الفقه وطريقة النظر
يحيى محمد
يعد >النظر< من الإصطلاحات الشائعة الإستعمال عند المتكلمين، وهو يكسب أهمية خاصة لدى أهل الإعتزال، حتى أن القاضي عبد الجبار الهمداني خصص له كتاباً مستقلاً ضمن موسوعته الكلامية (المغني في أبواب التوحيد والعدل)، وعرفه بأنه عبارة عن التفكير في الأدلة على إختلافها( 1). كما أن هذا اللفظ إستخدمه بعض الأُصوليين والفقهاء، وهم يعنون به التفكير في الأدلة الفقهية لمن له حصيلة من العلم سواء كان مجتهداً أو غير مجتهد( 2).
أما بحسب ما نراه من وجود مرتبة وسطى بين الإجتهاد وبين التقليد؛ فقد آثرنا أن نطلق عليها نفس ذلك الإصطلاح؛ من حيث أنه عبارة عن تفكير المكلف في الأدلة. وهو بهذا المعنى لا يختلف عما أراد به المتكلمون والفقهاء، وإن كان يشترط فيه جنبة أُخرى مضافة، وهي الترجيح بين الأدلة والأخذ بأقواها.
هكذا نقصد بطريقة النظر هو أنها عبارة عن نظر المكلف في أدلة المجتهدين ومن ثم ترجيح بعضها على البعض الآخر، أو الإقتناع به وعدمه حسبما يمليه عليه الوجدان والإطمئنان. وبذلك تكون هذه الطريقة مختلفة عن كل من طرق الإجتهاد والتقليد والإتباع.
فمعنى الإجتهاد في الأساس عبارة عن النظر في النص وإستنباط الحكم الشرعي منه مباشرة وغير مباشرة كما في القياس من حيث أنه يعتمد على النص كأصل، وهو بذلك غير موجّه للنظر في أدلة المجتهدين إلا بالعرض ليفاد منها التنبيه على عملية الإستنباط التي تشكل العمود الفقري وحجر الزاوية من عملية الإجتهاد، بخلاف ما هو الحال في طريقة النظر من حيث أنها متوجهة بالذات إلى الترجيح والإقتناع في أدلة المجتهدين وليس من مهمتها القيام بعملية الإستنباط. رغم أن التداخل يمكن أن يحصل بينهما فيكون المجتهد في حقيقته ناظراً حين يكتفي بممارسة عملية الترجيح لبعض الأدلة المطروحة على البعض الآخر، بحيث لولا هذه الأدلة ما كان بإمكانه أن يتوصل إلى المطلوب، مما يعني أنه عاجز عن أن يستنبط الحكم الشرعي من مصادره وأُصوله المباشرة. كذلك يمكن للناظر أن يكون أحياناً مجتهداً وذلك فيما لو أن ترجيحه لبعض الأدلة لم يكن مجرد ترجيح، بل كان بإمكانه أن يستدل على المطلوب حتى مع عدم علمه بما هو مطروح من الأدلة الإجتهادية.
أما معنى التقليد فهو إتباع ما يفضي إليه قول المجتهد دون فحص دليله. وهو بهذا يختلف عن النظر الذي يشترط فيه فحص الدليل والنظر فيه. كذلك فإن معنى الإتباع هو الأخذ بالنص أو السيرة عند الوضوح من غير إجتهاد، مما يعني أنه يختلف عن النظر، حيث أن هذا الأخير معلق على وجود الإجتهاد الذي لا يكون إلا مع عدم الوضوح أو الصراحة في النص. لذلك أن الإتباع مقدم على الإجتهاد، فعند إمكان الإتباع يحرم الإجتهاد، وعند عدمه يجب هذا الأخير.
الإتجاه السني وطريقة النظر
لاحظنا في الإتجاه السني تبعاً لتقسيم طبقات الفقهاء أن هناك أطرافاً لا تعد من المقلدين ولا من المجتهدين، خاصة فيما أطلق عليهم بالمرجحين. لذلك فقد نُقل عن المتأخرين بأن طريقتهم تختلف عن المتقدمين في أخذ الأحكام، إذ كان المتقدمون أول ما ينظرون في الكتاب والسنة ليجدوا ضالتهم في تحديد الحكم الشرعي، في حين أن المتأخرين أول ما ينظرون في أقوال المجتهدين فإن وجدوا بينهم إختلافاً عولوا على أقرب الأقوال وأرجحها( 3).
لكن من الواضح أن المعني فيها هنا هم الفقهاء وليس العوام، ذلك أن هناك الكثير من الفقهاء من عوّل على التقليد رغم قدرته على التمييز والترجيح على ما سنرى. بل نجد الفقهاء يختلفون في وظيفة العالم غير المجتهد. فبعضهم يرى ان من الواجب عليه التقليد، في حين يرى بعض آخر انه لا يجب عليه ذلك، حيث له صلاحية أخذ الحكم من الدليل وان لم يكن مجتهداً( 4)، أي انه يمارس طريقة النظر في الادلة المطروحة.
ويلاحظ أن أصحاب المذاهب الأربعة كانوا أنفسهم يدعون إلى ما يناسب تلك الطريقة وينهون عن التقليد على ما سبق أن عرفنا. إذ جاء عن أبي حنيفة قوله: >علمنا هذا رأي لنا وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه فهو الصواب، ولا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه<( 5). وكان مالك يقول: >إنما أنا بشر أُخطئ وأُصيب، فإنظروا في رأيي فإن وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافقهما فاتركوه<( 6)، وقوله: ليس كل ما قال رجل قولاً وإن كان له فضل يُتبع عليه، لقوله عز وجل: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه))( 7). وكان الشافعي يقول: >لا تقلدوني في كل ما أقول، وإنظروا في ذلك فإنه دين<( 8). وقد عرف عن داود انه منع المكلف من التقليد مطلقاً، اذ يرى ان على الجميع الاجتهاد، فمن لم يستطع منهم يسأل غيره؛ على ان لا يقبل قوله من غير تقديم الدليل عليه من الكتاب أو السنة أو الاجماع، والا فعليه ان يسأل غيره من العلماء( 9)، وربما الى هذا المعنى ذهب ابن حنبل الذي منع التقليد على الناس كما علمنا.
وبحسب الظاهر أن أقوال أئمة المذاهب التي نقلناها أو على الأقل بعضها؛ دالة على أن المخاطب عندهم عموم المكلفين من دون تمييز بين العالم المختص وغيره. فكأن هذه الأقوال تريد أن تربي الناس على النظر في أدلة المجتهدين ولا تتقبل منهم التقليد.
النظر وعواقب سد باب الاجتهاد
ذكر ولي الله الدهلوي في كتابه (ازالة الخفاء) بأنه >حتى انقراض الدولة الاموية لم يكن احد يدعو نفسه حنفياً او شافعياً، وانما كانوا يستنبطون المسائل بالادلة الشرعية على طريقة ائمتهم واساتذتهم. ولما كان زمان الدولة العباسية اتخذ كل واحد من المسلمين نسبة معينة له. وبلغ من شدة تقليدهم انهم لم يكونوا يحكمون في امر بحجج القرآن والسنة ما لم يجدوا فيه نصاً من نصوص أكابر مذهبهم، وبذلك رسخت فيهم واستحكمت بينهم الاختلافات التي نشأت عن الاختلاف في تأويل القرآن والسنة بين علماء السلف. ثم لما انقضت الدولة العربية وقام مقامها الحكم التركي وانتشر الناس في شتى الممالك، اتخذ كلهم ما كان يذكره من تعاليم مذهبه الفقهي اصلاً ومرجعاً، فاصبح ما كان قبل ذلك في حكم المذهب المستنبط سنة مستقرة. وبقي مدار عملهم الان على ان يخرّجوا من المخرج ويفرّعوا من المفرع!<( 0 1).
إن أهم ما ترتب على عملية سد باب الاجتهاد وحصر العمل بالمذاهب الاربعة هو إلزام الناس ومنهم العلماء بعدم ممارسة النظر والترجيح خارج نطاق تلك المذاهب المعترف بها. بل طال الامر بمنع الناس من النظر والترجيح خارج حدود المذهب المتبع.
1 ـ الالزام في اطار المذاهب الاربعة
فمن حيث الالزام الاول منع دعاة التقليد الناس من الركون الى النصوص وعمل الصحابة وغيرهم من التابعين والفقهاء ممن هم خارج دائرة المذاهب الاربعة، حتى قال بعضهم: >لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الاربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الاربعة ضال مضل، وربما أدّاه ذلك الى الكفر، فان الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من اصول الكفر<( 1 1).
وقد تمسك نهاة النظر ودعاة الحصر والتقليد في المذاهب الاربعة ببعض المبررات نجملها بالشبهتين التاليتين:
1 ـ من ذلك ما ذكره إمام الحرمين الجويني من ان الائمة الاربعة قد سبروا ونظروا وبوبوا، في حين ان الصحابة لم >يعتنوا بتهذيب المسائل والاجتهاد وايضاح طرق النظر بخلاف من بعدهم<. وكذا ذكر الشيخ تقي الدين بن الصلاح من ان التقليد يتعين لهذه الائمة الاربعة دون غيرهم، وذلك >لأن مذاهبهم انتشرت وانبسطت حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها، فاذا اطلقوا حكماً في موضع وجد مكملاً في موضع آخر، وأما غيرهم فتنقل عنه الفتاوى مجردة، فلعل لها مكملاً او مقيداً او مخصصاً لو انضبط كلام قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة بخلاف هؤلاء الاربعة<( 2 1).
ويمكن الجواب على هذه الشبهة من وجهين، أحدهما ان المذاهب المنضبطة والمدونة ليست محصورة في الاربعة المذكورة. أما الثاني فهو ان الشبهة اذا كانت تصدق على العامي القاصر من حيث انه لا يصح له الالتزام بفتوى معينة لا يعلم سياقها وملابساتها الخاصة؛ فان الامر مع الناظر شيء يختلف، اذ قد لا يقنع بالدليل المقدم من قبل تلك المذاهب، وقد يرى أن ما ورد عن الصحابة او عن النص هو اقرب الى الاطمئنان في الحكم الشرعي. فكيف الحال اذا ما كان من الفقهاء المتمرسين وان لم يبلغ درجة ما كان عليه الائمة الاربعة؟!
2 ـ ان ممارسة النظر وترجيح الفتوى على ما قدّمه الائمة الاربعة سواء تمت من خلال النظر في النص او فتاوى الصحابة او غيرهم؛ انما تفضي الى الوقوع في الفتن، وكما صوّرها البعض بأنها تفتح >لسان الطعن والتشنيع في الائمة الكبار، خصوصاً في أعظم الائمة ابي حنيفة وغيره، ويقول يكفي كتاب الله وسنة رسوله (ص)، ولا يفهم ان تقليد هذا المذهب عين تقليد النصوص، قال تعالى: فاسئلوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون..<( 3 1). لذا ذُكر بأنه اذا كان هناك حديث يخالف ما ذهب اليه ابو حنيفة هل يجوز ان يقال انه لم يبلغه؟ فأجيب عن ذلك وقالوا: لا، لانه وجده غير صحيح او مؤولاً. واشتهر على هذا القول: كل آية او خبر يخالف قول أصحابنا يُحمل على النسخ او التأويل او الترجيح( 4 1).
وعليه فقد ردّ البعض دعوى طريقة الوهابية القائلة من انه في بعض المسائل اذا صح هناك نص جلي من كتاب او سنة غير منسوخ ولا مخصوص ولا معارض بأقوى منه فانه يعول عليه ولا يعول على مخالفه كان من كان. وقد اعتبر البعض هذه الطريقة مدعاة للطعن في الائمة الكبار وتجهيلهم، وهي تفتح باب اللامذهبية لدى العوام وتجرؤهم على الائمة الاعلام( 5 1).
لكن من الواضح اننا هنا أمام اعتبارات تجعل من الائمة الاربعة في رتبة تخرج عن حدود الاجتهاد وتضعهم في موضع العصمة والنص، أو أعلى منه درجة. أما ما قيل بخصوص شبهة الطعن فيكفي الرد على ذلك بأن تخطئتهم لا يعني الطعن فيهم، خاصة كونهم محمولين على محمل العدالة والايمان والتدين.
2ـ الالزام في اطار المذهب الواحد
أما فيما يتعلق بالالزام الثاني الخاص بالنهي عن النظر خارج حدود المذهب الواحد من المذاهب الاربعة؛ فان له هو الآخر بعض المبررات نجملها بالشبهتين كالآتي:
1 ـ انه لما كان على الناس الانضمام تحت راية كل من المذاهب الاربعة باعتبارها مدونة ومنضبطة، وحيث انه لا يجوز اتباع المسلم للمذهب المختار ما لم يعتقد انه على حق، لذا فقد كان عليه الوفاء بموجب اعتقاده هذا( 6 1).
وهذا يعني انه لا مجال للنظر، مع ان اتباع المسلم لأحد المذاهب لا يعني بالضرورة كونه صحيحاً من كل الوجوه. فقد يلتزم به باعتباره أصح من غيره على الاغلب لا انه صحيح في كافة الموارد. كما قد لا يلتزم الناظر بأي من المذاهب الاربعة، وانما يكفيه من ذلك ممارسة النظر بترجيح الادلة المقدمة بعضها على البعض الآخر دون الوقوف عند حد مذهب معين.
2ـ ان على المكلّف ان يجتهد في اختيار مذهب محدد على التعيين من بين المذاهب الاربعة من غير ممارسة التحول والتخيّر بينها، وذلك كي لا يفضي الامر الى التمسك برخص المذاهب ومن ثم انحلال التكليف. فلو جاز للمكلف اتباع أي مذهب شاء لأدى به الامر الى التقاط ما يسعه من رخص المذاهب بحسب الهوى، فيتخير على الدوام ما هو حلال إن عارضه واجب او حرام، ويعلم ما في الامر من الانحلال واسقاط التكليف في كل مسألة مختلف حولها( 7 1).
حتى قال بعضهم:
فاشرب ولُط وازني وقامر واحتجج في كل مسألة بقول إمام
ويقصد بذلك شرب النبيذ، وعدم الحد في اللواط كما هو رأي ابي حنيفة، والوطء في الدبر على ما يعزى الى مالك، ولعب الشطرنج بحسب رأي الشافعي( 8 1).
ومع انه قد يقال بأن ما ذكر من انحلال في التكليف باتباع الرخص هو من جانب لا ضير فيه، اذ من المعلوم ان ابن عباس كان ممن يوصف بهذا الوصف، ولم يستهجن منه الفقهاء ذلك. ومن جانب آخر ان أُدعي بترتب الانحلال في التكليف ومن ثم سقوطه عند إتباع رخص المذاهب لا يعد انحلالاً الا في القضايا الفرعية المختلف حولها، والتي هي من حيث الاصل غير محققة في أصالتها الشرعية، فالانحلال وسقوط التكليف انما يتم فيما لو علم عن القضية الفقهية المنحل عنها هي قضية شرعية على وجه القطع. أما ما صُوّر في البيت الشعري الآنف الذكر فهو مبالغ فيه، والا لكان طعناً في الائمة ذاتهم قبل الطعن في المقلدين لهم على نحو التخيير.
وأغرب ما في الأمر هو ما تقرر من نهي عام ومطلق عن التخيير والانتقاء لكل من لم يبلغ درجة الاجتهاد، حتى من >الفقهاء وأرباب سائر العلوم<( 9 1). الامر الذي يمنع النظر حتى لدى المتمرسين ممن لهم قابلية الترجيح في الادلة والآراء. وإن كان الشاطبي يستثني في التخيير من غير المجتهدين كل من تقيّد بالترجيح حسب الدليل، حيث انه يصبح متبعاً لذات الدليل لا الهوى، وبالتالي فانه بالنظر والترجيح لا يعود الامر مسقطاً للتكليف عنده.
الاتجاهات المطالبة بالنظر
على أن هناك عدداً من الفقهاء وقفوا بوجه نزعة الجمود والتقليد وهاجموا ما تمسك به المقلدون من الفقهاء الذين لهم قدرة على النظر والترجيح. فهذا الشيخ عز الدين بن عبد السلام هو ممن شنّ هجوماً على المقلدين فقال: >ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلّدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً وهو مع ذلك يقلّده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جموداً على تقليد إمامه، بل يتخيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً عن مقلده<. وقال أيضاً: >لم يزل الناس يسألون من إتفق من العلماء من غير تقييد لمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلّدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلّداً له فيما قال كأنه نبي أُرسل، وهذا نأيٌ عن الحق وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من أُولي الألباب<( 0 2).
كما صرح الإمام أبو شامة بأنه >ينبغي لمن إشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا كان أتقن معظم العلوم المتقدمة، وليجتنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها مضيعة للزمن ولصفوه مكدرة<( 1 2).
كما أن الشاطبي على الرغم من أنه يجيز التقليد على العامي إلا أنه يرى وجود صنف آخر ليس من المقلدين ولا من المجتهدين. فالمجتهد يعمل بحسب علمه وإجتهاده، والمقلد الصرف يحتاج إلى قائد يقوده إلى تحصيل العلم كي يصح تقليده، أما الصنف الثالث فهو لم يبلغ مبلغ المجتهدين، لكنه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة في تحقيق المناط ونحوه. ومع ذلك فإن الشاطبي يُبدي تردداً في قيمة ترجيح هذا الصنف ونظره، فهو يقول: إنه لا يخلو إما أن يُعتبر ترجيحه ونظره أم لا؟ فإن إعتبرناه؛ صار مثل المجتهد في ذلك الوجه، من حيث أنه تابع للعلم متوجه شطره، أما لو لم نعتبره فلا بد من رجوعه إلى درجة العامي، وحيث أن العامي يتبع المجتهد من جهة توجهه إلى صوب العلم الحاكم فكذلك الحال يصبح مع من ينزل منزلته. ومع ذلك فالشاطبي يعود فيرى أن من الواجب على هذا الصنف الوسيط أن لا يتبع المجتهد إلا من جهة ما هو عالم بالعلم المحتاج إليه، ومن حيث هو طريق إلى إستفادة ذلك العلم، فلو علم أو غلب على الظن أنه مخطئ فيما يُلقي فالواجب عليه أن يتوقف ولا يصر على الإتباع إلا بعد التبيين، حيث ليس كل ما يلقيه العالم يكون حقاً على الإطلاق وذلك لإمكان الزلل والخطأ وغلبة الظن في بعض الأُمور. بل أكثر من ذلك يصرح الشاطبي فيقول: إنه >إذا كان هذا المتبع ناظراً في العلم ومتبصراً فيما يُلقى إليه كأهل العلم في زماننا؛ فإن توصله إلى الحق سهل، لأن المنقولات في الكتب إما تحت حفظه وإما معدّة لأن يحققها بالمطالعة أو المذاكرة<( 2 2).
كما ذكر صاحب (مشارق أنوار العقول) من انه اذا اجتهد المجتهد في حادثة فرأى الأعدلية لأحد الاقوال الموجودة فيها وجب عليه الأخذ بذلك القول الاعدل وحرم عليه الأخذ بالقول المرجوح في نظره، معتبرأ ذلك على خلاف جماعة ذكر منهم أحمد بن حنبل وسفيان وابن راهويه حيث جوزوا تقليد العالم مطلقاً، وكذا أهل العراق حيث جوزوا تقليد المجتهد لغيره( 3 2).
وعلى هذه الشاكلة ذهب العديد من المحدثين والمعاصرين( 4 2).
***
على انه اذا كان ما سبق يشكل دعوة لممارسة النظر كخاصة من خواص العلماء المتمرسين من الفقهاء غير المجتهدين؛ فان هناك في القبال اتجاهات تطالب الناس صراحة بممارسة النظر في اقوال المجتهدين وادلتهم. ومن ذلك جمع من معتزلة بغداد، اذ قالوا أن العامي لا يجوز له أن يقلّد أو يأخذ بقول أحد إلا أن يبيّن له حجته( 5 2). كما نقل أبو الحسن الأشعري رأي >بعض أهل القياس< بما يدعو إلى هذا المسلك، حيث قال: >ليس للمستفتي أن يقلّد وعليه أن ينظر ويسأل عن الدليل والعلة حتى يستدل بالدليل ويتضح له الحق<( 6 2).
وهذه الطريقة تلقى تأييداً من قبل الإتجاهات التي نهت عن التقليد كما هو رأي إبن حزم وإبن تيمية وإبن القيم الجوزية والشوكاني وغيرهم، وإن كان الظاهر هو أن هؤلاء لم يدققوا في مفهوم ما دعوا الناس إليه. فبعض هؤلاء ناشد الناس بالإكتفاء فيما تطمئن إليه قلوبهم وعدم التعويل على كل ما لا تطمئن إليه، بإعتبارهم ليسوا من أهل الإختصاص. وبعض آخر طالبهم بقدر ما من الإجتهاد، وثالث دعاهم إلى الإتباع في قبال ما يفتيه الفقيه إن كان يجده مخالفاً للنص أو الكتاب والسنة.
فابن تيمية يعتبر ان من كان متبعاً لإمامٍ فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل فقد احسن ولم ينكر عليه، معتبراً ذلك مما أوجبه العلماء، وقد نص عليه احمد بن حنبل( 7 2). والظاهر ان العدول الذي تحدث عنه ابن تيمية انما يتعلق بفئة الفقهاء المختصين لا العوام من الناس.
لكن بخصوص فئة عوام الناس فان ابن تيمية يذكر بأن من العلماء من يقول ان على المستفتي ان يقلد الاعلم الاورع ممن يمكنه استفتاؤه. ومن هم من يقول: بل يخير بين المفتين، واذا كان له نوع تمييز فقد قيل: يتبع اي القولين ارجح عنده يحسب تمييزه، فان هذا أولى من التخيير المطلق( 8 2).
كذلك انه صرح بأن المسائل الاجتهادية من أخذ منها بقول بعض العلماء؛ لم يُنكر عليه ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين؛ لم يُنكر عليه ولم يُهجر، واذا كان في المسألة قولان؛ فان كان يظهر للانسان رجحان أحد القولين أخذ به، والا قلد بعض العلماء الذين يُعتمد عليهم في بيان الراجح من القولين. واذا افتاه من يجوز له استفتاؤه؛ جاز له ان يعمل بفتواه حتى لو كان ذلك القول لا يوافق الامام الذي ينسب اليه، وليس عليه ان يلتزم قول امام بعينة في جميع ايمانه( 9 2).
ومن جهته إعتبر الشوكاني (المتوفي سنة 5 5 2 1هـ) أن هناك صنفاً من الناس يتوسط بين المجتهد والمقلّد؛ له القدرة على الفهم والتمييز. لذلك فقد رد على الفقهاء الذين أجازوا التقليد، وقال بصدد ذلك: >وأما ما ذكروه من إستبعاد أن يفهم المقصرون نصوص الشرع وجعلوا ذلك مسوغاً للتقليد فليس الأمر كما ذكروه، فها هنا واسطة بين الإجتهاد والتقليد وهي سؤال الجاهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له لا عن رأيه البحت وإجتهاده المحض، وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم<( 0 3).
وحديثاً ذُكر أن هناك صنفاً من الناس يتوسط بين المقلّد والمجتهد وهو المطلق عليه >المتبع<، حيث يستعين بعالم مجتهد بعد أن يفقه دليله ويسأله عن حجته ويقنع بها، أو يرجح من أقوال العلماء مما يراه أقرب لنفسه، وهذا هو موقف السلفيين في مسألة أخذ الأحكام الشرعية( 1 3). وقد سبق لإبن القيم الجوزية أن إعتبر العامي المتبع هو ذلك الذي يعرض فتوى الفقيه على نفسه فإن إطمأن بها أخذها وإلا فإنه يسأل غيره من الفقهاء حتى يجد في نفسه الإطمئنان طبقاً للحديث النبوي القائل: >إستفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك<( 2 3)، لكنه إن لم يجد الإطمئنان فإنه غير مكلّف بأخذ الفتوى من هؤلاء بإعتبار أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها( 3 3).
مهما يكن فقد سبق أن ميزنا بين الطرق الأربع لتحصيل الحكم الشرعي (الإتباع والإجتهاد والنظر والتقليد)، وعرفنا أن الإتباع لا يكون إلا من حيث تحقق الوضوح في النص أو الشرع بالنسبة للمتبع، بخلاف الحال مع الإجتهاد. أما النظر ففيه مسحة إجتهادية لأنه يعني التعويل على ترجيح رأي في قبال رأي آخر. وفي الغالب أن العامي لا يسعه إتخاذ طريقة الإتباع، وذلك بإعتبار أن أغلب الأحكام الشرعية ليس فيها الوضوح الكافي لغياب قرائن العلم بالإبتعاد عن عصر النص، كذلك لا يسعه الإجتهاد لأنه ليس من أهل الخبرة الممعنة والإختصاص؛ لذا فليس بمقدوره إلا العمل بطريقة النظر بإتباع إسلوب الإقتناع وترجيح بعض الآراء على البعض الآخر، هذا إن كان في درجة فوق درجة العامي الذي ليس له القابلية على التمييز والترجيح، وبالتالي ليس أمامه إلا التقليد.
الإتجاه الشيعي وطريقة النظر
أما في الإتجاه الشيعي فالملاحظ أن المجتهدين أنفسهم يمارسون أحياناً طريقة الترجيح بين الآراء الفقهية، مما يعني أنهم يزاولون عملية النظر من دون تمييز لها عن طريقة الإجتهاد. فالفقيه يعرض الآراء المتعلقة في المسألة؛ فإما أن يُبدي قناعته الكلية ببعض هذه الآراء، أو أنه يرجح بعضها على البعض الآخر، أو يكون له رأي جديد فيها. وهو حينما يرجح بعض الآراء على البعض الآخر بلحاظ الأدلة المقدمة إنما يزاول طريقة النظر متضمنة ضمن مفهوم الإجتهاد. ومن ذلك ما يوصي به المحقق الحلي بقوله: >اكثِرْ من التطلع على الاقوال لتظفر بمزايا الاحتمال، واستنفض البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره<( 4 3).
لكن مبدئياً إن الإتجاه الشيعي لا يضع مرتبة خاصة لطريقة النظر أو الترجيح. فهو يقسم أعمال المكلفين إلى ثلاثة أقسام هي الإجتهاد والتقليد والإحتياط. فكما يذكر السيد الخوئي أن العقل مستقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ عن الذمة، من حيث إدراكه لدفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب، ودفع الضرر أو تحصيل العلم بالفراغ عن الذمة لا يتحقق إلا عبر أحد تلك الأقسام الثلاثة( 5 3).
على أنه إذا كان الإجتهاد والتقليد والإحتياط بعضها يقع في عرض البعض الآخر من حيث العمل والوظيفة، إذ لا بد للمكلف أن يأتي بواحد منها؛ فإن الأمر من حيث المرتبة ليس كذلك، إذ إن مشروعية التقليد لا تكون إلا بالإجتهاد، وإن المقلد لا يصح له أن يقلّد ما لم يجتهد بذلك، وإلا تسلسل الأمر أو دار. كذلك الحال مع الإحتياط، فهو لا يصح ما لم يقم على الإجتهاد. لهذا يُذكر أنه لا يجوز للمقلد الإحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده، وإن كان يجوز له ذلك بعده. وعليه فقد إشتهر لدى علماء الإمامية >أن عبادة تارك طريقي الإجتهاد والتقليد غير صحيحة وإن علم إجمالاً بمطابقتها للواقع، بل يجب أخذ أحكام العبادات عن إجتهاد أو تقليد<( 6 3).
هكذا يصبح المحور الأساس الذي يدور عليه التكليف في النظر الشيعي هو الإجتهاد. فهو يُعد الأصل الوحيد الذي يتصدى >لتحصيل القطع بالحجة على العمل، لأن به يقطع بعدم العقاب على مخالفة الواقع<( 7 3). ومع ذلك إن الإتجاه الشيعي لا يلغي بعض الأقسام العملية للمكلف والتي لا ترجع إلى الصور الثلاث المذكورة. فهو لا ينكر أثر وجود العلم الوجداني عند العامي وغيره، وهو العلم بمطابقة عمل المكلف لواقع الحكم الإلهي، كما يحصل في الضروريات والقطعيات والمسائل الواضحة. فهي وإن كانت قليلة جداً( 8 3)، لكنها في جميع الأحوال تتجاوز حدود التقسيم المبدئي لعمل المكلفين، ومن ذلك تجاوزها لممارسة الإجتهاد والتقليد.
مهما يكن فمن المتفق عليه أن العامي في النظر الشيعي لا ينبغي له أن يكون مقلداً في جميع الأحوال، كما في موارد علمه الوجداني الخاص، وفي الضرورة والإجماع والدليل القاطع، وفيما لو وجد أمامه نصاً صريحاً خلاف رأي المجتهد، فضلاً عما يتعلق بتشخيص الموضوعات وفهم المعاني العرفية، حيث لا يقلد المجتهد إلا فيما يحكيه عن الشارع الإسلامي( 9 3).
بل برأي عدد من العلماء ومنهم الخوئي أن العامي لو كان متمكناً من الإستنباط في مسألة ما من المسائل كمسألة الأعلم وأدى نظره إلى عدم جواز تقليد غير الأعلم؛ فإنه على هذا يجوز له مخالفة من يقلده ولم يجز له الرجوع إلى غير الأعلم( 0 4)، وذلك باعتبار أن معرفة العامي بالحكم في مورد يلزم منه إتباع علمه ونظره ولا يجوز فيه أن يرجع إلى الغير( 1 4).
ومثل ذلك ما ذكره الآخوند الخراساني من أن المقلد لو إلتفت إلى الخلاف الحاصل بين العلماء حول وجوب تقليد الأعلم فإستقل عقله ورأى أنه لا فرق في التقليد بين أن يكون للأعلم أو غيره؛ ففي هذه الحالة لا يجب عليه تقليد الأعلم وعليه إتباع ما آل إليه علمه( 2 4). وهذا ما أقره صاحب كتاب (عناية الأُصول) وإن كان بنظره أن العامي لو إستقل بعقله فسوف لا يترجح عنده إلا الأخذ بقول الأعلم، نظراً إلى كونه سيتبع الأقوى ظناً( 3 4)، وهو تهكم، إذ لا دليل على ما يمكن أن يؤول إليه نظر المقلد أو العامي. لذلك فإن الشيخ الأصفهاني يرى أن التعويل على مقولة الأخذ بقوة الظن التي يترتب عليها تعيين الأعلم للتقليد باعتباره أقوى ظناً من غيره.. هذه المقولة ممنوعة على إطلاقها، حيث أن >المقلد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجح في نظره فتوى المفضول<( 4 4). كل ذلك يمكن عدّه - من حيث المبدأ - منطقياً، إذ إن تقليد العامي في الأساس لا يصح أن يكون نابعاً إلا عن إجتهاده ونظره وليس عن تقليد، وإلا تسلسل الأمر أو دار. لذلك يقال أن مسألة جواز التقليد ليست تقليدية، اذ لا بد أن تستند إلى إجتهاد المكلف أو قطعه وإطمئنانه( 5 4).
فقد سبق أن عرفنا أن هناك دليلين في حق العامي ينبغي الإستناد إليهما ليصح تقليده، وهما دليل الإرتكاز العقلائي ودليل الإنسداد. وفحوى الدليل الأول هو أن العامي يعي صحة الرجوع إلى أهل الإختصاص من الفقهاء مثلما يرجع العقلاء في الحرف والصنايع إلى أهل الخبرة والإطلاع دون أن يكون هناك ردع من قبل الشريعة. أما فحوى دليل الإنسداد فكما عرفنا هو أن كل مكلف يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه، كما يعلم أنه غير مفوض في أفعاله بحيث له أن يفعل ما يشاء، وبالتالي فإن عقله يستقل بلزوم الخروج عن عهدة التكاليف الواقعية المنجزة بعلمه، وليس أمامه إلا الإجتهاد أو الإحتياط أو التقليد، لكن العامي ليس بوسعه الإجتهاد، كذلك فإن الإحتياط غير ميسور له لعدم تمكنه من تشخيص موارده، لذلك يتعين عليه التقليد للحصر الأنف الذكر( 6 4).
ويلاحظ أن دليل الإرتكاز لا يخلو من إشكال يتعلق بالقياس كما سبق أن بيّنا، وكان الأجدر أن يقال دليل العقل من حيث ضرورة رجوع العامي إلى المختص فيما لا علم له به. لكن بغض النظر عن ذلك فإن هذا الدليل يمكن أن يوظف لصالح إثبات صحة التعويل على طريقة النظر لكل من بإستطاعته إستخدام هذه الطريقة كما سنعرف.
* * *
يظل أن نعرف بأن هناك جماعة من قدماء الإمامية لم يقروا التقليد، وقد عوّل بعضهم على أن يكون جميع المكلفين منقادين إلى تحصيل العلم بالأحكام الشرعية وليس الظن، كما هو رأي إبن زهرة على ما سبق أن عرفنا. لكن نُقل عن البعض الآخر أنهم يوجبون الإستدلال على العلم ومساءلة الفقهاء، وهي طريقة وإن كانت لم تنقّح، لكن نعتبرها تصب في الطريقة التي ندعو إليها. ذلك أنه جاء عن >بعض قدماء الأصحاب وفقهاء حلب منهم القول بوجوب الإستدلال على العوام، وإنهم إكتفوا فيه بمعرفة الإجماع الحاصل من مناقشة العلماء عند الحاجة إلى الوقائع أو النصوص الظاهرة، أو أن الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار الحرمة، مع فقد نص قاطع في متنه ودلالته، والنصوص محصورة<. وقد ضعّف صاحب كتاب (المعارج) هذا الرأي وتابعه في النقد صاحب (المعالم)؛ فذكر أنه >قد حكى غير واحد من الأصحاب إتفاق العلماء على الإذن للعوام في الإستفتاء من غير تناكر، وإحتجوا في ذلك: بأنه لو وجب على العامي النظر في أدلة المسائل الفقهية لكان ذلك إما قبل وقوع الحادثة أو عندها، والقسمان باطلان. أما قبلها فبالإجماع، ولأنه يؤدي إلى إستيعاب وقته بالنظر في ذلك فيؤدي إلى الضرر بأمر المعاش المضطر إليه، وأما عند نزول الواقعة فلأن ذلك متعذر لإستحالة إتصاف كل عامي عند نزول الحادثة بصفة المجتهدين، وبالجملة فهذا الحكم لا مجال للتوقف فيه<( 7 4).
مع أنه بحسب طريقة النظر تسقط مثل تلك المناقشة، حيث ليس المطلوب من العامي أن يتصف بصفة المجتهدين ولا أن يصرف عمره في طلب علم الفقه ويكون من أهل الخبرة والإختصاص، بل يكفيه أن يتعلم معالم الدين بصورة مجملة وتكون له بعض الخبرة في تفهم الآراء الفقهية حتى يصبح بمقدوره الترجيح بينها ليأخذ بما يطمئن إليه وجدانه ويعرض عمّا لا يطمئن.
المثقف وطريقة النظر
من الواضح ان لعامل الزمن دوراً كبيراً في توجيه طريقة التعامل المناسب لمعرفة الأحكام الشرعية. ففي عصر النص لم تكن هناك حاجة للإجتهاد ولا التقليد، إذ كان التعامل يقوم طبقاً لطريقة الإتباع وذلك لتوفر قرائن العلم والوضوح بما لم يدع ذريعة للعمل بالرأي إلا في حدود الإضطرار الخاصة والنادرة. أما بعد عصر النص فحيث أن قرائن العلم والوضوح أخذت تضعف شيئاً فشيئاً كلما طال الزمن؛ لذلك كان لا بد من الإجتهاد للتوصل إلى معرفة الأحكام، ولو على سبيل الظن. الأمر الذي إحتاج إلى مزيد من الجهد العلمي كما مارسه العلماء طوال التاريخ الإسلامي. وقد إتبعهم الناس كمقلدين بعد أن كانوا في عصر النص تابعين.
من هنا فقد ظهر التقسيم الخاص بالمكلفين، فهم إما مجتهدون أو مقلدون. وهو أمر ينسجم مع ما كان عليه المجتمع آنذاك، حيث أنه في الغالب ينقسم من الناحية المعرفية إلى طبقتين: إحداهما عالمة متخصصة، وهي الفئة الضئيلة من المجتمع، وأُخرى عامية لا تحمل ثقافة كافية، وهي ما عليه الغالبية من الناس.
أما حديثاً فقد ظهرت هناك طبقة وسطى آخذة بالنمو والإتساع باضطراد. فهي ليست من فئة الفقهاء المختصين، ولا من فئة العوام المحرومين من الوعي الثقافي الإسلامي، وهي المسماة بطبقة المثقفين التي أخذت تضع ثقلها الكبير في التأثير على الحياة العامة، والتي يتوقع لها أن تكون الغالبة عدداً بين الطبقات الثلاث. فهذه الطبقة وإن كانت ليست بمستوى التخصص والإجتهاد؛ إلا أنها ليست بمستوى العامية الصرفة والتقليد، وذلك لما تمتاز به من إستعداد وقابلية عقلية على التمييز بين ما يقبل وما لا يقبل من الآراء والفتاوى، وبالتالي فهي جديرة بممارسة الطريقة التي أوسمناها بالنظر.
على انا لسنا بصدد تحديد مفهوم دقيق وخاص للمثقف، وهو مفهوم أخذت مداليله تختلف وتتسع باختلاف وجهات النظر حوله، وزاد في الطين بلة ان بعضها رُكّب ضمن اعتبارات آيديولوجية جعلت منه صورة محددة بلون معين من الايديولوجيا دون غيره، وهو امر يقوم على ابتسار الواقع وتشويهه. انما نفترض ان كينونته العامة متقومة بالمتابعة المعرفية والقدرة على الفهم بفضل اطلاعه وتحقيقه في القضايا المطروحة، الى الدرجة التي يتبلور لديه موقف على الصعيد المعرفي، لا سيما بالنسبة للقضايا التي تكتسب اهمية خاصة، لكن على شرط ان لا تكون صفة الثقافة متداخلة مع النزعة التخصصية، ومن ثم ان لا يكون المثقف مثقفاً في القضايا التي قد تنتسب اليه بنحو التخصص. الامر الذي لا يمنع من الجمع بين التخصص في موضوع والثقافة في غيره.
أدلة طريقة النظر
سبق ان عرفنا بوجود تباين واسع في مواقف الفقهاء ازاء تكليف العامي وعمله. فبعضهم طالبه بالاجتهاد، وآخر بالتقليد، وثالث بالرجوع الى خصوص الاعلم وكذا الحي، ورابع أباح له التخيير بين الفتاوى، وخامس أجاز له الترجيح بين الاراء عند التمييز بينها. وكذا نجد البعض يطالبه بالأخذ بأشد الفتاوى وأغلظها؛ كإن يأخذ بالحظر دون الاباحة، لاعتبارات تعود الى الاحتياط وكون الحق ثقيلاً والباطل خفيفاً. وفي القبال هناك من يسمح للعامي ان يأخذ بأخف الفتاوى لقوله تعالى: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، وقوله: ((ما جعل عليكم في الدين من حرج))، ولأن النبي (ص) قال: >بعثت بالحنيفية السمحة السهلة<، وقال: >ان الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه<. كذلك هناك من يطالب العامي بمزيد من التحري في اقوال الفقهاء ليجد التعاضد بينها، على شاكلة تعدد الادلة والرواة لزيادة غلبة الظن( 8 4).
كما سبق أن ثبت لنا جواز ان يأخذ العامي بفتوى المجتهد وإن لم يكن حياً ولا أكثر علماً بين المجتهدين. وعلى هذا الإعتبار يصبح من الأولى على العامي أن يأخذ بفتوى من يرى دليله أرجح من غيره إذا ما أبدى نظره وقام بفحص الأدلة المعروضة، ذلك لأن الأصل هو جواز الأخذ بفتوى المجتهد المفضول، فكيف اذا ما كانت هذه الفتوى تستند إلى دليل يعد أرجح الأدلة بنظر العامي وإقتناعه الخاص؟!
لكن يلاحظ أن هذا الدليل وإن كان يجيز العمل بالنظر والأخذ بالدليل الراجح؛ إلا أنه في حد ذاته لا يدل على الوجوب. يضاف إلى أن هذا الدليل يتوقف على ثبوت عدم وجوب كل من الأعلمية والحياة في التقليد. وعليه كان لا بد من طرق أدلة أُخرى تثبت وجوب النظر حتى مع فرض التسليم بذينك الشرطين... فهذه حالة وتلك حالة أُخرى. وعلى العموم يمكن تقسيم الأدلة على طريقة النظر كالآتي:
1 ـ الدليل الشرعي
في البدء لا يمكننا أن ندعي أن في الكتاب والسنة تشريعاً يخص الحث على التعامل مع الآراء الإجتهادية للفقهاء. فالإجتهاد الفقهي من حيث أنه عملية إستنباط من الشرع تفضي إلى الظن لم يثبت طريقه ولا التلويح إليه في الشريعة، وبالتالي فليس هناك تشريع خاص بالنظر. لكن هناك بعض الدلالات الشرعية العامة التي يمكن أن يفاد منها إثبات المطلوب؛ أهمها قوله تعالى في محكم كتابه: ((وبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أُولو الألباب))( 9 4). فهذه الآية وإن كانت ليست بصدد الإخبار عن التعامل مع الآراء الإجتهادية، لكن العموم والإطلاق فيها يمكن أن ينطبقا على ما نحن فيه من التعامل مع الآراء. فالناظر يتعامل مع الآراء الفقهية كأقوال مختلفة، والواجب عليه أن يعوّل على ما يراه أنه أحسنها وأقربها للحق، ليصبح بذلك أحد تطبيقات الآية الشريفة.
على ان هناك اشارات عديدة للعلماء حول الآية تؤكد جانب الدعوة الى الاخذ بأرجح الاراء وأولاها بالقبول مع نبذ التقليد. ومن ذلك ما جاء في (مجمع البيان) للطبرسي من ان الآية تشير الى ما هو أولى بالقبول وأرشده الى الحق والعمل به( 0 5).
ونقل الطبري عن السدي في تفسير الآية بأنها معنية بالاشارة الى من >وفقهم الله للرشاد واصابة الصواب، لا الذين يعرضون عن سماع الحق ويعبدون ما لا يضر ولا ينفع... واولوا الالباب يعني اولوا العقول والحجى..<( 1 5). وكذا ما مرّ علينا من قول مالك: ليس كل ما قال رجل قولاً وإن كان له فضل يُتبع عليه، لقوله عز وجل: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)).
وذكر الزمخشري بأن مما تنطبق عليه الآية التحقيق بين المذاهب >واختبار أثبتها على السبك واقواها عند السبر وأبينها دليلاً أو أمارة، وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل: ولا تكن مثل عير قيد فانقادا. يريد المقلد..<( 2 5).
كما اعتبر الآلوسي ان لهذه الاية دلالة على حط قدر التقليد المحض، لذا قيل:
شمر وكن في أُمور الدين مجتهداً ولا تكن مثل عير قيد فانقادا( 3 5)
كذلك صرح الطباطبائي بصدد معنى الآية بقوله: >فتوصيفهم بإتباع أحسن القول معناه أنهم مطبوعون على طلب الحق وإرادة الرشد وإصابة الواقع. فكلما دار الأمر بين الحق والباطل والرشد والغي؛ إتبعوا الحق والرشد وتركوا الباطل والغي، وكلما دار الأمر بين الحق والأحق والرشد وما هو أكثر رشداً؛ أخذوا بالأحق والأرشد. فالحق والرشد هو مطلوبهم، ولذلك يستمعون القول ولا يردّون قولاً بمجرد ما قرع سمعهم إتباعاً لهوى أنفسهم من غير أن يتدبروا فيه ويفقهوه<. كما قال في تفسير ((وأُولئك هم أولو الألباب)): >أي ذوو العقول، ويستفاد منه أن العقل هو الذي به الإهتداء إلى الحق وآيته صفة إتباع الحق<( 4 5).
ويؤيد ما سبق ما ورد في الحديث عن الإمام علي بقوله: >إضرب الآراء بعضها ببعض تعرف الحق<. وإن كان هذا الحديث قد تبدو عليه الدلالة الإجتهادية، من حيث أن المطلوب ليس مجرد ترجيح رأي على رأي آخر كما هو الحال في طريقة النظر، وإنما طلب الحق ولو كان بمخالفة جميع الآراء المنظور إليها، وهو عين الممارسة الإجتهادية من حيث أنها أعمق وأدق من طريقة النظر.
كذلك جاء في قول الإمام علي: >الناس ثلاث، عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح..<. فقد يقال أن فارق المتعلم عن الهمج الرعاع يتحدد في كونه ينقاد إلى ما يراه أنه الحق بقدر ما تعلّمه، وهذا يقتضي أن يكون ذا قدرة على تمييز ما يعرض عليه من أقوال وآراء بما فيها آراء العلماء، وهو بهذا يختلف عن الهمج الرعاع الذين لا يميزون بين الغث والسمين، ولا بين الخطأ والصحيح. لكن الحديث على ما يبدو لا يفاد منه التوجيه الآنف الذكر حول طريقة النظر والتمييز بين الآراء الإجتهادية المفضية إلى الظن، اذ يكفي أن يكون المتعلم متبعاً للحق وعارفاً للحقيقة على وجه القطع كما هو ظاهر الحديث، وهو ما يجعله مختلفاً عن الهمج الرعاع.
يظل أن العمدة في هذا الدليل هي الآية المباركة الآنفة الذكر. ودلالتها هي أنها إما أن تحبب إتباع أحسن الأقوال أو أنها توجب ذلك، وظاهر الآية ليس بعيداً عن الإحتمال الأخير.
2 ـ دليل العقل أو الأقربية
وفحوى هذا الدليل هو أن الناظر إنما يعول على دليل دون آخر بعد الفحص، وذلك لعلمه الوجداني بأن الدليل الذي رجحه هو أقرب إلى واقع الحكم الإلهي من غيره، وهذا الظن يقوم مقام العلم عند تعذر الوصول إلى العلم، وهي قاعدة كثيراً ما أشار اليها العلماء الأُصوليون( 5 5). لكن هذا الظن غير منقطع عن القطع الوجداني، بل إنه يقوم عليه من حيث أن الترجيح مقطوع بصحة العمل به بإعتباره يعد أقرب إلى واقع الحكم الشرعي. لهذا صرح المحقق القمي طبقاً لدليل الانسداد بأن العبرة بقوة الظن، والمعيار هو الرجحان، حيث لو لم يجب العمل بالظن للزم ترجيح المرجوح على الراجح، وهو بديهي البطلان( 6 5).
بل ان التعويل على الاعلمية هو في حد ذاته قائم على الرجحان في قبال غير الاعلم، حتى ان اغلب الفقهاء رجحوا الاعلمية على الاورعية عند التعارض بين من هو أعلم ومن هو اورع، وهم يستدلون على ذلك باعتبار ان قول الاعلم ارجح من حيث الظن، لذا يؤخذ به كما يؤخذ بالراجح من الادلة. اي ان ملاك الحكم هو الرجحان والاقربية لا الاعلمية من حيث ذاتها. لهذا لا ينبغي الإلتفات إلى الأعلم باعتبار أعلميته، وإلا لكان حكم الأعلم حجة في حق المجتهد الأقل منه علماً، وهو معلوم البطلان. فالأعلمية شيء والأخذ بالأقربية شيء آخر. ومن المعلوم منطقاً أن الأخذ بالأقربية أرجح من الأخذ بالأعلمية، لذلك فإن المجتهد المفضول إنما يعول على ما يراه أقرب إلى واقع الحكم الإلهي ولا يعول مطلقاً على ما يقوله الأعلم لعلمه بأن الأقربية مقدمة على الأعلمية. فلو تحققت الأقربية بنظر المجتهد لما زاحمتها الاعلمية، باعتبار ان هذه الاخيرة انما يُعوَّل عليها لكونها مقاسة على تقديم الراجح من الأدلة على المرجوح، فكيف إذا ما كان الراجح حاضراً؟!
وبلا شك ان نفس هذا الأمر ينطبق على ما يراه الناظر بالقياس لما يقوله الأعلم، ولا يصح التفكيك بحجة الفارق بين المجتهد والناظر، حيث أن الأول مختص والآخر ليس مثله. ذلك أن الناظر وإن كان ليس بمختص كالمجتهد إلا أنه يفترض فيه القدرة على التمييز بين ما هو أقرب إلى الصواب وما هو أبعد عنه. وحيث أنه مميز فمن المنطقي أن يتبع ما يراه راجحاً وإن خالف قول الأعلم، وليس في هذا الحكم العقلي من تخصيص ولا حجة ناهضة.
على أن ظنون الناظر وترجيحاته موضوعية تستند إلى أساس معتبر من الناحية العقلائىة، وهي تختلف عن ظنون المقلد وأوهامه التي لا شأن لها بالأقربية مادامت أنها لا تبتني على النظر في الأدلة ولا مستمدة من الفطرة والظنون النوعية العامة. لهذا فإن الأُصوليين لا يمنعون من عمل المقلد بالظن على إطلاقه، فهم يفرقون بين ظنه في تعيين الطريق وظنه في الحكم الشرعي فيجيزون الأول دون الثاني؛ لأن ظنون المقلد في نفس الحكم أُمور غير منضبطة، وهي لذلك تعد كثيرة المخالفة، بخلاف الظنون في تعيين الطريق؛ مثل تعيينه للمجتهد. وعليه لو أن بإمكان المقلد أن يضبط الأُمور في تعيين واقع الحكم لكان المتعين عليه هو العمل بالظن في نفس هذا الواقع. فالشرط في صحة العمل بالظن كما هو رأي الأنصاري هو أن لا يكون هناك علم إجمالي بكثرة مخالفة واقع الحكم الشرعي، وأن لا يكون هناك منع من قبل الشرع بالخصوص( 7 5). وهذا الجواب وإن كان يمكن أن يشكل عليه من أنه كيف يمكن أن نعرف أن المقلد الذي يعمل بحسب ظنونه يقع من حيث الإجمال في المخالفة الكثيرة مع وقائع الأحكام الشرعية، خاصة إذا كانت ظنونه توافق في النتيجة فتاوى عدد غير منضبط من الفقهاء، اذ في هذه الحالة لا يتجرأ أحد أن يقول بأن آراء هؤلاء يكثر فيها المخالفة لذلك الواقع.. لكن على الرغم من ذلك فإن من الصحيح أن تكون الظنون غير المنضبطة بضابط موضوعي مرفوضة، إذ إنها في هذه الحالة تصبح قائمة على الوهم والهوى، فلا يعلم - صاحبها - من الناحية الموضوعية أيها أقرب إلى واقع الحكم الشرعي. وهو أمر يختلف تماماً مع الممارسة التي يبديها صاحب النظر؛ من حيث أن ظنونه منضبطة ضمن ضوابط الفحص والتمييز العقلائي، فلا تقع أسر ذلك الإشكال الوارد في حق المقلد.
مهما يكن فمن الواضح أنه لا يفاد من حكم الأقربية الوجوب، فليس بالضرورة أن يكون كل ما هو أقرب إلى واقع الحكم الإلهي واجباً كما سبق أن مرّ علينا بحث ذلك. لكن من المؤكد أن الأقربية مطلوبة في حد ذاتها ولو من حيث الأولوية.
3 ـ الدليل المنطقي
وتستند طريقة النظر في الأساس على قاعدة منطقية، وهي أنه لا يصح العدول عن إتباع الدليل الراجح بإتباع الدليل المرجوح. وكما يقول صاحب المعالم: >إن العقل قاض بأن الظن إذا كان له جهات متعددة متفاوتة بالقوة والضعف؛ فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح<( 8 5). لذلك يلاحظ أن من بين إستدلالات الفقهاء على وجوب تقليد الأعلم هو تشبيه أقوال المفتين بالأدلة؛ من حيث أنه كما يجب العمل بالدليل الراجح يجب تقليد الأفضل( 9 5). مما يعني أن حجية الدليل تقوم أساساً على الترجيح، ومنه قيس عليه العمل بتقليد الأعلم، فكيف إذا ما كان العامي باستطاعته التمييز والترجيح مباشرة؛ فكيف يسوغ له في هذه الحالة العمل على خلاف ترجيحه ونقض أصل القاعدة التي يستند إليها الفقهاء.. وكيف يأخذ بفتوى وهي لم تقع في نفسه موقع الصحة والحق؟!
وعليه فإنه بحسب تلك القاعدة يمكن الحكم بعدم جواز رجوع المكلف إلى من ينظر إليه بأنه مخطئ مشتبه في حكمه، أو أن حكمه لا يفيد الإطمئنان بشيء، وهي صورة يمكن أن نجد الموافقة على جزئياتها من قبل الفقهاء، إذ طبقت أحياناً على المجتهد من حيث رجوعه إلى مجتهد آخر؛ كعدم جواز رجوع المجتهد الذي يجهل الحكم الشرعي من حيث إنسداد باب العلم والظن المعتبر في حقه إلى مجتهد آخر يعتقد بالإنفتاح. فعلى حد قول الشيخ الأنصاري: إن >الجاهل الذي يبذل الجهد وشاهد مستند العالم وغلّطه في إستناده إليه وإعتقاده عنه؛ فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة إليه. وليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل؛ فإن من يُخطّئ القائل بحجية خبر الواحد - مثلاً - في فهم دلالة آية النبأ عليها؛ كيف يجوز له متابعته؟ وأيّ مزية له عليه؟ حتى يجب رجوع هذا إليه ولا يجب العكس<( 0 6).
ومثل ذلك ما ذكره الخوئي في حق المجتهد المتجزئ، حيث أنه لا يسوّغ تقليده للمجتهد المطلق. فكما يذكر أنه كيف يمكن دعوى جواز رجوع المجتهد المتجزئ إلى من يرى خطأه وإشتباهه، ذلك أنه حسب الأدلة اللفظية تكون أدلة جواز التقليد مختصة بمن لم يتمكن من تحصيل الحجة على الحكم الشرعي( 1 6). ومن الواضح أن هذا ينطبق على صاحب النظر.
بل إن عدداً من العلماء يسلمون بإمكانية إستقلال عقل العامي وإتباع نظره ومن ثم مخالفة غيره من أهل الإجتهاد بمن فيهم الأعلم، كما هو الحال مع الآخوند الخراساني الذي رأى أن العامي يمكن أن يتفق له أن يكون خبيراً في بعض الموارد عالماً بالأدلة وبصيراً في المدرك غير مقلد، وهو لهذا لا يحكم عليه بالتقليد فيما أدى إليه نظره، ومن ذلك أن له أن يرجع إلى المفضول في التقليد ومخالفة الأعلم إن إستقل بعقله ورأى جواز ذلك( 2 6).
كذلك فإن الشيخ الأصفهاني إعتبر أن المقلد قد يتفق له أن يقف على مدارك الخلاف بين العلماء فيترجح في نظره فتوى البعض دون البعض الآخر، فيكون بذلك غير مقلد( 3 6). كما أنه أقرّ بأن العامي لو علم بطلان ما أفتى به المفتي فإنه لا يقلده في ذلك وعليه مراجعة غيره( 4 6).
كما نجد لدى بعض المعاصرين كالشيخ المنتظري تصريحاً بعدم جواز تقليد العامي بكل ما لا يرى إطمئناناً في حكم المجتهد، وقد سبق أن عرفنا أنه لا يعد ذلك من التقليد. فهو يقول: >في الحقيقة العمل إنما يكون بالوثوق الذي هو علم عادي تسكن به النفس، لا بالتقليد والتعبد. وأما إذا لم يحصل الوثوق في مورد خاص لجهة من الجهات؛ فالعمل به تعبداً مشكل<. ويقول أيضاً: >وأما ما قد يُرى من بعض العوام من التعبد المحض بفتوى المجتهد مطلقاً من دون إلتفات إلى أنه يطابق الواقع أم لا، بل وإن إلتفتوا إلى ذلك وشكّوا في مطابقته له؛ فلعله من جهة ما لُقنوا كثيراً بأن تكليف العامي ليس إلا العمل بفتوى المجتهد، وأن ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقه مطلقاً. والظاهر أن هذه الجملة تكون من بقايا إلقاءات المصوبة، وإن ترددت على ألسنتنا أيضاً<( 5 6).
كما جاء عن الشيرازي إعتباره أن من الواضح حكم العقل بعدم جواز إتباع المرجع فيما لو علم المقلد خطأه. وذلك لأنه لا يقلده إلا لأنه يراد منه إدراك الواقع، فلو علم المقلد أنه لم يدرك الواقع وقطع بذلك لما جاز أن يقلده، بل حتى لو كان علمه لا على سبيل القطع وإنما على سبيل الظن النوعي فرأى أن المرجع مخطئ ومخالف للحكم الواقعي، كإن يفتي وهو في حالة إضطراب شديد مثلاً؛ ففي هذه الحالة يحرم على المقلد أن يأخذ بفتواه( 6 6).
على أنه بهذا الدليل تتنقح السيرة العقلائىة في قبول ورفض المذاهب الفكرية والعقائدية من قبل النظّار الذين لا يعقل أن يكونوا مختصين في جميع ما يتعرضون إليه بالبحث والدراسة والنقد. لذلك لو أنّا إعتبرنا الناظر لا يحق له تأييد أو رفض ما يطّلع عليه من أدلة فقهية بحجة عدم إختصاصه؛ لكان يعني ذلك أن الناس لا يحق لهم أن يؤيدوا أو ينقضوا أيّ مذهب أو فكرة يطلعون عليها، ومنها الأفكار المادية والإلحادية، كما أن منها القضايا العقائدية التي يصعب على العامي أن يحقق فيها بمثل ما يفعل المختص. بل يقال أن الفقهاء أنفسهم؛ يصبح من الواجب عليهم أن لا يتعرضوا إلى أي فكرة أو مذهب من مذاهب الفكر والعقيدة ما لم يختصوا بذلك، وبالتالي لا يحق لهم نقض الأفكار الغربية والمفاهيم الوافدة نظراً لعدم إختصاصهم في المجالات الفكرية. مع أن الجاري ليس كذلك، مما يدل على صحة مزاولة طريقة النظر. إذ لا تجد هناك أيّ إعتراض حتى لدى أهل الإختصاص إذا ما كان قارئهم غير مقتنع بما يطرحونه من أفكار ونظريات. وهو في حد ذاته ينقّح صحة ما يمكن أن يلجأ إليه عامة الناس في النظر في قضايا العقيدة المختلف حولها دون حاجة للإجتهاد ولا التقليد، وهي قضية سبق أن طرحها العلماء من غير تنقيح في الغالب، كما سنعرف.
4 ـ دليل البناء العقلائي
وهذا الدليل يكشف عن أنه في جميع الحرف والمهن؛ أن الذين يراجعون المختصين ويكون لهم نوع من التمييز والخبرة المجملة؛ قد لا يولون أهمية لقول الأكثر علماً إذا ما ظنوا أنه على خطأ وغيره على صواب.
وقد طُبق هذا الدليل على عدم جواز تقليد صاحب ملكة الإجتهاد لغيره من المجتهدين، وذلك كقول الخوئي: >كيف يسوغ دعوى أن العقلاء يلزمون صاحب الملكة بالرجوع إلى من يحتمل إنكشاف خطأه إذا راجع الأدلة. بل قد يكون قاطعاً بأنه لو راجع الأدلة لخطأه في كثير من إستدلالاته ومثله لا يكون مشمولاً للسيرة العقلائية<( 7 6).
وهذا مجرد صاحب ملكة وليس بمجتهد على نحو الفعلية. أما والأمر مع صاحب النظر فالحال قد يكون أشد ثبوتاً طبقاً للدليل الآنف الذكر، حيث أنه يمارس التمييز والفحص، وهو نوع من الإجتهاد الفعلي رغم ضعفه بالقياس مع المجتهد الحقيقي. لهذا فمن الأولى أن يقال في حقه بأنه كيف يسوغ دعوى أن العقلاء يلزمون صاحب النظر بالرجوع إلى من يراه مخطئاً بعد الفحص وليس مجرد أنه يحتمل ذلك كما لدى صاحب الملكة الذي لم يمارس عملية الفحص فعلاً.
وإذا ما غضضنا الطرف عما في الدليل العقلائي من المسحة القياسية كما سبق أن عرفنا؛ فربما يفاد منه الوجوب في الحالة التي يعمل فيها الناظر بحسب إطمئنانه بإتباع من يرى قوله صحيحاً وطرح رأي الغير ولو كان أعلم المختصين.
مراتب طريقة النظر
في البدء نعترف أن من الصعوبة بمكان وضع فواصل حدّية تفصل بين مراتب النظر، أو بين بعض من هذه المراتب وبين الإجتهاد أو حتى التقليد، وذلك لتداخل الحدود الوسطى المتقاربة. فعلى حد قول الغزالي وهو في معرض التمييز بين العامي والمجتهد: إن >بين درجة المبتدئ في العلم وبين رتبة الكمال منازل واقعة بين طرفين وللنظر فيها مجال<( 8 6). لكن مع ذلك إنه من الناحية المنهجية يمكن تقسيم طريقة النظر إلى مرتبتين كالآتي:
أ ـ المرتبة التفصيلية
حيث في هذه المرتبة يكون صاحب النظر على مستوى دقيق وواضح في إستبعاده لبعض الأفكار وقبول الأُخرى؛ نتيجة الإقتناع بالأدلة المفصلة أو عدم إقتناعه بها. وربما تختلط هذه المرتبة بعملية الإجتهاد. فقد يُعد مثل هذا الضرب من السلوك المعرفي إجتهاداً، وإن كان حسب المفهوم إنه لا يقوم بالمهمة التي تقع على عاتق المجتهد.
وهنا نلفت النظر إلى أن طلبة العلم الذين يدخلون في مرحلة ما يسمى بالبحث الخارج والذين يمكنهم التمييز في التفاصيل التي تردهم من أقوال المجتهدين إنما ينزلون هذه المنزلة من النظر التفصيلي. مع أن الفقهاء يعدونهم ممن ينطبق عليهم حكم التقليد طالما لم يحصلوا على الإجتهاد بعد؛ رغم أنهم يعتبرون من أهل الخبرة في تمييز التفاوت بين درجات العلماء ومراتبهم العلمية، لهذا عدّهم الفقهاء ممن تقام بهم الحجية على العوام في تشخيص الأعلم وسط العلماء. وهنا المفارقة والتناقض، إذ كونهم مُعدّين من أهل الخبرة والإستطاعة على التمييز بين المراتب العلمية للعلماء هو في حد ذاته يُبطل رصفهم مع فئة المقلدين. ذلك أن قدرتهم على التمييز بين المراتب لا تتحقق ما لم يكونوا متمكنين من فهم أدلة العلماء وأذواقهم، وهو في حد ذاته يجعلهم متمكنين من الترجيح بين الأدلة؛ وبالتالي لا يجوز عليهم التقليد. وآية ذلك إنهم كثيراً ما يتعرضون لمناقشة الأدلة التي يعرضها عليهم الأُستاذ.. فكيف يُسمح لمثل هؤلاء أن يكونوا بمرتبةٍ لا تختلف عن مرتبة العوام؟
ب ـ المرتبة الإجمالية
وفي هذه المرتبة يعتمد صاحب النظر على ما يرد إليه من إجمال في الأدلة فيطمئن لبعضها دون البعض الآخر؛ مستعيناً بذلك على ما له من قدرة فطرية يميز فيها ما يراه عقله أنه أقرب إلى الصواب، كما هو حال أغلب المثقفين. فلو أن مثقفاً أو ناظراً سأل جماعة من المجتهدين على مسألة ما ونوع الدليل الذي إعتمدوه على نحو الإجمال مع التوضيح؛ فإن من حقّه أن يختار ما يراه صحيحاً بحسب ما يمليه عليه وجدانه من غير إعتبارٍ للأعلمية والحياة التي يشترطها الفقهاء في التقليد.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من علماء الإتجاهين السني والشيعي قد عدّوا صورة الإجمال في معرفة الدليل مقبولة بخصوص العقائد وعلم الكلام حتى بالنسبة للعامي فضلاً عن المجتهد. فقد عدّوا من الواجب على كل عامي أن يعلم أدلة العقائد ولو إجمالاً لعدم إختصاصه وتبحره، كما هو رأي الشريف المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهما من العلماء والأتباع( 9 6). فإذا كان هذا سليماً رغم أهمية العقائد وكونها تحتاج إلى الأدلة القاطعة؛ فكيف لا يصح الأمر مع الأحكام وهي من الفروع التي لا ترقى إلى مستوى تلك العقائد؟!
بل حتى في الفروع أن العلماء يجيزون الإعتماد على الدليل الإجمالي الذي يسمح بمشروعية الإستفتاء، ومن ذلك قول الشريف المرتضى: >إعلم أن العامي لا يجوز أن يسوغ له العمل بفتيا العلماء إلا بعد أن يكون ممن قامت عليه الحجة بصحة الإستفتاء والعلم بجوازه. ولن يكون كذلك إلا وهو ممن يصح أن يعلم الأحوال التي نشأ عليها صحة الإستفتاء إما على جملة أو تفصيل، لأنه إن لم يكن بذلك عالماً كان مقدماً من العمل بالفتيا على ما لا يأمن كونه قبيحاً، وإنما يأمن أن يكون كذلك بأن يعلم الحجة في جواز الإستفتاء وصحته<( 0 7).
هكذا فمثلما يقال في العقائد: >إن تحرير الأدلة بالعبارات المصطلح عليها ودفع الشبه الواردة فيها ليس بلازم، بل اللازم معرفة الدليل الإجمالي بحيث يوجب الطمأنينة، وهذا ما يحصل بأيسر نظر<( 1 7)؛ فكذا يصح أن يقال نفس الشيء مع أدلة الفقه. بل أن الأولوية تكون مع هذا الأخير لا مع غيره؛ لا لكونه أقل أهمية من العقائد فحسب، بل كذلك بإعتبار أن الذي ينظر في العقائد بالنظر الإجمالي غالباً ما يلجأ إلى ذات الأدلة التي تطرحها عليه بيئته >المذهبية<؛ دون أن يلتفت بجدّية إلى أدلة الخصوم. ولا نغالي لو قلنا أن هذا هو سلوك أغلب العلماء فكيف الحال بالعوام، وذلك بإعتبار أن الشروط التي وضعها العلماء للنظر في العقائد تفرض على الناظر أن يمارس مثل هذا الدور التمثيلي. فهو يدرك - ولو لاشعوراً - أن إعتقاده لو كان مخالفاً لإعتقاد بيئته التي طلبت منه النظر لأصبح من المحكوم عليه بالكفر أو الضلال. وهذا ما لا يواجهه الناظر في الفقه إذا ما أيّد رأياً ورجحه على غيره من الآراء - ما لم يخرج عن المذهب -، لذلك كان الشافعي يقول: >رأيت أهل الكلام يكفر بعضهم بعضاً ورأيت أهل الحديث يخطّئ بعضهم بعضاً، والتخطئة أهون من الكفر<.
من هنا يتبين أنه لا يشترط في علم الفقه وكذا نفس الحال في علم العقائد أن يكون الناظر قادراً على تقديم الأدلة. فضلاً عن أنه ليس كل من لم يقدر على تقديم الأدلة لا يكون عالماً كما نصّ على ذلك الشيخ الطوسي؛ الذي إعتبر تقديم الأدلة صناعة لا يتوقف حصول المعرفة عليها( 2 7).
لكن من الواجب على الناظر أن يكون على بينة وإطلاع فيما يخص معالم الدين الأساسية وأُصول الفقه دون حاجة للدخول في التفاصيل التي يمارسها الفقهاء. ذلك أن الكثير من المبادئ المقررة يمكن ممارستها بشكل تلقائي حتى مع عدم الدقة في معرفتها على نحو التفصيل، شبيه بالممارسة الصحيحة لقضايا المنطق المقررة حتى مع عدم الإطلاع على المنطق، ومثلما هو الحال كذلك بالنسبة إلى فهم المقاصد اللغوية وترجيح بعضها على البعض الآخر حتى مع عدم الإطلاع في الغالب على علم النحو وسائر علوم اللغة. فكل ذلك مما يمكن العمل به بشكل تلقائي رغم جهل المبادئ التي تتوقف عليها. لهذا فإن الناظر لا يحتاج إلى أن يتوقف كثيراً في مباحث الظهور اللغوي والقرائن والعموم والخصوص ومراتب الأدلة وغيرها من المباحث الأصولية( 3 7). وما لم يكن واضحاً لديه فإن من الواجب عليه ممارسة النظر وترجيح ما يراه أقرب إلى الشريعة ومقاصدها.
لذلك فالأولى أن لا يتقيد الناظر بالإجتهاد المذهبي مثلما هو سيرة بعض المجتهدين الذين رجحوا العمل ضمن الإطار الواسع للإسلام دون التقيد بحدود ذلك الإجتهاد، كما هو الحال مع الشيخ محمد جواد مغنية. فمثلاً أنه يقول: >إن مخالفة المذهب ليست مخالفة لواقع الإسلام وحقيقته، بل لصاحب المذهب، وبالأصح للصورة الذهنية التي تصورها عن الإسلام<. كذلك يقول: >آن لنا أن نعيش أحراراً في أفكارنا.. وندع التقليد لمذهب خاص وقول معين، ونختار من إجتهادات جميع المذاهب ما يتفق مع تطور الحياة ويسر الشريعة. وإذا لم يكن التخيّر من المذاهب إجتهاداً مطلقاً فإنه على كل حال ضرب من الإجتهاد<( 4 7).
بل من الاهمية بمكان أن يتربى المسلم ويتدرب على مزاولة التفقه والنظر في آراء الفقهاء ومداركهم الاستدلالية؛ شيئاً فشيئاً بالتدريج، وذلك لأجل الخلاص من نزعة التقليد وطرحها، مثلما سبق ان أشار الى ذلك ابن الجوزي، حيث نصح طالب العلم بقوله: >ينبغي له ان يطلب الغاية في العلم، ومن أقبح النقص: التقليد، فان قويت رقّتْه الى ان يختار لنقسه مذهباً ولا يتمذهب لأحد، فان المقلد أعمى يقوده من قلده<( 5 7).
أهمية النظر على الصعيد الجماعي والأمة
1 ــ النظر وتقنين الأحكام
على ان لطريقة النظر اهميتها الخاصة على الصعيدين القانوني والسياسي. فقد تقتضي الضرورة تشكيل لجان خاصة لصياغة القرارات الدستورية والقانونية وذلك طبقاً للنظر في ادلة اجتهاد الفقهاء والعمل على ترجيح بعضها على البعض الآخر. وهو عمل ربما دعت اليه الضرورات الحديثة لأجل التطبيق ولو ضمن حدود ضيقة جداً. أما قبل ذلك فالشاهد التاريخي يفتقر لأي محاولة جادة عملت على النظر في الأحكام المتضادة للفقهاء وترجيح بعضها على البعض الاخر، ومن ثم تحويلها الى صياغات قانونية موحدة وملزمة لأفراد المجتمع. لكن مع هذا الغياب فان الفكرة والدعوة الى ذلك الأمر لم تنعدم كلياً. ونحن نعترف بان الأمر يتعلق بشاهد يتيم لم يكتب له النجاح ولم يولّد غيره؛ إلا ان عراقته من جانب، وكونه يكشف عن حاجة مزمنة وموغلة في القدم لازالت لم تسدد بعد الى يومنا هذا؛ هو ما يجعل منه ذا أهمية خاصة.
ففي بدء الخلافة العباسية وصى الكاتب عبد الله بن المقفع (المتوفي خلال العقد الخامس من القرن الثاني للهجرة) الخليفة ابا جعفر المنصور في رسالة له تحدث فيها عما رآه من تزايد في اختلاف الآراء وتضارب الاحكام القضائية من قبل الفقهاء، فاقترح عليه توحيد الاحكام وإلزام الناس عليها، وذلك بعد النظر في موارد الاختلاف وترجيح بعضها على البعض الاخر. اذ قال في (رسالة الصحابة) الى المنصور: >ومما ينظر أمير المؤمنين فيه من أمر هذين المصرين - البصرة والكوفة - وغيرهما من الامصار والنواحي، اختلاف هذه الاحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمراً عظيماً في الدماء والفروج والاموال، فيستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة، ويكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة فيستحل في ناحية منها ما يحرّم في ناحية اخرى. غير انه على كثرة ألوانه نافذ المسلمين في دمائهم وحرمهم يقضي به قضاة جائز أمرهم وحكمهم. مع انه ليس مما ينظر في ذلك من أهل العراق وأهل الحجاز فريق الا قد لجّ بهم العجب بما في ايديهم والاستخفاف ممن سواهم، فأقحمهم ذلك في الامور التي يغضب لها من سمعها من ذوي الألباب. أما من يدعي لزوم السنة منهم فيجعل ما ليس سنة سنة، حتى يبلغ ذلك به الى ان يسفك الدم بغير بينة ولا حجة على الامر الذي يزعم انه سنة، واذا سئل عن ذلك لم يستطع ان يقول هريق فيه دم على عهد رسول الله (ص) او أئمة الهدى من بعده..<. ثم قال: >فلو رأى امير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع اليه في كتاب، ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة او قياس، ثم نظر في ذلك امير المؤمنين وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله، ويعزم له عليه عزماً وينهى عن القضاء بخلافه، وكتب بذلك جامعاً لرجونا ان يجعل الله هذه الاحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكماً واحداً صواباً، ورجونا ان يكون اجتماع السير قربة لاجماع الامر برأي امير المؤمنين وعلى لسانه ثم يكون ذلك من إمام اخر، اخر الدهر إن شاء الله<. ثم انه يؤكد بأن اختلاف الاحكام قد يكون ناتجاً عن المأثور عن السلف مما هو غير مجمع عليه، حيث يراه قوم على وجه، ويراه آخرون على وجه آخر. لذلك فهو يوصي بأنه لا بد ان >يُنظر فيه الى أحق الفريقين بالتصديق وأشبه الامرين بالعدل<( 6 7).
2 ـ المزاوجة بين الشورى والنظر
لكن اذا ما كانت خطوة ابن المقفع موضوعة لنظام فردي؛ فلا مانع من أن يتم تجسيدها بصورة جماعية، يكون العمل فيها متزاوجاً بين طريقتي الشورى والنظر. أي ان النظر في ادلة المجتهدين يكون جماعياً بحسب الشورى. ونحن نجد في الفترة الحديثة اصداء لهذه الطريقة لدى دعاة الانفتاح على المذاهب والمجامع الفقهية وإن كان ضمن اطر محدودة. كذلك قد يقال فيما مورس من مهام قانونية في بعض المجالات مما فرضتها التطورات الحديثة وضغوط الواقع.
وهو أمر مثلما يمكن للفقهاء القيام به؛ فان من الممكن أيضاً لغيرهم ممارسته ممن لهم الرصيد الثقافي والاسلامي.
وقد يقال ان النتائج المتمخضة عن ممارسة الفقيه هي أقرب الى مراد الشرع وحقيقته، وذلك لما يتمتع به الممارس من عمق وتخصص.
والجواب على ذلك انما يأتي بحسب النقاط التالية:
1 ـ ان ممارسة النظر ليس من وظيفتها استخدام آليات الاجتهاد، ونحن هنا قد فرضنا الفقيه ناظراً وليس مجتهداً. فهو في هذه الحالة انما يعتاش على مائدة غيره من الفقهاء المجتهدين، وبالتالي فلا فرق بينه وبين الناظر الذي يمارس نفس هذا الدور. أي ان نتاج كل منهما انما هو نتاج الفقيه المجتهد المتخصص.
2 ـ ان صفة التخصص ليست كافية لجعل النتائج أقرب الى مراد الشرع. ذلك ان الأمر من جانب أهم يعتمد على طبيعة المنهج المتبع. فلو كان المنهج صارماً متصلباً ويعاني من مشكلة مزمنة فان النتائج المترتبة عنه لا بد وان تبتعد عن مسار الأقربية والتوافق مع مراد الشرع. وهنا يلاحظ ان منهج الفقيه لا يخلو من هذه العقدة، رغم ممارساته التاريخية الطويلة والعمق الذي يتحلى به. فهو يحمل منهجاً متصلباً يمنعه في كثير من الأحيان أن يكون ملائماً لحل مشاكل الواقع، بله القرب من مراد الشرع.
3 ـ لا بد ان نفهم بأن للمثقف دائرتين معرفيتين، إحداهما تتداخل ضمن دائرة الفقيه الواسعة، فتدور في حياضها وضمن مدارها، وهي دائرة النظر كما حددنا أُفقها. لكن في القبال هناك دائرة أخرى للمثقف قد تتقاطع مع دائرة الفقيه دون ان تتداخل معها، وذلك طبقاً للمرتكزات المعرفية التي تتحكم في نتائج كل منهما. الأمر الذي يعفي المثقف من صلابة منهج الفقيه، مما يساعده في افراز نتائج مقبولة قد تكون هي الأقرب الى مراد الشرع ضمن اعتبارات محددة كما ستأتينا الاشارة الى ذلك في خاتمة هذا الكتاب، وقد طرحنا هذه القضية بشكل دراسة متممة ومستقلة، كما في (القطيعة بين المثقف والفقيه).
أخيراً
اشير أخيراً الى انه بعد مرور اكثر من سنة ونصف على الطباعة الاولى لكتابي هذا (والمنشور سنة 1997م)؛ صادفت كتاباً له اهمية خاصة بالنسبة الى الموضوع الذي استهدفته وطرقته بالبحث. اذ وجدت فيه أمرين متلازمين، أحدهما انه يشير بصراحة الى الطريقة التي اطلقت عليها النظر، وهي الخاصة بفئة من الناس ليسوا من العلماء المختصين ولا من العوام المقلدين. أما الآخر فهو انه قد استدل على صحة الطريقة ببعض الأدلة التي اعتمدناها، كما في الدليل المستمد من آية الزمر/ 8 1. كما أثار دليلاً آخر على سبيل السجال لاقناع الخصم، وهو يقارب ما ذكرناه في بعض مناقشاتنا التي اوردناها ضمن عنوان (المرتبة الاجمالية) لمراتب طريقة النظر. والكتاب المشار اليه هو (حقائق الاحكام في رسالات الاسلام) للمرحوم الشيخ محمد بن عبد الرزاق الكاظمي( 7 7). فهو في كتابه يسلك منهجاً تعليمياً عبر إثارة السؤال ليجيب عليه. ومن ذلك انه يسأل فيما نحن بصدده فيقول: ما هو موقف الناس من اختلاف الفقهاء؟
وهو يجيب عليه بقوله: >ان مدارك الناس مختلفة وعقولهم متفاوتة فمنهم من له أهلية التمييز وهم أهل البصائر والعقول المتينة، فهؤلاء يلزمهم أن ينظروا في الأقوال ويأخذوا بالقول الحسن كما قال تعالى: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أُولو الألباب)). هذا مع امكان النظر لهم والا سقط عنهم. أما أهل الأهواء والعقول الضعيفة وهم الاكثرية فهؤلاء ليسوا من أهل التمييز، فهم لا يذعنون لدليل ولا برهان والحق عندهم تابع لأهوائهم وشهواتهم فيحرم عليهم الخوض في اقوال العلماء وترجيح قول هذا الفقيه على ذلك<.
ثم يستأنف السؤال مرة اخرى قائلاً: صريح كلامكم يدل على أن قسماً من الناس غير الفقهاء يمكنهم تمييز القول الاحسن. فهل يمكن ايضاح هذا القول ودعمه بالدليل؟
ويجيب عليه بالقول: >نعم ان أحكام الاسلام جاءت لكافة الناس وقد ادركها على الاجمال المسلمون وفيهم أعراب الجاهلية فعملوا بها بقيادة النبي (ص) ففازوا وسعدوا ولم يكن الاسلام ألغازاً وتعمية كما لم يكن الرسول ليتكلم بغير ما يفهمه الناس >وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه<. اذن فليس من الصعب ان يفهمه من هم خير من أولئك الأعراب ادراكاً اذا جردنا الاسلام مما أُدخل فيه من الزخارف وقطعنا الأشواك التي زرعت في طريقه، ثم ان العلماء أوجبوا على كل أحد معرفة اصول الدين بالادلة والبراهين، ومعرفة الدليل تستدعي ان يكون للمكلف تمييز رجح به دليل خصومه، فاذا جاز حصول التمييز لغير الفقيه في الاصول جاز حصول التمييز له في الفروع بطريق أولى<( 8 7).
وواضح مما قدمنا ان الشيخ الكاظمي يدعو أهل التمييز من غير المختصين الى مزاولة النظر في الآراء الفقهية وعدم الركون الى التقليد، وذلك في وسط تتزاحم فيه أشكال التقليد والجمود مما هو بعيد عن روح الاسلام ومقاصده.
الهوامش
( 1) الهمداني، القاضي عبد الجبار: المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج 2 1 (كتاب النظر والمعارف)، ص 4.
( 2) انظر مثلاً: الإعتصام للشاطبي، ج 3، ص 2 5 2ـ 4 5 2.
( 3) أعلام الموقعين، ج 2، ص 6 4 2.
( 4) مواهب الجليل ص 0 3.
( 5) أعلام الموقعين، ج 2، ص 1 0 2 و 1 1 2. والاحكام لابن حزم، ج 2، ص 5 2 1. وابو حنيفة، ص 1 6.
( 6) الإحكام لإبن حزم، مطبعة السعادة، ج 6، ص 6 5 و 3 2 1 و 9 4 1ـ 0 5 1. والموافقات، ج 4، ص 9 8 2.
( 7) القول السديد، ص 1 2.
( 8) أعلام الموقعين، ج 2، ص 0 0 2. وحجة الله البالغة، ج 1، ص 5 5 1.
( 9) تاريخ المذاهب الاسلامية، ص 8 4 5.
( 0 1) موجز تاريخ تجديد الدين واحيائه، ص 6 9ـ 7 9.
( 1 1) هداية الموفقين، ص 5 6.
( 2 1) مواهب الجليل، ص 0 3.
( 3 1) الحبل المتين، ص 6.
( 4 1) العقود الدرية لابن عابدين، ص 3 3 3.
( 5 1) هداية الموفقين، ص 7 6ـ 8 6.
( 6 1) صفة الفتوى، ص 1 7.
( 7 1) صفة الفتوى، ص 2 7.
( 8 1) رسالة المصلحة للطوفي، نفس المعطيات السابقة، ص 5 3 1.
( 9 1) صفة الفتوى، ص 2 7.
( 0 2) حجة الله البالغة، ج 1، ص 5 5 1.
( 1 2) حجة الله البالغة، ج 1، ص 5 5 1.
( 2 2) الإعتصام، ج 3، ص 2 5 2ـ 4 5 2.
( 3 2) مشارق انوار العقول، ص 6 7.
( 4 2) مثلاً يقول القرضاوي: >ولهذا حررت نفسي من ربقة التمذهب والتقليد، فانه أمر مستحدث لم يعرفه سلف الامة، وقد نهى الائمة انفسهم عن تقليدهم، ومن قلد فقيهاً في كل مسألة - وإن ظهر ضعف دليلها أو خطؤه - فكأنما اتخذه شارعاً، وفي التقليد ابطال للعقل ومنفعته، كما قال ابن الجوزي: (لأنه خُلق للتدبر والتأمل، وقبيح بمن أُعطي شمعة يستضيء بها ان يطفئها ويمشي في الظلمة). وقال غيره: لا يقلد إلا عصبي او غبي< (فقه الزكاة،ج 1، ص 1 2). كما يقول الشيخ علي الطنطاوي: >الحق انه على المسلم ان يتفقه اولاً في مذهب معين، فيعرف أحكام دينه، ثم ينظر في دليلها، ويحاول ان يتعلم ما يعين على معرفة طرق الاستدلال وقوة الدليل، ثم ينظر، فان رأي دليلاً ثابتاً اقوى من دليل مذهبه اخذ به، وقد بين ابن عابدن في اول الحاشية ان الحنفي المقلد الذي يجد حديثاً صحيحاً على خلاف مذهبه، عليه ان يأخذ به، لا سيما في العبادات، وليس يخرج في ذلك عن كونه حنفياً؛ والله قد اوجب على المسلم اتباع الكتاب والسنة، ولم يلزمه بمذهب من المذاهب الاربعة ولا غيرها، وما التقليد الا رخصة للعاجز عن الاخذ من الكتاب والسنة< (عن: الغزالي، محمد: مشكلات في طريق الحياة الاسلامية، ص 4 4 1ـ 5 4 1).
( 5 2) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 1 5 4.
( 6 2) مقالات الإسلاميين وإختلاف المصلين، ص 0 8 4.
( 7 2) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص 4 7 1ـ 5 7 1.
( 8 2) مجموع فتاوى ابن تميية 0ج 3 3، ص 8 6 1 (كتاب الطلاق).
( 9 2) الفواكه العديدة، ص 3 4 1.
( 0 3) إرشاد الفحول، ص 8 6 2.
( 1 3) عباسي، عيد: الدعوة السلفية وموقفها من الحركات الأُخرى، ضمن ندوة إتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر، ص 4 1 2ـ 5 1 2.
( 2 3) ورد شبيه بهذا الحديث عن النبي (ص)، وهو أنه قال: >إستفت قلبك وإستفت نفسك، البِرّ ما إطمأنت إليه النفس وإطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك< (الإعتصام، ج 2، ص 2 4 3ـ 3 4 3). كما ورد ما يماثل هذا الحديث في المصادر الشيعية عن الإمام الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن النبي قوله: >.. البِرّ ما إطمأنت إليه النفس، والبِرّ ما إطمأن به الصدر، والإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك< (الوسائل، ج 8 1، أبواب صفات القاضي، باب 1 1، حديث 4 3، ص 1 2 1).
( 3 3) أعلام الموقعين، ج 4، ص 4 5 2. انظر ايضاً: صفة الفتوى، ص 6 5.
( 4 3) عن: مقدمة محمد تقي القمي للمختصر النافع للحلي، ص ي.
( 5 3) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 1 2.
( 6 3) فرائد الأُصول، ج 2، ص 6 0 5.
( 7 3) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 9 1.
( 8 3) نفس المصدر، ص 9 9 1.
( 9 3) عوائد الأيام، ص 2 9 1. والفصول الغروية، ص 6 1 4.
( 0 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 8 6 3 .
( 1 4) نفس المصدر السابق، ص 9 4 2.
( 2 4) كفاية الأُصول، ص 2 4 5.
( 3 4) عناية الأُصول، ج 6، ص 2 4 2.
( 4 4) الفصول الغروية، ص 3 2 4 ـ 4 2 4.
( 5 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 8 1 و 9 1 و 3 8.
( 6 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 3 8 ـ 4 8.
( 7 4) معارج الأُصول، ص 7 9 1. ومعالم الدين، ص 5 8 3ـ 6 8 3 .
( 8 4) صفة الفتوى، ص 0 8 ـ 1 8. وانظر ايضاً: تهذيب الفروق،ج 2، ص 7 2 1.
( 9 4) الزمر/ 8 1.
( 0 5) الطبرسي: مجمع البيان، ج 8، ص 1 9 3.
( 1 5) الطبري: جامع البيان، ج 3 2، ص 2 3 1.
( 2 5) الكشاف، ج 3، ص 3 9 3.
( 3 5) الآلوسي: روح المعاني، ج 3 2، ص 3 5 2.
( 4 5) الميزان، ج 7 1، ص 0 5 2 و 1 0 2.
( 5 5) فرائد الأُصول، ج 1، ص 5 8 1 .
( 6 5) قوانين الاصول، ص 3 4 4.
( 7 5) فرائد الاصول، ج 1، ص 7 1 2 ـ 8 1 2 .
( 8 5) معالم الدين، ص 6 4 3. وفرائد الصول، ج 1، ص 5 3 2 .
( 9 5) أنظر حول ذلك المصادر التالية: المستصفى، ج 2، ص 1 9 3. الإحكام للآمدي، ج 4، ص 7 5 4 ـ 8 5 4. فواتح الرحموت، ج 2، ص 5 0 4. الموافقات، ج 4، ص 2 9 2. الإعتصام، ج 3، ص 5 5 2. جواهر الكلام، ج 0 4، ص 3 4 .
( 0 6) فرائد الأُصول، ج 1، ص 8 0 2 .
( 1 6) الإجتهاد والتقليد، ص 7 2 2 ـ 8 2 2 .
( 2 6) الكفاية، ص 2 4 5. وعناية الأُصول، ج 6، ص 2 4 2 و 3 4 2 .
( 3 6) الفصول الغروية، ص 3 2 4ـ 4 2 4 .
( 4 6) المصدر السابق، ص 6 1 4 .
( 5 6) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص 4 0 1 و 6 0 1.
( 6 6) شورى الفقهاء، ج 1، ص 3 4 3 و 7 4 3 .
( 7 6) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 1 3 .
( 8 6) المستصفى، ج 2، ص 4 8 3 .
( 9 6) رسائل المرتضى، ج 2، ص 1 2 3. وعدة الأُصول، ج 1، ص 5 5 3 وما بعدها. وفرائد الأُصول، ج 1، ص 8 4 1 .
( 0 7) الرسائل، ج 2، ص 0 2 3 .
( 1 7) معالم الدين، ص 7 8 3 .
( 2 7) فرائد الأُصول، ج 1، ص 8 4 1 .
( 3 7) بل قد سبق أن عرفنا أن بعض العلماء لا يشترط أن تكون دراسة علم أُصول الفقه مقدمة للإجتهاد، حيث يكفي لحيازة الإجتهاد أن يكون طالب العلم مقتصراً في الأُصول على الإحاطة بالمسلمات والمشهورات بين العقلاء والعلماء وما هو المعتبر لدى الأذهان المستقيمة، وكل ذلك عنده متوفر في كتب الفقه الإستدلالية، أما التدقيقات العقلية والإحتمالات البعيدة التي تعج بها كتب الأُصول فهي عنده من الحشو والفضل التي لا عبرة بها (انظر: تهذيب الأُصول للسبزواري، ج 2، ص 1 1 1). كذلك الحال فيما اتجه اليه الشيخ حسن العاملي وابن اخته السيد محمد بن علي الموسوي على ما عرفنا سابقاً.
وعلى سبيل المشافهة نقل لي بعض الاصدقاء ما قيل من ان السيد الخوئي كان يقول في أواخر حياته ما معناه: لقد قضيت من عمري ست وستين سنة في علم الاصول هدراً!
( 4 7) الفقه على المذاهب الخمسة، المقدمة، ص 8 و 9 .
( 5 7) عن: مشكلات في طريق الحياة الاسلامية، ص 4 4 1.
( 6 7) ابن المقفع: رسالة في الصحابة، ضمن آثار ابن المقفع، مقدمة واشراف عمر ابو النصر، دار مكتبة الحياة، بيروت، ط 1، 6 9 9 1م، ص 3 5 3ـ 4 5 3. كذلك: الأنباري، عبد الرزاق: منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، ص 1 6 و 2 6. أمين، أحمد: ضحى الاسلام، ج 1، ص 8 0 2ـ 0 1 2.
( 7 7) يبدو لي من عدد من القرائن ان النسخة التي صادفتها كانت من النسخ القليلة او النادرة، وهي النسخة الخاصة بأهل بيت المرحوم الكاظمي وهم في دار الغربة، وقد حصلوا عليها قريباً بمساعدة بعض اقربائهم في دار المقام.
( 8 7) حقائق الاحكام في رسالات الاسلام، ص 6 2ـ 7 2.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق