انماط القراءة الوجودية واسقاطاتها


يحيى محمد

ان الاعلانات التي اقرها العرفاء عموماً وعلى رأسهم ابن عربي وصدر المتألهين في ذم التأويل كثيرة، لكن اكثر منها تلك الممارسات التأويلية والاستبطانية التي غرضها اسقاط الرؤية الوجودية على العينة الدينية.

فهناك انماط متعددة من الفهم الوجودي للعينة الدينية. اذ لا ينحصر الامر بحدود ما عرضناه في دراسة اخرى من التقابل بين النظريات الثلاث التمثيل والمشاكلة والمعاينة، بل هناك ابعاد اخرى من الانماط والممارسات الفهمية التي غرضها استنباط الرؤية الوجودية من النص بما يتفق وهذه القبلية. او كان الغرض من ذلك هو اعادة انتاج الرؤية الوجودية من النص، ليتسنى القول والايحاء بوجود قبلية وبعدية وجودية كلاهما على وفاق واتفاق. فمثلما ان هناك قبلية وجودية تستند في الياتها المعرفية الى كل من العقل الفلسفي والكشف الذوقي، فان هناك ايضاً بعدية وجودية قائمة على فهم المعطيات الدينية، والغرض من هذه البعدية هو اعادة انتاج الرؤية الوجودية بحسب ما عليه النصوص الدينية، او اضفاء الصبغة الوجودية عليها، الامر الذي يجعل منها مرآة تحكي الصور التي تحملها تلك القبلية، وبالتالي فانها تعبر عن نوع من الديانة هي تلك التي اطلقنا عليها (الديانة الوجودية)، حيث تتمظهر بهيئة الموسوعات التفسيرية التي يغلب فيها الممارسات الاستبطانية الرمزية والتأويلية، وهي حتى عندما تتضمن الاعتماد على الظاهر فان ذلك انما يصطبغ بصبغة القبلية الوجودية، او ان صورته تتشكل بحسب ما عليه هذه المرآة.

اذن سنجد ان مفاصل الرؤية الوجودية تتشكل من جديد عبر اليات الفهم الديني وفقاً للقبلية الوجودية واصلها المولد. فسنرى أمامنا مفاهيم كل من الوجود والماهية والعلم والادراك، وكذا طبيعة علاقات المراتب والمبدأ والمعاد، بما تتضمنه من روابط سببية او روابط تتعلق بالاسماء الالهية والاعيان الثابتة ووحدة الوجود، وقد يكون بعض المباطنات جارياً وفقاً للايديولوجيا المذهبية، كالذي تمارسه الاسماعيلية ومن بعدها المدرسة الشيخية او الكشفية، وشبيه بهذا الامر ما يمارسه العرفاء خاصة فيما يتعلق بالحقيقتين المحمدية والعلوية، اذ هما من اهم مصاديق الرؤية الوجودية التي عليها تتحدد طبيعة الوجود المتنزل والمجعول.

وكما يمكن القول ان العرفاء البسوا المعطى الديني لباس القبلية الوجودية، فانه قد يقال ان العكس صحيح ايضاً، اي انهم سعوا الى الباس الرؤية الوجودية بلباس المفاهيم والعناوين الدينية. فالعمليتان متبادلتان ومنظور اليهما من زاويتين مختلفتين، مما يجعل ان كل ما هو ديني فهو وجودي، وكل ما هو وجودي فهو ديني. لكن من حيث الاساس والاعتبارات التوليدية فان الذي يباشر في عملية تحديد الاخر انما هو القبلية الوجودية. فبهذه القبلية يتحدد شكل المعطيات الدينية وليس العكس صحيحاً. بمعنى ان هذه المعطيات تتخذ في الاعم الاغلب دور الظل والتبعية لتلك القبلية.

على ان اعتبار كل ما هو ديني هو وجودي وكذا العكس؛ يمكن ان يستمد مبرره لدى العرفاء من التناظر والتسانخ القائم بين مظاهر الوجود من جهة، وبين اللغة والحروف - ومنها لغة النص الديني وحروفه - من جهة اخرى، فلكل حرف دلالة على كائن وجودي، وكذا كل كلمة وهي مركبة من الحروف فان لها دلالة على التركيب الوجودي بين الاشياء، وكما سبق ان عرفنا كيف ان ابن عربي عدّ العالم مشتقاً من كلمة (كن)، تبعاً لقوله تعالى: {اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون} يس/ 2 8، وحيث ان هناك ثمانية وعشرين حرفاً فان العالم بدوره عبارة عن هذا العدد من المراتب لا يزيد ولا ينقص.

بمثل هذا المنطق تعين الفهم الوجودي بانماطه المتعددة. ويمكن ابراز هذه الانماط تبعاً لاليات فهم النص. ذلك ان هناك ثلاث اليات للفهم سبق ان فصلنا الحديث عنها في دراسة مستقلة، وقد كانت جميعها مورداً خصباً للممارسة الوجودية. فقد اعتاد علماؤنا ان يقسموا قراءة النص الديني وفهمه الى قراءة تفسيرية ظاهرية واخرى تأويلية. وهم في غالب الاحيان لا يميزون من الناحية المنهجية بين القراءات التأويلية التي يمارسها المتكلمون وبين القراءات الباطنية التي يسقطها العرفاء وغيرهم من ذوي النزعات الغنوصية. وعادة ما يقصد علماؤنا بالقراءة التفسيرية الظاهرية بأنها تتضمن حمل الفاظ النص على معناها البيّن او الظاهر، وعلى خلافها القراءة التأويلية، حيث انها تحمل الالفاظ على غير ظاهرها.

وواقع الامر ان هذا التقسيم لا يفي وطبيعة ما تقوم به اليات القراءة، وذلك لوجود الفرق الجوهري بين الممارسات التأويلية كما يزاولها المتكلمون، وتلك التي يسقطها العرفاء والغنوصيون. ويعود السبب في عدم هذا التمييز الى غياب فكرة جوهرية عليها تتحدد طبيعة الية قراءة النص الديني، وهي الفكرة التي نطلق عليها (المجال).

فالمجال يعبر عن المعنى المجمل للموضوع الذي يتم طرحه على بساط البحث من النص اللغوي. او انه عبارة عن ذلك الظهور في المعنى العام للمحور الذي يتناوله النص، وان هذا الظهور العام يتشكل مما نفهمه من الاجمال الكلي للالفاظ وسياقها، بحيث تتميز لدينا طبيعة المحور الذي يطرحه النص وان لم نتمكن من قراءته قراءة تفسيرية ولا اشارية، بل يكفينا في ذلك معرفة العنوان العام الذي تدور حوله الاحداث اللغوية للنص، وذلك شبيه بما يحصل من تبادر للمعنى المجالي عند النظر الى عناوين الكتب والمقالات، حيث تنبؤنا - غالباً - عن طبيعة الاحداث التي تتضمنها هذه الدراسات وإن لم نقرأها ونطلع عليها بعد.

وبفكرة المجال يمكن التمييز بين ثلاث اليات مختلفة، وهي التي نطلق عليها الاليات الاستظهارية والتأويلية والاستبطانية. فالالية الاستظهارية هي تلك التي يتحقق فعلها وفق العمل بمحورين، احدهما العمل بالظهور اللفظي للنص تبعاً لما يبديه السياق، والاخر العمل بالظهور المجالي. ويمكن القول ان الاخذ بالظاهر يقتضي الاخذ بالمجال من دون عكس. وعلى خلاف ذلك تأتي الالية الاستبطانية، حيث ان شرط العمل بها هو عدم الاحتفاظ بالظهورين اللفظي والمجالي، وذلك انها تستبدل المجال الظاهر بمجال اخر غير منظور، وان التخلي عن المجال الظاهر هو في حد ذاته يفضي الى التخلي عن الظهور اللفظي. وابرز من يعمل بهذه الالية هم الباطنية والعرفاء. أما الالية التأويلية فهي تعمل وفق شرط الحفاظ على المجال ولكن من غير الاخذ بظاهر النص. اي انها تتوسط بين الاليتين الاوليتين.

اذن نعود الى ما نحن بصدده من ابراز الانماط المتعددة للفهم الوجودي وفق الاليات الثلاث الانفة الذكر، وذلك كالاتي:

1ـ الالية الاستظهارية والفهم الوجودي

قلنا ان هذه الالية تعمل وفق شرطين هما المجال والظاهر اللفظي. لكن حيث ان العمل بالظاهر يقتضي الاخذ بالمجال، فان الخاصية الاساسية لهذه الالية هو العمل بالظاهر فحسب. وتبعاً للنظام الوجودي ان العمل بظاهر النص لابد ان يتلون بطيف ما عليه من رؤية. وقد سبق ان شاهدنا موقف العرفاء والاشراقيين من التعامل مع هذا الظاهر وفقاً لنظريتي المشاكلة والمعاينة، وعرفنا ان النص الواحد يمكن ان يتعدد فيه الظهور، وكل ذلك يعتمد على طبيعة القبلية المعرفية؛ حتى وإن كانت هذه القبلية عائدة الى نظام واحد كالنظام الوجودي. فرغم انه واحد، ورغم ان العرفاء ينتمون الى طبقة واحدة، الا انه لا يمتنع ان يصدر عنهم من الفهم ما هو قائم على تعددية الظهور النصي، ناهيك عن ان اختلاف النظام المعرفي قد يدعو الى تعددية القراءة للظهور. فمثلاً قد يكون ظهور النص لدى النظام الوجودي هو غيره بالنسبة الى النظام المعياري، وذلك تبعاً لاختلاف ما عليه القبلية المعرفية. مهما يكن لابد من لحاظ ان النظام الوجودي يحمل ما لا يقل عن شكلين مختلفين من الظهور وتعددية المعنى، وكلاهما نطلق عليه (الاستظهار الوجودي)، وذلك كالاتي:

أ ـ الاستظهار العام

وهو الاستظهار بالمعنى الحرفي المشترك، كالذي مرّ معنا عند الحديث عن نظرية المشاكلة، حيث عرفنا ان لظاهر لفظ النص معنىً مشتركاً له عدد من المصاديق تبعاً لمراتبه الوجودية، مثل لفظة النور والقلم والكرسي والميزان وغيرها، حيث انها غير مقيدة بالاطار الحسي ولا بغيره، وبالتالي فالذي يحدد المعنى الخاص لهذه المفاهيم المشتركة هو الباطن، او الاعتبارات التي تأتي بحسب القبلية الوجودية. وقد اطلعنا على نصوص بعض العرفاء الدالة على هذا المعنى الموظف في التطابق بين النص ومراتب الوجود.

ب ـ الاستظهار الخاص

وهو الاستظهار بالمعنى الحرفي الخاص، والمقصود به احد تجليات المعنى المشترك العام الوارد ذكره قبل قليل، ومنه التجلي الحسي، اذ تتعين الحقيقة بهذا التجلي وفق القبلية الوجودية. او يمكن القول ان هذا الاستظهار - كسابقه - يستهدف الحفاظ على ظاهر النص من غير تأويل، لكنه يلجأ الى القبلية الوجودية لاجل الفهم الباطني او التفسير.

والفرق بين الاستظهارين العام والخاص هو ان الاول يستظهر بفعل المفهوم المشترك للفظ، ويستبطن بفعل احد تجليات هذا المفهوم وفق القبلية الوجودية، اي انه يتنزل الى احد المفاهيم الخاصة. أما الاخر فهو انه يستظهر بالمفهوم الحرفي الخاص، ويستبطن بفعل القبلية الوجودية.

ويجدر التنبيه الى ان قراءة النص تارة تعبر عن مجرد اشارة، واخرى تزيد على ذلك بالتفسير. فالالية الاستظهارية تارة تكون مجرد الية اشارية تعبر عما يتبادر للذهن من معنى النص، واخرى يضاف اليها توضيح الكيفية التفسيرية لتلك الاشارة، والعمليتان لا تلازم بينهما من حيث الرد والقبول، فليس كل ما يقبل من حيث الاشارة فان تفسيره يقبل هو الاخر، انما ذلك يعود الى اختلاف ما عليه القبليات، خصوصاً تلك التي تعود الى المنظومات الفكرية. ومن ذلك ان العرفاء قد يتفقون مع غيرهم في فهمهم للاشارة الاستظهارية، لكنهم مع هذا يفسرون الاشارة تفسيرهم الوجودي المعهود بما يختلفون فيه عن الغير، بل وبما يبتعدون فيه عن اجواء النص وسياقه، بحيث قد يكون هذا التفسير مما لا يستسيغه العقل والوجدان، رغم انه يقوم على الاشارة الاستظهارية. ونحن نطلق على هذه الحالة (الاستظهار الجدلي). وفي الجملة ان ما يعنيه الاستظهار الجدلي هو ان تكون الاشارة استظهارية، في حين يكون تفسيرها قائماً على المباطنة والتأويل البعيدين بفعل ما تتحكم به من القبليات الفكرية.

ويمكن القول ان التفسير وفق الاستظهار الخاص للعرفاء كثيراً ما يستعين بالحس ليدل به على ما يراد اسقاطه من القبلية، كالذي لاحظناه بخصوص فهم الايات المتعلقة بوحدة الوجود وغيرها. ذلك حيث ان تأكيد العرفاء على المعنى الحرفي من النص انما يأتي بحسب الاشارة، في حين يأتي التفسير مستعيناً بالحس عادة للدلالة على المعنى الوجودي المطلوب. ومن امثلة هذا النوع من الاستظهار نذكر ما يلي:

جاء ان معنى لفظة الظاهر لدى ابن عربي في قوله تعالى: {هو الاول والاخر والظاهر والباطن} الحديد/ 3، انها تشير الى العالم الخارجي لا غير 1. فمن حيث الاشارة لا ينفي ابن عربي بان لله ظهوراً كالذي تشير اليه الاية، وهو نفس المعنى الخاص المتبادر في اذهاننا، لكن من حيث التفسير فان الحس لا يمدنا بغير هذا العالم الظاهر، وبالتالي فمن حيث الباطن يكون هذا العالم هو المقصود بظاهر الحق.

ويمكن ان يقال الشيء نفسه بصدد قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثمّ وجه الله ان الله واسع عليم} البقرة/ 5 1 1، فمن حيث الاشارة الاستظهارية ان معنى النص واضح الدلالة، اما من حيث التفسير فكما جاء في التفسير المنسوب لابن عربي؛ هو ان ذات الله متجلية بجميع صفاته، فلله الاشراق على القلوب بالظهور والتجلي فيها بصفة جماله، وذلك عند حالة شهود العبد وفنائه، كما ان له الغروب فيها بالاحتجاب بصورها وذواتها بصفة جلاله، وذلك بعد الفناء. وبالتالي فاي جهة يتوجه اليها العبد فثم وجهه، لم يكن شيء سواه، وان الله واسع بمعنى انه جميع الوجود وشامل لجميع الجهات 2.

وكذا الحال مع حالات الاستظهار لنصوص قرآنية كثيرة كالايات التالية: {كان الله بكل شيء محيطاً} النساء/ 6 2 1، {واحاط بما لديهم} الجن/ 8 2، {وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله} الزخرف/ 4 8، {وهو الله في السماوات وفي الارض} الانعام/ 3، {وهو معكم اينما كنتم} الحديد/ 4، {ونحن اقرب اليه من حبل الوريد} ق/ 6 1، {ونحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون} الواقعة/ 5 8، {ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم} المجادلة/ 7. فقد تمسّك ابن عربي بظواهر هذه الايات؛ مؤكداً بان الله قد وصف نفسه بالقرب من عباده، وهو باعتماده على هذه الظواهر خلص الى النتيجة التي يكون العبد قريباً من الحق كصفة ملازمة قبال اتصاف الحق بالقرب منه، وان الناس يطلبون ان يكونوا مع الحق ابداً في اي صورة تجلى، وهو لا يزال متجلياً في صور عباده دائماً، فيكون العبد معه حيث تجلى، والله معه اينما كان 3.

كذلك فان الله يوصف بالغنى عن الفقر بحسب الدلالة الظاهرة من قوله تعالى: {ان الله غني عن العالمين} آل عمران/ 7 9، وكما يؤكد ابن عربي من ان الله غني تماماً عن العالمين، لكن من حيث ايضاح الكيفية التفسيرية فانه يعد الله غنياً بحسب ما عليه الذات في حضرتها الاحدية، وان النقائص بهذا الاعتبار لا تعود الى الحق بما هو في ذاته وانما الى ما دونه بحسب اعتبارات التقييد، اي الى الروح الاعظم او العقل الاول اوالحقيقة المتعينة الكلية، ذلك انه كان ولم يكن معه شيء ولا زال كما كان 4.

واذا كان الله غنياً عن العالمين تبعاً لاستظهار الاية الانفة الذكر، فانه يوصف ايضاً - حسب رأي ابن عربي - بالفقر والنقائص، وذلك لنفس العلة من الاعتماد على ظواهر النصوص الدينية للقرآن والحديث، مثل الذي جاء في قوله تعالى: {واقرضوا الله قرضاً حسناً} الحديد/ 7 1، وقوله ايضاً: {وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون} الذاريات/ 6 5، وكذا ما جاء في الحديث القدسي: ((كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف))، او ما جاء في الحديث القدسي: ((جعتُ فلم تطعمني..))، او غير ذلك من الايات والاحاديث.. فكلها لها دلالة عند ابن عربي على الحاجة والفقر الالهي، وتفسيرها لديه ينبع مما عليه وحدة الوجود وهو ان الله يتجلى بصور الخلق للعباد، فيكون فقره وحاجته من هذه الناحية، حيث ما من صورة الا وتكون ناقصة وفي حاجة الى غيرها.

على ان هناك استظهارات اخرى لها علاقة بالاعيان الثابتة، مثل ما جاء في قوله تعالى: {ربنا الذي اعطى كل شيء خلْقه ثم هدى} طه/ 0 5، حيث الخلق هنا بمعنى الحصة والحد المخصوص او الاستعداد، اي اعطى كل شيء حصته واستعداده الخاص 5.

كذلك ما جاء في قوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} يونس/ 4 6، حيث لما كانت هذه الكلمات تعبر عن الاشياء فانها - لهذا - لا تقبل التبديل مثلما هو ظاهر النص القرآني، ومن حيث التفسير ان المقصود بها حقائقها المعبر عنها بالاعيان الثابتة التي يستحيل تبديلها، حيث لا تظهر الاعيان الا بصورة ما هي عليه في الثبوت 6.

ومثل ذلك استظهار الايات التي تنسب صفات الاعمال الى اصحابها، كقوله تعالى: فلا تلوموني ولوموا انفسكم} ابراهيم/ 2 2، {وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون} النحل/ 8 1، {وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون} آل عمران/ 7 1 1، {وما أنا بظلام للعبيد} ق/ 9 2، حيث انها صحيحة من حيث الظاهر، أما من حيث التفسير والباطن فهي دالة على ما للاعيان من صفات ثابتة هي مصدر تلك الاعمال وما يلحقها من الصفات التي تشير اليها النصوص. فهذه الايات تدل من حيث التفسير على ان حقائق انفسنا المتمثلة باعياننا الثابتة هي السبب في ما نحن به من ظلم، ومنه يعلم ان لله الحجة البالغة. فانفسنا من حيث حقيقتها هي منبع الظلم وكل سوء وخير، وهو معنى قول العرفاء: فلا تحمد الا نفسك ولا تذم الا نفسك، وإن كان الحمد لله يأتي من حيث افاضة الوجود على حقائقنا فحسب. ولا شك ان تفسير الايتين الانفتي الذكر هو تفسير قائم على الظاهر من دون شك.

وكذا هو الحال في قوله تعالى: {فلو شاء لهديكم اجمعين} الانعام/ 9 4 1، حيث ان العرفاء يستظهرون معنى الاشاءة بالاستطاعة، باعتبارها احد معانيها البارزة، وبالتالي فان الاية بحسب هذا الاستظهار تدل على ان هداية الناس لا تخضع لحاكمية الله وقدرته، بل الامر يعود الى حقيقة انفسنا من حيث كونها اعياناً ثابتة، حيث ان المشيئة متعلقة بهذه الاعيان المطلق عليها الفيض الاقدس، بخلاف الارادة التي تتعلق بايجاد الممكنات او الفيض المقدس 7. لذا كانت الاشاءة عند العرفاء بمعنى الاستطاعة لا الارادة، وتصبح الاية تعني ان هداية كل الناس يستحيل ان تتحقق لعلة عدم الاستطاعة، فلو استطاع الله لهدى الناس جميعاً.

وعلى نفس الشاكلة ما جاء في تفسير الدعاء المستجاب كما يشير الى ذلك قوله تعالى: {ادعوني استجب لكم} غافر/ 0 6، حيث يحصل الدعاء بلسان الاستعداد 8، وذلك بما تطلبه الاعيان الثابتة من الظهور والايجاد، كالذي مرّ علينا من قبل. ونفس الشيء مع ما جاء في قوله تعالى: {اجيب دعوة الداع اذا دعانِ} البقرة/ 6 8 1، او ما جاء في الحديث القدسي: ((من اطاعني فقد اطعته ومن عصاني فقد عصيته)).

ومثل ذلك ما جاء في تفسير الاملي لقوله تعالى: {وآتاكم من كل ما سألتموه}، حيث دلّت عنده على ما لدى الناس والخلائق من الاستعدادات التي تخصها وما تسأله من افاضة الوجود عليها بحسب ما هي عليه من الاستعداد والقابلية. ومثل هذا الامر يظهر في قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} الاسراء/ 4 8، حيث ان الكل يعمل بحسب ما عليه من الاستعداد والصورة التي هو عليها، فكلّ ميسر لما خُلق له، مثلما جاء في الحديث النبوي. وللاية الاخيرة توجيه اخر كالذي لجأ اليه ابن عربي، حيث عدّ العالم عمله فظهر هذا العالم بصفات الحق باعتباره من عمله وصنعه، لذا لو قلت في العالم انه حق فقد صدقت، حيث يقول تعالى: {ولكن الله رمى}، ولو قلت فيه انه خلق لصدقت ايضاً اذ يقول تعالى: {اذ رميت}، فهو المجهول المعلوم 9. وشبيه بهذا نجده لدى صدر المتألهين في توجيهه للاية، اذ تعني عنده أن كل شيء يصدر على شاكلة الحق، او ان كل شيء قد اوجده الله على شاكلته مثلما جاء في الحديث القائل: ((خلق الله آدم على صورته)) 0 1.

كما ان من الاستظهارات الاخرى ما جاء في تفسير صدر المتألهين لقوله تعالى: {انك ميت وانهم ميتون} الزمر/ 0 3، وهو انه محمول على الحقيقة بلا حاجة للتأويل والتوجيه، بمعنى ان النبي الموجه اليه الخطاب وغيره من الناس هم جميعاً ميتون، حيث في كل وقت من اوقات الحياة الطبيعية يكون للانسان السعيد موت وبعث ونشر وحشر الى الله تعالى، فهناك رقي من نشأة الى نشأة اخرى، ومن مقام الى مقام اخر، فالموت هو التحول والكمال في النشآت 1 1. وواقع الامر ان هذا الاستظهار لم يكن استظهاراً تاماً، وذلك باعتباره يلوّح الى اعتبار المعنيين في الاية {وانهم ميتون} يخص السعداء من الناس فقط، وهو ما لا ظاهر له في النص.

كذلك استظهر ابن عربي من قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون} آل عمران/ 9 6 1، بان الشهداء ليسوا امواتاً بل احياء بين اظهرنا وإن لم نستطع ادراكهم وابصارهم. وهذا الاستظهار في حدّه المذكور مقبول لدى جميع المسلمين او اغلبهم.

وايضاً استظهر العرفاء ما جاء في قوله تعالى: {وإن من شيء الا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الاسراء/ 4 4، حيث ما من شيء الا وله روح ناطقة تسبّح بلسان يليق بها 2 1.

والملاحظ من كل ما سبق ان العرفاء يحرصون على قبول الظهور اللفظي لمعنى النصوص من حيث الاشارة، لكنهم من حيث التفسير يلجأون - بحسب الباطن - الى مباني القبلية الوجودية ليبينوا بها كيفية ما تتضمنه تلك الاشارة الاستظهارية المجملة.

2ـ الالية الاستبطانية والفهم الوجودي

قلنا ان هذه الاليات تعمل وفق شرط التخلي عن مجال النص وابداله بمجال اخر جديد ومختلف، الامر الذي يتبعه عدم الحفاظ على الظاهر، حيث تتصف هذه الممارسة بانها تجعل من الالفاظ الدينية عبارة عن تناظرات لقضايا الوجود والادراك، او انها عبارة عن رموز وتلويحات باطنية دالة على المفاهيم الوجودية لأدنى مناسبة، بلا ضابط ولا ميزان، سوى الباس النص الديني بهذه المفاهيم، خاصة فيما يتعلق بتلك التي لها علاقة بالادراك كالعقل والنفس ومراتبهما وصورهما العلمية، حيث الوجود باجمعه ما هو الا مراتب مختلفة من الادراك والصور، فلِمَ لا يكون النص الديني هو ايضاً خاضعاً ومعبراً عن هذه المراتب تبعاً لمنطق السنخية؟!

ومع ان هذه الاليات يمكن عدها بانها ترجع الى صنف واحد من الاستبطان، وهو الاستبطان الاشاري والرمزي، لكن يمكن لحاظ ان هناك اربعة انواع من التطبيق؛ احدها يتعلق بالرمزية الدينية للمفاهيم والالفاظ الوجودية العامة، كالنور والعرش والكرسي واللوح والقلم وما الى ذلك. وثانيها يتعلق بالالفاظ والاصطلاحات الدينية التي قد تفهم ولو بنحو من الفهم المجمل، وذلك مثل القرآن والفرقان. وثالثها يتعلق بالالفاظ غير المفهومة كلياً مثل الحروف المقطعة. أما النوع الرابع فيتعلق بالقضايا المعيارية والتشريعية، حيث خضعت الى نفس المعاملة مع قريناتها السابقة، وتمّ قراءتها باعتبارها رموزاً تشير الى ما عليه الوجود واعتباراته القبلية.

ومن الناحية الاعتبارية يمكن تقسيم الممارسة الاستبطانية في هذه الاليات الى عدد من التفننات كالاتي:

1ـ تفننات الاعتبارات التناظرية: حيث ان هذا النمط يعتمد على التناظر والتشاكل المدعى بين المعطيات الدينية والمضامين الوجودية رغم عدم وجود المناسبة الكافية في هذا الربط من الاعتبار.

2ـ تفننات الاشارة الرمزية والتلويح الوجودي: حيث ان هذا النمط من الفهم يجعل من النص رمزاً يلوح ويشير الى ما عليه القبلية الوجودية من غير مناسبة ظاهرة. ولا شك ان هذا التفنن هو الاساس فيما عداه من التفننات.

3ـ تفننات تحويل الاعتبارات التشريعية الى معاني وجودية: حيث في هذا النمط تصبح التشريعات الفقهية الدالة على القضايا المعيارية لها معان باطنية وجودية رغم عدم وجود قرينة دالة على هذا الربط. فهي بالتالي عبارة عن استبدال المجال المعياري بالمجال الوجودي.

والحديث عن هذه التفننات سيكون كالأتي:

أ ـ المعطى الديني والتناظر الوجودي

كثيراً ما يقيم النظام الوجودي تناظرات ومشاكلات بين عالمي الوجود والدين، او بين الصنعتين الالهية والنبوية حسب تعبير بعض دعاة الاسماعيلية، حيث ان الله اوجد الدين على مثال ما عليه الوجود، ومنه تنشأ التماثلات والتناظرات، اذ احدهما يماثل الاخر ويشاكله، وانه ما من شيء في احدهما الا وله نسخة مماثلة ومشاكلة في الاخر. او ان احدهما يكون تعبيراً عن الاخر ومراداً له. ومن ذلك ان عالم العقول المقدسة والنفوس الكلية كلاهما كتابان الهيان، وقد يقال عن العقل الاول وكذا الحقيقة المحمدية انه ام الكتاب لاحاطته بالاشياء اجمالاً. ويقال عن النفس الكلية الفلكية بانها الكتاب المبين لظهورها في الاشياء تفصيلاً. وعن النفس المنطبعة في الجسم الكلي بانها كتاب المحو والاثبات. وان الانسان الكامل هو كتاب جامع لهذه الكتب المذكورة، لانه نسخة العالم الكبير؛ فمن حيث عقله كتاب عقلي يسمى ام الكتاب، ومن حيث نفسه الناطقة يسمى كتاب اللوح المحفوظ، ومن حيث روحه النفسانية التي في فلك دماغه يسمى كتاب المحو والاثبات. وقد عد صدر المتألهين ما ذكر من الكتب بأنها اصول الكتب الالهية، واما فروعها فكل ما في الوجود من العقل والنفس والقوى الروحانية والجسمانية وغيرها 3 1.

على ذلك جاءت لفظة الكتاب في قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} الانعام/ 8 3، بأنها منبهة على معنى الانسان، وان الملك والجان جزء منه، وانموذج خرج عنه، اي انه بعض الخطاب، وان الانسان هو كل الكتاب المعبر عنه بالكتاب الجامع لجميع الكتب الالهية والكونية 4 1، مثلما ينبه عليه قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين} الرعد/ 3 4، حيث الرطب يرمز الى عالم الملائكة، واليابس يرمز الى العالم الكوني، والكتاب هو الانسان، فالانسان هو مجموع هذين العالمين 5 1. وان المقصود بقوله تعالى: {إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} الاسراء/ 4 1؛ هو الدعوة الى معرفة كتاب الانسان او نفسه، فمن عرفها فقد عرف ما كان وما هو كائن ويكون، او ان من عرفها فقد عرف ربه وعرف جميع الاشياء، باعتباره كتاباً مضاهياً للحق وفيه كل شيء 6 1.

وفي مشاكلة لصدر المتألهين انه عد القرآن المبين نسخة شارحة لكمال الانسان، حيث ان هذه النسخة تكشف عن مقامات هذا الخليفة الرباني التي تظهر في الحقيقة الجمعية المحمدية، وان فاتحة القرآن هي نسخة النسخ القرآنية من غير اختلال ولا نقصان. لذا انه يوصي المعتني بعلم القرآن بضرورة ان يتعلم اولاً معرفة الانسان؛ مبادئ احواله واسراره، واسباب اكوانه ومقاماته، ومنازل اسفاره ودرجاته 7 1.

كما انه شابه بين الانسان والقرآن من حيث ان لكل منهما سراً وعلناً او ظاهراً وباطناً، فللقرآن - كما ورد في الحديث - ظهر وبطن الى سبعة ابطن؛ هي كمراتب باطن الانسان من النفس والقلب والعقل والروح والسر والخفي والاخفى 8 1. ولدى العارف الخميني انه كما يمكن ان يكون المراد من تلك البطون مراتب الانسان؛ فكذلك يمكن ان يكون المراد منها المراتب الوجودية السبعة التي هي مقام الاحدية الغيبية وحضرة الواحدية ومقام المشيّة والفيض المنبسط وعالم العقل وعالم النفوس الكلية وعالم المثال المطلق وعالم الطبيعة 9 1.

كذلك ان هناك تناظراً بين الوجود والقرآن، فالقرآن يمكن ان يعد عبارة عن جميع صفحة الوجود، وما من شيء في الاول الا وموجود في الاخر، بل ان كل فرد من افراد الوجود، بما في ذلك ما يعد عند اهل الظاهر من الموجودات الخسيسة، انما هو قرآن جامع له ظهر وبطن وحد ومطلع، فاي شيء فيه كل شيء 0 2.

على ان هناك ارتباطاً في المشاكلة بين علاقة الظاهر والباطن في الوجود وبين ظاهر القرآن وباطنه، وكذا بين ظاهر العدد وباطنه، والحرف والكلمة، ومنه اشتقت الكثير من المفاهيم. وكل ذلك يتأسس على طبقات الظاهر والباطن. ففي الوجود هناك مشاكلات للمراتب بين عالمي الشهادة والغيب، او الظاهر والباطن الوجودي، وكذا هو الحال فيما هو مدون في النصوص الدينية كالقرآن الكريم، حيث فيه الظاهر والباطن، وكذا بين العدد والواحد الذي هو باطن كل عدد، وكذا الحال في العلاقة بين الحرف والكلمة، فكلها تنبني من حيث علاقة الظاهر والباطن. لكن بين هذه العلاقات المختلفة تشاكلات متعددة، ومنها وجود التشاكل بين علاقات الوجود وعلاقات النصوص الدينية ومفاهيمها.

مهما يكن فمن الصحيح القول ان هذه الممارسة من الاستبطان يمكن ارجاعها الى الاستبطان الرمزي والاشاري الذي سنتحدث عنه بعد قليل، حيث ان التناظر والتشاكل بين الصنعتين الالهية والنبوية، او الوجودية والدينية، ليس تناظراً يستقل احدهما عن الاخر، بل بينهما رابطة التأسيس، حيث يتأسس الحرف وكذا الكلمة والاية والسورة والنص الديني على كل ما له نظير في الوجود. وبالتالي فان التعين الديني هو مرآة التعين الوجودي، مما يعني ان الاول لابد ان يكون كاشفاً عن الاخر تبعاً للاستبطان الرمزي والاشاري.

ب ـ الاشارة الرمزية والتلويح الوجودي

قلنا ان اهم ما يبرر قيام هذا النمط من الاستبطان هو اعتبار العينة الدينية جاءت كمرآة للعينة الوجودية تبعاً لمنطق السنخية، بل وان العكس صحيح ايضاً. لكن مع الاخذ بعين الاعتبار ان العلاقة بينهما هي علاقة تأسيس ومسانخة، حيث تتأسس العينة الدينية على الوجودية من دون عكس، الامر الذي يجعل العلاقة بينهما تتخذ شكل المرآتين، حيث النظر في احداهما يفضي الى معرفة الاخرى، مثلما يجري الحال في العلاقة الوجودية بين المرتبتين الالهية والكونية، حيث انهما يشكلان مرآتين احداهما تعكس صورة الاخرى، وان النظر الى اي منهما يفضي الى مشاهدة الاخرى كالذي سبق ان تحدثنا عنه. وعليه يمكن القول ان العينة الدينية ما هي الا تعبير عن العينة الوجودية، وان من الممكن معرفة اي من العينتين عبر الاخرى بواسطة الاستبطان، الامر الذي يبرر اعتبار العينة الدينية رموزاً واشارات لما عليه العينة الوجودية، وكذا فان المفاهيم الوجودية يمكن استبدالها بتعابير دينية، طالما ان كلاً منهما يشكل كتاباً للاخر. لكن يظل الاساس هو ارجاع التابع للمتبوع، اي اعتبار كل ما هو ديني بانه وجودي، والكشف عن كل ما هو وجودي بما هو ديني. فهذا هو محور استخدام منهج الاشارات والتلويحات في الفهم الديني، حيث تتلبس العينة الدينية لباس الوجود. والشواهد على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى، لكنا سنقتبس جملة منها كالاتي:

من ذلك ما جاء بخصوص اية النور: {الله نور السماوات والارض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم} النور/ 5 3، حيث صرح الفلاسفة بان الاية ترمز الى مراتب العقول، ومُثّلت المشكاة بالعقل الهيولاني والنفس الناطقة، والمصباح بالعقل المستفاد بالفعل، كما اعتبرت الزجاجة دالة على وجود مرتبة اخرى بين العقلين الهيولاني والمستفاد، و{يوقد من شجرة مباركة زيتونة} بانها القوة الفكرية.. الخ 1 2. ولدى الغزالي فان مثال المشكاة هو النفس، والزجاجة هو القوة الخيالية، والمصباح هو العقل، والشجرة الزيتونة هو العقل الفعال 2 2. ولدى صدر المتألهين فان الزجاجة هي النبي محمد (ص)، وكذا ان المصباح هو الحقيقة المحمدية او العقل الاول. ولدى صاحب (الاقطاب القطبية) ان معنى المشكاة هو القلب، والزجاجة هي الروح الحيواني، والمصباح هو النفس الناطقة، والشجرة هي فكرتها المثمرة لازهار اليقين وانوار المشاهدة، والزيت هو الحدس التام 3 2. ولدى بعض اخر ان المشكاة هي الصدر، والزجاجة هي القلب، والمصباح هو الروح. لكن صدر المتألهين اجرى تطبيق نظريته في المشاكلة عليها، فأقر بوجود ثلاث مراتب لهذه الرموز، اولها حسية ظاهرية، وثانيها حسية باطنية، وثالثها عقلية نظرية. فالحسية الظاهرية معلومة، حيث الصدر والقلب والروح التي هي اجسام لطيفة حارة عبارة عن مركب النفس الحيوانية المدركة للجزئيات لاجل الحركات الشهوية والغضبية. أما الحسية الباطنية فهي ان لتلك الاجسام الثلاثة ثلاث ارواح، حيث للصدر روح طبيعية، وللقلب روح حيوانية، وللروح روح نفسية انسانية مستخدمة في القضايا العملية تبعاً لما يقتضيه العقل العملي. في حين ان في المرتبة الاخيرة يكون الصدر عبارة عن النفس الحيوانية، وان القلب هو النفس الناطقة، وان الروح هي العقل المستفاد المشاهد للمعقولات تبعاً للاتصال بالعقل الفعال. والقلب بالمعنى الاخير هو الذي يقال بانه (عرش الله) و(مستوى اسم الرحمن)، لكونه محل معرفة الله، ولكونه على سبيل الاستقامة من غير اعوجاج. أما الصدر فهو الكرسي، ونسبة العرش الى الكرسي كنسبة العقل الى النفس، والقضاء الى القدر، حيث ان المعقولات كلها مجملة في القضاء مفصلة في القدر 4 2.

وتبعاً للاهري فان ما ترمز اليه اية {والتين والزيتون وطور سنين} التين/ 1ـ 2، هو ان التين عبارة عن الحدس، حيث لا نواة له وهي عقدة التعب والمشقة، والزيتون هو الفكر المنوي لنواة التعب، وطور سنين هو مبدأ النفس الناطقة النافخ لها، وهذا البلد الامين هو النفس الناطقة الامينة على اسرار الملكوت المودعة فيها كنز المعرفة 5 2. وكذا جاء فيما يرمز اليه قوله تعالى: {والطور، وكتاب مسطور، في رق منشور.. والبحر المسجور} الطور/ 1ـ 6، حيث ان الطور هو العقل الاول، والكتاب المسطور هو النفس الاولى، والبحر المسجور هو الهيولى، حيث انها بحر مسجور لتصلية الصور. ومثله قوله تعالى: {ن والقلم} القلم/ 1، حيث النون ترمز الى النفس، كما ان القاف من القلم يرمز الى العقل. كما ويرمز قوله تعالى: {المر} الرعد/ 1، بان الالف دالة على اله العقول، وان اللام هي جبريل مبدأ النفوس، وان الميم هي محمد مدبر الارواح، وان الراء هي صفة الرسالة لمحمد 6 2. كما جاء ان قوله تعالى: {فالسابقات سبقاً، فالمدبرات أمراً} النازعات/ 3ـ 5، فيه تلويح الى كل من العقول السابقة والنفوس المدبرة للاجرام العلوية 7 2. وهذه النفوس وتلك العقول هي المعبر عنها بالملائكة. فالملائكة - كما علمنا - عبارة عن صور علمية بعضها مجردة كالعقول المحضة مثل عقل جبريل المتمثل بالعقل الفعال، وبعضها عبارة عن نفوس الاجرام الفلكية. وكما جاء في تعريف الفارابي للملائكة بأنها: ((صور علمية، جواهرها علوم ابداعية ليست كألواح فيها نقوش، او صدور فيها علوم، بل هي علوم ابداعية قائمة بذواتها؛ تلحظ الامر الاعلى فينطبع في هوياتها ما تلحظ، وهي مطلعة، لكن الروح القدسية تخاطبها في اليقظة، والروح النبوية تعاشرها في النوم)) 8 2. كما اعتبر جبريل رب النوع الانساني، على ما علمنا، حيث انه هو الذي يعتني بتكميل النفوس الادمية، وهو الذي يعرفهم المعارف 9 2.

واشار الفلاسفة الى ان اية {عليها تسعة عشر} المدثر/ 0 3، تلوح الى العقول العشرة والافلاك التسعة، وزعم بعضهم بانها عبارة عن الاثنى عشر برجاً والسبع الدراري 0 3، والمقصود بهذه الاخيرة هي الكواكب المسماة بالمتحيرة 1 3.

وجاء في رمز العرش ضمن قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} الحاقة/ 7 1، بانه الفلك التاسع، والثمانية هي بقية الافلاك الثمانية، والفلك التاسع عبارة عن فلك الافلاك، وهو نهاية الموجودات الجسمانية المبدعة، وهي جميعاً حية ناطقة لانها ملائكة، فلا فرق في ذلك لو قلنا ان الفلك التاسع محمول بثمانية افلاك، او قلنا ان النفس الملائكية محمولة بثمانية انفس ملائكية 2 3. لكن الاسماعيلية فسرت العرش بانه العقل الذي هو المبدع الاول وحملته الثمانية عبارة عن النبي واوصيائه الائمة السبعة 3 3. أما صدر المتألهين فقد ظن ان الفلك الاقصى الجسماني يتمثل بالكرسي وإن لم يقطع بذلك، واعتبر العرش عبارة عما يحاذي ذلك الفلك من عالم المثال، وهو الفلك الكلي المثالي 4 3.

وعلى نفس هذه الشاكلة تم التعامل مع جملة من الالفاظ والمصطلحات القرآنية، كالقرآن والفرقان والكتاب المبين وام الكتاب والصحف المكرمة وخزائنه تعالى والحروف المقطعة وغيرها. فمثلاً اعتبر صدر المتألهين ان القرآن عبارة عن العلم الاجمالي المعبر عنه بالعقل البسيط، وهو العلم بجميع الموجودات على وجه بسيط اجمالي، وهو فعال تفاصيل العلوم النفسانية. أما الفرقان فانه اشارة الى العلم النفساني المتكثر بصور عقلية حاصلة في النفوس الفاضلة. واعتبر صدر المتالهين كلا هذين الوصفين للقرآن عبارة عن نفس النبي في مقامين، مقام عقل بسيط قرآني متحد مع المعقولات كلها، ومقام لوح نفساني فيه تفاصيل العلوم وصور الحقائق المرسومة 5 3. وهذا التقابل بين القرآن والفرقان، من حيث ان القرآن عبارة عن ذات العقل الاول، والفرقان عبارة عن الجوهر النفساني، هو ذاته الذي يعبر فيه صدر المتألهين عن التقابل بين القلم واللوح، فالقلم موجود عقلي متوسط بين الله وبين خلقه، فيه جميع صور الأشياء على الوجه العقلي، وهو ايضاً عقل بسيط، الا انه دون الحق الاول في البساطة والشرف. وأما اللوح فهو جوهر نفساني وملك روحاني يقبل العلوم من القلم ويسمع كلام الله بواسطته 6 3.

وجاء في معنى قوله تعالى: {ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما أُنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم} المائدة/ 6 6، ان المقطع الاخير من الاية يرمز الى ما فوقهم من الاغذية الروحانية من العلوم والحقائق، والى ما تحتهم من المدركات الجسمانية التي هي من عجائب عالم المثال والكشف الصوري 7 3، او لأكلوا رزق الوجدانيات ولذاقوا ذوق التجليات ونالوا الحالات الذوقية والواردات الالهية التي تحصل بالسلوك والارجل 8 3.

كذلك جاء في مضامين قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} الاسراء/ 0 7، بان معنى (البر والبحر) يشير الى الادراكات الحسية والعقلية، وان (الطيبات) هي العلوم اليقينية، كما ان تكريم الانسان يشير الى ما خص الله تعالى الانسان بالنفس الناطقة 9 3.

كما جاء في مضامين قوله تعالى: {ربي اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات} نوح/ 8 2، ان الوالدين هما العقل والطبيعة، وان البيت هو القلب، وان المؤمنين والمؤمنات هم العقول والنفوس 0 4.

وجاء في استبطان قوله تعالى: {مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله انصاراً} نوح/ 5 2، هو ان ابن عربي وشارحه القيصري اعتبرا ان معنى الاية هو ان الخطيئات وان كانت بمعنى الذنوب الا ان فيها اشارة الى الخطوات، باعتبار ان من يخطو ويتعدى اوامر الله فانه يقع في الذنب، وبالتالي فان هذه الخطوات وقطع المقامات بالسلوك حدت بقوم نوح الى ان يتخطى بهم الامر الى بحار العلم بالله، فغرقوا في هذه البحار وما رأوا ذنوبهم، ذلك ان خطاياهم هي التي اوجبت عليهم الغرق فدخلوا في عين الماء او نار المحبة والشوق حال كونهم في عين الماء الذي هو عين العلم بالله، فكان الله عين انصارهم دنيا واخرة فهلكوا فيه الى الابد 1 4.

وان الماء الوارد في عدد من الايات هو بمعنى العلم، مثل قوله تعالى: {وانزلنا من السماء ماءً} المومنون/ 1 8، وقوله: {يُسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل} الرعد/ 4 2 4.

وفي رمزية ابن عربي لقصة يوسف انه نأى عن ذكر تفاصيلها كما هي في عالمها حيث لا فائدة في ذلك، انما الفائدة في ذكرها في عالمنا الانساني نفسه. وكأنه بهذا يلجأ الى طريقته في الاعتبار، ذلك انه يعد يوسف عبارة عن النفس المؤمنة، وان اباه يعقوب هو العقل، واخوته هم النفس الامارة واللوامة، وان امرأة العزيز هي النفس الكلية وهكذا.. فهو تبعاً لهذه الاشارات يذكر ان الله تعالى لما اراد من النفس المؤمنة ان تسافر اليه اشتراها من اخوتها الامارة واللوامة بثمن بخس، وحال بينها وبين ابيها العقل، فبقي هذا العقل حزيناً لا تفتر له دمعة، وذلك بعد ان كان يتنزه في الحضرة الالهية بوجود هذه النفس، فلما حصلت الحيلولة بينهما اصابته الظلمة في بصره من الحزن، وهكذا. 3 4.

وكذا هو الحال في رمزيته لقصة موسى، فمثلاً انه في اية القاء موسى في التابوت ورميه في اليم كما في قوله تعالى: {اذ اوحينا الى امك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليُلقهِ اليمُّ بالساحل} طه/ 8 3ـ 9 3، اعتبر التابوت عبارة عن الناسوت او الجسم الانساني، وان اليم هو العلم، والقائه في اليم هو اشارة الى ما حصل للانسان من بلوغ العلم بواسطة هذا الجسم، فلولا الجسم ما كان للنفس من القوى الفكرية والحسية والخيالية التي هي مصادر هذا العلم 4 4.

وعلى شاكلة هذه الرمزية من قصة موسى اعتبر البعض ان الارض المقدسة في قوله تعالى: {.. ادخلوا الارض المقدسة} المائدة/ 1 2، انها عبارة عن ارض النفوس قبل تصفيتها وازالة الاوساخ عنها من المعاصي. وان قوله تعالى: {قالوا يا موسى ان فيها قوماً جبارين} المائدة/ 2 2، هو ان فيها المعاصي والشهوات النفسانية والعلائق الجسمانية. وكذا قوله: {إنّا لن ندخلها ابداً ما داموا فيها} المائدة/ 4 2، هو لان النور لا يدخل الظلمة الا وذهب النور والظلمة في موضع واحد. وقوله: {فاذهب انت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون} المائدة/ 4 2، هو ان الخطاب للعقل ومربيه، اي اذهب ايها العقل ومربيك وممدك، وهو الوجود، فطهرا تلك الاوساخ والمعاصي من النفوس لكي يتم التمكن من الدخول 5 4.

وجاء في التفسير المنسوب لابن عربي ان معنى السبع المثاني هي الصفات الالهية السبع 6 4، وان معنى الصفا هو القلب، ومعنى المروة هو النفس 7 4. وان معنى ابرهة في قصته المشار اليها في سورة الفيل هو النفس الحبشية، وان الكعبة التي اراد تدميرها هي القلب، وان سائر ما ورد في السورة ترمز الى قوى الطبيعة الجسمانية والعقلية 8 4. وكذا فان معنى قوله تعالى: {يوم تُبدل الارض غير الارض} ابراهيم/ 8 4، هو تبدل ارض الطبيعة بارض النفس، وذلك عند الوصول الى مقام القلب 9 4.

كما ان الحروف المقطعة في اوائل السور تعد لدى ابن عربي صور الملائكة واسماؤهم، فاذا نطق بها القارئ كان مثل النداء بهم فيجيبوه. فلكل حرف من هذه الحروف الاربعة عشر ظاهر هو صورته وباطن هو روحه 0 5.

ومن ذلك ايضاً التقارب اللفظي، مثل الهاء والواو (اي: هو) الذي يقال على الهوية التي هي حفظ الغيب 1 5.

***

يضاف الى ما سبق هناك تلويحات واشارات رمزية لها علاقة بمضامين مذهبية ايديولوجية. فمثلاً اعتبر الاسماعيليون ان رؤية الرحمن ترمز الى الاتصال بالوصي والائمة 2 5. وان العرش يرمز الى العقل الذي هو المبدع الاول، وترمز حملته الثمانية الى النبي واوصيائه الائمة 3 5. كما ان ايات استواء الرب على العرش ومجيئه في ظل من الغمام والملائكة ترمز عندهم الى ((قائم القيامة (ع) المستو في قوى السماوات والارض الستة الذين هم النطقاء الستة في مدة ادوارهم الستة المكنى عنه بخلق السماوات والارض في ستة ايام، وكان معنى استوائه على العرش في اليوم السابع هو انه (ع) محيط بهم احاطة العلم، مالك لأمرهم ملكاً. وكالتصرف ومجيئه في ظل من الغمام والملائكة بروزه (ع) بمن في ضمنه من الصور القدسانية والهياكل النورانية لكافة الخلق يوم فصل القضاء)) 4 5. وعندهم ان يأجوج ومأجوج هم اهل الظاهر. وان انهاراً من خمر ترمز الى العلم الظاهر، كما ترمز انهار من عسل مصفى الى العلم الباطن المأخوذ من الحجج والائمة. وان الطوفان هو طوفان العلم الذي اغرق به المتمسكون بالسنة. وان نار ابراهيم عبارة عن غضب نمرود. وان عصا موسى هي حجته التي تلقفت ما كانوا يأفكون من الشبه. 5 5.

وجاء في ما ترمز اليه اية: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} البقرة/ 4 4 1، بانها عبارة عن اشارة من النبي الى ان يسلم الى وصيه الذي هو وجهه الناظر بعده في امته ودينه 6 5.

ج ـ المعطى التشريعي والاعتبار الوجودي

قلنا ان هذا التفنن من الاستبطان يدخل ايضاً ضمن حيز التفنن الرمزي والاشاري، وقد ادرجناه مستقلاً باعتبار ما له من خصوصية هي انه يمارس الرمزية والاشارة حتى بخصوص المعطيات المعيارية والتشريعية، وذلك بتحويلها الى معانٍ وجودية صرفة. وكثيراً ما نجد هذا النوع من التوظيف لدى الباطنية والعرفاء، مع لحاظ ان الجماعة الاخيرة لم يكن لها صبغة مذهبية دينية بارزة بقدر حال الجماعة الاخرى. وعلى رأس العرفاء الذين مارسوا هذا الدور من التحويل الرمزي يقف ابن عربي الذي وضع موسوعة فقهية باطنية يجمع فيها بين ظاهر الحكم وباطنه، كما في الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها. ونحن سنختار بعض النماذج المتفرقة لموسوعته.

ففي مسألة ستر العورة يرى انه فرض واجب في الصلاة وغيرها بحسب الظاهر، لكنه من حيث الباطن يراه يرمز الى وجوب ستر السر الالهي عن الجاهل 7 5. كما ان من حيث الظاهر لا يجوز للمرأة ان تصلي وهي مكشوفة الرأس، اما من حيث الباطن فهو ان المرأة لما كانت في الاعتبار هي النفس، والرأس من الرياسة، لذا فقد أُمرت النفس ان تستر رياستها، حيث تكون في الصلاة بين يدي ربها 8 5.

وهو يرى ان التشهد بعد الوضوء يرمز في الباطن الى نزول الروح - الامين - على القلب، فيقول: يا عقل تشهد اذا فرغت من وضوئك لصلاة الظهر، لظهور سر العدد في الاحد، وفي العصر للالف المعطوفة المألوفة، وفي المغرب الشاهد لمغيب الاحد في الواحد، وفي العشاء للاحدية والابدية، وفي الصبح لثبوتك لديها عند قدومك عليها. ويا حس تشهد اذا فرغت من وضوئك لصلاة الظهر، لظهور سر التوحيد، وللعصر لفناء التفريد، وللمغرب لوقوع التمجيد، وللعشاء لحصول التوحيد في التجريد، وفي الصبح لمشاهدة التوحيد في التبديد 9 5.

ومن الشواهد الاخرى ما يتعلق بالمعنى الباطن للجمرات ورمي الحصاة في الحج، حيث اقام ابن عربي تناظرات بين الجمرات وما تحمله من حصيات وبين قضايا وجودية مستقلة. فقد اشار الى ان الجمرة الواحدة هي سبع حصيات، وعلى شاكلتها تكون الجمرة الزمانية التي تدل على خروج فصل شدة البرد، حيث كل جمرة في شباط سبعة ايام، وهي ثلاث جمرات متصلة، كل جمرة سبعة ايام، فتكون الجمرات بمضي واحد وعشرين يوماً من شباط، وذلك مثل رمي الجمار الثلاث التي هي واحدة وعشرون حصاة. وكذا الحال فان الحضرة الالهية على ثلاثة معان: الذات والصفات والافعال، وان رمي الجمرات مثل الادلة والبراهين على سلب كحضرة الذات، او اثبات كحضرة الصفات المعنوية، او نسب او اضافة كحضرة الافعال، فدلائل الجمرة الاولى لمعرفة الذات، ولهذا نقف عندها لغموضها، فهي مجهولة العين معلومة بالافتقار اليها. ولهذه الجمرة سبع حصيات تدفع بها سبع شبهات ذكرها. أما دلائل الجمرة الثانية فهي عبارة عن الصفات الالهية السبع، وكذا فان الجمرة الثالثة لحضرة الافعال هي ايضاً عبارة عن سبع 0 6.

اما لدى غير ابن عربي فالاملي مثلاً يؤكد على وجود ثلاثة مدارك متطابقة هي الشريعة والطريقة والحقيقة. فهناك - مثلاً - صلاة على اساس الشرع، واخرى على اساس الطريقة، وثالثة على اساس الحقيقة. كذلك الحال مع الوضوء والتيمم والحج والغسل والجهاد والزكاة وغيرها من القضايا الفقهية والعقدية؛ كالقيامة وما على شاكلتها. فمثلاً ان التيمم لاهل الحقيقة عبارة عن ضرب العارف بيديه المتمثلين بالعقل والنفس على ارض الظاهر والباطن ونفيهما عن النظر بالكلي، ثم نفض اليدين عن رؤية هذا الفناء بالكلي ايضاً، الى اخر ما يجري من عمليات في طور الحقيقة 1 6.

وعلى هذه الشاكلة فان الصلاة من حيث الباطن عند الجيلي هي عبارة عن واحدية الحق، وان الزكاة هي التزكي بايثار الحق على الخلق، وان الصيام عبارة عن الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات الصمدية، وان الحج هو استمرار القصد في طلب الله، وان الايمان هو اول مدارج الكشف عن عالم الغيب 2 6.

وهناك من الاستبطانات ما تتصف بانها تعليلية، ومن ذلك ما جاء في كشف السبب عن علة الاغتسال عند النكاح، حيث عدّ ابن عربي هذا التطهير هو لغيرة الحق على عبده ان يعتقد انه يلتذ بغيره، اذ في النكاح يعم الشهود اجزاء البدن كله، لذلك أمره بالاغتسال لتعم الطهارة كما عمّ الفناء في اعضاء البدن عند الشهوة 3 6.

وعلى هذه الشاكلة قام ابن عربي بتعليل سبب تحبيب الله النساء للنبي (ص) كما في الحديث النبوي، فاعتبر ذلك لكمال شهود الحق في النساء، حيث لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد ابداً، فالله بذاته غني عن العالمين، وبالتالي فحيث ان شهادة الحق مجرداً ممتنعة، بل لابد من ان تكون الشهادة في مادة، فانه على هذا يكون شهود الحق في النساء اعظم شهود واكمله، وان اعظم الوصال هو النكاح. وقد علق الجندي على حالة النكاح بانها جامعة لشهود الحق، وان فيها ((اسرار مكتمة، وعلى من ليس من اهلها محرمة)) 4 6.

ومن الامثلة التي يعلل فيها الاملي حدود العبادات الشرعية وفقاً للاعتبارات الوجودية، انه يذكر بان علة جعل صلاة العصر رباعبة هو انها بازاء الاركان الاولى من الاخلاط الاربعة، وعلة جعل صلاة المغرب ثلاثية هو انها بازاء القوى الثلاث المتمثلة برؤساء البدن (الطبيعية والحيوانية والنفسانية)، أما تعليل عدد الركعات في صلاة العشاء فهو انها بازاء اصول الاعضاء ومبادىء قواها المسماة بالاعضاء الرئيسية (وهي الدماغ والكبد والانثيان)، وتعليل الركعتين في صلاة الصبح فهو انها بازاء الروح والبدن. كما ماثل هذا العارف بالركوع والسجود على ما عليه الحيوان في ركوعه والنبات في سجوده، وذلك على اعتبار ان الركوع عبارة عن الرجوع الى الاصل الحيواني، والسجود عبارة عن الرجوع الى الاصل النباتي، حيث بدأ الانسان نباتاً ثم حيواناً ثم استقام ناطقاً، فالقيام في الصلاة هو صورة الانسان الحقيقية 5 6.

***

يضاف الى ما سبق هناك التماثلات والتناظرات الاسماعيلية ذات الصبغة الايديولوجية وهي مطبقة هذه المرة مع القضايا والمفاهيم التشريعية. فمثلاً استنبط الاسماعيليون الكثير من المفاهيم الباطنة بظواهر الاشياء مثل الماء والوضوء والكفان والاصابع والمضمضة والاستنشاق والوجه وغسله والرأس ومسحه وغسل الرجلين والمسح عليهما والنطقاء السبع (اي العينان والاذنان والمنخران والفم) والطهارات والنجاسات والغسل والجماع وغيرها. واكثر ما استفادوا من هذه الظواهر هي فيما يتعلق بمسألة الامامة والولاية، وكلها استنباطات لا صلة لها بالظواهر 6 6. ولدى هؤلاء ان الجنابة عبارة عن مبادرة المستجيب بافشاء السر قبل ان يبلغ رتبة استحقاقه. ومعنى الغسل هو تجديد العهد على من فعل ذلك. وان الزنا هو القاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد. وان الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الامام 7 6.

وان الغائط في الباطن هو الكفر، والبول هو الشرك، والريح الذي يخرج من الدبر هو النفاق في الباطن، وان الماء هو العلم، وتطهير النجاسات عبارة عن المعرفة والتعلم. فالتطهير من الغائط هو الايمان بالله تعالى، ومن البول هو توحيده ونفي الشرك والاضداد عنه، ومن الريح هو التطهر بالتوبة والاقلاع عنه. ومثل الجماع الذي يوجب الغسل هو مثل اجتماع المؤمن المستفيد مع من يفيده العلم والحكمة وسماعه ذلك منه. ومثل الاحتلام مثل المفيد يلقي ما يلقيه من العلم والحكمة وهو في غفلة وعن غير اقبال على ذلك بقلبه. ومثل الطهارة في الظاهر من كل ما خرج من القُبِل مثل ما يكون من الكلام من المفيد وان لم يصل ذلك الى المستفيد، كما لا يصل الى الفرج كل ما يخرج من الذكر، مثل الدم والدود والحصاة. ومثل الطهارة مما يخرج من الدبر غير الغائط مثل ما يكون من احداث الانسان غير الكفر من المعاصي والذنوب والخطايا. ومثل الحيض مثل الاحداث السوء في المستفيدين. ومثل غسل الميت قبل ان يكفن ويحمل الى قبره مثل من كفر بعد ايمانه. وان مثل الابهام في الاصابع مثل الرسول (ص)، ومثل المسبحة مثل اساسه اي علي (ع)، ومثل الوسطى مثل الامام، ومثل التي تليها مثل حجته، ومثل الخنصر مثل باب دعوته، ومثل الاسنان مثل الحدود المنصوبة للدعوة. ومثل الوجه مثل النبي في عصره والامام في زمانه. ومثل غسل الوجه مثل الاقرار بامام الزمان، ومثل اليدين مثل الامام والحجة، وغسلهما هو الاقرار بهما. والمسح على الرجلين هو الاقرار بالامام والحجة، والغسل تأويله الطاعة، والمسح تأويله الاقرار 8 6.

كذلك فان الصيام هو الامساك عن كشف السر. وان الكعبة والصفا هما النبي، والباب والمروة هما علي، والميقات هو الاساس، والتلبية هي اجابة الداعي. وان الطواف بالبيت سبعاً هو الطواف بمحمد الى تمام الائمة السبعة. وان المحرمات عبارة عن ذوي الشر من الرجال، كما ان العبادات عبارة عن الاخيار الابرار 9 6.

3ـ الالية التأويلية والفهم الوجودي

قلنا ان هذه الالية تعمل وفق الاخذ بمجال النص وعدم الحفاظ على ظاهره. اي رغم انها لا تحافظ على الظهور اللفظي الا انها تعمل وفق الظهور المجالي. فهذه هي خاصيتها الوسطية بين النوعين الاخرين من الاليات. وهي كسابقتيها تعمل وفق ما تفرضه القبلية الوجودية. ويكثر هذا النوع من التأويل لدى ابن عربي الذي يستهدف منه في الغالب الباس النص الديني لباس وحدة الوجود الشخصية. وللممارسة التأويلية عدد من الانماط المختلفة نبرز منها ما يأتي:

التأويل بالاعتبارات اللغوية

وهذا النمط من التأويل يأتي متأثراً بالعلاقة اللغوية من القراءة والنحو والمعنى اللفظي وظهوره باصنافه الثلاثة: اللغوية والعرفية والشرعية، وكذا ما يترتب عليه من العموم والخصوص والاطلاق والتقييد وغير ذلك من المباحث اللغوية والاصولية.

فمثلاً ما جاء عن ابن عربي في تأويله لقوله تعالى: {واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أُوتي رسل الله، الله اعلم حيث يجعل رسالته} الانعام/ 4 2 1، حيث انه جعل من الاية: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي} هي مما يجوز حملها على الكلام التام، بمعنى اننا لن نؤمن بالاية حتى نؤتى مثل ما اوتي الرسول المبلغ اياها. أما ما تبقى من الاية فقد اجاز ابن عربي جعل (رسل الله) مبتدأً خبره (الله) الثانية، فيصبح المعنى رسل الله هم الله. وهذا المعنى الذي اجازه ابن عربي حمّله القيصري تعسفات كثيرة، وإن كان قد التزمه ورأى فيه كلاماً حقاً في نفس الامر، وذلك باعتباره على شاكلة معنى قوله تعالى: {ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم} الفتح/ 0 1 0 7.

وشبيه بذلك ما فعله النابلسي في شرحه لكتاب (فصوص الحكم)، حيث قرأ قوله تعالى {إنا كلَّ شيء خلقناه بقدر} القمر/ 9 4، وذلك بالصيغة التالية: (إنا كلُّ شيء)، اي نحن كل شيء، فيكون المعنى هو ان الله عين الاشياء 1 7.

ومن ذلك ايضاً تأويل ابن عربي لقوله تعالى: {سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق، او لم يكفِ بربك انه على كل شيءٍ شهيد} فصلت/ 3 5، حيث اعتبر مقطع الاية القائل {حتى يتبين لهم انه الحق} يعني: حتى يتبين للناظرين انك صورته وهو روحك، فانت له كالصورة الجسمية، وهو لك كالروح المدبر لصورة الجسم، والحد يشمل الظاهر والباطن منك، وليس باحدهما دون الاخر 2 7. وواضح ان لفظة الحق لم تتعين بالاية إن كان القصد منها ذات الاله، او ان معناها يرتبط بمعيار الصدق. لكن مؤخر الاية يكشف بان الاله له الهيمنة والاستقلالية بالشهادة على الكل مما لا يتناسب مع الاخذ بالمعنى الاول، اذ جاء في النص: {اوَ لم يكفِ بربك انه على كل شيءٍ شهيد}، لذلك فقد تم تأويل هذا المقطع من الاية بان معناه: أوَ لم يكف في معرفة ربكم ان تشاهدوه في مظاهره الافاقية والانفسية 3 7، حيث قُلب المعنى الظاهر، وهو ان الله شاهد على كل شيء، الى المعنى المأول، وهو ان الله مشهود من كل شيء. وواضح ان كلمة (على كل شيء) هي التي تحدد المعنى الظاهر مثلما جاء في قوله تعالى: {فلما توفيتني كنتَ انت الرقيب عليهم، وانت على كل شيء شهيد} المائدة/ 7 1 1.

وعلى هذه الشاكلة من التأويل ما جاء بحسب التخصيص والتقييد، ومن ذلك ما ذكره صدر المتألهين في تأويله لقوله تعالى: {واسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة} لقمان/ 0 2، فاعتبر النعم الظاهرة تمثل مطلق المدركات الحسية لان جميعها يرجع الى عالم الشهادة، بينما خصص النعم الباطنة بالمدركات العقلية لانها من عالم الغيب 4 7.

التأويل بالتلفيق

المقصود بهذا النمط هو تأويل النص اعتماداً على اعتبارات ملفقة من نصوص اخرى لا علاقة لها بالنص الاول، واحياناً ان النتيجة تكون على الضد مما يريد النص بيانه.

فمن ذلك ما قام به صدر المتألهين من تأويل قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون} العمران/ 9 6 1؛ انطلاقاً من ان حياة الشهداء هي حياة عقلية تخص الكاملين بالعلم، فيكون ابتهاجهم ولذتهم العقلية بالحكمة لا غيرها من اللذات الحسية والخيالية. وقد كان التعويل على خصوص الحكمة نابعاً عن نوع من الاعتبار الملفق، اذ ظن ان قوله تعالى: {بما اتاهم الله من فضل} ال عمران/ 0 7 1؛ جاء على وفاق الايتين {ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً} البقرة/ 9 6 2، و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل لعظيم} الحديد/ 1 2. فبهذا التلفيق كانت النتيجة هي ان المراد من تلك الايات امر واحد هو الحكمة 5 7.

واقوى مما سبق ما ذكره ابن عربي في تأويله للنصوص التي تخص مآل فرعون وايمانه، حيث يصل الى نتيجة هي على الضد مما تبديه ظواهر النصوص، وذلك تبعاً لعدد من الاعتبارات الملفقة. ذلك انه استفاد من قول فرعون في لحظته الاخيرة قبل مماته: ((آمنت بالله))، ومن قول امرأة فرعون في حق موسى انه {قرة عين لي ولك} القصص/ 9، ومن حيث ان الاسلام يجب ما قبله، فعلى ذلك خلص الى تحقق نبوءة كون موسى قرة عين لفرعون، حيث ان الله منحه الايمان في اخر لحظة عند الغرق، وذلك عندما قال كما في الاية: {آمنتُ انه لا اله الا الذي آمنتْ به بنو اسرائيل وانا من المسلمين} يونس/ 0 9. وكما يقول ابن عربي: ان الله ((قبضه طاهراً مطهراً، ليس عليه شيء من الخبث، لانه قبضه عند ايمانه، قبل ان يكتسب شيئاً من الاثام، والاسلام يجب ما قبله، وجعله اية على عنايته سبحانه لمن شاء 6 7، حتى لا ييأس احد من الله الا القوم الكافرون، فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر الى الايمان، فكان موسى (ع) كما قالت امرأة فرعون عنه انه قرة عين لي ولك عسى ان ينفعنا، وكذلك وقع، فان الله نفعهما به)). ويتابع ابن عربي في دفاعه عن نجاة فرعون فيقول: ((فنجّاه الله من عذاب الاخرة في نفسه ونجّى بدنه.. فقد عمّته النجاة حساً ومعنى.. ثم انا نقول بعد ذلك: والامر فيه الى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك يستندون اليه)) 7 7. وفي (الفتوحات المكية) تدارك ابن عربي ما جاء في الاية الكريمة: {آلآن وقد عصيت قبلُ وكنتَ من المفسدين} يونس/ 1 9، حيث اعتبرها على عكس المطلوب وهو انها دالة على اخلاصه في ايمانه، وفيها عتاب على ما سبق له من العصيان والفساد، لذلك فالنص وارد بحسب ما عليه من قبل وليس فيما هو عليه بعد، والا لقال الله له: وانت من المفسدين، كذلك انه لو لم يكن مخلصاً لقال الحق فيه كما قال في الاعراب: {قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم} الحجرات/ 4 1. كذلك تدارك ما جاء في قوله تعالى: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود} هود/ 8 9، حيث عدّ الاية لا تنص على دخول فرعون النار مع قومه الداخلين، وانما هو يقدمهم فحسب، مثلما جاء في قوله تعالى: {ادخلوا آل فرعون} غافر/ 6 4، ولم يقل ادخلوا فرعون وآله، وبالتالي فرحمة الله اوسع من ان لا يقبل ايمان المضطر. وبذا فقد شهد الله لفرعون بالايمان، وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده الا ويجازيه به وبعد ايمانه، حيث قبِل ايمانه وطهّره، اذ الكافر اذا اسلم وجب عليه الغسل، فكان غرق فرعون غسلاً وتطهيراً له 8 7. وقد وجد هذا المعنى تأييداً من صدر المتألهين الذي قال بصدده: انه ((يفوح من هذا الكلام رائحة الصدق، وقد صدر من مشكاة التحقيق، وموضع القرب والولاية)) 9 7.

ورغم كل ذلك ذهب ابن عربي في كتابه (التراجم) الى غير ما سبق، حيث وظف بعض الايات التي تخص فرعون ليدلل بان الله لا يقبل توبة العبد عند حضور لحظة الموت، وقال بهذا الصدد: ((ان الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر {فلم ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا}، {الآن وقد عصيت})) 0 8. بل حتى في بعض المواضع من (الفتوحات المكية) اعتبر ابن عربي المجرمين الذين يدخلون النار ولا يخرجون منها ابداً اربع طوائف، اولها المتكبرون على الله، مشيراً في ذلك الى ابرز نماذج هذه الطائفة وهو فرعون وامثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله، وذلك في قوله تعالى: {يا ايها الملأ ما علمت لكم من اله غيري} القصص/ 8 3، وقوله: {أنا ربكم الاعلى} النازعات/ 4 2 1 8.

التأويل بتنزيل مزاعم الاقوال تنزيلاً حقيقياً

والمقصود بهذا النمط، هو انه يقوم بتنزيل مزاعم ما ينقله النص الديني من اقوال الاخرين تنزيلاً حقيقياً، حتى ولو كان هؤلاء ممن يدّعون الربوبية بخلاف ما هو ظاهر في التصوير البياني للنص. ومن ذلك مزاعم فرعون وغيره من اهل الكفر، حيث في هذا التأويل تتنزل هذه المزاعم منزلة الصدق والحق مثلما تتنزل اقوال الانبياء والاولياء، فكلها منزّلة تنزيلاً حقيقياً تعبر عن اختلاف صور الحق في الاعيان، وذلك تبعاً لوحدة الوجود الشخصية. فمثلاً تأويل ابن عربي لقول فرعون لموسى في اية {لئن اتخذت الهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} الشعراء/ 9 2، معتبراً قول فرعون السابق هو قول حقيقي في كونه الهاً، وانه صورة الحق، بل وان هذه الصورة لفرعون هي اعلى رتبة من صورة موسى، وذلك باعتبار ما له من الحكم والملك والتصرف بكل ما دونه من الناس. وبالتالي ففرعون صادق فيما قاله في الاية الكريمة: {أنا ربكم الاعلى} النازعات/ 4 2 2 8. وهو على ضوء هذه الربوبية كان يصلب ويقطع الايدي والارجل. فمثل هذه الاعمال التي قام بها فرعون هي عين الحق في صورة باطل، حيث انها الهوية الظاهرة بكل شيء وفي كل شيء، والتي منها الصورة الفرعونية الفانية 3 8. مع ان في بعض المواضع من (الفتوحات المكية) ادان ابن عربي فرعون على ذلك الادعاء من الربوبية واعتبره لهذه العلة من الخالدين في الناركما عرفنا.

التأويل بقلب الاوصاف والاحكام

ونعني بهذا النمط من التأويل قلب الاوصاف والاحكام الظاهرة في النص من الضد الى الضد، كالقلب الحاصل من الذم الى المدح. ومن ذلك تأويل الاملي لاية الامانة: {إنّا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابيْنَ ان يحملنها واشفقْنَ منها وحملها الانسان، انه كان ظلوماً جهولاً} الاحزاب/ 2 7، معتبراً ان ما ورد في الاية من وصف الانسان بالظلم والجهل لا يعد ذماً، بل هو مدح ليس فوقه مدح اخر 4 8. وقبله كان القيصري يرى ان معنى الاية هو ان الانسان ظلوم لنفسه مميت اياها بافنائه ذاته في ذات الله تعالى، وانه جهول لغيره بحيث انه ينسى كل ما سوى الحق، وينفي ما عداه بقوله: ((لا اله الا الله)) 5 8.

ومثل ذلك ما جاء في تأويل ابن عربي لصفات الذم من الظلم والضلالة الى المدح والتعظيم، كما هو الحال فيما يخص قوم نوح، حيث اتبع في هذا القلب اسلوب التلفيق كالذي عرضنا بعض نماذجه قبل قليل. فالنص القرآني يقول: {ولا تزد الظالمين الا ضلالاً} نوح/ 4 2، اما ابن عربي فقد اخذ معنى الظالمين في الاية هو كل من ظلم نفسه اعتماداً على قوله تعالى: {ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فاطر/ 2 3، ومن ثم خلص من ذلك الى ان الظالمين من قوم نوح اصبحوا على رأس اولئك الذين اورثهم الله الكتاب واصطفاهم من عباده، وهم ظالمون لانفسهم باعتبار ما لهم من منع انفسهم من التمتع وحرمانها من متابعة هواها، وعليه فهم على رأس اولئك المصطفين لكونهم وصلوا الى مقام الفناء في الذات والاتصاف بكل الكمالات. اما نعتهم بزيادة الضلال، فهو بمعنى زيادة الحيرة، حيث تتحير النفس وتدور لترى مطلوبها مع كل موجود، والوجود دوري، والحركة الدورية لا تكون الا حول القطب الذي هو مدار الوجود عليه، وهو الله تعالى، فالحائر اذن ليس له الا الدور والتقلب حول هذا القطب 6 8.

التأويل بالتوحيد بين الضدين

وهذا النمط يحول الضدين الى شيء واحد عبر التوحيد بينهما، ومن ذلك التوحيد بين الخالق والمخلوق، رغم دلالة النص على الضدية والاستقلالية. فمثلاً ما قام به الجيلي من تأويل اية التحاور بين الله وعيسى: {واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق، إن كنتُ قلته فقد علمتَه، تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك، انك انت علام الغيوب. ما قلت لهم الا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنتَ عليهم شهيداً مادمتُ فيهم، فلما توفيتني كنتَ انت الرقيب عليهم، وانت على كل شيء شهيد} المائدة/ 6 1 1ـ 7 1 1، حيث اعتبر الجيلي ان الله هو حقيقة عيسى، وان عيسى عين حقيقته بدون مغايرة، وان عيسى في النص قد نفى المغايرة بينه وبين الله، وانه انكر ان يكون قد قال لهم اعبدوني من دون الله، مع ان الله عين حقيقته وذاته، فنزّه عيسى نفسه عما اعتقده قومه باعتبارهم اعتقدوا التشبيه فحسب.. {ما قلت لهم الا ما امرتني به}، وهو انه اراد الاطلاق والتشبيه والتنزيه لا الحصر. فقوم عيسى مع ذلك محقون، لان الحق هو حقيقة عيسى وحقيقة كل شيء، وذلك استناداً الى وحدة الوجود الشخصية 7 8.

التأويل بالتسوية بين الضدين

حيث ان هذا النمط لا يأخذ بما يبديه النص من التضاد بين الاطراف المتنازعة، وانما يعمل على التسوية بينها. ومن ذلك ما جاء في تفسير ابن عربي لدعوة نوح (ع)، حيث اعطى العذر لقومه بعدم استجابتهم له؛ لانه دعاهم الى التنزيه فحسب ولم يدعوهم الى ما يضاف الى ذلك من التشبيه، لهذا رفضوا دعوته المستحيلة؛ لان الاستجابة عنده لا تكون الا في حالة جمع التنزيه والتشبيه، كما في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى / 1 1، فلو دعاهم بذلك لأجابوه، لكنه لم يرد لهم الاستجابة فدعاهم بالفرقان بدل الجمع والقرآن، ومن ثم فقد اثنى عليهم بلسان الذم 8 8،  وهو من قلب الاوصاف والاحكام.

التأويل بالرواية

وخصوصية هذا النمط هو انه يقوم بتأويل النص القرآني عن طريق توظيف الروايات وذلك تبعاً للقبلية الوجودية او لدواع مذهبية وايديولوجية. ومن ذلك ممارسات الفيض الكاشاني في تفسيره (الصافي)، والجنابذي في تفسيره (بيان السعادة)، والشيخ الاحسائي في كتابه (شرح الزيارة الجامعة الكبيرة).. الخ. فمثلاً تأويل الجنابذي لكلمة الرب في عدد من الايات بانها ربوبية الولاية، وكذا الكفر والشرك بانه الكفر والشرك بالولاية، ومثله الايمان وذلك لان الله لا يعرف ولا يدرك الا في مظاهره، وان كلمة الله في بعض الايات تعني علياً (ع) 9 8، وغير ذلك مما هو مزيج بين الروايات والقبلية الوجودية.

الانتقاء اللغوي والفهم الوجودي

سنعرض في هذه الفقرة جملة من الممارسات الوجودية التي تصب الاهتمام على الجانب اللغوي للفظ في النص لتنتهي به الى ما يراد اسقاطه من القبلية الوجودية. ولا شك ان بعضاً من هذه الممارسات يمكن ادراجه ضمن التأويل باعتباره لا يخل بالمجال، كما ان بعضاً منها يمكن ادراجه ضمن الاستبطان باعتباره يعمل على الغائه واستبعاده، فضلاً عن ان منها ما يمكن عدّه من الاستظهار.

فقد استفاد العرفاء من الدلالات المتعددة للفظ الواحد واشتقاقاته، وامكنهم ان ينتقوا منها ما يشاؤون وفق ما يناسب القبلية الوجودية، دون الاكتراث بما قد تسبب لهم هذه العملية من الابتعاد عن السياق والمجال. وتبريرهم لهذا الفعل قائم على نظريتهم الخاصة بالتطابق بين الكلمات اللفظية - وكذا حروفها - وبين ما عليه الوجود الخارجي، وكذا بين النسخة القرآنية والنسخة الوجودية، حيث كل منهما عبارة عن كلمات الله، وبالتالي فحيث ان مصدر اللغة من الله مثلما هو الحال مع الوجود الخارجي، لذا أتاح لهم ذلك ان يتفننوا بانتقاء المعاني اللفظية التي تناسب مزاعم القبلية الوجودية، سواء اتفق ذلك مع السياق والظهور المجالي ام لم يتفق. وقد سبق للقيصري ان اشار الى ان الحروف كلها دالة على المعاني الغيبية في مفرداتها ومركباتها، وذلك لان الكلمات موضوعة بازاء الحقائق الالهية والكونية، وان الواضع الحقيقي هو الله تعالى، لذلك كان بين الاسماء ومسمياتها مناسبات حيث وضعت الالفاظ بازائها 0 9.

ويمكن ان نعد ابن عربي هو اكثر الممارسين لهذا النمط من التفنن بين جميع العلماء والمفسرين؛ سواء من كان ينتمي منهم الى الحقل الوجودي، او من هم خارج هذا الحقل.

وكشواهد على هذه الممارسة هو ان لفظة القلب في الاية الكريمة: {لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد} ق/ 7 3، تعني عند ابن عربي العلم بتقلب الحق في الصور بتقليبه في الاشكال 1 9.

كما ان لفظة الضلالة في بعض النصوص تعني عنده الحيرة والتقلب في صور الحق. ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم} الجاثية/ 3 2، حيث اعتبر الهوى اعظم معبود، ولا يعبد شيء الا به، أما الضلالة فتعني عنده الحيرة التي هي الدوران والتقلب في صور الحق. فكل عبد انما هو تحت سلطان هواه في عبادته لاي صورة من الصور، فلم تتخذ اي صورة من صور العالم للعبادة الا بالهوى، والعبد حائر لهواه حيث ظهور الله وتجليه في صور الهوى وذلك في جميع الصور الوجودية والمراتب الكونية 2 9.

وان معنى الشيطان عنده في قوله تعالى: {اني مسني الشيطان بنصب وعذاب} ص/ 1 4، هو البعد والحرمان عن الحقيقة والجهل بها، اذ كلمة شيطان مشتقة من شطن التي من معانيها (بَعُدَ) 3 9.

وكذا عنده ان لفظة الخليل الخاصة في نعت ابراهيم (ع ) لها دلالة اشتقاقية تظهر بعض المعاني الوجودية. فتسمية ابراهيم بالخليل جاءت بسبب تخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الالهية 4 9.

كما ان لفظة المتقي المشتقة من قوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} الانفال/ 9 2، مأخوذة - عنده - من الوقاية، وليست مأخوذة من المفهوم المعياري المتبادر لدى اذهاننا، وعليه يصبح المعنى هو ان المتقي يتخذ الله وقاية له. أما الفرقان فقد اعتبره دالاً على التفريق بين الناحيتين اللاهوتية والناسوتية 5 9.

وعنده ان عصا موسى كما في قوله تعالى: {فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين} الشعراء/ 2 3، مأخوذة من العصيان، حيث ان فرعون هو الذي عصى ربه وأبى، لذلك كانت العصا صورة ما تحقق به إباء فرعون وعصيانه عن اجابة الدعوة، وليس ذلك الا النفس الامارة، فالعصا هي صورة هذه النفس الامارة، واذا انقلبت حية تحولت الى صورة النفس المطمئنة، وبذا قد انقلبت المعصية السيئة الى طاعة حسنة، حيث {يبدل الله سيئاتهم حسنات} الفرقان/ 0 7 6 9.

وكذا عنده ان معنى الجنة هي الستر. ففي قوله تعالى: {يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} الفجر/ 7 2ـ 9 2، اشتق الجنة كما يقول الجندي من الستر، اذ كل جنة تجن ارضها بما عليها من النبات والشجر، واعتبر كل عبد مرضي عند ربه هو جنة ربه، اذ ظهر به وستره في مظهريته؛ فكان وقاية له من الافعال والاثار المذمومة عند من لا يرضاها من الارباب والعبيد، حيث اضاف الى نفسه جميع المذام رغم انها تعود بالأصالة الى افعال وآثار ربه فيه، فاصبح عرضة لسهام الطعن والمذام، في حين كان ربه وقاية له في جميع المحاب والمحامد 8 9.

والستر كمفهوم عند ابن عربي لا يخص الجنة فحسب، بل ينطبق ايضاً على الجن والكفر والغيرة والمغفرة. ففي قوله تعالى: {لئن اتخذت الهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} الشعراء/ 9 2، اعتبر ابن عربي السين في لفظة (مسجونين) هي من حروف الزوائد، ومعنى {لأجعلنك من المسجونين} اي لاسترنك، حيث يبقى الاصل في الكلمة هو الجيم والنون، اي الجن الذي معناه الستر والاخفاء 9 9.

وكذا الحال في قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح بن مريم} المائدة/ 7 1، حيث اعتبر هولاء قد نعتوا بالكفر بمعنى الستر، وذلك انهم ستروا الله الذي احيا الموتى بصورة بشرية عيسى. فهم حجبوا بالصورة الشخصية التعينية لعيسى وحصروا الحق فيه، لذلك كفروا، بمعنى انهم ستروا وغابوا عن الحق المتعين فيه وفيهم وفي الكل من غير حصر 0 0 1.

وكذا معنى الغيرة في وصف الله لنفسه، كما ورد في بعض الاحاديث، حيث معناها الستر بالغير، ذلك ان من غيرته حرّم الفواحش، وليس الفحش الا ما ظهر مما يجب ستره، والمقصود من ان الله حرم الفواحش هو انه منع ان يعرف حقيقة حاله وهو عين الاشياء فسترها بالغيرة التي ((هي انت))، حيث ان الغير عندما يسمع مثلاً قول زيد فانه ينسبه لزيد، بينما يعلم العارف ان القول هو عين الحق. فالحق هو ((الموجود المشهود من الطريق والسالك والغاية والعلم والعالم والمعلوم))، لكن الله حرّم ظهور هذه الاسرار، فكان الفحش هو ظهور ما يجب ستره 1 0 1.

اما اللفظ الاخير الدال على الستر فهو المغفرة، وذلك مثلما جاء في قوله تعالى: {ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليماً غفوراً} فاطر/ 1 4، حيث اعتبر الجندي ان الغفور هو بمعنى الساتر الذي يستر بصور الاشياء وجه الوجود الحق المتعين فيها 2 0 1. 

كما عدّ ابن عربي لفظة الفاجر في بعض الايات مأخوذة من الاصل اللغوي (فجر) والذي بمعنى خرج وظهر. ففي قوله تعالى: {الا فاجراً كفاراً} نوح/ 7 2، ان الفاجر هو ذلك الذي يظهر ما ستر من الاسرار الالهية، وهو سر الوحدة في الوجود، وان الكافر بمعنى الساتر، حيث يستر ما ظهر من تلك الاسرار، وذلك عند غلبة الكثرة على الساتر، ومن ذلك ان من العرفاء من يكشف السر ويظهر الوحدة كما في قول ابي يزيد البسطامي: ((لا اله الا انا.. وسبحاني ما اعظم شأني))، ومنهم من يستر السر فيظهر الكثرة دون الوحدة مثلما افتى الجنيد بقتل الحلاج لكشفه السر 3 0 1.

كما انه اعتبر لفظة الظالمين في اية {ولا تزد الظالمين الا تباراً} نوح/ 8 2، مشتقة من الظلام، وكما جاء عن النبي (ص): ((الظلم ظلمات يوم القيامة))، فالظالمون عنده كما اشار القيصري هم اهل الغيب، اي العارفون بالغيب الالهي، وان تباراً بمعنى اهلاكاً. وبالتالي فان الاية تعني ان هؤلاء الظالمين او العارفين بالغيب يفنون انفسهم في الحق فلا يرونها ولا يعرفونها ولا يشعرون بها، وذلك لشهودهم وجه الحق الباقي ابداً دون انفسهم، حيث {كل شيء هالك الا وجهه} القصص/ 8 8 4 0 1. وعليه يصبح للنص دلالة التكريم والتجليل وليس الذم والابعاد.

كما ان لفظة العذاب التي وردت كثيراً في الايات القرآنية يرجعها ابن عربي الى العذوبة، وهو لا يبالي بهذا القلب الضدي، وله ابيات من الشعر يقول فيه 5 0 1:

فلم يبق الا صادق الوعد وحده وما لوعيد الحق عين تعاين

وان دخلوا دار الشقـاء فانـهم على لذة فيها نعيم مباين

نعيم جنان الخلد فالامر واحد وبينهما عند التجلي تباين

يسمى عذاباً من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاين

وعلى ما يشير القيصري بان لفظ العذاب هو كالقشر للعذب يصون معناه عن المحجوبين 6 0 1. لكن يبدو انه في هذه الابيات يعد العذاب ظاهراً وان كان في الحقيقة والباطن عذوبة، فالعذاب هو القشر الذي يصون تلك العذوبة، حيث تظهر عند الإلفة والتعود فيما بعد 7 0 1. وكدلالة على هذا المعنى علّق على قوله تعالى في قوم عاد: {بل هو ما استعجلتم به ريح عذاب اليم} الاحقاف / 4 2، فاعتبر ان الريح اشارة الى ما فيها من الراحة لهم، حيث ان هذه الريح أراحتهم عن تلك الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدن المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب، اي امر يستعذبونه اذا اذاقوه، لكنه يوجعهم لفقد المألوف، فباشرهم بذلك العذاب. وهو عد هذه الاية رداً على ظن هؤلاء القوم بالله خيراً عندما {قالوا هذا عارض ممطرنا} الاحقاف/ 4 2، وحيث ان الله عند ظن عبده، فأتاهم بما هو اتم واقرب، حيث الراحة والعذوبة كالذي سبق بيانه 8 0 1.

واعتبر ابن عربي ان المقصود من الطِيب في الحديث النبوي: ((حُبب الي من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وقرة عيني الصلاة)) بانه يعني الرائحة التي هي النفَس، وان الاقوال انفاس، فتكون هذه الاقوال طيبة، وفي قبالها الاقوال الخبيثة التي تظهر في صورة النطق، لكن من حيث ان الاقوال اوالانفاس منسوبة الى الحق، لذا فانها تكون جميعاً طيبة، ومن حيث ان بعضها محمود والبعض الاخر مذموم فانها تنقسم الى الطيّب والخبيث. وبذلك فان ابن عربي يستنتج من الطِيب النفَس، ومن النفس القول، ومن القول يرتب عليه صفة الطِيب فيكون من الطيّب. او ان الذات الطيّبة هي التي لها الطِيب، او تلك التي تتصف بالاقوال الطيبة، وان هذه الاقوال ما هي الا انفاس، والانفاس روائح 9 0 1.

وان لفظة النساء مأخوذة من النسأة وهي التأخير، وذلك اشارة الى تأخر مرتبتهن ووجودهن عن مرتبة الرجال 0 1 1.

ومعنى العورة عنده هو الميل، ومنه الاعور حيث نظره يميل الى جهة واحدة، وبالتالي فان ستر العورة يعني ستر السر الالهي عن الجاهل كالذي اشرنا اليه من قبل.

وان معنى الرأس من الحكم بعدم جواز الصلاة للمرأة وهي مكشوفة الرأس، هو الرياسة، وحيث ان معنى المرأة هو النفس، فيصبح المعنى هو ان النفس قد امرت بستر رياستها كالذي سبق بيانه من قبل.

كما اعتبر سبب تسمية الانسان بالبشر تعود الى ان الله تعالى قد خلق خلقه مباشرة بيديه؛ على وجه ما يليق بجلاله فسماه بشراً. اي ان اللفظة مأخوذة من المباشرة، مثلما يسمى الخمر خمراً لتخميره العقل 1 1 1.

ولدى صدر المتألهين ان تسمية الانسان بالانسان لها دلالة وجودية، حيث انها مأخوذة من ((آنست)) بمعنى (ابصرت)؛ حيث به - وهو الانسان الكامل - نظر الحق الى خلقه فرحمهم 2 1 1. الا ان حيدر الاملي اعتبر اللفظة وردت لعلة تعود الى امكان وقوع الانس بينه وبين الخلق، وذلك بروابط الجنسية والانسية 3 1 1.

كما ان لفظة الساعة في النصوص الدينية لدى صدر المتألهين مأخوذة من السعي، وذلك باعتبار ان ((جميع الاشياء الكونية الطبيعية ساعية اليها متوجهة نحوها من باب الحيوانية ثم الانسانية)) 4 1 1.

وان لفظة ابليس في هذه النصوص جاءت من حيث ما وقع به ابليس من الالتباس، حيث ظن انه لو سجد لادم لكان عابداً لغير الله، ولهذا امتنع عن السجود والتبس عليه الامر، فسمي بذلك، وكان اسمه في السابق عزازيل، وكنيته ابو مرة 5 1 1.

***

تلك هي الممارسة الوجودية في التفنن بمعاني اللفظ اللغوية والتي تستهدف اسقاط القبلية الوجودية والباس النص بها، سواء كان ذلك عبر التأويل او الاستبطان او الاستظهار. ولا شك انه تكرر ظهور هذه الالية من التفنن اللغوي حديثاً، حيث مارس بعض المعاصرين سلوكاً انتقائياً بانتخاب المعاني المناسبة للالفاظ لربطها بالقضايا ذات الاهتمام المعاصر، حتى ولو لم يكن ذلك متفقاً مع سياق النص ومجاله، حيث التأويل والاستبطان.

الهوامش

 1 جاء في نهج البلاغة ان الامام علي قال بصدد الظاهر والباطن: ((بل ظهر للعقول بما ارانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم، فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد قائمات بلا سند..)). وقال ايضاً وهو بصدد وصف الارض: ((هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته)) (صبحي الصالح: نهج البلاغة، ص 1 6 2 و 5 7 2).

 2 تفسير ابن عربي، ج 1، ص 0 8. يقال انه جاء عدد من الرهبان وسألوا الامام علي عن معنى وجه الله كما جاء في القرآن، فردّ عليهم بقوله: ما هو وجه النار المشتعلة، فاجابوا: كلها عبارة عن الوجه، فقال الامام: فهذا الوجود كله هو وجه الله. فاقتنع الرهبان واسلموا (جامع الاسرار، ص 1 1 2).

 3 الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج 2، ص 8 4 5. علماً ان بعض الغنوصيين من فرقة الشيخية لم يتقبل توظيف العرفاء لمثل هذه الايات في الدلالة على وحدة الوجود، مثلما هو الحال مع كاظم الرشتي الذي اكتفى ان يكون منطق السنخية جارياً على عالم الصادرات من العقل الاول فما تحته، لذا اعتبر ان قوله تعالى: {وكان الله بكل شيء محيطاً} يعني الاحاطة القيومية ولا دلالة له على وحدة الوجود، حيث لله المثل الاعلى. كما اعتبر ان قوله تعالى: {هو الاول والاخر والظاهر والباطن} يعني ان الله يدخل بالشيء ويخرج عنه بالفعل والاسماء والصفات، حيث لا يُرى شيء الا ويُرى هذا الفعل والصفات قبله او بعده او معه، وليست الذات هي الداخلة الخارجة. والرشتي كغيره من فرقة الشيخية يرى ان المراد بهذا الفعل والصفات كما في تفسير الاية الاخيرة هم اهل البيت، وكذا هم المراد بالاحاطة القيومية والمثل الاعلى كما في تفسير الاية الاولى، وذلك لكونهم عبارة عن المشيئة الالهية التي تتقوم بها الاشياء وتظهر (كاظم الرشتي: شرح حديث عمران الصابي، ص 5 5 1).

 4 نقد النقود، مصدر سابق، ص 5 9 6ـ 6 9 6.

 5 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 4 3 1ـ 5 3 1 و 3 7 4.

 6 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 1 4 4.

 7 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 8 6 2.

 8 تفسير ابن عربي، ج 1، ص 5 3 6.

 9 الفتوحات، مصدر سابق، ج 2، ص 0 3 4.

 0 1انظر بهذا الصدد كتب صدر المتألهين: تفسير القرآن، طبعة دار التعارف، ج 1، ص 7 0 2. ومفاتيح الغيب، ص 7 8ـ 8 8. والشواهد الربوبية، ص 1 4ـ 2 4.

 1 1 اسرار الايات، ص 9 5 1.

 2 1 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 3 1ـ 4 1.

 3 1مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 0 7ـ 1 7. كذلك: المبدأ والمعاد، ص 7 2 1ـ 8 2 1. وجمال الدين الافغاني: مرآة العارفين، ضمن رسائل في الفلسفة والعرفان، ص 6 1.

 4 1 كتاب شق الجيب بعلم الغيب، ضمن رسائل ابن عربي ( 1)، ص 3 4 3ـ 4 4 3.

 5 1مرآة العارفين، مصدر سابق، ص 7 1.

 6 1 يذكر بهذا الصدد ابيات شعر منسوبة للامام علي كالاتي:

داؤك فـيـك ومـا تـشـعـر ودواؤك فيك وما تبصر

وتـزعـم انـك جـرم صغـيـر وفيك انطوى العالم الاكبر

فأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر

(مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 1 7. ومرآة العارفين، ص 6 1).

 7 1 مفاتيح الغيب، ص 7 9 4ـ 8 9 4.

 8 1 مفاتيح الغيب، ص 9 3.

 9 1 تعليقات على مصباح الانس، مصدر سابق، ص 4 1 2. علماً ان المراتب المذكورة في المتن تبدو كأنها ثمانية لا سبعة، لكن المرجح ان مقام المشيئة والفيض المنبسط يعبران عن مرتبة واحدة فتكون سبع مراتب.

 0 2 تعليقات على مصباح الانس، ص 4 1 2ـ 5 1 2.

 1 2 ابن سينا: رسالة اثبات النبوات، ص 9 4ـ 2 5. وتسع رسائل لابن سينا، ص 6 8ـ 7 8. وكذا لاحظ على هذه الشاكلة من التفسير: مجموعة رسائل السبزواري، ص 1 4 4ـ 6 4 4.

 2 2 معراج السالكين، ضمن مجموعة رسائل الامام الغزالي ( 1)، ص 6 9.

 3 2الاقطاب القطبية، ص 0 6.

 4 2تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 5، ص 0 5 3ـ 2 5 3.

 5 2 عبد القادر الاهري: الاقطاب القطبية، ص 0 6.

 6 2 الاقطاب القطبية، ص 8 8.

 7 2 الاقطاب القطبية، ص 9 6.

 8 2 الفصوص من رسائل الفارابي، ص 9. والسياسة المدنية، ص 2 3.

 9 2 صدر المتألهين: المبدأ والمعاد، ص 8 5 3.

 0 3 رسالة معراج السالكين من فرائد اللالي، ص 9 3ـ 0 4.

 1 3 تفسير ما بعد الطبيعة، ج 3، ص 6 8 5 1.

 2 3 اثبات النبوات، ص 3 5ـ 4 5.

 3 3 الحقائق الخفية، ص 9 3.

 4 3 الاسفار، ج 6، ص 4 0 3ـ 5 0 3.

 5 3 اسرار الايات، ص 2 1ـ 3 1. والمبدأ والمعاد، ص 4 2 1ـ 8 2 1.

 6 3 اسرار الايات، ص 6 4ـ 7 4.

 7 3 جامع الاسرار، ص 0 7 5.

 8 3 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 0 9 1 و 6 1ـ 7 1.

 9 3 المبدأ والمعاد، ص 2 0 3.

 0 4 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 0 2 3ـ 1 2 3.

 1 4 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 1 1 3ـ 3 1 3.

 2 4 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 6 1.

 3 4 كتاب الاسفار، من رسائل ابن عربي، ج 1، ص 2 4.

 4 4 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 5 0 4ـ 6 0 4.

 5 4 الرشتي: شرح اية الكرسي، ص 7.

 6 4 تفسير ابن عربي، ج 1، ص 0 7 6.

 7 4 تفسير ابن عربي، ج 1، ص 0 0 1.

 8 4 تفسير ابن عربي، ج 2، ص 5 5 8ـ 6 5 8.

 9 4 تفسير ابن عربي، ج 1، ص 0 6 6.

 0 5 الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج 2، ص 0 4 4.

 1 5 كتاب الحروف الثلاثة التي انعطفت اواخرها على اوائلها، ضمن رسائل ابن عربي ( 1)، ص 9 3 1.

 2 5 الحقائق الخفية، ص 5 3.

 3 5 الحقائق الخفية، ص 9 3.

 4 5 علي بن محمد الوليد: رسالة جلاء العقول وزبدة المحصول، ضمن منتخبات اسماعيلية، مقدمة وتحقيق عارف تامر، دار الكشاف في بيروت، الطبعة الاولى، 3 5 9 1م، ص 3 4 1.

 5 5 الغزالي: فضائح الباطنية، حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 3 8 3 1هـ ـ 4 6 9 1م، ص 6 5ـ 8 5.

 6 5 رسالة جلاء العقول وزبدة المحصول، ضمن منتخبات اسماعيلية، ص 8 1 1.

 7 5 الفتوحات، مصدر سابق، ج 1، ص 2 0 5.

 8 5 الفتوحات، مصدر سابق، ج 1، ص 4 0 5.

 9 5 لطائف الاسرار، ص 3 8.

 0 6 الفتوحات، مصدر سابق، ج 1، ص 5 5 8ـ 6 5 8.

 1 6 اسرار الشريعة، ص 3 5 1ـ 4 5 1.

 2 6 الجيلي: الانسان الكامل، دار الكتب العلمية، ص 7 6 2ـ 8 6 2 و 0 7 2.

 3 6 شرح الفصوص، ص 8 7 6. ومطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 6 6 4ـ 7 6 4.

 4 6 شرح الفصوص، ص 9 7 6. ولاحظ ايضاً: مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 8 6 4. والفصوص والتعليقات عليه، ج 1، الفص السابع والعشرين، ص 7 1 2.

 5 6 اسرار الشريعة، ص 2 7 1ـ 4 7 1 و 5 8 1.

 6 6 تأويل دعائم الاسلام، مصدر سابق، ج 1، ص 5 4ـ 0 5 و 4 5ـ 6 5 و 6 6ـ 2 7.

 7 6 فضائح الباطنية، ص 5 5ـ 6 5.

 8 6 تأويل دعائم الاسلام، ص 5 4ـ 0 5 و 4 5ـ 6 5 و 6 6ـ 2 7.

 9 6 فضائح الباطنية، ص 6 5.

 0 7 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 3 4 3 و 6 4 3. ويقول الجندي في شرحه لعبارة ابن عربي: المعنى هو ((ان رسل الله هم الله، فانه هويتهم وهم صورته، وهو من حيث هو اعلم حيث يجعل رسالته، فجعل الله هوية رسله، فكان تشبيهاً في عين تنزيه.. فانك اذا حملت الله اعلم على رسل الله؛ نفيت الغيرية فاثبتّ الوحدة الحقيقية، كقول النبي (ص) هذه يد الله واشار الى يمينه المباركة، فأوّل اهل الحجاب، وآمن اهل الايمان، وكشف اهل الشهود والعيان ان يده (ع) هي عين يد الله العليا في قوله تعالى: {يد الله فوق ايديهم} رأي عيان)) (شرح الفصوص، ص 6 9 5ـ 7 9 5).

 1 7 عن: مذاهب التفسير الاسلامي، ص 2 8 2ـ 3 8 2.

 2 7 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 5 8 3. وشرح الفصوص، ص 0 8 2ـ 1 8 2. ولاحظ ايضاً: الفتوحات، مصدر سابق، ج 2، ص 6 4 5.

 3 7 جامع الاسرار، ص 2 7 2.

 4 7 المبدأ والمعاد، ص 3 0 3.

 5 7 اسرار الايات، ص 6 4 1.

 6 7 استناداً الى قوله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية} يونس/ 2 9.

 7 7 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 4 1 4ـ 5 1 4. وشرح الفصوص للجندي، ص 6 3 6.

 8 7 الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج 2، ص 3 7 2 و 4 0 4.

 9 7 تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 4، ص 8 7 3.

 0 8 كتاب التراجم، مصدر سابق، ص 1 2.

 1 8 الفتوحات، مصدر سابق، ج 1، ص 7 7 3.

 2 8 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 4 3 4ـ 5 3 4 و 9 3 4.

 3 8 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 0 4 4.

 4 8 جامع الاسرار، ص 1 2.

 5 8 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 5 6 1.

 6 8 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 8 0 3ـ 9 0 3.

 7 8 الانسان الكامل، مصدر سابق، ص 0 2 1 و 0 3 1.

 8 8 شرح الفصوص للجندي، ص 7 8 2ـ 9 9 2. ومطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 2 9 2ـ 4 9 2.

 9 8 سلطان محمد الجنابذي: بيان السعادة في مقامات العبادة، مقدمة سلطان حسين تابنده الجنابذي، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 8 0 4 1هـ ـ 8 8 9 1م، ج 2، ص 5 2 و 5 6 1. وج 1، ص ي.

 0 9 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 4 3 4ـ 5 3 4.

 1 9 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 0 6 4.

 2 9 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 1 9 3ـ 3 9 3. والفصوص والتعليقات عليه، ج 1، الفص الرابع والعشرين، ص 4 9 1ـ 5 9 1.

 3 9 الفصوص والتعليقات عليه، ج 1، الفص التاسع عشر، ص 3 7 1. وج 2، ص 7 3 2.

 4 9 شرح فصوص الحكم، ص 4 4 3. ومطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 6 5 3.

 5 9 الفصوص والتعليقات عليه، ج 2، ص 2 8ـ 3 8.

 6 9 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 7 3 4.

 7 9 الفصوص والتعليقات عليه، ج 1، الفص السابع، ص 2 9. وج 2، ص 0 9.

 8 9 شرح الفصوص، ص 4 8 3ـ 5 8 3.

 9 9 الفصوص والتعليقات عليه، ج 1، الفص الخامس والعشرين، ص 9 2 2. وج 2، ص 1 1 3.

 0 0 1 شرح الفصوص، ص 6 0 5.

 1 0 1شرح الفصوص، 9 2 4ـ 0 3 4. ومطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 8 2.

 2 0 1 المصدر السابق، ص 4 7 3.

 3 0 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 8 1 3ـ 9 1 3.

 4 0 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 1 2 3ـ 2 2 3.

 5 0 1 شرح الفصوص، ص 0 9 3. والفصوص والتعليقات عليه، ج 1، ص 4 9. ومطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 2 3 4ـ 3 3 4.

 6 0 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 3 3 4.

 7 0 1 لدى توضيح ابن عربي لكيفية انقلاب العذاب الى راحة وعذوبة انه عدّ النار كلها عذاباً، مثلما ان الجنة نعيم كلها، فنشأة الاخرة لا تقبل مزاج نشأة الدنيا، وهو الفارق بينهما، فمدة العذاب في النار هي خمسة واربعون الف سنة، يتناوبها بعض الفتور، ففي اول الامر ان اهل النار يتعذبون عذاباً متصلاً لا يفتر لمدة ثلاثة وعشرين الف سنة، ثم ينامون فيغيبون عن الاحساس وذلك لشدة الالم والاوجاع، وهو قوله تعالى: {لا يموت فيها ولا يحيى} طه/ 4 7، ويمكثون على هذا الحال من الغيبوبة مدة تسعة عشر الف سنة، ثم يفيقون من غشيتهم وقد بدل الله جلودهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب من جديد، وذلك لمدة خمسة عشر الف سنة، ثم يغشى عليهم فيمكثون في غشيتهم احد عشر الف سنة، ثم يفيقون وقد بدل الله جلودهم مرة اخرى فيجدون العذاب الاليم لمدة سبعة الاف سنة، ثم يغشى عليهم ثلاثة الاف سنة، ثم يفيقون بعدها فيرزقهم الله لذة وراحة كالذي ينام على تعب فيستيقظ، وهذا من رحمة الله التي سبقت غضبه ووسعت كل شيء، حيث لا يجدون بعد ذلك الماً ويستغنمونه ويقولون نسينا، وكما قال تعالى: {نسوا الله فنسيهم} التوبة/ 7 6، وقال: {اليوم ننساكم كما نسيتم} الجاثية/ 4 3 (الفتوحات المكية، مصدر سابق، ج 1، ص 5 2 2).

 8 0 1 شرح الفصوص، ص 8 2 4. ومطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 4 2ـ 5 2.

 9 0 1 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 1 8 4ـ 2 8 4.

 0 1 1مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 0 7 4.

 1 1 1 مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 5 8 1ـ 6 8 1. والفتوحات، ج 2، ص 0 7.

 2 1 1 ايقاظ النائمين، ص 1 5.

 3 1 1 اسرار الشريعة، ص 4 9.

 4 1 1 عرشيه، ص 2 6 2ـ 3 6 2.

 5 1 1 الانسان الكامل، مصدر سابق، ص 7 9 1.

 6 1 1 ايقاظ النائمين، ص 1 3.

 7 1 1 السهروردي: رسالة فى اعتقاد الحكماء، ضمن مجموعة في الحكمة الإلهية من مصنفات السهروردي، مصدر سابق، ص 6 6 2.

 8 1 1 المبدأ والمعاد، ص 5 1 1.

 9 1 1 الاسفار، ج 1، ص 9 3 3، ج 3، ص 1 5 1 و 5 7 1. واراء اهل المدينة الفاضلة، ص 3 3.

 0 2 1 ايقاظ النائمين، ص 8 4. واسرار الايات، ص 0 6 1ـ 1 6 1.

 1 2 1 شرح فصوص الحكم، ص 8 6 4ـ 2 7 4.

 2 2 1 مفاتيح الغيب، ص 1 7 2.

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار