حضارة بين حضارتين
(مقارنة بين الحضارة الاسلامية والحضارتين اليونانية والغربية)
يحيى محمد
لعل من المسلمات الاساسية للفكر الحديث اعتباره ان تاريخ البشرية ـ ككل ـ لا يحتضن سوى ثلاث حضارات ثقافية منظرة للعالم، هي الحضارة اليونانية القديمة، والحضارة الاسلامية الوسيطة، والحضارة الغربية الحديثة التي لا زالت ممتدة منذ عصر النهضة الى يومنا هذا.
وبعبارة اخرى، ان الفكر الحديث لم يشكك في كون هذه الحضارات الثلاث هي وحدها التي قدّر لها ان تتمظهر بمظهر الثقافة المنظمة من التنظير والتفكير بعيداًـ نسبياً ـ عن الرؤى السحرية والاسطورية. فعلى الرغم من ظهور حضارات كثيرة ظلت حية فترات طويلة من الزمن قبل ان تتلاشى وتصبح اثراً بعد عين، على الرغم من ذلك فليس هناك ما يؤكد انها مارست مهام التنظير المنظم في علومها ومعارفها. اذ لا نجد سوى ظنون تثار ضد اصالة العلم اليوناني بارجاعه الى صيغة مستلبة في الاصل من حضارة الشرق القديمة، كالقول الذي ينقله الفارابي في >تحصيل السعادة< من ان للفلسفة وجوداً عند الكلدانيين في العراق ومن ثم في مصر قبل انتقالها الى اليونان.. او مزاعم وآمال قد علّقها القدماء لصالح اثبات اصالة التنظير لدى بلاد فارس في بعض العلوم، مثل المنطق والفلسفة وما على شاكلتهما، كالذي يخبرنا عنه ابن سينا في مقدمة كتابه >منطق المشرقيين<، وكذلك شيخ الاشراق السهروردي الذي يرجع فلسفة الاشراق الى ما قبل اليونان في بلاد فارس.
ومع ان حضارات العالم الثلاث لم تتزامن مع بعضها، اذ الحضارة الاسلامية جاءت بعد افول الحضارة اليونانية، كما ان الحضارة الغربية اخذت تنمو باطراد وقت تراجع الحضارة الاسلامية وتقهقرها، فالملاحظ ان هناك خطاً زمنياً وراء البزوغ والافول يدعو الباحث الى ان يتساءل عن علاقة هذه الحضارات ببعضها: فهل كانت تبحث عن اشكالية مشتركة، ام لكل منها اشكاليتها الخاصة؟ ثم : هل كانت تعبر عن علاقة خطية واحدة ذات حلقات متصلة بحيث يستضيء بعضها بنور البعض الآخر، ام انها تمتاز بقواطع معرفية تامة؟ او كونها تشكل هجيناً مخضرماً من الامتزاج والتداخل في الثقافة التي كانت تحملها، الى الدرجة التي تغيب عنها الاصالة المطلقة باستثناء الحضارة الاصل؟ وبعد ذلك :هل ان هذه الحضارات كانت تعبر عن طموح موحد وهدف مشترك، ام انها تضاربت في الميول والغايات؟
هذه التساؤلات المتلازمة ضمن >اشكالية الحضارة< قد تنقلب الى تساؤلات موظفة للبحث عن شؤون حضارتنا>الغائبة<. ذلك انها كانت بين حضارتين، فهي حضارة >ما قبل< و>مابعد<، مما يعني ان السؤال الذي قد يجول في الاذهان هوعما اذا كان لحضارتنا شيء من التأثر والتأثير على الحضارتين الاخريتين، فهل هي عبارة عن انجرار ثقافي لحضارة >ما قبل <، في الوقت الذي كان لها دورها في ضمان خط التواصل الحضاري، بمنح اكسير الحياة وتحويله الى حضارة >ما بعد<؟
ربما يذكرنا هذا التساؤل بلحظة التزامن بين ظاهرتي التراجع والتقدم للحضارتين الاسلامية والغربية، مما قد يبعث في الاذهان تصور بأن الحضارة الاولى لم يكن لها ان تتراجع لولا ما اعطت من ذاتها مقوماتها للحضارة الاخرى، فأصيبت من جراء ذلك بالنحول والعجز، وان الاخرى لم يشأ لها ان تتقوم بذاتها لولا انها قد امتصت مصادر القوة والقدرة من الاولى.
وقد ينقلب السؤال الآنف الذكر الى طرح معاكس، فيمكن ان نتساءل عما اذا كانت حضارتنا تحمل خصائص متميزة بالاصالة، تجنبها الوقوع في التداخل الثقافي مع الحضارتين الاخريتين، كدائرة مغلقة وسط هاتين الدائرتين؟
لكي نستوضح طبيعة التواصل الثقافي والعلاقة بين حضارات العالم الثلاث، ودور حضارتنا وسطها، لا بد ان نتعرف اولاً عن طبيعة الاشكالية التي استقطبت تفكير كل منها.
ويبدو انه لا توجد صعوبة في تحديد نوع الاشكالية التي استغرقت تفكير الحضارة الغربية، فمن المعلوم ان هذه الحضارة تتصف اساساً بالعلم والتصنيع والتنظيم، سواء التنظيم الاجتماعي أو السياسي او الاقتصادي او الاداري او العلمي الخ.. فهي بالتالي حضارة علم وصناعة وتنظيم.
اما نوع الاشكالية التي استنفدت جهد التفكير داخل الحضارة اليونانية فهي الفلسفة والغنوص، بما تعبر عن تأملات الوجود ومراتبه الحتمية استناداً الى بعض المبادئ الاساسية وبعيداً عن التجربة والتحقيق العلمي، وبالتالي فهي حضارة ميتافيزيق او ما وراء الطبيعة. فمع ان وظيفة هذه الحضارةكانت من اجل توضيح حقائق الوجود بما في ذلك الكشف عن علاقات الطبيعة، خاصة لدى طبيعيات ارسطو، الا انها ليست حضارة علم وفيزيقا بالمعنى المألوف لهذه الكلمة. ذلك انها لا تبحث عن علاقات الطبيعة كـ>موضوع في ذاته< او من خلاله، بل على العكس انها تحدد هذه العلاقات من الخارج بطريقة التعالي الترانسدنتالي على ضوء المبادئ المسلم بها سلفاً. فهي تعتبر نظام الطبيعة يخضع ولا يختلف عن نظام العقل، فما يقرره العقل هو نفسه ما يطابق نظام الطبيعة والعالم اجمع. بل ان معنى العقل الذي حدده ارسطو انما يعني النظام الكلي للعالم، وهو نفس التحديد الذي سار عليه فلاسفة الاسلام، والذي يستبطن القول بوحدة الوجود كلازم من لوازم مبدأ >السنخية< او التشابه بين مراتب الوجود، الذي لم يفارق العقل اليوناني بما يعبر عن طريقة في التفكير، كما لم يفارق سائر امتدادات هذا العقل لدى كل من فلاسفة العهد الهيليني والاسلامي. فكما اتضح لنا من قبل أن مبدأ السنخية قد وقف وراء صور التفكير التي حددت نماذج العقلية اليونانية منذ اول الفلاسفة طاليس وحتى ارسطو، وظل يتحكم في طريقة الانتاج الفلسفي، سراً وعلانية، حتى تكشفت استاره مع فلاسفة العهد الهيليني والاسلامي، مثلما هو الحال مع نومينيوس وافلوطين وفورفوريوس والاسماعيلية والفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجه وابن رشد وابن طفيل ومحي الدين بن عربي وصدر المتألهين وغيرهم.
اما اشكالية الحضارة الاسلامية فهي ليست معبئة بحمولة فيزيقية كما هو الحال مع حضارة >ما بعد<، ولا بحمولة ميتافيزيقية كما مع حضارة >ما قبل<، بل ان حمولتها كانت تمثل العلاقة بين الفيزيق والميتافيزيق، بين عالم الشهادة وعالم الغيب، بين الانسان وخالقه. فاذا كانت الاشكالية الحضارية لدى اليونان ذات طبيعة وجودية حتمية مصدرها السنخية، وكانت الاشكالية الحضارية لدى الغرب تتردد بين الحتمية ونفيها ضمن الوجود الطبيعي دون ان تتعداه، فان اشكاية الحضارة الاسلامية ليست من هذا النمط او ذاك، اذ هي لا طبيعية ولا وجودية عامة، بل هي معيارية تسود فيها قيم الدين والعبادة والفقه والكلام والتكليف، وبالتالي فانها حضارة دين وفقه وكلام ولغة واخلاق الخ. . كل ذلك يتمحور باتجاه >نظرية التكليف< التي تربط بين الغيب والشهادة بعلاقة الامر والنهي والوجوب والحرمة والحلال والحرام والمستحب والمكروه والحسن والقبيح.
هكذا ان الحضارة الاسلامية هي >حضارة تكليف<، ذلك ان اغلب العلوم التي استغرقتها هذه الحضارة انما تتعلق بنظرية التكليف، سواء على نحو ما هو >موضوع في ذاته< حين يكون موضوع العلم هو التكيف ذاته، او على نحو ما هو >موضوع لاجله< عندما لا يكون موضوع العلم هو التكليف، بل غرضه، كما في اللغة والكلام على ما سبق أن عرفنا ذلك، مما يجعل من نظرية التكليف ليست مجرد اشكالية قد طغت على غيرها من الاشكاليات الاخرى داخل الحضارة الاسلامية، بل الاهم من ذلك هو انها شكلت فعلاً البنية الاساسية في جهاز التفكير للعقل الاسلامي، الشيء الذي يعني انه اذا كان لسائر الاشكاليات الاخرى قابلية للانقطاع والاندثار، فان هذه الاشكالية لا يمكنها ان تنقطع الا باندثار العقل الاسلامي ذاته، وهو ما يفسر لنا ظاهرة امتداد هذا العقل وديمومته الى يومنا هذا، وان كان عيبه هو انه اتخذ طريق الاستصحاب والتكرار، لا فقط مع الموضوعات التي كان يتناولها، بل حتى مع طريقة اداء دوره في التوليد، فهو يتعالى عن الواقع ويتحرك ضمن >فضاء< يتخذ منه سلوكاً للنزول، معبّراً في هذا المعبر من الحركة عن >حق الله< فيما يحدده المكلِّف من واجبات على المكلَّف.
ان ما يميز هذا العقل عن >الآخر< اليوناني والغربي، هو انه وان كان يتفق مع العقل اليوناني في تحديد طريقة السير بين الفيزيق والميتافيزيق، وذلك بطريقة التنزل من فضاء التجريد الى الواقع، خلافاً للعقل الغربي الذي يتخذ مسيراً معاكساً في الاتجاه، فرغم ذلك فان هناك تعارضاً مستقطباً لدى طبيعة قراءة هذا العقل بالقياس الى >الآخر<، فاذا كانت طبيعة القراءة لدى العقل اليوناني هي >وجوديةحتمية<، ولدى العقل الغربي >طبيعية< لا تلتزم في الغالب بالحتمية المتشددة، بل وتتنكر لها احياناً، كما يظهر مما لدى اصحاب جامعة فينا واصحاب نظرية الكوانتم وغيرهم. . فان قراءة العقل الاسلامي ليست من طبيعة ذلك >الآخر<، فهي قراءة >معيارية< لا تتناسب مع حتمية عقل >ما قبل<، ولا مع موضوع عقل >ما بعد<، وبالتالي فانها ليست حتمية ولا طبيعية. بل ان ذلك التمايز بين العقول الثلاثة قد طبع اثره حتى على نفس مفهوم >العقل<. اذ اصبح تعريف >العقل< محدداً لطبيعة القراءة العقلية ـاي طريقة الانتاج المعرفي ـ لدى كل من الحضارات الثلاث. فلدى حضارة اليونان يقصد بالعقل بانه النظام الكلي للعالم(67). ولدى حضارةالغرب، فعلى ما صوره البعض بانه عبارة عن قواعد مستخلصة من موضوع ما(77). اما لدى الحضارة الاسلامية فهو في الدرجة الرئيسية عبارة عن قواعد للسلوك والاخلاق، كما يستخلص ذلك من المعاجم اللغوية وغيرها. فكما عرفه المحاسبي بانه >غريزة جعلها الله في الممتحنين من عباده، أقام به على البالغين للحلم الحجة<(87) وعرفه ابن حزم بأنه >استعمال الطاعات والفضائل.. وهو في اللغة المنع: تقول عقلت البعير اعقله عقلاً..<(97). وعرفه القاضي الهمداني بأنه عبارة عن جملة من العلوم المخصوصة، متى حصلت في المكلف صحّ منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ماكُلّف به. واعتبر أنه قد وُصف بهذا اللفظ لوجهين أحدهماـ وهو مانحن بصدده ـ وهو >انه يمنع من الإقدام عما تنزع إليه نفسه من الأمور المشتهاة المقبحة في عقله، فشُبِّه هذا العلم بعقل الناقة المانع لها عما تشتهيه من التصرف، والثاني ان معه تثبت سائر العلوم المتعلقة بالفهم والاستدلال. فمن حيث اقتضى ثبات سائرالعلوم المتعلقة بالفهم والاستدلال شبّه بعقل الناقة المقتضي لثباتها<(08).
ومن الواضح أن التعاريف الآنفة الذكر للعقل تستبطن التمايزات في طبيعة الاشكالية والقراءة لكل من حضارات عقول العالم الخالدة. فالتعريف اليوناني يضمر خاصية التطابق بين العقل والعالم اجمع، طبقاً لاعتبارات السنخية من التشابه بين مراتب الوجود ككل، الشيء الذي يعني ان العقل له بنية مطلقة قادرة على تحديد علاقات الطبيعة سلفاً دون حاجة للتجريب والتحقيق.
اما التعريف الغربي فانه لا يضمر تلك الخاصية من التطابق بين العقل والطبيعة، بل الشيء الذي يستبطنه هو ضرورة الاتصال بينهما كي يمكن استخلاص قواعد الاول من الآخر. وطبقاً لهذا التعريف فان العقل لا يفرض نفسه على الطبيعة كما هو الحال مع العقل اليوناني، بل على العكس انه يخضع لها لا كمجرد تابع فحسب، وانما كذلك كمتظلل بالنسبية التي يحملها الموضوع الخارجي، اذ تصبح بنيته نسبية هي الاخرى ما دام انه يخضع باستمرار لاعتبارات التجربة والتحقيق التي يثيرها الموضوع الخارجي ذاته.
في حين ان >العقل< في التعريف الاسلامي الآنف الذكر ليس فيه اثر وجودي، ولا له علاقة بالطبيعة، فبنيته معيارية محددة سلفاً على نحو >الاطلاق< الامر الذي يجعلها تناسب اشكالية التكليف، اذ لا تكليف من غير معيار.
هكذا ان القراءة المعيارية للعقل الاسلامي تجعل من الحضارة الاسلامية تختلف جذراً عن حضارة >ما قبل< وحضارة >مابعد<. فهي حضارة فريدة اصيلة ليس لها نظير من قبل ولا من بعد. ذلك ان اعتبار العقل الاسلامي ذا بنية معيارية تبعاً للاشكالية التي استغرقته حتى كاد يستنفد فيها كل طاقته ونشاطه الذهني، لهو جدير بمنح المبرر الكافي للقول بان حضارتنا هي حضارة معيارية، وبالتحديد انها حضارة تكليف قبل ان تكون اي شيء آخر.
ولا شك ان الاختلاف في نمط الاشكالية بين الحضارات الثلاث يعكس اختلاف الطموح الذي تهدف اليه كل منها. فطموح الحضارة الغربية هو >الهيمنة< بجميع ابعادها الطبيعية والاجتماعية، وما ظاهرة الاستعمار سواء كان احتلالاً او انتداباً او وصاية او حماية او غير ذلك، الا صور متعددة تعبر عن ذلك الطموح. وكذلك ظاهرة الغزو الثقافي هي الاخرى تدخل في نفس الاطار من الهيمنة والتي يحتمل لها ان تأخذ ابعاداً خطيرة في المستقبل من خلال سهولة وسرعة تداول المفاهيم والاعلام والثقافة الغربية نتيجة التقدم العلمي التكنولوجي والتقني.
اما طموح الحضارة اليونانية فهو >الكمال المعرفي< تبعاً لبلوغ العقل المفارق والاتحاد بعالم الغيب وتحقيق السعادة القصوى. وفعلاً ان التطور العقلي الذي شهدته اليونان له دلالة على هذا الطموح ذي البنية >الفردية< وسط مجتمع العوام. وقد جاء عن ابن رشد انه اعتبر الشريعة الخاصة بالحكماء هي الفحص عن جميع الموجودات >اذ كان الخالق لا يعبد بعبادة أشرف من معرفة مصنوعاته التي تؤدي الى معرفة ذاته سبحانه على الحقيقة، الذي هو أشرف الأعمال عنده واحظاها لديه<(18).
في حين ان طموح الحضارة الاسلامية فهو >الطاعة لحق الله<، باعتبارها حضارة تكليف يهمها بالدرجة الاساسية ان يكون الانسان في طاعة الله وعبادته تبعاً لـ>نص الخطاب< الذي صنعت منه اشكاليتها الخاصة.
موقع الفلسفة والتصوف وعلوم الطبيعة في الحضارة الاسلامية
ان اعتبار الحضارة الاسلامية >معيارية< من حيث الاساس ربما يدفع بالبعض متحمساً للاعتراض والقول: اين ذهبت الفلسفة والتصوف والعلوم الطبيعية داخل الحضارة الاسلامية؟ وبعبارة اخرى: لماذا كانت حضارتنا هي حضارة تكليف دون الفلسفة والتصوف، وكذلك العلوم الطبيعية التي عرفتها هذه الحضارة والتي اصبح من المسلم بأن لها اثراً كبيراً في تكوين حضارة الغرب وقيامها؟
اما عن الفلسفة والتصوف فليس فقط انهما اقل حجماً واهتماماً بالقياس مع علوم نظرية التكليف من الفقه والكلام وغيرهما من علوم الشريعة، بل وكذلك انهما ما قُدر ان يُكتب لهما النجاح الا بالامتزاج بالشريعة، والعمل على اساس التوفيق معها، خاصة اذا لاحظنا ظاهرة المرونة الكبيرة التي تمتاز بها نصوص الشريعة في القابلية على التلون بمختلف الالوان، والتي ادركها المستشرقون من امثال جولدتسيهر وهورتن وغيرهما على ما تبين لنا من قبل.
والحقيقة ان مرونة الشريعة لا تتحدد في امكانيات التأويل اللغوي والعقلي فقط، بل حتى في امكانية نفوذ الانظمة الغريبة والتي بعضها يتعارض من حيث الاساس مع جذر بنية العقل الاسلامي واشكاليته الخاصة. فمثلاً ان التصوف النظري حينما دخل وامتزج مع الشريعة وعلومها اصبح ينهج نهج السلف المحدثين ضمن نفس الشروط والاعتبارات في الاخذ بالظاهر وانكار التأويل، وهو مما له دلالة قوية على قابلية الشريعة للنفوذ، رغم ان اساسيات التصوف ـ وكذا الفلسفة ـ ظلت كما هي من دون تغيير، بل ما حدث هو ان القراءة (الصوفية ـ الفلسفية) اخذت تسلب الطابع المعياري لـ >نص الخطاب< وتحيله الى طابع وجودي حتمي. فمثلاً، ان الطابع المعياري للآية ((قل كل يعمل على شاكلته)) قد اميت وجيء في قباله بالآخر، حيث لم تفسر الآية بما يتعلق بسلوك الانسان، بل فسرت ان المقصود منها هو ان كل شيء يخرج على شاكلة الله(28)، اي ان الموجودات تصدر بالضرورة على صورة لها نوع من الشبه بأصل الوجود طبقاً لمبدأ السنخية، وعلى شاكلة ما يروى >ان الله خلق آدم على صورته<. كذلك الآية الكريمة التي تقول: ((فلو شاء لهداكم اجمعين))، اذ حولت هي الاخرى الى الدلالة الحتمية، حيث فهمت المشيئة بما ينافي حرية الارادة، بناء على اعتبار (الاشاءة) تابعة للعلم، والعلم تابع للمعلوم(38)، فكانت النتيجة ان سلبت قدرته تعالى، وكأن الآية تريد ان تقول: >فلو استطاع لهداكم اجمعين<.
كل ذلك كان يجري وسط النظام الوجودي (للفلسفة والتصوف) في سياق تعامله مع نص الخطاب، من دون اخلال بالطريقة العامة لنهج المحدثين في التمسك بالظاهر، حيث ان الظاهر هنا اصبح موضع خلاف بين ان يكون ذا دلالة معيارية او وجودية، خاصة اذا لم يراع السياق ولا سائر النصوص الاخرى التي يبديها >نص الخطاب< ذاته. بل الأهم من ذلك هو ان >التكليف< ذاته اصبح لا يعبر عن مجرد >امر معياري<، بل صار يمثل قبل ذلك >قانوناً وجودياً< يصدر بالضرورة مثلما تصدر سائر المعلولات والمراتب الوجودية الاخرى.
وحقيقة الامر هو ان النظام الوجودي لم يستطع ان يشكل كياناً معترفاً به الا بعد ان تستر وراء الاشكالية الاساسية للحضارة الاسلامية، فقد اكتسى بذلك قشراً معيارياً بينما ظل لبه مختزناً للطبيعة الوجودية. فموسوعاته المعيارية التي شيدها على ذلك >اللب<، كاحياء علوم الدين والفتوحات المكية، وكذلك التفاسير الصوفية والفلسفية المختلفة، كلها تعبر عن مطارح لتأسيس >المعيار< على >الوجود<. فاذا كان هذا النظام وقت تكوينه وازدهاره في الحضارة الام (اليونان) يقرأ الواقع والوجود الخارجي ـ ككل ـ قراءة وجودية حتمية، فانه في الحضارة الاسلامية امتد بعد نفوذه، لا ليقرأ الوجود الخارجي فحسب، بل وليوفق لقراءة اشكاليتها الاساسية ارتكازاً على اشكاليته الخاصة، مستهدفاً بذلك امتصاص >البنية المعيارية< وامتثالها من خلال بناء >المعيار< على >الوجود<، الشيء الذي يعني في نهاية الأمر طمس بنية >المعيار< والقضاء على نوع القراءة التي تنسب اليه.
وعلى الرغم مما ابداه النظام الوجودي من قوة وقدرة على النفوذ والتأثير على اشكالية الحضارة الاسلامية، فان القراءة المعيارية وبنيتها ظلت طاغية وممتدة الى يومنا هذا دون ان تزاح او تتزعزع.
ان التحليل الآنف الذكر يحدد لنا طبيعة العقل الاسلامي وممثليه، كما انه يربط لنا بين هذه الطبيعة وبين نهاية هذا العقل. فالفكر العربي المعاصر يراهن على حقيقة الفكر الاسلامي ونهايته من خلال تحديد آخر ممثليه، باعتباره يعكس آخر التطور للنتاج العقلي. فالبعض يميل الى اعتبار الغزالي يمثل لحظة نهاية هذا الفكر وحقيقته، والبعض الآخر اعتبره متمثلاً بابن رشد، وهناك من اعتبر المعتزلة هم الممثلون الحقيقيون، والذي بنهايتهم اسدل الستار على الحركة الفكرية للحضارة الاسلامية.
ان هذه الاعتبارات لا تعكس خطأ التقييم بقدر ما تعكس خطأ المقياس الذي اسند اليه. ويبدو ان عامل الرغبة التي يحملها الباحث العربي لطريقة التفكير هي التي كانت تتستر وراء تلك التقسيمات المضللة، فمن جهة ان التصور العام للفكرالعربي المعاصر يعتبر خط الغزالي يتقاطع تماماً مع خط ابن رشد، بدلالة صدور >التهافتين< عنهما، فكان التهافت الاول (تهافت الفلاسفة) ضد الخط الرشدي، بينما جاء التهافت الثاني (تهافت التهافت) ليقاطع الاول ويدحضه. لهذا انقسم الباحثون، فبعضهم راهن على الخط الاول مما آل به الى ان يطرد من باله الخط الثاني، وكذلك حال ما فعله البعض الآخر. ولم يعد في التصور ان ذلك التناقض الموهوم قد التقى واجتمع لدى شخصية اخرى متأخرة هي شخصية ملا صدر الشيرازي (صدر المتألهين)، فلا كانت لحظة الغزالي هي النهاية، ولا لحظة ابن رشد. بل كذلك ان ما اجتمع لدى الشخصية الثالثة لم يكن معبراً عن جمع النقائض والخطوط المتقاطعة، بل انه يمثل التقاء جهازين لنظام واحد، وبالتالي فليست الفلسفة في تضاد مع التصوف، فكلاهما قائمان على مبدأ واحد هو >السنخية<، لكن الفرق الجوهري بينهما ـ كما عرفنا من قبل ـ هو ان السنخية لدى الفلسفة قائمة على اعتبارات العلة والمعلول، بخلاف ما لدى التصوف الذي يطرد من باله فكرة العلية والتأثير اساساً.
ربما كان هذا التصور ـ كما سبق أن عرضناه ـ يغير بعضاً من التصورات المعاصرة، اذ به تتلاشى المزاعم المعبرة عن تصادم خط ابن رشد مع خط الغزالي الذي خلط بين الفلسفة والتصوف، او بين التفكير العقلي وبين الالهام الكشفي، كما ستنقلب نهاية الفكر الفلسفي مما هي عند ابن رشد الى >سليله< ملا صدر الشيرازي. واذا كان بعض المستشرقين (هنري كوربان) قد ارّخ للفلسفة الاسلامية متخذاً طريقاً جديدة متجاوزاً بها التاريخ الرسمي الذي يضع نقطة النهاية عند ابن رشد، ومكرساً جهده في الخط الذي ساد بعد تلك اللحظة لدى >الاشراقيين< فان ما نحتاج اليه كذلك انما هو ضرورة تأسيس قراءة جديدة للفكر الفلسفي والصوفي تثبّت كونهما يمثلان جهازين مختلفين لنظام واحد، احدهما يقوم على الانتاج العقلي، والآخر يقوم على التلقي القلبي، بل الذي ساد في الغالب هو الجمع بين هاتين العمليتين، الى الدرجة التي كان >الفيلسوف< ذو الطريقة العقلية متصوفاً غنوصياً (باطنياً)، وكان >المتصوف< ذو الطريقة القلبية فيلسوفاً عقلياً.
ومع كل ما قدمنا، فان النظام الوجودي ككل لم يكن معبراً عن حقيقة الفكر الاسلامي بما هو >موضوع في ذاته او لأجله< من الاشكالية الاساسية التي استقطبت روح الحضارة الاسلامية واستغرقتها.
ومن جهة اخرى فان (الاعتزال) الذي انتهى، لم يرحل الا بعد ان امتد على اعقابه عقل الامامية الاثنى عشرية، بما شحنه من روح التفكير في روعها، لكنها زادت عليه بحركتها الاجتهادية التي لم تتمحور كماهو >موضوع لاجل ذاته< من التكليف كما هو الحال مع الاعتزال، بل طالت يدها الى مراكز الكشف عما هو >موضوع في ذاته< من التكليف، وظلت هكذا دون ان تنتهي الى يومنا هذا.
ولو انطلقنا نحو دراسة الفكر الاسلامي من زاوية المنهج والطريقة في التفكير، بغض النظر عن التمذهب والادلجة، لظهرت لنا نتيجة جديدة تخص تقسيم التمذهب الاسلامي الذي اعتاد الباحثون ان يقسموه الى خطين متوازيين، احدهما يعبر عنه بـ (الخط السني)، والآخر بـ (الخط الشيعي)، ذلك ان تاريخهما يكشف عن انهما ليسا مجرد طرفين ينضويان تحت نظام واحد هو النظام المعياري في قبال النظام الوجودي، بل ويكشف ايضاً عن ان احدهما يتموضع كامتداد لحركة الآخر. اذ ما ان انتهت المعتزلة وكذلك حركة الاجتهاد (السني) باغلاقها وترسيمها خلال القرن الرابع الهجري، حتى بدأت الحركة الفكرية للامامية بالتفتح، سواء على صعيد الاصول ام الفروع، وذلك بعد مرحلة الخطاب (الشيعي) مباشرة، فشيدت بذلك دورة جديدة للبحث عما هو >موضوع في ذاته ولاجله< من التكليف، واستمرت هكذا ضمن تطورات الاجتهاد الخاصة حتى يومنا هذا.
الامر الذي ننتهي اليه هو ان حقيقة الفكر الاسلامي ونهايته لا تتمثل الا بالنظام المعياري الذي بدأ مع (الخط السني) ثم امتد مع (الخط الشيعي) دون ان يلقى لذاته نهاية رغم ظاهرة التكرار والاستصحاب التي ظلت لاحقة به الى يومنا هذا.
ü ü ü
اما مع علوم الطبيعة فهي وان كانت لم تتعارض مع اساسيات اشكالية نظرية التكليف، ولم ينظر اليها كما كان ينظر للعلم لدى الكنيسة في العصور الوسطى بانه >دسائس شيطانية<(48)، لكنها مع ذلك لم تحظ بالاهتمام الا تحت طاولة النظام الوجودي. فالذي يلفت الانتباه هو ان الفلاسفة كانوا علماء في نفس الوقت، والعلماء ان لم يكونوا فلاسفة فهم على الاقل دائرون في فلكهم، اذ العلوم آنذاك لم تكن مفصولة عن الفلسفة، بل هي (الفلسفة الدنيا) في قبال الربوبيات (الفلسفة العليا) والرياضيات (الفلسفة الوسطى). فالفلسفة هي الام المهيمنة على سائر العلوم منذ ظهورها كاشكالية اساسية في حضارة اليونان، وحتى امتدادها داخل الحضارة الاسلامية، لكنها في هذه الاخيرة لم تكن مجرد استنتاج وشرح لما كان، أنما اتخذت لذاتها مدرجاً خاصاً من التطور والابداع، نتيجة لروح النقد التي حملها أصحابها كميزان لطلب المعرفة الصحيحة. لهذا ظهر الكثير من الكتب العلمية في نقد العلوم الاغريقية، كتلك التي يشير اليها ابن أبي اصيبعة في كتابه >عيون الانباء في طبقات الاطباء<، والتي منها بعض كتب الكندي ومحمد بن زكريا الرازي والبطروجي وابن الهيثم الذي له كتاب عنوانه >الشكوك على بطليموس< عبّر فيه عن اصالة النقد والابداع، اذ ذكر فيه: >..والواجب على الناظر في كتب العلوم اذا كان هدفه معرفة الحقائق أن يجعل نفسه خصماً لكل ما ينظر فيه<. كماظهر ما لا يستهان به من علوم، كعلم البيئة والرياضيات والكيمياء والجغرافيا والهندسة والميكانيكا والطب وغيرها. ويكفي ان نعرف قيمة ذلك بماكتبه الفيلسوف الكندي لوحده من علوم مختلفة، فالقائمة التي ذكرها ابن أبي اصيبعة في طبقاته تشمل عشرات العناوين لمختلف العلوم والصنعات، هي بحق جديرة بالدهشة والاعجاب، كان منها: رسالة في صنعة الاسطرلاب، رسالة في استخراج خط نصف النهار وسمت القبلة بالهندسة، رسالة في عمل الرخامة بالهندسة، رسالة في أن عمل الساعات على صفيحة تنصب على السطح الموازي للأفق خير من غيرها، كلام في المرايا التي تحرق، رسالة في الشعاعات، مسائل في مساحة الانهار، رسالة في العمل بالآلة المسماة الجامعة، رسالة في الأبخرة المُصلِحة للجو من الأوباء، رسالة في علة نفث الدم، رسالة في تدبير الأصحاء، رسالة في وجع المعدة والنقرس، رسالة في علاج الطحال الجاسي من الأمراض السوداوية، رسالة في تدبير الأطعمة، رسالة في علة كون الضباب والأسباب المحدثة له، رسالة في علة الرعد والبرق والثلج والبرد والصواعق والمطر، رسالة في الاجرام الهابطة، رسالة في استخراج آلة عملها يستخرج بها أبعاد الأجرام، رسالة في النجوم، رسالة في نعت الحجارة والجواهر ومعادنها وجيدها ورديّها وأثمانها، رسالة في تلويح الزجاج، رسالة فيما يصبغ فيعطي لوناً، رسالة في العطر وأنواعه، رسالة في المد والجزر، رسالة في الحشرات، رسالة في قلع الآثار عن الثياب، وغيرها من الرسائل الكثيرة الأخرى(58).
وكان من بين الابداعات العلمية لعلماء العرب والمسلمين هو انهم اكتشفوا الدورة الدموية وقوانين نقل الأجسام والأبرة المغناطيسية، كما واكتشفوا ما يقارب ألف عقار طبي، واخترعوا الساعات الدقاقة والزوالية ووضعوا اصول علم الجبر وحساب المثلثات واسس علم الكيمياء كما وعرفوا الاستقصاء العلمي واتباع الطريقة الاستقرائية بصورة لم يعهد لها مثيل من قبل.
لكن على الرغم من الوفرة العلمية التي شهدتها الحضارة الاسلامية، فانه لم تحدث هناك طفرة معرفية في علوم الطبيعة، وذلك لاسباب عديدة اهمها: كثرة وشدة التقلبات السياسية التي بعثرت دولة الخلافة الى دويلات متناثرة، مما كان له بالغ الاثر على شل الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية، ابتداء من القرن الرابع الهجري، كذلك فان الاهتمام داخل الحضارة الاسلامية لم يكن نافذاً الا تحت ضوء القراءتين الوجودية والمعيارية، الشيء الذي يعني ان العلم لم يكن الشاغل المهيمن على العقلية الاسلامية آنذاك. فالنظام الفسفي الوجودي لا يخفي حقيقة انشداده نحو اقصى التجريد العقلي، للاتصال بـ>العقل الفعال< او الاتحاد معه واستلهام الحقائق مباشرة منه، محتقراً بذلك التجربة والمادة، باعتبار ان اللجوء اليها يمثل تراجعاً عقلياً بعد عملية الاكتمال والنضج، فالعلم الحقيقي هو ذلك الذي يتعلق بعالم الثبات، عالم الآخرة والربوبيات، لا بعالم التغير، عالم الدنيا والحسيات، لهذا فقد اعاب صدر المتألهين على ابن سينا لاشتغاله فترة بالطب مفوّتاً عليه فرصة الكشف عن العلوم الحقيقية (الربوبيات). وكذا ينطبق الحال على نظام التصوف الوجودي، فهو الآخر يعد الانسان الكامل هو ذلك الذي يعلم جميع الأشياء من علمه بذاته دون حاجة الى الموضوع الخارجي. فكما يصرح العارف القونوي بأن علم الانسان بذاته >مستلزم لعلمه بجميع الأشياء، وأنه يعلم جميع الأشياء من علمه بذاته لأنه هو جميع الأشياء اجمالاً وتفصيلاً<(68).
والحقيقة ما كانت لتلك القراءة ان تفعل اكثر مما فعلت، ذلك ان الضرورة تقتضي لها ان تلفظ العلم بعد عملية الامتصاص التي تنالها منه، فهي لا تحتاج اليه كـ> شيء في ذاته<، بل لأجل بلوغ غيره من العلوم الميتافيزيقية الحقة (الربوبيات)، الشيء الذي يعني انه ليست هناك حاجة للعلم الطبيعي بعد عملية الاكتمال والنضج التي فيها يصبح العقل ذا درجة من التجريد يتمكن خلالها من الاتصال بـ >العقل المفارق< الذي يعمل كمرآة ترى فيها الدنيا والاخرة معاً، او الطبيعة وما بعدها.
اما لدى دائرة النظام المعياري، فلا شك انه اهتم ببعض العلوم، كعلم الحساب الذي شهد تقدماً نتيجة لعلاقته الوثيقة بالارث، اي بنظرية التكليف ذاتها، لكنه بخصوص علوم الطبيعة، فليس هناك ما يدل على انه قد اولاها اهتماماً، لا كـ>شيء في ذاته<، ولا كـ>شيء من اجل غيره<، ذلك انه هو الآخر كان يعتبر العلم الحقيقي انما هو ذلك المنحدر عن طريق >نص الخطاب<، واذا كان هناك شيء ما من التشجيع على علم الطب اعتماداً على الاثر المروي (العلم علمان علم الاديان وعلم الابدان)، فان علم الابدان هو الآخر قد هيمنت عليه القراءة المعيارية بالاندماج اولاً واخيراً بـ>نص الخطاب< دون محاكمة مع >الواقع<، فكانت المرويات (الطبية) تؤخذ كوصفات علاجية شكلت فيما بعد كتباً من > الخطاب الطبي<، كالطب النبوي وطب الأئمة وطب الصادق والرضا. . الخ، وكذلك اخذت الادعية والطلاسم والتعاويذ تلعب دورها في هذا المجال، بل ان التعالي عن >الواقع< بالانشداد الكلي نحو >نص الخطاب< قد خلق حالة من >اللامبالاة< تجاه علوم الطبيعة، واحياناً صورة من الازدراء والاحتقار. فكما صرح البعض بأنه ليس هناك الا علم واحد يصح الاشتغال به دون غيره، وهو >الموروث عن النبي (ص)، وهو الذي يستحق أن يسمى علماً وما سواه إما أن يكون علماً، فلا يكون نافعاً، واما أن لا يكون علماً وإن سُمي به، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد (ص)<(78). وقد سبق أن اعتبر الغزالي العلوم التي ليس لها علاقة بالنقل أنها إما أن تكون مضرة أو لا نفع بها، كالحساب والهندسة والنجوم مما لم يحث عليها الشرع ولم يندب اليها(88). بل لدى البعض أن >تعلّم علم النجوم قدر ما يعلم به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به، والزيادة حرام<(98).
والحقيقة ان عامل >اللامبالاة< المتمثل بغياب عنصر >الاثارة<، سواء على نحو ايجابي كالتشجيع، او على نحو سلبي كالصراع والنزاع، هو الذي كان وراء غياب النمو العلمي الى الحد الذي يشكل حضوراً قائماً كـ>كائن في ذاته<، وذلك بخلق نوع من الاشكالية العلمية المستقلة، بعيداً عن هيمنة القراءة الوجودية التي عملت على تقييده وتحجيمه، وكذلك بعيداً عن سلطة القراءة المعيارية التي لم تتحرك نحوه بالتحفيز والاثارة. فلو انه كان حاضراً بذلك الحضور من الاستقلالية، لكان اثره كبيراً حين يتفاعل مع نظامي الحضارة الاسلامية،لا فقط على ما سيلحقه من مسلسل >التطور في ذاته<، بل وقلباً اساسياً لحركة >الآخر< ونموه، سواء كان هذا >الآخر< وجودياً ام معيارياً.
ان غياب >شاغل العلم< واندماجه ضمن طاولة القراءة الوجودية والمعيارية، قد امتد اثره الى يومنا هذا. فمنذ اصطدامنا بالحضارة الغربية اوائل القرن الماضي والى يومنا هذا والعلم بما هو >عملية تأسيس< ظل غريباً واجنبياً عن حضيرة ارضنا المعرفية.
ومع هذا الغياب للعلم الطبيعي، فان دراساتنا الفلسفية من الطبيعي ان تكون محرومة عن ان تنتج خطاباً مؤثراً في اشكالية ذلك العلم. فهي اما انها لا تزال تقمع اي طرح يتناول قضايا العلم الحديث، كما في بعض المؤسسات التي ظلت عالقة بالقرا ءة الوجودية وتبعياتها من العلم القديم، واما انها ناقلة لما يحصل في الغرب من دون ان يكون لذاتها اي نوع من الخطاب المنتج .
ومن جهة اخرى، يظهر لدينا احياناً طموح لقراءة العلم مجرداً عن اشكاليته الخاصة، وذلك بارجاعه الى حضيرة >نص الخطاب< تحت هيمنة سلطة العقل المعياري. فالكتابات الاسلامية التي تُرجع بعض النظريات العلمية الى >نص الخطاب<، وكذلك الدراسات التي ترجع العلوم العصرية الى اصول اسلامية، كتلك التي تفسر القرآن الكريم على ضوء تلك العلوم موهمة انها تؤسس الاول على الثاني، انما تقوم في الحقيقة بتأسيس >متشابه العلم< على >متشابه النص<، فهي لم تتفهم كلاً منهما ضمن اشكاليته الخاصة، وبالتالي تصبح النتيجة بذلك مجهولة او فارغة لكونها محصلة لضرب متشابهين معاً. في حين كان من المفروض قبل وضع عينة التفاعل بين النموذجين رسم الحدود لكل منهما على ضوء تحديد طريقة التفكير سلفاً.
هكذا ننتهي الى ان علومنا الطبيعية لم تشكل، لا ماضياً ولا حاضراً، مرحلة الشاغل والحضور، بل كانت في الماضي تقرأ من خلال اشكالية النظام الوجودي، واحياناً من خلال النظام المعياري، وقد ظلت ولا زالت لم تبلغ مرحلة التأسيس بما هو >كائن في ذاته<. في الوقت الذي كانت كتبنا ومجادلاتنا دائرة في سياق علم الخلافيات (الفقه) وعلم التمذهب والايديولوجيات (الكلام)، ولا زالت آثار هذه المعايير قائمة الى يومنا هذا.
الاتصال والانفصال (المعرفي)
بين حضارات العالم
بعد كل ما قدمنا اصبح من السهل ان نعرف فيما اذا كان هناك نوع من الاتصال بين الحضارات الثلاث ام لا؟
فمن الواضح ان اشكالية الحضارة الاسلامية مختلفة عن الاشكالية لدى الحضارتين الاخريتين، الشيء الذي يعني ان هناك قطيعة معرفية بالقياس الى حضارة >ما قبل< وحضارة >ما بعد<. ومع ذلك فان هذه القطيعة لا تعتبر كلية ومطلقة، اذ لا ينكر وجود عنصر الامتزاج بما اثرت به الحضارة اليونانية من خلال الفلسفة وامتداداتها من التصوف النظري. ان ذلك يدل على عدم وجود تواصل بين الحضارتين الا من > الباب الآخر<، اذ ظلت الاسس المعيارية لدى اصحاب علوم >التكليف< لا تتناسب مع الاسس الحتمية لدى اصحاب علوم >الوجود< من الفلاسفة والمتصوفة، مما يعكس بدوره اختلاف العقلين والقراءتين معاً، بما يستحيل التوفيق بينهما الا بخسارة احدهما للآخر، الامر الذي حصل ـ كما أشرنا من قبل ـ والذي كان نتيجته لا فقط التأثير على علوم التكليف كالنحو والفقه والكلام والتفسير، بل وكذلك ادى الى ظهور انظمة فكرية تتبنى ذلك الازدواج من التوفيق، من خلال قراءة >نص الخطاب< المعياري بعقل وجودي مختلف، كما هو الحال مع تزاوجات الغزالي وابن العربي والملا صدر الشيرازي وغيرهم. فهؤلاء لم يكونوا مجرد فلاسفة او متصوفة، بل هم متشرعة ايضاً، الا ان > عقلهم الوجودي< لم يكن مستمداً من معيار تشريعهم، بل العكس هو الذي جرى، اذ كان تشريعهم مشحوناً للتوظيف لصالح ذلك العقل الوجودي.
واذا كان النظام الوجودي المنبعث من اليونان قد صادف تربة معيارية في الحضارة الاسلامية اضطرته لان يتفاعل معها ويمتزج بها ضمن عمليات التوفيق والتلفيق، والتي ادت الى سوق >المعيار< بواسطة >الوجود<. . اذا كان هذا ما حصل في حضارة الشرق، فان ما جرى للنظام الوجودي في حضارة الغرب كان مختلفاً تماماً، ذلك ان بين الحضارتين اليونانية والغربية نوعاً من الاتحاد في الاشكالية العامة، يمكن التعبير عنه بـ>الكينونة الخارجية<. فعلى الرغم من انهما يختلفان في نوع الاشكالية، اذ اشكالية الاولى ميتافيزيقية عقلية، بينما الثانية فيزيقية علمية، لكنهما يتحدان عند >الكينونة الخارجية<. وعلى اساس هذا الاتحاد بدأت عملية التحام النهضة الغربية بالتراث اليوناني.
لا شك ان هناك بدايتين لعملية الالتحام، الاولى عبارة عن احياء التراث الادبي اليوناني والروماني، التي بدأت منذ القرن الثاني عشر الميلادي، والتي اثرت فيما بعد على القيام ببعض الحركات والاصلاحات الهامة على الصعيد الانساني، منها الثورة على الكنيسة وقيام حركة الاصلاح الديني. لكن من الواضح ان هذه البداية لا تهمنا باعتبارها تفتقر الى آصرة (الكينونة) المشتركة بين اليونان والغرب، ذلك ان تشكيل هذه الآصرة بدأت لاول مرة منذ النهضة الحديثة خلال القرنين السادس والسابع عشر الميلادي، وذلك من خلال نقد قراءة العقل اليوناني على صعيد العلم والفلسفة، وقد اقتضى هذا النقد اعادة النظر في عملية قراءة العقل ذاته قبل بناء الموضوع الخارجي عليه، الامر الذي كانت تفتقر اليه ممارسة القراءة الوجودية للعقل اليوناني، ذلك ان هذه القراءة لم تكن في حاجة الى نقد وتحليل ما دامت هناك مطابقة تامة بين الوجود والعقل الى الحد الذي يمثل الوجود انعكاساً للعقل، وان هذا الاخير يكتشف ذاته من خلال تأمل الاول، فالوجود هو العقل، والعقل هو الوجود.
ان نقد قراءة العقل اليوناني وتغييرها من قبل العقل الغربي ادت الى احالة >الاشكالية< ونقلها من سماء العقل الميتافيزيقي الى ارض العلم والفيزيقا، ومع هذه الاحالة والنقد فقد ظلت الآصرة التي تربط بين القراءتين والاشكاليتين هي آصرة >الكينونة الخارجية<، فهي عبارة عن >الوجود العام< لدى العقل اليوناني، لكنها عبارة عن >الطبيعة< لدى العقل الغربي. الشيء الذي يعني ان بين العقلين نوعاً من الاتصال والانفصال، وان عملية النقد كانت ترمي الى ابراز عناصر الانفصال وسط بساط الاتصال، وان افتراق الفكر الاوروبي بين مذاهب عقلية وتجريبية وتوفيقية لهي ذات دلالة على تلك الحالة من الاتصال والانفصال.
وعلى هذا الاساس فقد ظلت الفلسفة تتابع تقدمها في الحضارة الغربية، في الوقت الذي اخذ العلم يتابع تطوره، فلم يفارق احدهما الآخر، ولا كان احدهما في غنى عن الثاني، بل اكثر من ذلك فان تطور العلم ما استطاع ان يتخلص من جراثيم الفلسفة، فمع ان وجودها فيه اخذ يتناقص كلما شهد تطوراً اكثر، لكنها ظلت عالقة به حتى بعد الاعتراف الصريح باستقلال العلوم عن الفلسفة وذلك منذ حوالي منتصف القرن الماضي والى يومنا هذا. وهناك الكثير من العلماء الذين مارسوا النشاط الفلسفي والمنطقي من العلم خاصة لدى اعضاء جامعة فيينا من الوضعية المنطقية، كاستاذ الفيزياء موريس شليك، ونظيره فيليب فرانك، وعالم الرياضيات هانزهان، وعالم الاجتماع نيراث، والمؤرخ فيكتور كرافت، فضلاً عن ديكارت وباسكال ولايبتنز ونيوتن وارنست ماسن واينشتاين وغيرهم.
ان وجود الفلسفة الى جانب العلم ونقد احدهما للآخر كان له انعكاس قوي على اعادة بناء الحضارة اليونانية من جديد. فاذا كانت الفلسفة قائمة على العلم، كفلسفة ديكارت القائمة على الرياضيات وفلسفة كانت القائمة على فيزياء نيوتن ومفاهيمها في الزمان والمكان المطلقين، فان العكس كان يجري ايضاً، اذ على رأس العلماء البارزين الذين شيدوا نظامهم العلمي من خلال الافتراض الميتافيزيقي (الفلسفي) يقف نيوتن، فقانون القصور الذاتي وهو من اهم قوانينه للجاذبية، مبني على فكرة >الفضاء المطلق< الميتافيزيقية. والحقيقة ان نيوتن لا يخفي احتماءه بالتفسيرات الميتافيزيقية حين لا يتمكن من ان يفسر الظاهرة العلمية طبقاً لنظامه الخاص، فمثلاً انه حين لاحظ ان حركات الكواكب والمذنبات في النظام الشمسي منتظمة من دون انحراف بخلاف سائر المذنبات التي تدور خارج هذا النظام في مدارات منحرفة كثيراً عن المركز، فانه قد عزى ذلك الى الفكرة الميتافيزيقية القائلة بـ>التدبير الإلهي< وراء الجمال الذي يتصف به نظامنا الشمسي بكواكبه ومذنباته(09).
كما ان نظرية اينشتاين المتأثر بالفيلسوف الفيزيائي ارنست ماسن، كانت موضع اتهام الناقدين لكونها تحمل عناصر يعتقد انها ميتافيزيقية غير مستمدة من الخبرة مباشرة او غير مباشرة، من قبيل مبدأ ثبات السرعة ومبدأ النسبية(19).
ان هذا التفاعل بين الفلسفة والعلم، والذي جعل الفلاسفة يهتمون اساساً بقضايا المعرفة والعلم، كما وجعل الكثير من العلماء يهتمون بالفلسفة، قد ادى اخيراً الى الانجرار وراء الحضارة اليونانية، فقد آل الأمر الى ان تكون الحضارة الغربية عبارة عن امتداد للحضارة اليونانية.
والسؤال الذي يطرح بهذا الصدد هو بأي معنى يمكن اعتبار هذا الامتداد والتماثل؟
هناك من يعتبر ان المماثلة بين الحضارتين تتمثل في كون العقل الغربي هو كنظيره اليوناني يتبنى الاعتقاد بمطابقة العقل لقوانين الطبيعة، مستشهداً على ذلك بديكارت وغاليلو والعلم المعاصر عن الذرة والفضاء، بل وبما فهمه >العلم المعاصر< عن العقل بانه جملة من القواعد المستخلصة من موضوع ما، مما يعني ضمنياً المطابقة بينه وبين قواعد الموضوع(29).
والحقيقة ان هذا التصور يمكن ان يصدق على عصور ما قبل القرن العشرين ابتداء من النهضة فعصر التنوير ثم الحداثة، لكنه لا يصدق ابداً مع عصر هذا القرن. فقد كاد يصبح من المسلم به ان قوانين الطبيعة الاساسية عبارة عن صياغات عقلية مفترضة لا تعبر بالضرورة عن مطابقتها للطبيعة، فعلى الاقل انه فيما يتعلق بالنظريات ذات التعميم العالي والنظريات التي تتناول الظواهر البعيدة عن مجال الخبرة والتجربة الحاسمة، ان من المستحيل اثباتها على وجه اليقين، فما من نظرية من تلك النظريات الا وتعبر عن بعض الافتراضات التي تعزز بالشواهد والتجارب، لكن دون ان تصل الى مرحلة الحسم، لهذا فقد تتنافس اكثر من نظرية على تفسير ظاهرة ما، وفي هذه الحالة يميل العلم المعاصر الى الاخذ بالنظرية التي يتوفر فيها عنصر البساطة والاقتصاد والجمال بشكل اعظم(39)، فضلاً عن التعزيز بالمشاهدات والتجارب. وعليه لا يمكن ان نتصور ان ما عرف عن الذرة وعن الفضاء هو بالضرورة يطابق واقع الامر كلياً، فلا زالت هناك فروض وتقديرات بقدر ما كانت الظاهرة بعيدة اكثر عن مجال الخبرة المباشرة، فضلاً عن ان العلم المعاصر يؤمن بان معرفة الموضوع الخارجي كـ >شيء في ذاته< اصبح من المستحيلات مثلما كان يراه عمانوئيل كانت، ذلك ان تأثر الموضوع بوسائل المعرفة المسلطة عليه، كالاشعة مثلاً، يجعل من المستحيل على العقل البشري ان يطابق ما هو عليه الموضوع الخارجي، اما تعريف العقل ـالآنف الذكرـ فانه لا يطابق واقع الافتراضات العقلية البعيدة عن مجال الخبرة المباشرة، ذلك انها ليست مستخلصة من الموضوع الخارجي ذاته.
وهناك من عّبر عن التماثل والامتداد بين العلوم اليونانية والعلوم الحديثة، كما لدى الفيلسوف الفيزيائي، فيليب فرانك الذي لا يرى وجود خط حاسم بين طريقة العلم الأرسطية وبين طريقة العلوم الحديثة، سوى أن هذه الأخيرة تفضل معايير التحقق، بينما تمر الاولى على الاستقراء بصورة فورية لتنتهي الى انتاج تعميم عالي التجريد. وقد اعتمد فرانك في ذلك على فرانسيس بيكون، الذي يُعزى له الفضل في التحول من الفلسفة الأرسطية الى العلوم الحديثة. فقد كتب بيكون مقارناً بين الطريقة الأرسطية والطريقة العلمية الحديثة، معتبراً أن الطريقتين كلتيهما تبدآن من الحس لتصلا الى أعلى التعميمات، لكن الفرق بينهما هائل، اذ الطريقة الأرسطية تُلقي نظرة عابرة على التجربة والاستقراء ثم تشرع فوراً بوضع تعميمات مجردة وغير مفيدة. أما الطريقة الحديثة فهي تظل تعايش التجربة وتتدرج بمراحل متوسطة حتى تصل شيئاً فشيئاً الى التعميمات العلمية العالية، وهي التي وصفها بأنها لم تجرّب بعد(49).
والواقع أن هذا التصوير الذي أبداه بيكون صحيح من جهة اعتماد العلم الأرسطي، لكن مع ذلك ينبغي ألا نبتر هذا العلم من طريقته القياسية التي تبدأ من المبادئ العالية لتتنزل الى المبادئ المتوسطة، وما عملية الاستقراء المضمرة الا كواسطة تطبق عليها تلك المبادئ. فمهما كان شكل الطبيعة وعلاقاتها، فإن المبادئ العالية تظل على >شكليتها< في أداء دورها من توليد النتائج . فالعملية أشبه ما تكون بـ>عملة ذات وجهين<، فكيفما كان وجه الطبيعة فإنها تظل تخضع بشكل أو بآخر لمصداقية المبادئ العالية. لذا فإن فكرة >الكمال< والبحث عن >المكان الطبيعي< التي نعتها بيكون بأنها >تعميمات مجردة غير مفيدة<، كلها ترتكز أساساً على المبادئ العليا في الفلسفة الأرسطية، وليس على الاستقراء ذاته. ومع ذلك فانه لا يمنع من وجود بعض التماثلات على صعيد علم الطبيعة بين الفلسفة اليونانية والغربية، كالذي أبرزه سانتهلير بخصوص تقدم أرسطو على ديكارت ونيوتن في عدة مبادئ تتعلق بالطبيعة وحركتها. فلنيوتن ثلاثة قوانين في الحركة سبق أن دعا اليها ديكارت ومن قبله أرسطو، وهي كما حددها نيوتن كالآتي:
1 ـ ان كل جسم اذا لم يعترضه عائق ما؛ يمكث في حالة ثبوته وسكونه، وكذا في حالة حركته التي تقع مستوية على خط مستقيم.
2 ـ تكون التغيرات والحركات متناسبة دائماً مع القوة المحركة وتقع على الخط المستقيم الذي طبعت عليه هذه القوة.
3 ـ يكون رد الفعل مساوياً ومقابلاً للفعل(59).
يبقى ان نصور محاور التمثيل والامتداد بما آل اليه العلم المعاصر رغم اختلاف طريقة التفكير لدى كل من الحضارتين اليونانية والغربية. فمن جهة ان العلم المعاصر قد آل اخيراً يبتعد عن الميول المادية والميكانيكية في تفسير ظواهر الطبيعة التي كانت تغطي عصر القرن التاسع عشر وتشبع طموحاته الايديولوجية، واخذ يقترب شيئاً فشيئاً الى اعتبارات متباينة لـ>اللامادية<. فقد اضطر العلماء الى ان يتسلحوا باقتراحات وفرضيات تتحرر من قيود النظر المادي والميكانيكي الذي لم يعد قادراً على حل المشاكل العلمية العميقة، الامر الذي وجّه العلماء وجهة اخرى جديدة تتبنى جملة من المفاهيم القابلة للتوظيف والتشغيل، كمفهوم الطاقة والنسبية والموجة واللاتحدد وغيرها، اذ وضعت اساساً لحل مشكلة الظواهر التي استعصت على التفسير المادي، من قبيل حل مشكلة طفرات الجسيم الذري بين المدارات بواسطة فكرة الموجة، وحل طريقة سيركمات الضوء من خلال المجال الموجي الكهرومغناطيسي، وكذلك حل مشكلة الزمان والمكان بالنسبية التي طرحها اينشتاين، الخ..
ولقد كان لهذا التسليح نتائج هامة لصالح النزعات (المثالية) التي تسربت وسط اغلب علماء العصر. فقد شعر العلماء انهم في الحقيقة لا يدرسون المادة الخارجية بشكل منفصل عن تدخلات العقل ذاته، اذ اصبح من الواضح انه لا يوجد حد فاصل بين الشاهد وما يشاهده، او بين عقل العالم وبين الموضوع الذي يخضع لدراسته، كما يستفاد من نسبية اينشتاين(69). بل هناك من العلماء من يتوغل في (المثالية) الى درجة يضع فيها المادة كشيء مشتق من العقل، كما هو الحال مع ماكس بلانك رائد نظرية الكوانتم(79).
ان انتشار الميول (اللامادية) لعلم القرن العشرين لم يغط ساحة الاكاديمين من العلماء، بل اخذ يتسرب الى الوسط الثقافي، الامر الذي جعل بعض دوائر المعارف تبادر الى نشر هذه الحقيقة ليُحتفظ بها في سجل تاريخ العلم. فدائرة المعارف البريطانية تشير صراحة بالقول: >يميل العلم المعاصر الى الابتعاد عن مذهبي المادية والميكانيكية والاقتراب من الاعتراف بغير العوامل الميكانيكية في ظواهر الطبيعة، حتى الظواهر الفيزيائية<(89).
ان الاعتبارات المختلفة للاتجاه (اللامادي)، اذا ما اضفنا اليها الاهتمام المعاصر بمحاولة طرق العلوم الروحية والدخول في عالم هو اقرب للغيب منه للشهادة، سيجعلنا ندرك بأن العلم المعاصر آخذ في العودة الى ما كان يجري من تفاسير ورؤى داخل النظام الوجودي لحضارة الام، التي قامت على اساس العقل ولصالح التجرد الروحي، الى الدرجة التي كان ذلك النظام يجعل من العامل (العقلي ـ الروحي) يشغل مكاناً يمثل فيه (داينمو) حركة الكون والوجود بأجمعه. فتفسير الظواهر الطبيعية كان يقوم على الاعتبارات العقلية بتأثير >عالم الامر< على >عالم الكون والفساد<، اي بتأثير عالم ما فوق القمر على عالم ما تحته، كما ان النظر الى ما يجري في الوجود ككل من اوله الى آخره، كان يصور هو الآخر بانه يقوم على الادراك الروحي تبعاً لمبدأ السنخية.
ومن الجدير بالذكر ان التفسير الروحي لظواهر الطبيعة لم يشغل ساحة الحضارة اليونانية ورضيعتها الغربية التي اخذت تقترب منه، بل أن الحضارة الاسلامية هي الاخرى لم تغفل مثل هذا التفسير لدى بعض اتجاهاتها، خاصة وان بعضاً من آيات القرآن الكريم تلوّح الى ذلك العامل الى ما يكاد يكون صريحاً، كما في قوله تعالى ((وان من شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم))، ((يومئذٍ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها))، ((انطقنا الله الذي انطق كل شيء)).
لهذا فقد وُفق الفلاسفة المسلمون في تفسير مثل هذه الآيات، باعتبارها تتناسب كلياً مع منطوق اعتبارهم الروحي لتشكلات الوجود حسب السنخية(99). اما داخل النظام المعياري فلا ينكر ان بعض الفرق العقلية كالمعتزلة قد اخفقت في تفسيرها لتلك الآيات، اذ رفضت ظاهر >النص< تعويلاً على ظاهر >الحس والمشاهدة<، فكانت عملية التفسير تجري على نحو التأويل.
ولم يكن التفسير الروحي وحده هو الذي اخذ العلم المعاصر يقترب منه، بل الاهم من ذلك هو ان هذا العلم اخذ ينحو نحو وحدة الوجود التي تمثل اهم منطوقات الحضارة اليونانية وامتداداتها، فتارة تجسدت هذه (الوحدة) خلف الرؤية العلمية التي هيمنت على عصرنا هذا، واخرى فانها طفحت على لسان بعض رموز العلم واساطينه من الذين تأثروا بالنظام الوجودي لحضارة الأم.
لقد كانت وحدة الوجود في الحضارة اليونانية وامتدادتها مفضوحة صريحة، واحياناً مشاراً اليها في لغة الخطاب، على نحو ما قيل: >اذا فهمت ورقة واحدة من اوراق الاعشاب فسوف تفهم الكون جميعاً<، وما يقال من ان >كل شيء في اي شيء<، ومن خلال الاعلان عن تشاكل عوالم الوجود وتطابقها، او من خلال تقسيم الوجود الى مراتب متفاضلة ضمن النوع الواحد، كتقسيم صدر المتألهين للوجود الى اربعة مراتب هي الجسم الطبيعي والجسم النفسي والجسم العقلي والجسم الالهي(001)، كلها منضمة في نوع واحد هو عبارة عن >جسمانية الوجود<.
ومع ان النظام الوجودي ما كفّ يعلن تصريحاً وتلميحاً عن تبنيه لوحدة الوجود، الا ان هذه الوحدة داخل الحضارة اليونانية وامتداداتها قبل الحضارة الاسلامية لم تنفرز بشكل واضح ودقيق، اذ ان ذلك قد جرى لأول مرة وسط الحضارة الاسلامية ذاتها، خاصة لدى المتأخرين داخل النظام الوجوي، اذ اعتادوا ان يفصلوا القول في انواع تلك الوحدة حتى بلغت احياناً ستة انواع كما عند النراقي(101)، غالباً ما تعتمد عملية الفرز على >التشبيهات< الواردة في توضيح تلك الوحدة، لكونها قضية قد طبع عليها بانها تفوق مستوى حد العقل وتصوره. ومع ذلك فان التأمل في تلك الانواع يمكن ان يردها الى نظريتين اساسيتين متمايزتين، احداهما تتبنى السلسلة الرتبية من العلة والمعلول دون خلط واختلاط، وهي التي تنسب الى >الفلسفة<، والاخرى لا تتبنى ذلك ولا تجعل للمرتبة الاصل مكانة مختصة بذاتها متعالية عن سائر الرتب التي تدنو منها، والتي تنسب الى >التصوف<، رغم ان ظاهرة الاختلاط والتزاوج بين الفلاسفة والمتصوفة، وكذلك التشابه والتداني في الطرح لدى كل من المنظومتين الآنفتي الذكر، كل ذلك جعل من الصعب الفرز بشكل مطلق وتام فيما اذا كان رمز الطريقة المزدوجة يتبنى وحدة الوجود >الفلسفية< او >الصوفية<.
كان من الواجب علينا ان نذكر بتلك الاعتبارات، كي نعرف اي نوع لوحدة الوجود استعادها العلم المعاصر عن الحضارة الام وامتدادها. فالمسلمات العلمية المعاصرة حول تحليل المادة والطاقة ورد كل منهما الى الآخر، وكذلك ارجاع جميع الاشياء من العناصر والمركبات الكونية الى جسيمات متماثلة واقعة في >بساط موجي< يفوق التصور العقلي، الامر الذي يجعل من حركاتها وتفاعلاتها تتخذ انساقاً هندسية تمثل اساس التكثر والاختلاف الذي نراه في الوجود الطبيعي. . ان هذه المسلمات لهي ذات دلالة واضحة على وحدة الوجود ـ ولو في اطارها الطبيعي الضيق ـ التي كان القدماء المسلمون يصعب عليهم توضيحها، فشبهوها بتشبيهات عديدة كالشعلة الجوالة، والبحر وامواجه، والنور واختلافه في القوة والضعف، واللوح والمداد، وغير ذلك من التشبيهات الاخرى(201). لكن اقربها الى الفهم العلمي هو ذلك الاخير ذو المغزى (الصوفي) من وحدة الوجود.
فالمداد المطبوع على اللوح بأحرف مختلفة تبرز حالة ما كان يسمى بـ >الكثرة في الوحدة، والوحدة في الكثرة<. اذ لا وجود في اللوح سوى المداد، ومع ذلك فالتنوع والاختلاف في شكل هذا المداد ـ بالحروف ـ انما يعني وجود التكثر وسط الوحدة، ووجود الوحدة في التكثر. فهذا التصوير الذي صوره اصحاب النظام الوجودي داخل الحضارة الاسلامية يطابق الى حد كبير ما توصل اليه العلم المعاصر من ان الجسيمات (النهائية) لها وحدة على صعيد المماثلة في قبال كثرتها. وكذلك، بل الاهم منه، هو انها لما كانت اساس ما ينتج عنها من عناصر ومركبات واجسام مختلفة ـ بل ومتضادة ايضاً ـ بطريقة التكدس والتنقل والتذبذب والتهندس والاختفاء والكمون وسط البساط الموجي الذي لا يعني شيئاً دونها، انما هو عبارة عن اعادة احياء تلك المقولة الفلسفية الآنفة الذكر>الكثرة في الوحدة، والوحدة في الكثرة<. فالتكثر والتنوع في مختلف اجزاء الطبيعة ومظاهرها وعلاقاتها مستمد من تلك النقطة الجوهرية لوحدة الجسيمات التي تبرز عنها المظاهر المختلفة وسط لوح التموجات. وعلى الرغم من انها هي الموجودة حقيقة وليس هناك شيء آخر غيرها في عالم الكون، فانها تبدو مختفية تماماً، وما يظهر من عوالم كونية مختلفة، انما هو عبارة عن مظاهر لها تسترها وتخفيها، بل هي عين السراب في محط النظر والتدقيق، اذ حقيقة ما هو موجود هو >الجسيم< وحده، وما عداه عبارة عن اوهام ناتجة عن نشاطه الموجي، الذي هو بمثابة النشاط الروحي لـ>ارادته الحرة< في الحركة ولطاقته العظيمة التي يحملها، الشيء الذي يماثل قول اصحاب النظام الوجودي في الحضارة الاسلامية من ان >الوجود< لشدة ظهوره كان اكثر الاشياء خفاء، بل هو الظاهر والباطن ولا شيء غيره في لوح الوجود البتة، او قولهم صراحة ليس في الوجود الا >الله< وما عداه وهم وباطل، او كما قيل:
كل ما في الكون وهم او خيال
او عكوس في المرايا او ظلال
لذلك كانت النزعات المثالية التي عصف بها القرن العشرون وسط علماء الفيزياء الى الدرجة التي شكك الكثير منهم بوجود الاشياء او نفوها، انما يعبر عن اعادة احياء حالة قد سبق ان عاشها رموز النظام الوجودي.
واذا ما كان التحليل الآنف الذكر للنتاج العلمي يزودنا بدلالة >صوفية< عن وحدة الوجود، فان رمز العلم المعاصر، اينشتاين لا يخفي اعتقاده بتلك الدلالة متأثراً بالفيلسوف اسبينوزا الذي يظن انه قد تأثر بدوره بمحي الدين بن العربي، مما يعود بنا من جديد الى احضان النظام المعرفي للحضارة اليونانية داخل الحضارة الاسلامية.
يضاف الى ذلك، ان التأمل في التحليل الفلسفي الذي ضمنه وأقامه بعض رموز العلم ـكإينشتاين ذاته ـ على حصيلة النتاج العلمي يمكن ان يرشدنا لا فقط الى معرفة ما كان يكنّه ذلك التحليل من>لفيف< وحدة الوجود، بل ويرشدنا كذلك الى الطابع اللامادي (العقلي ـ الروحي) الذي تتمثل فيه تلك الوحدة، فضلاً عن اعتبارات اخرى قد سبق اليها النظام المعرفي الوجودي داخل الحضارة الاسلامية.
فقد انصب اهتمام اينشتاين حول معرفة البنية الخاصة للموضوع الخارجي، فهو لا يرى هذا (الموضوع) عبارة عن جسم او ذات لها وجود، بل يعتقد استناداً الى التحليل العلمي ان اي جسم حقيقته عبارة عن مجموعة حوادث متشابكة هي التي تعطي صفة ما نعبر عنه بـ>الجسم< الذي يتألف منه الكون، وان كل حادثة تحدث مرة واحدة في نقطة مكانية ولحظة زمنية واحدة لا تتكرر، في الوقت الذي لا توجد حادثة وحيدة منعزلة، كما لا توجد حادثة بسيطة، اذ الحادثة من جهة التحليل تعبر عن مركب آخر من الحوادث، وهكذا. . وحيث ان الحوادث تحدث في مجاميع على هيئة نسيج مسلسل يرتبط بعضه بالبعض الآخر، اشبه بالقطعة الموسيقية او بصورة فلم على شاشة السينما، انما يوهمنا وكأنه شيء واحد ثابت له هويته وديمومته الخاصة.
لا شك ان هذا التصور للحادثة يفوق الادراك الحسي، وذلك لانه لا توجد هناك حادثة بسيطة يمكن ادراكها بشكل منفصل، لهذا اعتبرها اينشتاين عبارة عن امر مجرد او استدلال من سلسلة طويلة لمقدمات رياضية، فلا توصف الا وصفاً رياضياً مجرداً. وقد استفادت نظرية الكوانتم من هذا التصور للحادثة فطبقته على عالم الذرة، حتى اصبح الالكترون هو الآخر كسائر بقية الحوادث لا يشكل جسيماً له ثباته ووضعه المكاني المحدد، بل هو عبارة عن مجال من موجات هي في حد ذاتها مؤلفة من سلسلة مجموعات من الحوادث. ثم جاء مبدأ (هايزنبرج) في >اللاتحدد او اللايقين< ليكلل تلك النتائج، اذ جعل من الالكترون يتصرف وكأن له مجالاً من الارادة الحرة نسبياً، بحيث لا يمكن تحديد وضعه المكاني وحركته بدقة مطلقة اذا ما حاولنا عزله عن نظائره من مجاميع الالكترونات الاخرى.
ولم يتوقف الحال من مد نظرية >الحادثة< لاينشتاين، من عالم الكون والطبيعة الجسمية الى عالم الذرة، بل اعقب ذلك مد آخر فيه خطورة جسيمة على دنيا الطبيعة والمادة، فقد قام فيلسوف العلم المعاصر، برتراند رسل بسحب بساط >الحادثة< ليغطي به >الاحساس الذهني< مضافاً الى المادة والطبيعة، فهو يذهب الى ان المادة الخارجية لما كانت تسبب لنا الاحساس في حواسنا، وحيث ان المادة والاحساس يتألفان معاً من حوادث، فلو انا افرغنا الحادثة من محتواها فسوف لا يعد بامكاننا ان نقطع ونتيقن فيما اذا كانت مادة او عقل، باعتبارها تناسبهما معاً (301).
ان النتائج التي يمكن ان نستخلصها من تحليل نظرية >الحادثة< ـ ابتداء من اينشتاين ومن بعده نظرية الكوانت ثم انتهاء ببرتراند رسل ـ وعلاقتها بالنظام المعرفي الوجودي للحضارة اليونانية، هي كالآتي:
اولاً:ان البساط الذي سحبه برتراند رسل للحادثة الى ما يغطي عالم الاحساس والعقل، يجعل من التفكير العلمي المعاصر لا ينظر الى عالمي العقل والمادة نظرة تعددية ثنائية، فهما يعبران عن طبيعتين من سنخ واحد هو الحادثة. كما ان الاعتقاد بأن حقيقة الامر الخارجي ليس هو الجسم او الهوية، بل مجاميع مسلسلة من الحوادث المتشابكة، وحيث ان الحادثة في نهاية التحليل هي امر مجرد لا يقبل الحس، واذا ما اضفنا الى ذلك التصور الموجي للحادثة، وكذلك >السلوك الحر< للجسيم.. اذا ما اخذنا بجميع هذه الاعتبارات اصبحت النتيجة تقترب بشكل بيّن من وحدة الوجود الروحية او العقلية، الامر الذي يعني الوقوع مرة اخرى في حوض النظام المعرفي الوجودي. ذلك ان هذا النظام يؤكد على مثل هذه الوحدة الى الدرجة التي تصبح فيه الطبيعة عبارة عن صورة عقلية منعكسة عن العقل لا العكس، اذ لما كانت الطبيعة مؤلفة من صورة ومادة، والمادة ليست بشيء لانها ـ عند ذلك النظام ـ عبارة عن قابلية لتشكلات الصور، تصبح حقيقة الامر الخارجي بصورته، والصورة عبارة عن درجة من درجات الادراك لقاعدة اتحاد العاقل بالمعقول والمدرِك بالمدرَك، الشيء الذي يعني في نهاية المطاف ان الصورة الخارجية للطبيعة انما هي عبارة عن عقل متنزل، حسب ما تقتضيه السنخية.
ثانياً: بحسب التحليل الآنف الذكر تصبح الحادثة عبارة عن اساس ومظهر في آن واحد، فهي اساس جميع المظاهر، لكونها جميعاً مؤلفة من حوادث، لكنها في نفس الوقت عبارة عن مظاهر لحوادث اخرى تؤسسها الى غير نهاية، اذ كما علمنا ان الالكترون وكل ما هو اقل منه من الجسيمات هو بدوره مركب من حوادث، الشيء الذي يعني ان هذه الجسيمات هي عبارة عن اساس ومظاهر في آن واحد، فهي اساس بناء المظاهر الاشد منها تركيباً، كما انها مظاهر لحوادث ابسط منها بنية، مما يعني ان الاساس والمظهر هما من سنخ واحد، اذ بعضها مشكل من البعض الآخر، كما ان الكثرة فيها تصبح هي الاخرى وهمية، فكلما اشتد تركيب الحوادث كلما زادت وهميتها، وهو يطابق ما سبق ان اكد عليه النظام الوجودي من وهمية الكثرة في عالم الطبيعة والكون.
ثالثاً: لما كان عالم الكون عبارة عن وحدة ممتدة غير متناهية من الحوادث، وكانت الحادثة لا تحدث الا لمرة واحدة في نقطة مكانية ولحظة زمانية، فان بقاء العالم وعدم فنائه وانتهائه انما يعبر عن >البقاء النوعي< مع زوال الافراد، فافراد الحوادث تنتهي وتزول، لكن صيرورة التجدد تجعل من بقاء الحوادث كنوع هو الذي يحافظ على ديمومة العالم واستمراريته. وهذا ما سبق ان اكد عليه النظام المعرفي الوجودي من فناء الافراد وبقاء النوع(401).
رابعاً: ان تجدد الحوادث كما تقتضيه نظرية >الحادثة< يماثل تقريباً ما استقر عليه المتأخرون من النظام المعرفي الوجودي داخل الحضارة الاسلامية، من ان الحركة والتحول لا يجري في عالم الاعراض فحسب، بل حتى في عالم الجواهر ايضاً، فما من شيء في الطبيعة الا وهو في تجدد وتحول من غير انتهاء. وان كانت نظرية المتأخرين كما هو الحال عند صدر المتألين تضفي ابعاداً اخرى ثرية وخصبة لا تمتلكها نظرية >الحادثة<. فبحسب تلك النظرية تجري هناك حالتا (صعود ونزول) هي التي تديم الاستمرارية والصيرورة نحو الكمال. فالحركة الجوهرية في الطبيعة لا تفني شيئاً الا وتجدد في قباله شيئاً آخر بطريقة تزامن (الخلع واللبس). وما يحصل من فناء في هذه العملية لا يمثل العدم، بل هو عين الكمال والالتحاق من صورة الطبيعة الى صورة ارقى منها عن طريق الاتحاد حسب مبدأ >السنخية<، اي من عالم (العقل السافل) الى عالم (العقل العالي)، او من عالم الشهادة والدنيا الى عالم الغيب والآخرة. كما ويتزامن مع هذا القوس من الصعود قوس آخر للنزول والخلق، فمع فناء وصعود كل صورة او >حادثة< من صور وحوادث الطبيعة، تحصل حالة خلق ونزول للصور التي يفيضها العقل من سماء التجريد الى ارض الطبيعة، وبذلك تتم ظاهرة الديمومة بالصعود والنزول على نحو التجديد والكمال الى ما لا نهاية له، فالحركة مستمرة، والتحول والفيض سار ازلاً وابداً من دون انقطاع، والحوادث دائبة على الحدوث والفناء، او الخلق والكمال(501).
خامساً: ان تحديد الشيء الخارجي على اساس الحادثة لا الجسم او الهوية يماثل ما استقر عليه المتأخرون ـ تقريباً ـ منذ صدر المتألهين، من ان الاصالة للوجود لا الماهية، اذ كان قبل هذا الفيلسوف العارف ـ كما لدى استاذه السيد محمد باقر الداماد او الشيخ الديواني او شيخ الاشراق السهروردي ـ ان الاصالة للماهية لا الوجود الذي هو بمعنى الكون او التحقق او الثبوت او الصيرورة او غير ذلك مما يناسب >الحادثة< في قبال الجسم والذات والهوية.
سادساً: يظل هناك خلاف مستقطب بخصوص >عدم التناهي< في الطبيعة. فعدم تناهي الحوادث لدى نظرية الحادثة يكون جارياً فعلاً، وهو لا يطابق عدم تناهي الأجزاء لدى نظام الفلسفة، اذ يحصل حسب وجهة نظر هذا الأخير على سبيل القوة لا الفعل، أي أن عملية التقسيم لو اُجريت لما كان يمكن الوصول فيها الى نهاية محددة.
هكذا نخلص الى أن العلم المعاصر قد أعاد إحياء ما كانت عليه حضارة الفلسفة والتصوف في تبنيها لوحدة الوجود، فضلاً عن الاعتبارات (العقلية ـ الروحية) المضفاة على الوجود الخارجي.
من هنا يمكن القول ان حضور اليونان في حضارة الغرب يعبر عن حضور الغرب قديماً وحديثاً، الأمر الذي جعل الكتابات الغربية منذ القرن الماضي وحتى يومنا هذا تكرس اهتمامها لوحدة التاريخ واستمراريته، مستفيدة في ذلك من فكرة >التقدم<، وحاذفة من خاطرها كل ما لا علاقة له باوروبا وفكرها. . فتاريخها الذي تطمح أن تعممه على الانسانية جمعاء هو تاريخ يمتد من أثينا فروما ثم الى فلورنسا، وبعد ذلك الى اوروبا ابتداء من فرنسا(601). فهي تبدأ بالغرب ثم تعود لتنتهي اليه دون مرور بالحضارة الاسلامية ولو من بابها الآخر، اذ أنها تطمح من وراء ذلك الى هيمنة العقل الاوروبي على الانسانية جمعاء، وهو ما يفسّر تجاهلها للحضارة الاسلامية التي كان لها دور كبير في قيام الغرب وتقدمه. تشهد على ذلك طرق الانتقال العلمي المتمثلة بصقلية والاندلس والشام وفلسطين وغيرها. ولم يكن هذا الأثر مجرد وساطة لنقل التراث اليوناني الى الغرب، بل كان في كثير من الأحيان يعبر عن الأصالة والإبداع، وقد شهد على ذلك الكثير من الاوروبيين، حتى أن بعضهم يرى أن جميع مجالات العلم والثقافة الغربية كان مصدرها نابعاً من الحضارة الاسلامية عبر الاندلس، بما في ذلك المنهج التجريبي الذي قام عليه العلم الغربي. فعلى ما ذكره (بريفولت) في كتابه >بناء الانسانية<، فإن (روجر بيكون) قد درس العربية وعلومها وقام بنقل ذلك المنهج الى اوروبا من العرب(701).
الا أنه لا ينكر أن ما أثرت به الحضارة الاسلامية على الغرب كان في غالبه لا يمتّ الى جوهر اشكاليتها، ولا الى عقلها الأساس بصلة. فالدور الأساسي والغالب الذي لعب في بناء الغرب علمياً وفلسفياً كان يعود الى نظام الفلسفة بما تخلله من مادة معرفية وعناصر علمية. فقد تحول طب الرازي وابن سينا وبصريات ابن الهيثم وفلك البطروجي وفلسفة ابن رشد وابن العربي وغيرها الى الغرب.
بهذا تكون الحضارة الاسلامية حسب اشكاليتها المعيارية المتمثلة بعلوم نظرية التكليف، عبارة عن دائرة انفصال ضمن دائرتي اتصال. أما لو قرأنا حضارتنا بكل ما تحمله من >بضاعة<، فلا شك أنها ستكون حلقة وصل وامتداد واثراء وعطاء بين حضارة الام (اليونان) ورضيعتها (الغرب). الشيء الذي يعني ان الحضارة الاسلامية تمثل حلقة فصل ووصل في آن واحد، فهي فصل من حيث الاشكالية التي هيمنت عليها والعقل الذي استوعبها، لكنها عبارة عن حلقة وصل وعطاء، وذلك لانها قد منحت مفاتيح الوجود للحضارة الغربية، ولو عبر بابها الآخر.
ü ü ü
النهضة والتساؤلات المحمومة
نعود الآن بعد ان شارفنا على نهاية البحث الى طرح تساؤلات تتم ما بدأنا به خاتمتنا، فقد سبق ان طرحنا تساؤلات عن علاقات حضارات العالم الثلاث، ثم اردفناها باخرى تخص شؤون حضارتنا >الغائبة<. اما ما بقي معنا من تساؤلات فهي >محمومة< تضيق لها صدورنا لما تثيره فينا من >هم وغم<، فلا زال السؤال الشاغل الذي يهيمن في نفوسنا هو: لماذا تخلفت الحضارة الاسلامية وتقهقرت فعاشت مرحلة السبات والغيبوبة لعدة قرون؟ فهل ان ذلك يعود الى نظامها المعياري باعتبارها حضارة تكليف قد استنفدت طاقة النص والعقل باكملها، فلم يبق لديها شيء آخر تتفاعل معه سوى ان تؤاكل نفسها بنفسها، كالذي حصل في مؤاكلة العقل للعقل ذاته، والاجتهاد للاجتهاد؟
مما لا شك فيه هو ان حضارتنا الغائبة هي غير حضارة اليونان الممتثلة. فاذا كنا لم نجد >صرخة< تطالب باعادة تأسيس الحضارة اليونانية من جديد، لكونها قد امتثلت بمثلة اخرى في حضارة اخرى هي الحضارة الغربية، او لانها قد ماتت وانتهت على اقل التقادير، مما يعني ان السكوت المتعمد بالمطالبة بتلك الدعوة يضع الحضارة اليونانية موضع >الشيء المهمل< الذي يفقد مبرر قيامه توظيفاً وتشغيلاً. . فاذا كنا لم نجد مثل تلك الصرخة مع الحضارة اليونانية، فان الامر مع الحضارة الاسلامية يختلف كلياً. فمن جهة ان >الصرخة< للمطالبة باعادتها ليست غائبة ولا ميتة كما هو الحال مع سابقتها. كما ان هذه الحضارة من جهة أخرى ليست ممتثلة ولا انها فاقدة الروح كجثة هامدة.
فروح الاجتهاد ـ على حدودها الشكلية ـ لا زالت عالقة بأوصالها، كما ان صرخة المطالبة بإعادتها لا زالت تتردد منذ الاصطدام بالحضارة الغربية والتوسع الاستعماري اوائل القرن التاسع عشر والى يومنا هذا.
والحقيقة ان ما ظهر خلال تلك الفترة عبارة عن صرختين تنفصلان احياناً وتتحدان اخرى، احداهما تدعو للنهضة القومية، خاصة النهضة العربية، سواء من خلال الالتحام بالتراث الاسلامي او بالانفصال عنه كما لدى الدعوات العلمانية. اما الاخرى فتدعو للنهضة الاسلامية بغض النظر عن الجانب القومي. وعلى الرغم من طول مدة ما اطلق عليه بـ>النهضة< على الصعيدين العربي والاسلامي، الا انه لم ينحسم المخاض بين النهوض والنكوص حتى يومنا هذا، رغم مخاض العقود الاخيرة لنهاية القرن العشرين التي شهدت تطورات ليس لها نظير في تاريخنا القديم والحديث.
ان التفكير في النهضة ومدتها يطرح في ذاته تساؤلاً >محموماً< حول ما اذا كان العجز متأصلاً في عروقنا، ام ان هناك عاملاً مغيّباً ينبغي تجهيزه كشرط مقوم للنهضة والوقوف على الاقدام؟
لقد صور لنا القوميون العرب مرارة ما شهدناه خلال هذا القرن من تجربة قومية فاشلة لمشروع النهضة العربية. فالوعي النهضوي الذي بدأ منذ القرن الماضي قد تحول منذ اواخر الخمسينات الى وعي ثوري، لكنه ما لبث ان نكص وتراجع بعد هزيمة (7691)، حيث خيبة الامل والشعور بالاحباط والفشل، قد اعاد الامر الى ما كان عليه من قبل، الا وهو الوعي النهضوي الذي لا زال يملأ وجدان الضمير العربي. ومن القوميين العرب من عبر عن هذه الازمة بصورة مشبعة بالعاطفة وحمة الوجدان، كما هو الحال مع الاستاذ شاكر مصطفى الذي يتساءل في ندوة له: >لماذا تطلب وفاق العرب مع العصر كل هذا الوقت الطويل، ودون جدوى؟< ثم يضيف قائلاً: >هذا السؤال المصيري، النازف كالجرح في ضمير كل عربي ملتزم، اذا كان ما يزال يأخذ يوماً بعد يوم ابعاداً مأساوية متزايدة فلانه قد مضت على ارتطام هذه الامة بالحضارة الحديثة وبمعطياتها وآلاتها سنون بعيدة بعيدة. كتلة الاقاليم العربية مضت عليها الفترة الزمنية الكافية لتكون في مستوى العصر وتكنولوجيته وفيضه الحضاري. معظمها على الأقل انطلق قبل الصين التي بدأت منذ ربع قرن، بعضها قبل روسيا التي بدأت منذ سبعين سنة. ومع ذلك فهذه الامم وصلت. كلها وصلت، بينما لم يصل اي اقليم عربي طليعي الى شيء بعد. مأساوية السؤال انما تنبع من احتمالات الاجوبة عليه: فهل وصلت الامة حقاً مرحلة الشيخوخة فهي الى الادبار والعقم الحضاري؟ او اضاعت الطريق؟ وانى الطريق؟ أم ثمة من الامراض المعقدة في تكوينها العام، ما يشل المفاصل ان تسير السير الذي يقتضيه ايقاع العصر؟ تلك هي المسألة<(801).
ويأتي منظر قومي آخر هو الاستاذ محي الدين صبحي ليلاحظ انه منذ القرن الماضي ـ المدعو بعصر النهضة ـ وحتى يومنا هذا ومحاولات النهضة لا زالت تتكرر: >قامت مرة على يد محمد علي.. وفي مرة ثانية بدأت بين الحربين نهضة استهدفت التحديث حصلت خلالها امور كثيرة: كان الغرب في عصر النهضة الصناعية الاولى، عصر البخار، فاجتاز تلك النهضة ودخل عصر الطاقة والكهرباء، ثم الثورة الالكترونية، كما حدثت ثورات اجتماعية كثيرة ايضاً، بدأت بالثورة البلشفية وتلتها الثورة الصينية ومؤخراً الثورة الفيتنامية، ولم يستطع العرب ان ينجزوا اي نوع من انواع الثورتين: العلمية او الاجتماعية السياسية، ولم يستطيعوا ان يقيموا دولتهم القومية او ان يقدموا الضمانات القانونية الضرورية لنشوء العمران<. واكثر من ذلك ان المسافة بين تخلف العرب وتقدم الغرب اخذت >تزداد ولا تنقص: في القرن التاسع عشر كانت المسافة بسيطة نسبياً بين المجتمع المصري والشامي وبين المجتمعات الغربية الصناعية. . كان العرب الى حد ما على اطلاع بما يجري في العالم، وكانوا اكثر قدرة على محاكاته، اما الآن فالمسافة تتسع وتنظيم المجتمع يتعقد ومعطيات السياسة العالمية تتشابك، ويضيق على العرب شيئاً فشيئاً بحكم تصارع القوى<(901).
وهناك منظر عربي آخر قد عبّر عن مأساوية الوضع الذي نحن الآن فيه، وعن مخاوف المصير التي تهددنا، فكما يقول الاستاذ غالي شكري في مجلة (دراسات عربية،0891): >ولعلنا نصاب بالهلع اذا تذكرنا ان المسافة الزمنية التي تفصل بين نهاية ازدهار الحضارة العربية الاسلامية الاولى وبداية النهضة الحديثة في القرن الماضي تبلغ حوالي الف سنة، بما يثير تساؤلاً مروعاً هو ما اذا كنا قد دخلنا بالفعل مرحلة انحطاط جديدة ستدوم الف سنة اخرى. ولكن الجواب الاكثر ترويعاً هو انه اذا كان ممكناً لاسلافنا ان يناموا كأهل الكهف عشرة قرون، فان العصر الجديد يخلو من الكهف ويستحيل فيه النوم الحضاري الطويل، بل هو يضعنا في مفترق طرق حاسم لا رجعة فيه: فاما التقدم واما الانقراض، ولا طريق ثالث او وسط بينها<(011).
اما الدعوة الى النهضة الاسلامية فقد اجتازت مرحلتها الى مرحلة التطبيق والثورة منذ اكثر من عقد، لكن مع ذلك فلا زال المخاض لم يحسم الموقف لصالح النجاح او الفشل.
ان هذه التجربة الجديدة جاءت على عقب تجربتين فاشلتين مر بهما العالم الاسلامي، احداهما التجربة القومية العربية بعد منتصف القرن العشرين، والاخرى التجربة العلمانية التي مرت بها تركيا بعد انتهاء الخلافة اوائل هذا القرن. الشيء الذي يعني ان هناك المزيد من المخاوف من الوقوع في نفس الفشل الذي لاح كلاً من التجربتين القومية والعلمانية.
واذ لا نكتم الاعلان عن مخاوف الوقوع في الفشل وما يترتب عليه من آثار باهضة، فانا نراهن على ان حل مشكلة كهذه يرتبط اساساً بعلاج طبيعة التفكير الذي هيمن علينا مما له علاقة وثيقة بنمط الاشكالية التي تستحوذ على عقولنا. ان التعرف على هذه الطبيعة سيدلنا على ادراك العلة الاساسية وراء الجمود والسكون الذي اجترته حضارتنا طيلة قرون، بل انه كذلك سيضيء لنا الطريق المناسب للتحرر والخلاص.
ü ü ü
الهوامش
67 ـ انظر:تهافت التهافت، ص225 و933
77 ـ تكوين العقل العربي، ص82
87 ـ العقل للحارث بن أسد المحاسبي، ص302، وذلك في: العقل وفهم القرآن، تقديم وتحقيق حسين القوّتلي، دار الكندي ـ دار الفكر، الطبعة الثانية 8931هـ ـ 8791م.
97 ـ الإحكام، ج1، ص05.
08 ـ المغني، ج11، ص573 و683.
18 ـ تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد، ج1، ص01.
28 ـ انظر حول ذلك كلاًمن: الاسفار، ج6، ص272، والشواهد الربوبية، ص14 ـ 24، ومفاتيح الغيب، ص78 ـ 88
38 ـ لاحظ: شرح فصوص الحكم للجندي، ص353 ـ 553.
48 ـ الفلسفة العربية المعاصرة، ص362، مقال د. سهيل فرح، الطبعة الاولى 8891، مركز دراسات الوحدة العربية.
58 ـ لاحظ: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ص092 ـ 192 و892 و324، شرح وتحقيق نزار رضا، دار مكتبة الحياة. كذلك: الفهرست لابن النديم، ص953 ـ 563، المطبعة الرحمانية في مصر، كذلك: اخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي073 ـ 273، نشر مكتبة المثنى في بغداد، كما لاحظ بحث الدكتور احمد الربعي، وذلك في: الفلسفة العربية المعاصرة ص991.
68 ـ مرآة العارفين للقونوي ص12.
78 ـ من مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية، ج1، ص822، كذلك: نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام، ج1، ص06.
88 ـ المستصفى للغزالي، ج1، ص3.
98 ـ عن: من العقيدة الى الثورة، ج1، حاشية، ص031. لكن يبدو أن تحريم تعلم علم النجوم وتكفير المعتقدين به يعود بالدرجة الرئيسية لدى النظام المعياري الى كونه خاضعاً ضمن مفاهيم واعتبارات النظام الوجودي. (انظر بهذا الصدد: المكاسب لمرتضى الانصاري ص52ـ 92، نشر مؤسسة مطبوعات ديني في قم).
09 ـ فلسفة العلم، ص451، فيليب فرانك، ترجمة د. علي علي ناصف، الطبعة الاولى، 3891، المؤسسةالعربية للدراسات والنشر.
19 ـ لاحظ الفصل السابع من المصدر السابق.
29 ـ لاحظ: تكوين العقل العربي، ص82.
39 ـ انظر الفصل الأخير من كتاب فلسفة العلم لفيليب فرانك.
49 ـ المصدر السابق، ص463 ـ 663.
59 ـ كما أن هناك أربع قواعد ذكرها نيوتن كمنهج عام لدراسة علم الطبيعة، وهي تقترب الى حد كبير من طريقة أرسطو، ويمكن اجمالها كالآتي:
1 ـ لا تعمل الطبيعة شيئاً عبثاً، ولا ينبغي للباحث أن يقبل عللاً الا تلك التي هي ضرورية لتفسير الظواهر.
2 ـ وكنتيجة للنقطة الأولى أن التماثل في النتائج يجب أن تعلل بعلة مشتركة.
3 ـ وكتوسعة على النقطة الثانية فان>كيوف الأجسام التي ليست قابلة لزيادة ولا نقص والتي تتعلق بجميع الأجسام التي يمكن أن تكون موضوعاً للتجارب، يجب أن تعتبر عامة لجميع الأجسام على العموم، على هذا الامتداد والمقاومة أو الصلابة وعدم قابلية النفوذ وقابلية الحركة والسكون هي كيوف توجد في الأجسام التي نستطيع ملاحظتها، فيجب اذاً أن تتعلق بجميع الأجسام على العموم. ويضيف نيوتن الى هذه الكيوف كيفين آخرين هما قابلية القسمة الى ما لا نهاية والجذب..<.
4 ـ يجب التمسك بالنتائج الصادقة المتحصلة من استقراء الظواهر ضد كل فرض مضاد. فهي تعتبر حقة ما لم تظهر أنها تحتمل استثناءات.
(انظر مقدمة الاستاذ سانتهلير لكتاب علم الطبيعة لأرسطو، ص07 ـ 87 و08 ـ 28، ترجمه الى العربية أحمد لطفي السيد، مطبعة دار الكتب المصرية، 3531هـ ـ 5391م.
69 ـ فلسفة العلم، ص422.
79 ـ من نظريات العلم المعاصر الى المواقف الفلسفية، ص28 للدكتور محمود فهمي زيدان، 2891، دار النهضة العربية.
89 ـ فلسفة العلم، ص422.
99 ـ لاحظ: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة لصدر المتألهين، ج1، ص811ـ911.
001 ـ لاحظ: شرح اصول الكافي لصدر المتألهين، كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة.
101 ـ لاحظ: قرة العيون للنراقي، ص012 ـ 532.
201 ـ انظر كلاً من: اسرار الشريعة واطوار الحقيقة لحيدر الآملي، ص77 ـ 87. وكلمات مكنونة للفيض الكاشاني، ص73 ـ 93. وقرة العيون للنراقي، ص702 ـ 802. وتحفه للكَـيلاني، ص031ـ 131.
301 ـ لاحظ: مشكلات الفلسفة، ص14 و64 للدكتور ماهر عبد القادر محمد علي. وكذلك: من نظريات العلم المعاصر الى المواقف الفلسفية، ص16 و97 ـ 08.
401 ـ لاحظ حول ذلك: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة، ج2، ص831. وكذلك عرشيه، ص132 لصدر المتألهين.
501 ـ لاحظ: اسرار الآيات لصدر المتألهين، ص36 ـ 46 و951.
601 ـ لاحظ حول ذلك: تكوين العقل العربي، ص84، والتراث والحداثة، ص72 و57.
701 ـ عن: تجديد التفكير الديني في الاسلام، ص941 ـ 051. كما انظر بهذا الصدد الكتاب القيم: الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي للدكتور محمد ياسين عريبي، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية في الرباط.
801 ـ عن: اشكاليات الفكر العربي المعاصر، ص231، للدكتور محمد عابد الجابري، الطبعة الاولى 9891، مركز دراسات الوحدة العربية.
901 ـ لاحظ: مجلة شؤون عربية. عن الخطاب العربي المعاصر للدكتور محمد عابد الجابري، ص62 ـ 72، الطبعة الثالثة، 8891، دار الطليعة في بيروت.
011 ـ المصدر السابق ،ص72.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق