات، لذلك افتى المتأخرون بعدم صلاحية ذلك العلم، والاكتفاء بالبينات والشهود ( 0 4).
كذلك فانه في أصل المذهب الحنفي - خلافاً للمذاهب الثلاثة الاخرى - أن الغاصب لا يضمن قيمة منافع المغصوب طيلة مدة الغصب، بل يضمن العين فقط، باعتبار أن المنافع عنده ليست متقومة في ذاتها، بل تتقوم بعقد الاجارة، ولا عقد في الغصب. لكن حيث أن الناس أصبحت لديهم الجرأة على الغصب نتيجة فساد الذمم وضعف الوازع الديني؛ فان المتأخرين من فقهاء الحنفية أفتوا بتضمين الغاصب أجرة المثل عن منافع المغصوب، اذا كان المغصوب مال وقف أو مال يتيم أو معداً للاستغلال. وهذا ما استقر عليه العمل في مجلة الاحكام العدلية ( 1 4).
وبمقتضى القواعد العامة للقياس في الفقه الحنفي ان البالغ العاقل او الرشيد اذا اصابه الجنون او العته فان الولاية عليه تكون للقاضي ولا تعود الى الأب والجد، لكن بالاستحسان من حيث وفرة الشفقة والرعاية لدى الأب والجد فان الولاية تصبح لأحدهما ولا تعود للقاضي ( 2 4).
ومع ان القاعدة العامة تنص بأن للزوج ان يسافر بزوجته حيث شاء، وهو ما أفتى به المتقدمون من الفقهاء، لكن جماعة من المتأخرين أفتوا بعدم جواز ذلك، حيث ان السفر يضار الزوجة ويضيق عليها، واعتبروا ان فتوى المتقدمين من الفقهاء كان باعتبار صلاح الناس في زمانهم وعدم قصدهم المضرة بالسفر. وبالتالي فقد اعتبر المتأخرون ان الفتوى تعود الى اختلاف الزمان والعرف إن كان فيه السفر مأموناً او غير مأمون ( 3 4).
ومن ذلك ان جماعة من المتأخرين ذهبوا الى مخالفة المشهور حيث قرروا بأن من هرب بامرأة يتأبد عليه تحريمها وذلك مظنة ان من يعلم ذلك لا يقوم بالهروب وهو يعرف انه لا يحل له الزواج بها. بينما المشهور يذهب الى عدم التأبيد ( 4 4).
كما ان جماعة من الفقهاء منعوا تأجير الأرض بما يخرج وينبت فيها وذلك لأنه تأجير بمجهول، لكن أباحه بعضهم لما في ذلك من مصلحة الناس وعدم الحرج، اذ من الناس من تكون له الأرض ولا قدرة له على زراعتها، ومنهم من له القدرة على ذلك وإن لم يملك أرضاً، فالمصلحة بهذا شاملة للطرفين لا يجوز تضييعها ( 5 4). وبعضهم اعتبر إجازة ذلك لعموم البلوى، اذ ان المعاملات اذا ساد الفساد بها على العموم فانه لابد من الترخيص فيها.
كذلك فيما أحدثه ابن تيمية من حكم يخص الطلاق بخلاف من قبله من المجتهدين وما كان عليه رأي عمر بن الخطاب، وكان يتمسك في بعض حججه على ما عليه الواقع الاجتماعي مثلما فعل عمر في زمانه وإن كانت النتيجة متخالفة بينهما. فقد رفض ابن تيمية معاقبة الناس في الزامهم بالطلاق، معتبراً ان جمع الثلاثة محرم، لكن حيث ان اكثر الناس لا يعلمون ان هذا الجمع محرم خاصة وان الشافعي يراه جائزاً ، لذا فبرأيه كيف يُعاقب الجاهل بالتحريم. وهو يرى ان المصلحة في عقوبة عمر هو انه عند الزامهم بالثلاث كان يسد عليهم في الوقت نفسه باب التحليل، لكن ما جرى بعده هو ان الكثير من الفقهاء فتحوا للناس باب التحليل، الامر الذي أخلّ بالمصلحة التي سلكها عمر لردع الناس. فالرجل اذا علم ان بامكانه ان يرجع الى امرأته بالتحليل استهان بأمر الطلاق بالثلاث، وبالتالي فان الإلزام بالثلاث لا يشكل عليه أي عقوبة رادعة. لذلك فان ابن تيمية يرى لو ان عمر علم بأن الناس يتتابعون بعده بالتحليل لما عمل على تغيير ما كان عليه الامر في عهد النبي وابي بكر. لذا نُقل انه ندم على ذلك قبل موته ( 6 4). مهما يكن فقد اختار بعض المتأخرين ما رآه ابن تيمية، كما هو الحال مع صاحب (المختارات الجلية) ( 7 4).
ومنها انه قبل انشاء السجلات العقارية الرسمية التي تحدد العقارات وتعطي كلاً منها رقماً خاصاً، كان التعاقد على العقار الغائب عن مجلس العقد لا بد لصحته من ذكر حدود العقار، أي ما يلاصقه من الجهات الاربع ليتميز العقار المعقود عليه عن غيره وفقاً لما تقضي به القواعد العامة من معلومية محل العقد. ولكن بعد انشاء السجلات العقارية في كثير من الممالك والبلدان اليوم أصبح يُكتفى قانوناً في العقود بذكر رقم محضر العقار دون ذكر حدوده. وهذا ما يوجبه فقه الشريعة، لأن الاوضاع والتنظيمات الزمنية أوجدت وسيلة جديدة اسهل واتم تعييناً وتمييزاً للعقار من ذكر الحدود. وكذلك كان تسليم العقار المبيع الى المشتري لا يتم الا بتفريغ العقار وتسليمه فعلاً الى المشتري، او تمكينه منه بتسليم مفتاحه ونحو ذلك. فاذا لم يتم هذا التسليم يبقى العقار معتبراً في يد البائع فيكون هلاكه على ضمانه ومسئوليته. لكن بعد وجود الاحكام القانونية التي تخضع العقود العقارية للتسجيل استقر الاجتهاد أخيراً باعتبار التسليم حاصلاً بمجرد تسجيل العقد في السجل العقاري، فمنذ هذا التاريخ ينتقل الضمان الى عهدة المشتري ( 8 4).
كذلك اجريت بعض التغييرات في بعض العقود المستحدثة كما في عقد التأمين، حيث اعتبر الاصل فيه انه لا يجوز لما فيه من شبهة المقامرة او الرهان الممنوع، او ان التأمين على الحياة بالخصوص هو كفالة ضد قدر الله تعالى ، ويكاد يكون خطراً على عقيدة الشخص المسلم اذا ما تعاقد فيه، وقد ذكر الشيخ الزرقاء ان اغلب علماء الشريعة المعاصرين حرموه بمثل هذه الاعتبارات من غير دراسة عميقة ( 9 4). لكن جوزه بعض العلماء قياساً على عقد الموالاة، او الحراسة، او بيع الوفاء الذي أباحه الحنفية اعتماد على العرف، ونفوا ان يكون فيه غرر او جهالة مفضية الى نزاع ( 0 5). على ان بيع الوفاء هو ((من العقود المستحدثة في القرن الخامس الهجري، وجمهور الفقهاء يعتبرونه باطلاً لأنه يشتمل على بيع وشرط)) ( 1 5). لكن الشيخ عبد الوهاب خلاف نقل قول صاحب (الاشباه والنظائر): ((ومن ذلك الافتاء بصحة بيع الوفاء حين كثر الديْن على أهل بخارى ، وهكذا بمصر، وقد سموه بيع الامانة... وفي (القنية والبغية): يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح)) ( 2 5).
كما ان من ذلك اباحة شركات المساهمة، فقد رأى بعض الفقهاء المحدثين تحريمها لأنها تتناقض مع عقد الوكالة او لأنها ليست عقداً اصلاً بين شخصين او اكثر، او لأنه لا يوجد فيها الجهد البدني من المشتركين، ولكن كثيراً من العلماء اباحوها نتيجة التطور التجاري، ولأنها تقوم على التراضي وهو اصل في العقود ولتوافر شروط الشركات الاسلامية فيها، وقيامها على الربح والخسارة ( 3 5).
3ــ التعارض مع النص
لا شك ان ظاهرة تغيير الاحكام لم ولن تتوقف عند حدود تعارضات الادلة. فالظاهرة تتجاوز ذلك لتصل الى احكام النص ذاته. مع ان المبدأ العام عند الفقهاء هو عدم الاجتهاد عند وجود النص. لكن بفعل الحاجات الزمنية جرت هناك الكثير من التغييرات في احكام النص. والعملية على هذا الشكل ليست مبررة الا على نحو اعتبار النص كمادة لغوية ليس بمقدوره ان يفي بسد حاجات الواقع العام، مما يقتضي عدم تجريده عن طبيعة الواقع الخاص الذي كان يلابسه، ومن ثم الافادة منه والتعامل معه تعاملاً قائماً على الاسترشاد باستيحاء القصد والعبرة.
مبدئياً سبق ان عرفنا بأن هناك العديد من العلماء من أجاز تغيير احكام النص ونسخها بالاجتهاد، فمنهم من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس، وبعضهم وافق على نسخ أخبار الآحاد فقط. كما ان منهم من جوّز نسخ احكام النص بالقياس الجلي لا الخفي، وبعضهم جوّز النسخ بكلا النوعين من القياس؛ بتعليل مرده الى قياس النسخ بالتخصيص، فما جاز التخصيص به جاز النسخ به بلا فرق. بل اكثر من هذا ما ذهب اليه جماعة من ان لولي الامر او الامام حق ممارسة نسخ ما يراه مناسباً من الاحكام.
وعلى الصعيد العملي نلاحظ أن الفقهاء، خاصة القائلين بالمصالح والاستحسان، قد مارسوا نوعين من الاجتهاد وتغيير الاحكام في قبال ما هو متوفر لديهم من المنصوص. أحدهما لا يخرج عن حدود تقييد النص وتخصيصه دون ان يلغي امتثاله كلياً. أما الآخر فهو معني بهذا الالغاء إما على نحو تام، او على نحو عالق بحسب ما يفترض له من علة. ونحن هنا لسنا بصدد تسطير ما قام به الفقهاء من مخالفة احكام النص لترجيح القياس والاجتهاد عليها، كالذي أشار اليه ابن القيم ودلل عليه بشواهد غزيرة جداً في كتابه (اعلام الموقعين)، ومن ذلك ما نصّ عليه من حالات كثيرة من القياسات غير المنضبطة بالضابط الشرعي، وانما جاءت متناقضة ومخالفة لنصوص الاسلام ومبادئه، وبلغت الصفحات التي سوّدها هذا الفقيه لبيان هذه القياسات غير المنضبطة ما يقارب الأربعين صفحة ( 4 5). وكذا ما ذكر من أمثلة لاجتهادات فقهية كثيرة العدد تقارب الستين شاهداً؛ تعدل عما جاء من نصوص شرعية وتردها ( 5 5). نعم لسنا بهذا الصدد، انما يهمنا ما يتعلق بدور الواقع في تغيير الاحكام، ومنها احكام النص، كما هو مورد بحثنا الآن.
أــ الواقع وتخصيص الحكم
بحدود تغيير احكام النص بالتقييد والتخصيص؛ يلاحظ ان الفقهاء وإن حافظوا على الاجمال في امتثال مثل هذه الاحكام، لكن ذلك لا يعفي كونهم قد مارسوا التغيير في شطر منه لا ينبئ به الجانب اللغوي للنص ولا تفرضه الضرورة العقلية او الحسية التي هي بمثابة المنصوص ( 6 5). فالفقهاء لم يكتفوا أن يكون تقييد النص وتخصيصه قائماً على أساس القرائن اللفظية والحالية، ولا على أساس الاجماع والسيرة فحسب، بل اضافوا الى كل ذلك مصالح الواقع وحاجاته. وهم لا يعدون هذه الممارسة عبارة عن تعطيل للنص او نسخ لحكمه بالكامل، بل يرونها عملية توفيق اضطرهم اليها ضغط الحاجة. وغالباً ما فسروا الامر اعتماداً على مبدأ العرف. لكنهم مع ذلك تحفظوا من الأخذ بهذا الأمر الا ضمن شروط مقبولة كالاتي: 1ــ ان يكون العرف مطرداً او غالباً.
2ــ ان يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائماً عند انشائها. فالعرف الحادث لا عبرة له بالنسبة الى الماضي ولا يحكم فيه، لذا قالوا ((لا عبرة بالعرف الطارئ)). ومن هنا ان النصوص التشريعية يجب ان تفهم بحسب مدلولاتها اللغوية والعرفية في عصر صدور النص لأنها هي مراد الشارع ولا عبرة لتبدل مفاهيم الالفاظ في الاعراف المتأخرة.
3 ــ ان لا يعارض العرف تصريح بخلافه، من قبيل العقود التي نهى عنها الاسلام مثل بيع الملامسة والمنابذة وغيرها، ومن قبيل الغزو واستباحة الحقوق به، ونكاح الشغار واثبات ولد الزنا ( 7 5).. ذلك لأن العرف له دلالة ليست صريحة، والقاعدة الفقهية تقول: ((لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح)). فتلك الشريطة تعتبر قيداً اساسياً في قاعدة بيان عرف المعاملات القائلة: ((المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً))..
4 ــ ان لا يكون في العرف تعطيل لنص ثابت او لأصل قطعي في الشريعة. ذلك لأن نص الشارع مقدم على العرف. لكن لو كان العرف مما يمكن تنزيل النص الشرعي عليه او التوفيق بينهما فالعرف عندئذ معتبر وله سلطان محترم ( 8 5). كذلك ان ((العرف الطارئ اذا كان له مستند شرعي من نص او اجماع او ضرورة ملجئة يعتبر ولو خالف النص الخاص، والا فلا)) كما ذهب الى ذلك ابو سنة في رسالته (العرف والعادة في رأي الفقهاء) ( 9 5).
بمثل الشروط السابقة تمسك الفقهاء بحجية العرف في تخصيصه لحكم النص. فالقاعدة عند الحنفية هو ان العرف العام بنوعيه القولي والعملي يقوى على تخصيص النص، أما العرف الخاص فالراجح لديهم انه لا يقوى على ذلك. فمثلاً ورد عن النبي حديثان أحدهما ينهى عن بيع المعدوم، والآخر ينهى عن بيع الغرر - المخاطرة -، وقد قام فقهاء المذهب الحنفي بتخصيص هذين الحديثين وجوزوا بيع المواسم الثمرية للكروم وسائر الاشجار ذات الثمار المتلاحقة، متى ظهر بعض هذه الثمار وبدا صلاحها؛ تبعاً لمصلحة حاجة الناس الى مثل هذا البيع، إذ أشجار هذا النوع لا تؤتي ثمارها دفعة واحدة، بل كلما قُطفت خلّفت، أي أن فيها بيع المعدوم، كما أن فيها بيع الغرر، حيث أن كميتها احتمالية لا يمكن تحديدها وقت البيع. وقد قال الحنفية ان هذا تخصيص للنص بالعرف وليس تركاً للنص كلية ( 0 6). لكن يظل انه سواء عند الحنفية ام المالكية ان العرف أصل مستقل يخصص العام منه النص العام، ويقيد المطلق، ويقدم على القياس.
بل ان بعض العلماء يرى ان العرف الخاص القائم يخصص النص العام. فمثلاً ما جاء عن الامام مالك انه اذا كانت المرأة ذات حسب فانه لا يلزمها ارضاع ولدها، بل يحق لها استئجار مرضعة له طبقاً للمصلحة العرفية. اذ اعتبر ان كل أُم يلزمها رضاع ولدها طبقاً لما نصّ عليه القرآن الكريم، لكنه دون بقية الفقهاء استثنى من ذلك ذوات الحسب كتخصيص لعموم قوله تعالى: ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) تبعاً للمصلحة. وقد علّق على ذلك ابن العربي بقوله: ((هذا فن لم يتفطن له مالكي، وقد حققناه في اصول الفقه. والاصل البديع فيه هو أن هذا أمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب، وجاء الاسلام عليه فلم يغيره، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفع الرضاع الى المراضع الى زمانه، فقال به)) ( 1 6).
على ان قبول الفقهاء لمبدأ العرف العام في تخصيصه للنص وتقييده؛ يجعلهم يفهمون النص فهماً لا يتقيد بحرفية المنصوص كلياً، أي انهم بذلك أعطوا بعض الدور لتأثير الاحوال العامة في فهم النص. وقد يقال ان ذلك فيه مخاطرة المجانبة عما يريده الخطاب، وبالتالي فان فيه تغييراً لحكم النص وتحويله مما هو عام ومطلق الى صورة يستثنى منه بعض ما يعارضه العرف العام. وهو من هذه الناحية لا يختلف عن مخاطرة تخصيص النص بالعرف الحادث، واعتبار المنصوص انما كان يريد ما عليه واقع الظروف القائمة آنذاك، وليس الواقع العام باطلاق.. فكيف جاز قبول الصنف الاول دون الثاني مع انهما معاً واقعان بنوع من المخاطرة في عدم أخذهما بعموم النص واطلاقه؟
فلو قيل - مثلاً - كتمييز بين الحالين ان الاول انما يخصص النص العام لوجود مصلحة او حاجة في العرف العام لا تتسق مع العموم في النص.. فلو قيل ذلك لكان يمكن ان يقال نفس الشيء بالنسبة الى تخصيص النص بالعرف الحادث من غير فرق.
وكذا لو قيل ان ذلك يرتهن بعلاقة النص بالعادة الجارية؛ لكان يمكن ان يجاب ايضاً بأن تغير العادة يبعث على تغير ما يتوقف عليها من حكم. لهذا رغم ان هناك من أخذ يعترض على ابي يوسف كيف انه قام بمخالفة بعض النصوص بالعرف الحادث؛ الا ان في القبال وجد من المتأخرين من أخذ يدافع عنه تعويلاً على ربط النص بالعادة.
بل هناك الكثير من القضايا التي تقبلها الفقهاء مع ان فيها تخصيصاً وتغييراً بالعرف الحادث او بغيره مما فرضته الحاجات الزمنية. وهو أمر يدعو الى طرح القضية لا على مستوى التخصيص فحسب، وانما كذلك على نحو فهم الحكم الكلي برمته إن وجد له مطرح من الفهم يتسق مع ما كان عليه الواقع عند صدور النص.
فهذا لا يختلف عما قام به الفقهاء من تخصيص النص وتقييده سواء بالعرف او بغيره. ففي جميع الاحوال ان الفهم يتسق مع ما عليه الواقع ولو خالف بذلك ظاهر النص، سواء كانت هذه المخالفة مفضية الى التخصيص، او انها تفضي الى ربط النص بالواقع الخاص او القائم مثلما فعل ذلك ابو يوسف وغيره كما سنرى. فكلا الفهمين يبتنيان ولو بدرجات على الأخذ بروح التشريع وليس الوقوف عند الحرفية اللفظية الصرفة من النصوص. لذلك ان الاتجاه الذي يخصص بالعرف وغيره يجد رفضاً من قبل التيار الآخر الذي يقتصر على الحرفية المنصوصة كاملة. وقد سبق للشاطبي ان أشار الى مثل هذين الاتجاهين في تعاملهما مع قضايا فهم النص على ما سنعرف.
على ان بعض الفقهاء لم يقتصر في التخصيص على العرف العام ولا القائم ولا مجرد العرف كمبدأ، اذ أورد ابن العربي واعتمد عليه الشاطبي من ان ابا حنيفة ومالكاً يريان تخصيص عموم النص بأي دليل كان؛ من ظاهر او معنى، ويستحسن مالك ان يخص بالمصلحة ( 2 6).
فمثلاً أفتى ابو حنيفة ومالك بجواز دفع الزكاة للهاشمي مع ورود الحديث بالمنع. اذ لما تغيرت الاحوال واختل نظام بيت المال وضاع حق الهاشميين منه افتيا بذلك، دفعاً للضرر عن هذه الطائفة، وحفظاً لها من الفقر ومذلة الحاجة ( 3 6).
كذلك ان الفقهاء سلموا باطلاق قاعدة (لا يقتل الوالد بولده)، وذلك طبقاً لما جاء في الحديث النبوي: ((لا يقتل الوالد بالولد)). وهو الذي أخرجه الترمذي عن ابن عمر عن النبي (ص)، وقال فيه ابن عبد البر: ((هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، وهو عمل أهل المدينة، ومروي عن عمر)) ( 4 6). وسواء اعتبرنا الفقهاء عملوا بتلك القاعدة استناداً الى الحديث الآنف الذكر، او استناداً الى ما قضى به عمر بن الخطاب بالدية مغلّظة في قتل الوالد لابنه، دون ان ينكر عليه أحد من الصحابة، وهو الذي استند اليه ابو بكر بن العربي، معتبراً الفقهاء هم الذين سجلوا المسألة بعنوان: لا يُقتل الوالد بولده، ولم يورد في ذلك نصاً عن النبي (ص) سوى حديث عدّه باطلاً، وهو: ((لا يقاد والد بولده)).. فسواء بهذا الاعتبار ام بذاك نرى مالكاً لا يأخذ باطلاق ما عليه القاعدة التي عليها عمل اهل المدينة، اذ قيدها بحالات القتل العارضة دون سواها. لذلك يرى انه يُقتل الوالد بابنه اذا تبين قصده الى قتله بأن أضجعه وذبحه، فإن رماه بالسلاح أدباً وحَنَقاً لم يُقتل به، ويُقتل الأجنبي بمثل هذا. كما قال: انه لو حذفه بسيف، وهذه حالة محتملة لقصد القتل وغيره، وشفقة الابوة شبهة منتصبة شاهدة بعدم القصد الى القتل، لذا فانه لا يُقتل، لكن لو اضجعه فانه يكون قد كشف عن قصده فيُقتل ( 5 6).
كذلك ان مذهبي مالك والشافعي لا يأخذان باطلاق النهي الوارد في احاديث سفر المرأة وحدها، حيث أجازا حج المرأة وحدها من غير محرم إن كانت في رفقة مأمونة. الأمر الذي فهما النهي المنصوص عن سفرها وحدها هو فقط عند اضطراب الأمن وخوف الفتنة ( 6 6).
كما حكى بن بشكوال انه اتفق لعبد الرحمن بن الحكم أن واقع زوجته في رمضان، فسأل الفقهاء عن توبته من ذلك وكفارته. فقال يحيى بن يحيى: يكفر ذلك صيام شهرين متتابعين. فلما برز ذلك من يحيى سكت سائر الفقهاء حتى خرجوا من عنده، فقالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهبنا عن مالك من انه مخير بين العتق والطعام والصيام؟ فقال لهم: لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه ان يطأ كل يوم ويعتق رقبة، ولكن حملته على اصعب الامور لئلا يعود. وقد علّق الشاطبي على هذا بقوله: ((إن صح هذا عن يحيى رحمه الله، وكان كلامه على ظاهره، كان مخالفاً للاجماع)) ( 7 6). كما انه خلاف الترتيب الوارد في النص.
كما ورد أن النبي سُئل عن الشهادة فقال للسائل: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: ((على مثلها فاشهد أو دع))، وبناءاً على هذا الظاهر قرر الفقهاء عدم قبول شهادة التسامع في اثبات الحقوق. لكن فقهاء الحنفية وجدوا أن هناك موضوعات تقتضي المصلحة فيها قبول شهادة التسامع، حيث يتعذر العيان المشروط، ومن ذلك فيما يتعلق باثبات النسب والوفاة والدخول بالزوجة، وأيضاً اثبات أصل الوقف ولو كان العقار في حوزة صاحب اليد، وذلك كي لا يجرأ انسان على غصب الاوقاف القديمة. كذلك أن فقهاء الحنفية قد قبلوا شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه إلا النساء، كالجرائم التي تقع في حماماتهن، وكشهادة القابلة على الولادة وتعيين الولد عند النزاع فيه، وبمقتضى مثل هذه المصالح خصصوا نصوص القرآن والسنة التي تشترط في الشهادة عنصر الذكورة كلاً أو بعضاً ( 8 6).
ومن الأمثلة الاخرى على تخصيص النص بالعرف والمصلحة هو ان الفقهاء منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق ومنع تحليف المدعى عليه لها اعتماداً على ما يصدقه العرف، مع ان الحديث النبوي يقرر ان ((البينة على من ادعى واليمين على من انكر)). وقد لاحظت فيه المالكية أنه قد يُستغل فيتجرأ السفهاء على الفضلاء ويجروهم الى المحاكم بدعاوى كاذبة موهومة أمام الناس، فيستغلوا كراهيتهم للحلف ليبتزوا أموالهم افتداءً من اليمين. لهذا فان الامام مالكاً لا يوجب تحليف المدعى عليه ما لم يكن بينه وبين المدعي خلطة؛ نظراً لتلك المصلحة ودرءاً للاستغلال الباطل ( 9 6).
ومن ذلك - كما يذكر ابن القيم - لو رأى انسان موتاً بشاة غيره او حيوانه المأكول فبادر بذبحه ليحفظ عليه ماليته كان محسناً ولا سبيل على محسن، ومن ضمّنه فقد سد باب الاحسان الى الغير في حفظ ماله، لذا فبه يُخصص النص العام بعدم التصرف في مال الغير الا بأذنه. ومثل ذلك امور كثيرة خُصصت اعتماداً على العرف: منها ما اذا استأجر أحد دابة جاز له ضربها اذا حرنت في السير وإن لم يستأذن مالكها. ومنها لو وقع الحريق في الدار او في جزء منها فبادر فهدمها على النار لئلا تسري؛ فانه لا يكون ضامناً اعتباراً بالعرف. وكذا لو رأى السيل فهدم عليه جزءاً من ملك غيره كي لا ينهدم الكل فانه يكون غير ضامن ما هدمه. ومنها ما هو متعارف عليه من ان الضيف يشرب من كوز صاحب البيت ويتكئ على وسادته ويقضي حاجته بحسب المتعارف عليه فكل ذلك لا يعد تصرفاً في ملك الغير بغير اذنه. ومنها أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد او تناول اليسير مما يسقط من مأكول وغيره ( 0 7).
لذلك يعقب ابن القيم بعد ذكره مثل تلك المسائل معتبراً ان أضعاف أضعاف هذه المسائل هي مما كان العمل فيها طبقاً لشاهد الحال والعرف والعادة وليس النطق الصريح، طالما ان الشريعة لا ترد حقاً ولا تكذب دليلاً ولا تبطل أمارة صحيحة ( 1 7)،
ومثل ذلك ما قام به العديد من العلماء في عدم التقيد بما جاء في النص من تحديد موارد الزكاة للثمار، حيث ورد في نص الحديث ((إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب)). فبعضهم اعتبر الزكاة جارية في الموارد الاخرى للثمار، بتعليل مفاده ان النص انما حدد تلك الاصناف الأربعة باعتبارها كانت شائعة ورئيسية آنذاك ( 2 7).
كذلك ان البعض أبدى مرونة ازاء الحدود، مثلما هو الحال مع ابن تيمية وابن القيم. فهذا الأخير يرى ان الحد يسقط عن التائب قبل القدرة على امساكه ( 3 7). وهو واستاذه يفتيان بجواز ايقاف التنفيذ لحد السرقة في بعض الحالات ( 4 7). كما ان بعض الفقهاء أباح الربا في استثمار مال اليتيم وطالب العلم المنقطع ( 5 7).
ب ــ الواقع وتغيير الحكم
على أن الفقهاء قد تعدوا حدود ذلك التخصيص لحكم النص، وأقاموا إجراء الادخالات الاضافية عليه تارة، ونسخه تارة أخرى، وذلك بتعليل مرده الى المقاصد الشرعية التي هي بمثابة الحاكم على الحكم ذاته مع وجود الحاجة وتغير الظروف والاحوال. والفارق الأساس ما بين هذا النوع وما قبله، هو ان هذا النوع فيه تغيير لحكم النص بكافة صوره وتطبيقاته، وذلك خلال فترة معينة او محل معين. في حين ان النوع السابق فيه تغيير لبعض صور الحكم على سبيل الاستثناء، وذلك طبقاً للمصلحة او الحاجة او العرف او غير ذلك.
ومن جانب اخر فان تغيير حكم النص تارة يكون طبقاً لعلة منصوصة او مفهومة من لفظ النص، واخرى بغير ذلك وهو الغالب. فمثلاً على الحالة الأُولى اعتبار الصمت في استئذان الفتاة البكر في النكاح، فان اساسه العرف القائم في ذلك الوقت طبقاً للنص الوارد في حديث عائشة المروي في الصحيحين، اذ جاء انها سألت النبي فقالت: ((يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: نعم. قلت: فان البكر تستأذن فتستحي، قال: إذنها صماتها)) ( 6 7). وواضح ان النص من حديث النبي (ص) ((واذنها صماتها)) قام على اعتبار العرف طبقاً لسياق الحديث. وحكم النص يؤكد على كفاية سكوت البكر عند استيذان وليها لها في تزويجها من رجل معين وبمهر محدد واعتبار ذلك إذناً منها وتوكيلاً، وقد اتفقت آراء الفقهاء على ان هذا الحكم مبني على ما هو معروف فيها من الخجل عن اظهار رغبتها في الزواج عند استئذان وليها لها. لكن اليوم تغير العرف في كثير من البلدان واصبح لا يكفي فيه صمت الفتاة البكر اذ انها بلغت من الجرأة حداً تعرب فيه عن رأيها لفظاً فيعتبر اذنها كاذن الثيب، يؤخذ بالعرف لأن أساس النص قام على اعتبار العرف وقد تغير فيتغير بتغيره ( 7 7).
والمثال كما هو واضح دال على تغيير حكم النص كلياً استناداً الى ما هو مفهوم من لفظ النص لا من خارجه. لكن هناك امثلة كثيرة تشهد على تغيير الفقهاء لأحكام النص بدلالات هي ليست مأخوذة من النص ذاته، وانما من الواقع وما يفرضه من اعتبارات مختلفة.
ومن ذلك ما جاء عن النبي أنه نهى عن كتابة أحاديثه الشريفة وقال: ((من كتب عني غير القرآن فليمحه))، ومع انه ورد في القبال أحاديث اخرى لا تمانع من الكتابة والتدوين، الا ان الكثير من الصحابة والتابعين كانوا يتهيبون التدوين او الابقاء عليه ( 8 7)، وقد فهم الفقهاء من ذلك الكراهة تبعاً للنهي، واعتبروا ان التحفظ والكراهة استمرا حتى مطلع القرن الثاني، ثم بعد ذلك انصرف العلماء بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز او من جاء بعده من الخلفاء العباسيين الى تدوين السنة النبوية خشية من ضياعها، معللين سبب النهي يعود الى الخوف من ان تختلط الاحاديث بالقرآن. لكن لما عمّ القرآن وشاع حفظاً وكتابة لم يبق لهذا الخوف من معنى، وعليه أصبحت كتابة السنة واجبة لصيانتها من الضياع بعد أن كانت مكروهة ( 9 7).
ومن ذلك ما قاله الزبير بن البكار: قلت لعبد الملك بن الماجشون وقد رأيته يأكل الرطب بقصعه، كيف تفعل هذا، وقد نهى رسول الله (ص) عن تقصيع الرطب؟ فقال: إنما نهى رسول الله (ص) عن تقصيع الرطب حيث كان أكله يتشبع به، وقد جاء الله بالرخاء والخير، والمراد ها هنا بالتقصيع أكل الرطبة في لقمة، وذلك يكون مع الشبع، فاذا لم يكن غيرها فأكلها في لقم أثبت للشبع)) ( 0 8).
كما ان شرط القرشية في الخلافة الذي قيل فيه انه يحظى بالنص والاجماع قد أُسقط لدى العديد من العلماء بمبررات لها علاقة بفهم الواقع وما طرأ عليه من تحولات وتجددات ( 1 8). وسوف نعود لنفصل الحديث عن هذه القضية ضمن حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.
كذلك أُعتبرت الوصية للأقربين مستحبة لقوله تعالى: ((كُتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين حقاً على المتقين)) البقرة/ 0 8، وهذه الآية عُدّت منسوخة بالنسبة للوارثين بآية الميراث وهي قوله تعالى: ((يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)) النساء/ 1 1، وبقول النبي (ص): ((ألا ان الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث))، وقد جرى عرف الناس على ان يقوم الورثة باعطاء ابناء أخيهم المتوفي من الميراث، وان يوصي الجد لأولاد ابنه المتوفي رأفة بهم ورحمة. لكن تغير الاوضاع، وانتشار عرف الناس على حرمان أحفاد الجد، وعدم اعطائهم له، جعل بعض الفقهاء يقول بالوصية الواجبة في جعل الأحفاد يأخذون من ميراث جدهم مع وجود اعمامهم اذا مات أبوهم قبل وفاة جدهم او جدتهم، لمعالجة حرمان الأحفاد من ميراث جدهم او جدتهم ولانصافهم ورفع الحيف عنهم. وتغيير هذا الحكم إنما جاء بناء على تغير العرف ( 2 8).
ومن ذلك ايضاً ان بعض الفقهاء لم يكتفِ بظاهر العدالة في الشهادة لفشو الكذب وانتشار الجرأة على شهادة الزور، مع ان النص العام بعدالة المسلمين كان يقتضي الاكتفاء بظاهر العدالة مثلما هو الحال في زمن رسول الله (ص) وصحابته. فمن ذلك ان الامام ابا حنيفة اكتفى في عدالة الشهود بالعدالة الظاهرة لمستور الحال فيما عدا الحدود والقصاص دون حاجة لتزكيتهم؛ استشهاداً بقول الرسول: ((المسلمون عدول بعضهم على بعض)). لكن لما غلب الفساد على الناس وفشا الكذب وتجرأ الناس على شهادة الزور؛ فإن الامامين ابا يوسف ومحمد قالا بضرورة تزكية جميع الشهود دون ان يكتفيا بالعدالة الظاهرة ( 3 8).
كما أن الشهود الذي يُقضى بشهادتهم في الحوادث يجب أن يكونوا عدولاً كشرط اشترطه القرآن الكريم وأيدته السنة الشريفة وأجمع عليه الفقهاء. لكن ندرة العدالة الكاملة في الأزمان المتأخرة لضعف التدين وقلة الورع؛ جعل المتأخرين من الفقهاء يقبلون شهادة الأمثل فالأمثل من القوم وإن لم يتوفر صاحب العدالة الكاملة، وذلك حفظاً على الحقوق من الضياع فيما لو امتنع الاثبات لغياب تلك العدالة ( 4 8).
وعلى هذه الشاكلة نذكر ما قاله ابو عمران: سألت عن مسألة ما سألت عنها منذ قرأت، اذ قال بعض المصامدة: يجري عندهم في رجل يقتل رجلاً فلا يصل الحد الى القصاص؛ هل يُجبر على الدية، مخافة إنْ طُلب القصاص قامت الفتنة بينهم فيُقتل خلق كثير، فأفتى الشيخ الحاكم الذي سُئل عن هذا بأن يحكم بالدية مخافة ان تنزل الفتنة فتئول الى هلاك بعضهم. قال الشيخ وهذا اكثر المقدور عليه ( 5 8).
كذلك ان الفقهاء رغم انهم لم يتقبلوا الأخذ بالعرف المخالف للنص كلياً؛ لكن بعضهم استثنى من ذلك فيما لو كان النص حين نزوله وصدوره عن المشرع مبنياً على عرف قائم ومعللاً به، ففي هذه الحالة يكون النص عرفياً يدور مدار العرف ويتبدل تبعه. فمثلاً ان النص في تحريم الربا في الاجناس المتساوية نصّ على الوزن بالنسبة للذهب والفضة وترك الامر عاماً بالنسبة لغيرهما، ففي النص على الوزن جاء قول النبي (ص): ((الذهب بالذهب وزناً بوزن مثْلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثْلاً بمثل فمن زاد او استزاد فهو ربا)) ( 6 8)، في حين ان النص في غيرهما جاء عاماً، كقول النبي (ص): ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثْلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فاذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يداً بيد)) ( 7 8). ورغم ان النص حدد صراحة ان تكون المثلية في الذهب والفضة بحسب الوزن لا الكيل، الا ان البعض علل ذلك طبقاً للعرف القائم في عصر النص. أي ان نوع المثلية يُحدد بحسب ما عليه العرف، فما كان وزنياً كالذهب والفضة اعتبر فيه الوزن، وما كان كيلياً كالحنطة والشعير والملح والتمر اعتبر فيه الكيل كما هو المتعارف عليه في ذلك العصر. والملاحظ ان الحديث نصّ على التساوي الوزني في الذهب والفضة بالخصوص، أما ما عداهما من المواد الاربعة الاخرى فقد كان العرف القائم يتعامل بها بحسب الكيل، غير ان العرف تبدل في هذه الأزمان فاصبحت الحنطة والتمر والشعير والملح توزن وزناً ولا تكال كيلاً، فأي العرفين يعتبر هنا؟ لقد ذهب الحنفية الى عدم اعتبار العرف الحادث طبقاً للنص المخالف الآنف الذكر، وذهب معهم جمهور المجتهدين، لكن ابا يوسف عوّل على حجية مثل هذا العرف، وانه يتبدل المقياس بحسبه كما في الاموال الربوية التي لم يرد نص خاص بشأن مقياسها. وهنا يقول ابن عابدين في الرد على من يزعم ان ابا يوسف خالف النص في اتباع العرف: ((حاشا لله ان يكون مراد ابي يوسف ذلك، وانما اراد تعليل النص بالعادة، بمعنى انه اذا نصّ على البر والشعير والتمر بأنها مكيلة وعلى الذهب والفضة بأنهما موزونة لكونهما كانا في ذلك الوقت كذلك، فالنص في ذلك الوقت انما كان للعادة.. فليس في اتباع العادة المتغيرة الحادثة مخالفة للنص بل فيه اتباع للنص)) ( 8 8).
هكذا نرى ان العرف الحادث لدى ابي يوسف يعمل على تغيير حكم النص كما في حديث الذهب والفضة الموزونين، الامر الذي لم يتفق معه أغلب الفقهاء. ومن ذلك ما قاله شارح (سبل السلام): ((احتجت الحنفية بهذا الحديث على ان ما كان في زمنه (ص) مكيلاً لا يصح ان يباع بالوزن متساوياً بل لا بد من اعتبار كيله وتساويه كيلاً وكذلك الوزن)). وقال ابن عبد البر ((انهم اجمعوا على ان ما كان أصله الوزن لا يصح ان يباع بالكيل بخلاف ما كان أصله الكيل فان بعضهم يجيز فيه الوزن.. ان المماثلة تدرك بالوزن في كل شيء)). لكن في قبالهم ذهب آخرون الى ان الكيل والوزن يحدد بحسب عادة البلد ولو خالف ما عليه العرف القائم، فان اختلفت العادة اعتبر بالاغلب، فان استوى الأمر ان كان له حكم المكيل إذاً بيع بالكيل، وإن بيع بالوزن كان له حكم الموزون ( 9 8).
كذلك جاء في باب الوقف من كتاب ملحقات العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي أن ظاهر اجماع الامامية على ان الوقف لا يتم الا مع الصيغة اللفظية الدالة عليه صراحة، لأن لفظ: (وقفت وتصدقت) ورد في حديث أهل البيت، ومع اعتراف اليزدي بصحة النص وثبوت الاجماع فقد أفتى بعدم وجوب الصيغة، وكفاية المعاطاة بالوقف، استناداً الى ما جرت عليه سيرة الناس وعاداتهم من ان يبنوا المسجد للصلاة، ويغرسوا الأشجار للانتفاع العام، ويتركوا أرضهم للدفن من غير إجراء صيغة، ويكون ذلك وقفاً عندهم ( 0 9).
والملاحظ ان ما حصل من تغييرات في بعض الاحكام لا يتوقع انها يمكن ان تعود الى ما عليه في السابق. فهي بالتالي معدودة بحكم المنسوخة او الملغاة؛ استناداً الى ما تجدد من واقع وظروف لا تتسق مع ما عليه الأحكام السابقة. فهذا هو النسخ الخاص بنمط تعارض الواقع مع حكم النص.
الهوامش
( 1) الاعتصام، ج 2 ص 9 3 1.
( 2) الموافقات، ج 2، ص 4 8 2.
( 3) السيوطي: الاشباه والنظائر، ص 2 0 1ــ 5 0 1. ونشر العرف، ص 2 3 1. واحكام القرآن لابن العربي، ج 3، ص 7 4 1 1ــ 8 4 1 1.
( 4) احكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 3 1.
( 5) الفروق، ج 1، ص 4 4ــ 5 4. كما قال صاحب (تهذيب الفروق) وهو بصدد ذات الموضوع من ألفاظ الطلاق: ((إن اجراء الفقهاء المفتين للمسطورات في كتب ائمتهم على أهل الامصار في سائر الاعصار إن كانوا فعلوا ذلك مع وجود عرف وقتي؛ ففعلهم خطأ على خلاف الاجماع، وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا اهلاً لها ولا عالمين بمداركها وشروطها واختلاف احوالها، وإن كانوا فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ، وسبب اختلاف الصحابة (رض) في هذه الالفاظ ومن بعدهم من العلماء هو اختلافهم في تحقيق وقوع النقل العرفي هل وجد فيتبع ام لم يوجد فيتبع موجب اللغة)) (تهذيب الفروق، ج 1، ص 4 4).
( 6) نشر العرف، ص 3 3 1.
( 7) الموافقات، ج 2، ص 4 8 2.
( 8) الموافقات، ج 2، ص 6 8 2.
( 9) احكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 7 0 5. واعلام الموقعين، ج 1، ص 3 1 1.
( 0 1) الموافقات، ج 2، ص 5 8 2 وهامشها.
( 1 1) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 1، ص 8 4 1ــ 9 4 1. امين، احمد: الاجتهاد في نظر الاسلام، مجلة رسالة الاسلام، ج 3/عدد 2، ص 9 4 1.
( 2 1) رسالة نشر العرف، ص 6 2 1.
( 3 1) نشر العرف، ص 5 1 1 و 1 4 1. ومصادر الحق، ج 6، ص 3 4 وما بعدها.
( 4 1) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 9 2، ص 1 4. علماً بأن بعض الفقهاء استخدم اصطلاح النسخ في اقوال المجتهد حينما تتعارض تعارضاً تاماً، حيث يعد القول الأخير ناسخاً لما قبله (انظر: الحراني، احمد بن حمدان الحنبلي: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص 7 0 1).
( 5 1) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد،ج 2، ص 9 0 9. ومدكور، محمد سلام: مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 8 4 2.
( 6 1) الإعتصام، ج 2، ص 3 3 3. والفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 0 1 9. علماً انه سبق ان عرفنا بأن عمر بن الخطاب هو أول من أباح للمرأة ان تتزوج بعد أربع سنين من فقد زوجها.
( 7 1) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 0 1 9.
( 8 1) لكن ناقش فيه الشيخ قاضيخان ولم يقبله، وأيده عليه الشيخ ابو زهرة. فعلى رأي قاضيخان ان المهر ثابت بمقتضى العقد، والعرف لا يمكن ان يكون حجة لإبطال امر ثابت لا مجال للشك في ثبوته، وفي منع سماع الدعوى لجريان العرف إبطال لذلك الامر الثابت، ولأن اقصى ما يدل عليه العرف في هذا المقام ان يجعل الظاهر يشهد للزوج، وكون الظاهر يشهد له يصلح لدفع المطالبة عنه مع يمينه، ان لم تكن بينة، ولا يصلح لإبطال حقها بعدم سماع الدعوى من كل الوجوه وعدم توجيه اليمين (الاحوال الشخصية، ص 9 1 2).
( 9 1) الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 1 1 9.
( 0 2) نظرية العرف، ص 3 7.
( 1 2) نظرية العرف، ص 5 7.
( 1 2) نظرية العرف، ص 5 7.
( 2 2) نشر العرف، ص 7 2 1. والموافقات، ج 4 ص 8 5 1. والاعتصام، ج 2 ص 7 2 3،
( 3 2) انظر لأبي يوسف: اختلاف ابي حنيفة وابن ابي ليلى، ص 3 2. والخراج، ص 9 8. كذلك: نظرية العرف ص 3 7. المعلوم أن عقد الغرر يعتبر حراماً ما لم يرج منه فائدة عامة للناس بدونه تصبح المعاملة بينهم عسيرة. لهذا يحرم بيع الاجنة والطير في الهواء والسمك في الماء وما إلى ذلك، لكن يحكم بجواز بيع الجبة التي حشوها مغيب عن الابصار، وكراء الدار مشاهرة مع احتمال ان يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً، ودخول الحمام مع اختلاف عادة الناس في استعمال الماء وطول اللبث، وغير ذلك. (انظر: الموافقات للشاطبي، ج 4، ص 8 5 1. ايضاً: المبسوط، ج 2، ص 6 5 1ــ 8 5 1. والمسوى شرح الموطأ، ج 2، ص 9 2ــ 0 3).
( 4 2) المقصود بالاستصناع هو العقد الذي يطلب فيه من الصانع ان يقوم بتشكيل مادة لعمل شيء مخصوص، كالطلب من النجار ان يعمل طاولة او كرسياً لقاء مبلغ محدد متفق عليه سلفاً.
( 5 2) خلاف، عبد الوهاب: مصادر التشريع الاسلامي فيما لا نص فيه، ص 3 7. ونشر العرف، ص 7 2 1.
( 6 2) الكاساني: بدائع الصانع في ترتيب الشرائع، ج 5، ص 2ــ 3.
( 7 2) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 1 9 8 ـ 2 9 8.
( 8 2) الاعتصام، ج 2، ص 9 1 1.
( 9 2) علماً بأن الشافعي خالف ذلك، معتبراً ان مظنة الفرار لا عبرة فيها، فأحكام الشريعة عنده لا تناط بالنيات الخفية، وانما بالأسباب الظاهرة (ابو زهرة: الاحوال الشخصية، ص 0 2 3).
( 0 3) الاحوال الشخصية، ص 1 5 4.
( 1 3) اذ هناك عدد من الأحاديث تؤكد المنع من بيع الثمر حتى يبدو صلاحه (الاموال، ص 9 3. والمسوى شرح الموطأ،ج 2، ص 6 1ــ 7 1).
( 2 3) نظرية العرف، ص 2 7ــ 3 7. كذلك: المبسوط للسرخسي، ج 2 1، ص 6 9 1. والسنهوري: مصادر الحق في الفقه الاسلامي، ج 3، ص 6 1 وما بعدها.
( 3 3) الطرق الحكمية، ص 4 2. كذلك: نشر العرف، ص 6 2 1.
( 4 3) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 0 1 9.
( 5 3) نشر العرف، ص 6 2 1.
( 6 3) احكام القرآن لابن العربي، ج 2، ص 9 2 6.
( 7 3) الاعتصام، ج 2، ص 0 4 1.
( 8 3) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 3 2 9.
( 9 3) الاحوال الشخصية، ص 5 5 4ــ 6 5 4.
( 0 4) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 4 2 9.
( 1 4) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 5 2 9. ونظرية العرف، ص 7 8.
( 2 4) الاحوال الشخصية، ص 7 6 4.
( 3 4) يقول ابو القاسم الصفار في ترجيح رأي المتأخرين على المتقدمين: ((هذا كان في زمانهم، أما في زماننا فلا يملك الزوج ان يسافر بها، وان أوفى صداقها، لأنه في زمانهم كان الغالب في حالهم الصلاح، أما في زماننا فقد فسد الناس، والمرأة متى كانت بين عشيرتها فالزوج لا يمكنه ان يظلمها، ومتى نقلها الى بلدة اخرى ظلمها، ولا يمكن ان تستغيث عليه بأحد)) . وقال بعض المتأخرين: إن أوفاها المهر كله معجله ومؤجله، وكان مأموناً عليها له ان يسافر بها، كما قال الزيلعي: (( قال صاحب المنتقى ، وافتي انا بأنه يتمكن من نقلها، اذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأموناً عليها، ولا يمكن اذا اوفاها المعجل دون المؤجل، لأنها لا ترضى بالتأجييل اذا أخرجها الى بلاد الغربة)) (الاحوال الشخصية، ص 7 3 2. كذلك: نشر العرف، ص 6 2 1).
( 4 4) الحسني، عيسى: النوازل، ج 1، ص 1 0 1 وما بعدها.
( 5 4) الفقه على المذاهب الأربعة، ج 3، ص 4 2.
( 6 4) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 3 3، ص 0 8. والطرق الحكمية، ص 9 1ــ 0 2.
( 7 4) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص 2 5 1ــ 3 5 1. بخصوص وقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة هناك أربعة مذاهب كما يعددها ابن القيم كالاتي:
1ــ إنها تقع وهو قول الائمة الاربعة وجمهور التابعين وكثير من الصحابة.
2ــ انها لا تقع، بل ترد لأنها بدعة محرمة، وهذا المذهب حكاه ابن حزم ونسبه ابن حنبل الى ((الرافضة)).
3ــ انها تقع واحدة رجعية، وهذا ثابت عن ابن عباس ذكره ابو داود عنه. قال ابن حنبل: وهذا مذهب ابن اسحاق يقول: خالف السنة فيرد الى السنة، وهو قول طاووس وعكرمة وهو اختيار ابن تيمية (كما انه رأي المشهور من الامامية الاثني عشرية على ما فصّل الحديث عنه الشيخ النجفي في: جواهر الكلام، ج 1 1، ص 7 0 3 وما بعدها).
4ــ انه يفرق بين المدخول بها وغيرها، فتقع الثلاث بالمدخول بها، ويقع بغيرها واحدة (زاد المعاد، ج 5، ص 7 4 2ــ 8 4 2).
( 8 4) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2 ص 1 3 9ــ 2 3 9.
( 9 4) يذكر علماء القانون ان تاريخ ظهور عقد التأمين في بلاد اوروبا يرجع الى اوائل القرن الرابع عشر الميلادي. أما عند المسلمين فليس هناك بحث فيه سوى لابن عابدين في القرن الثالث عشر الهجري، حيث كان الاتصال التجاري بين الشرق والغرب قوياً إبان النهضة الصناعية في اوروبا، وفي ذلك الوقت حرمه ابن عابدين الا في حالات خاصة (الزرقاء: عقد التأمين، ص 4 و 3 1ــ 7 1).
( 0 5) نظرية العرف ص 3 9ــ 4 9.
( 1 5) المقصود ببيع الوفاء بأنه عبارة عن بيع البائع للمشتري شيئاً ما على ان يقوم هذا الأخير برد الشيء بيعاً الى الأول عند استحضار الثمن. لذلك سمي ببيع الوفاء لأن فيه عهداً من المشتري باسترداد المبيع عند احضار الثمن (علم اصول الفقه لخلاف، ص 2 0 2).
( 2 5) علم اصول الفقه، ص 0 1 2.
( 3 5) نظرية العرف، ص 3 9ــ 4 9.
( 4 5) اعلام الموقعين، ج 1، ص 0 7 2ــ 9 0 3.
( 5 5) اعلام الموقعين، ج 2، ص 5 0 3ــ 7 2 4.
( 6 5) لهذا نجد الاصوليين من الامامية يقبلون التخصيص اللبي او العقلي عندما يكون المخصص قطعياً. فمثلاً اذا قال المولى: ((أكرم جيراني))، وقطع المكلف بأنه لا يريد إكرام من كان عدواً له منهم، فان هذا المخصص يؤخذ به لمن قطع به من غير شك (كفاية الاصول، ص 9 5 2. كذلك: فرائد الاصول، ج 2، ص 5 9 7).
( 7 5) يقول ابن عابدين بهذا الصدد: ((اذا خالف العرف الدليل الشرعي، فان خالفه من كل وجه بأن لزم منه ترك النص فلا شك في رده، كتعارف الناس كثيراً من المحرمات من الربا وشرب الخمر ولبس الحرير والذهب وغير ذلك مما ورد تحريمه عاماً، وإن لم يخالفه من كل وجه بأن ورد الدليل عاماً والعرف خالفه في بعض افراده، او كان الدليل قياساً، فان العرف معتبر وإن كان عاماً، فان العرف العام يصلح مخصصاً كما مر عن (التحرير) ويترك به القياس كما صرحوا به في مسألة الاستصناع ودخول الحمام، والشرب من السقاء، وإن كان العرف خاصاً فإنه لا يعتبر.. لكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره)). نشر العرف، ص 6 1 1.
( 8 5) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 0 7 8ــ 6 7 8.
( 9 5) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 7 0 9.
( 0 6) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 2 9 8ــ 3 9 8. ومناهج الاجتهاد في الاسلام، ص 8 4 2 و 9 4 2. ونشر العرف، ص 9 3 1 و 1 4 1.
( 1 6) أحكام القرآن، ج 1، ص 6 0 2.
( 2 6) أحكام القرآن لابن العربي، ج 2، ص 5 5 7. والموافقات، ج 4، ص 9 0 2. والاعتصام، ج 2، ص 8 3 1.
( 3 6) المقاصد العامة للعالم، ص 2 8 1. واصول الفقه لعباس متولي حمادة، ص 6 1 2.
( 4 6) فقه السنة، ج 2، ص 4 4 4.
( 5 6) احكام القرآن لابن العربي، ج 1، ص 4 6ــ 5 6.
( 6 6) دستور الوحدة للغزالي، ص 5 9.
( 7 6) لكن الشاطبي ذكر حالات اخرى رآها متفقة مع المقصد الشرعي. ومن ذلك ما نقله عن ابن بشكوال الذي حكى ان الخليفة الحكم بن عبد الرحمن ارسل في الفقهاء وشاورهم فى مسألة نزلت به، فذكر لهم عن نفسه انه عمد الى احدى كرائمه - اي عقائل نسائه الحرائر - ووطئها فى رمضان، فافتوا بالاطعام، واسحاق بن ابراهيم ساكت. فقال له امير المؤمنين ما يقول الشيخ في فتوى اصحابه؟ فقال له: لا اقول بقولهم؛ واقول بالصيام. فقيل له: اليس مذهب مالك الاطعام؟ فقال لهم: تحفظون مذهب مالك، الا انكم تريدون مصانعة امير المؤمنين انما امر مالك بالاطعام لمن له مال، وامير المؤمنين لا مال له، انما هو مال بيت المسلمين. فأخذ الخليفة بقوله وشكره عليه. وقد اعتبر الشاطبي هذا الحكم صحيحاً.
كما نقل عن الغزالي انه حكى عن بعض اكابر العلماء بأنه دخل على بعض السلاطين فسأله عن الوقاع في نهار رمضان، فقال: عليك صيام شهرين متتابعين. فلما خرج راجعه بعض الفقهاء وقالوا له: القادر على اعتاق الرقبة كيف يعدل به الى الصوم والصوم وظيفة المعسرين، وهذا الملك يملك عبيداً غير محصورين؟ فقال لهم: لو قلت له عليك اعتاق رقبة لاستحقر ذلك واعتق عبيداً مراراً، فلا يزجره اعتاق الرقبة ويزجره صوم شهرين متتابعين. وقد اعتبر الشاطبي هذا المعنى مناسباً، لأن مقصود الشرع من الكفارة هو الزجر، والملك لا يزجره الإعتاق ويزجره الصيام.
وكذا نقل ما قاله يحيى بن بكير من انه حنث الرشيد في يمين فجمع العلماء فاجمعوا ان عليه عتق رقبة. فسأل مالكاً، فقال: صيام ثلاثة ايام. واتبعه على ذلك اسحاق بن ابراهيم من فقهاء قرطبة (انظر: الاعتصام، ج 2، ص 3 1 1ــ 4 1 1).
( 8 6) الطرق الحكمية، ص 1 8 1 وما بعدها. والفواكه العديدة، ص 2 8 1ــ 3 8 1. والفقه الاسلامي في ثوبه الجديد ،ج 1، ص 7 3 1 و 9 3 1ــ 1 4 1.
( 9 6) الطرق الحكمية، ص 4 2ــ 5 2. ونشر العرف، ص 6 2 1ــ 7 2 1. والفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 1، ص 7 3 1.
( 0 7) الطرق الحكمية، ص 2 2ــ 7 2. واعلام الموقعين، ج 2، ص 2 1 4ــ 3 4 2. والفواكه العديدة، ص 1 6 3ــ 2 6 3. ونشر العرف، ص 6 2 1ــ 8 2 1. ومصادر التشريع لخلاف، ص 4 7.
( 1 7) الطرق الحكمية، ص 7 2ــ 8 2. ونشر العرف، ص 8 2 1.
( 2 7) احكام القرآن، ج 2، ص 8 5 7ــ 9 5 7. كما انظر: وسائل الشيعة، ج 9، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة في تسعة أشياء، حديث 3، ص 4 5.
( 3 7) اعلام الموقعين، ج 3، ص 8.
( 4 7) الغزالي، محمد: تطبيق الشريعة حل لأزمة الاستعمار التشريعي في بلادنا، مجلة منبر الحوار، العدد 3 1، ص 5 1.
( 5 7) تفسير المنار، ج 3، ص 7 0 1.
( 6 7) اعلام الموقعين، ج 1، ص 1 1 3. كما جاء في صحيح مسلم في رواية اخرى عن ابن عباس ان النبي (ص) قال: ((الأيّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)) (نفس المصدر والصفحة).
( 7 7) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 7 8 8. ونظرية العرف ص 0 6ــ 1 6.
( 8 7) من الأحاديث التي حثت على تدوين الحديث ما جاء عن أنس بن مالك قوله: قال رسول الله ((قيدوا العلم بالكتاب)). وعن ابي هريرة ان رجلاً قال يا رسول الله: اني لا احفظ شيئاً. قال: استعن بيمينك على حفظك، يعني الكتاب. وعن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله إنا نسمع منك اشياء فنكتبها. قال: اكتبوا ولا حرج. وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جدّه قال: قلت يا رسول الله: اكتب ما اسمعه منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضى والغضب؟ قال: نعم فاني لا اقول في ذلك الا حقاً.
لكن جاء في قبال هذه الأحاديث أحاديث اخرى تنهى عن الكتابة والتدوين. ومن ذلك ما جاء عن ابي سعيد الخدري قوله: استأذنت رسول الله ان ياذن لي ان اكتب الحديث فابى ان ياذن لي. وعن زيد بن ثابت ان النبي نهى ان يكتب حديثه.
وجاء عن بعض العلماء قوله: هذا باب كبير وهو في كتاب التاريخ بتمامه والاختلاف فيه عن الصحابة والتابعين كثير. والذي يدل على ان الناسخ من هذا الحديث نهيه عن الكتابة، ذلك لأنه روي ان اهل مكة يكتبون واهل المدينة لا يكتبون، وافعال اهل المدينة تنسخ افعال اهل مكة. وقد جاء عن جابر قوله: كان اهل مكة يكتبون واهل المدينة لا يكتبون. وقد اتخذ الكتابة جماعة من الصحابة والتابعين، وأمروا بها، وكان منهم: علي بن ابي طالب والحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وابن عباس وابن مسعود وابو هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن محمد بن عقيل وابو جعفر وابان بن ابي عباس وجماعة اخرى. لكن كره الكتابة آخرون منهم: ابو سعيد الخدري وعمر بن الخطاب وجماعة اخرى (انظر: الناسخ والمنسوخ من الحديث لابن شاهين، ص 4 7 2ــ 6 7 2).
( 9 7) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 2، ص 0 3 9.
( 0 8) احكام القرآن، ج 2، ص 3 4 7.
( 1 8) انظر بهذا الصدد: الاحكام السلطانية، ص 6. وتاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 4 4 3ــ 6 4 3. وفرق الشيعة، ص 9ــ 0 1. والملل والنحل، ص 8 3 و 1 5 و 1 6.
( 2 8) نظرية العرف، ص 1 9.
( 3 8) نظرية العرف ص 2 9. ونشر العرف، ص 6 2 1.
( 4 8) الفقه الاسلامي في ثوبه الجديد، ج 1، ص 0 3 9.
( 5 8) النوازل، ج 1، ص 2 1 1ــ 3 1 1.
( 6 8) وجاء عن ابي سعيد الخدري ان النبي (ص) قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثْلاً بمثل وزناً بوزن فمن زاد او استزاد فقد أربى الآخذ والمُعطي)) (الناسخ والمنسوخ من الحديث، ص 9 3 2).
( 7 8) رويت على هذه الشاكلة العامة نصوص اخرى، منها ما جاء عن أبي سعيد الخدري ان النبي (ص) قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والرصاص بالرصاص، حتى قال والنحاس بالنحاس والحديد بالحديد والبر بالبر والشعير بالشعير، حتى قال والملح بالملح مثْلاً بمثل فمن زاد او استزاد فقد أربى)). وجاء عن غيره بأن النبي قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح فمن زاد او انقص فقد أربى)) (الناسخ والمنسوخ من الحديث، ص 8 3 2 و 9 3 2).
( 8 8) نشر العرف، ص 8 8 1ــ 9 1 1.
( 9 8) نظرية العرف، ص 6 6ــ 7 6.
( 0 9) مغنية، محمد جواد: الاجتهاد في نظر الاسلام، رسالة الاسلام، ج 4، ص 9 2.
هناك تعليق واحد:
بارك الله فيك اخي موضع رائع حقا في حقيقة فهم الدين اخوك فرحات
hp طابعات
إرسال تعليق