ظاهرة النسخ

يحيى محمد

نعلم ان الخطاب الديني موظف أساساً لتغطية الواقع، وبالتالي فمن المحال فهمه بنص مجرد من غير علاقة دلالية مع هذا الواقع. فالاقتصار على النصوص المجردة لا يحل لنا مشكل التعارض بين المطلقات، بل يجعل الخطاب بعضه يضرب البعض الآخر. وعليه لا يمكن حل مثل هذا التعارض الا عن طريق فهم الواقع التفصيلي الذي نزل فيه الخطاب.

فنحن نعلم ان آية النسخ ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها..)) البقرة/ 6 0 1؛ انما نزلت - كما ذكر المفسرون - لأن المشركين قالوا: أترون الى محمد يأمر اصحابه بأمر ثم ينهاهم ويأمرهم بخلافه ( 1). وكذا هو الحال في علة نزول اية التبديل ((واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما يُنزّل قالوا إنما أنت مفتر، بل اكثرهم لا يعلمون)) النحل/ 1 0 1، حيث جاء عن ابن عباس انه قال: ((كان اذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية فيها لين، تقول قريش: والله ما محمد الا يسخر باصحابه، اليوم بأمرهم بأمر، وغداً ينهاهم عنه؟ ماهو الا مفتر، فانزل الله تعالى: (واذا بدلنا..))) ( 2). وقد اعتمد على ذلك عدد من المفسرين مثل القرطبي والزمخشري والطبرسي وغيرهم. فمثلاً يقول الزمخشري بهذا الصدد: ((.. وكانوا يقولون ان محمداً يسخر من أصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً، فيأتيهم بما هو أهون، ولقد افتروا، فقد كان ينسخ الأشق بالأهون، والأهون بالأشق، والأهون بالأهون، والأشق بالأشق، لأن الغرض المصلحة لا الهوان والمشقة..)) ( 3). وهو رد على من يعتبر أن من اغراض النسخ هو التيسير ( 4).

والواقع ان العديد من قضايا الخطاب التي ظاهرها التضارب بين المطلقات إنما تعبر عن تضارب الأحوال والظروف، بل وتكشف عن ظاهرة الجدل بين نص الخطاب ومظاهر الاطلاق فيه من جهة، وبين الانشداد نحو الظرف والواقع من جهة أخرى. وليس هناك أمر أهم من هذا التضارب، حيث فيه يهتدي الباحث الى منطق ((الاسترشاد)) الذي يبديه الخطاب الالهي. فالمطلق حين يتضارب مع مطلق غيره لا يعني افناءه والقضاء عليه، بل ولا يعني بالضرورة ان يكون أحدهما مخصصاً ومقيداً للآخر، بل الأولى ان يتحول الأمر الى نوع من النسبية. وكذا ان الانشداد نحو ظرف ما حين يتضارب مع انشداد آخر يتحولان بالنتيجة الى ساحة انفتاح تعلو على الظرف وتقضي على الاغلاق. فهذه الحقيقة هي ذاتها تؤكدها ظاهرة النسخ في الخطاب. فالنسخ هو هدم للمطلق وفتح للمغلق، فهو يعبر بالنهاية عن الانفتاح النسبي بأخذ الواقع الاجتماعي بنظر الاعتبار دون التعالي عليه.

ما هو النسخ ؟

القول بجواز ووجود نسخ في القرآن والسنة يكاد ان يكون مما أجمع عليه العلماء، فلم ينكره على ما قيل الا المفسر والمتكلم المعتزلي ابو مسلم الاصفهاني (المتوفي سنة 2 2 3هـ)، حيث نقل عنه انه يقول في النسخ بأنه غير واقع، ويأول ما يراه الجمهور نسخاً بأنه من باب انتهاء الحكم لانتهاء زمنه، ومثل هذا لا يعتبر نسخاً، وهو يستدل على ذلك بقوله تعالى: ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)) ( 5). وربما ما ذكره النحاس (المتوفي سنة 8 3 3هـ) من ان من المتأخرين من قال بأنه ليس في كتاب الله ناسخ ولا منسوخ؛ انما قصد به ذلك المفسر المعتزلي ( 6). لكن القرطبي (المتوفي سنة 1 7 6هـ) ذكر ان هناك طوائف من المسلمين المتأخرين انكرت جواز النسخ ( 7). وحديثاً ألف الدكتور احمد حجازي السقا كتاباً سماه (لا نسخ في القرآن) ( 8).

مهما يكن فمن المعلوم ان للنسخ اهمية كبيرة في معرفة الاحكام والتشريع، حتى نقل عن الامام علي (ع) قوله لقاصٍّ: اتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت واهلكت ( 9). وجاء عن ابن سيرين قوله: انه سئل حذيفة عن شيء فقال: ((انما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر، او رجل ولي سلطاناً فلا يجد من ذلك بدّاً، او متكلف)) ( 0 1). مع ذلك فقد اختلف الفقهاء والمفسرون في تحديد مواضع النسخ وقضاياه، خاصة ان الامر يزداد تعقيداً حينما يتعلق بمعرفة ناسخ الحديث من منسوخه، حتى ان الامام الزهري كان يقول: ((أعيا الفقهاء واعجزهم ان يعرفوا ناسخ حديث رسول الله (ص) من منسوخه)) ( 1 1).

ومن الناحية اللغوية يُقصد بالنسخ هو انه مشتق عن معنيين، أحدهما الازالة او ابطال شيء واقامة آخر مقامه، فمثلاً يقال نسختْ الشمس الظل اذا أزالته وحلت محله، ونظيره قوله تعالى: ((فينسخ الله ما يلقي الشيطان)). أما المعنى الآخر فهو بمعنى النقل، كإن يقال نسخت الكتاب اذا نقلته من نسخته ( 2 1). ومن معاني النسخ هو انه يأتي بمعنى التبديل، كما في قوله تعالى: ((واذا بدلنا آية مكان آية)). وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث، اي تحويل الميراث من واحد الى آخر ( 3 1).

أما من حيث الاصطلاح فقد عُرّف النسخ شرعاً هو انه ((الاعلام بزوال، مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل آخر شرعي، متراخٍ عنه على وجه لولاه لكان الحكم الاول ثابتاً)) ( 4 1). وهو بهذا الاعتبار عبارة عن نوع من التخصيص، حيث انه تخصيص في الازمان ( 5 1). ويطلق البعض على الحكم بانه ناسخ مجازاً ، حيث النسخ الحقيقي انما يكون من عند الله، اي ان الرافع للحكم المنسوخ هو الله لا الحكم المجعول بعد رفع الحكم الاول ( 6 1). والنسخ بهذا المعنى ليس له علاقة بالإخبار والوعد والوعيد وامور العقائد، بل علاقته محددة بالاحكام من الامر والنهي والاباحة. وقد اختلف العلماء فيما اذا كان يمكن للقياس والاجماع ان ينسخا النص او لا. حيث أجاز جماعة نسخ القرآن والسنة بالقياس ( 7 1). وحكى القاضي ابو بكر عن بعضهم ان القياس ينسخ به المتواتر ونص القرآن، وحكى عن اخرين انه مما ينسخ به اخبار الآحاد فقط ( 8 1). وقال بعض انما يجوز النسخ بالقياس الجلي لا الخفي، كما هو الحال مع رأي ابي القاسم الانماطي (المتوفي سنة 8 8 2هـ) من اصحاب الشافعي. ورأى جماعة جواز النسخ بكل من القياسين الجلي والخفي، معللين بأن ما جاز التخصيص به جاز النسخ به بلا فرق. وهناك من اعتبر النسخ انما يجوز بالقياس القطعي دون الظني كما هو الحال مع الامام الغزالي ( 9 1). وذهب بعض المعتزلة وعيسى بن أبان من علماء الحنفية الى جواز النسخ بدليل الاجماع ( 0 2).

بل ذهب جماعة من العلماء الى اعتبار الناسخ والمنسوخ انما هو من وظيفة الامام او ولي الأمر ينسخ ما شاء له من الاحكام ( 1 2).

لكن في قبال هؤلاء صرح القرطبي انه بعد وفاة النبي ((واستقرار الشريعة اجمعت الامة انه لا نسخ، ولهذا كان الاجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، اذ انعقاده بعد انقطاع الوحي. فاذا وجدنا اجماعاً يخالف نصاً فيعلم ان الاجماع استند الى نص ناسخ لا نعلمه نحن، وان ذلك النص المخالف متروك العمل به)) ( 2 2).

ولدى الجمهور من العلماء ان في القرآن الكريم ثلاثة انواع من النسخ هي:

1ــ ما نسخ تلاوته وحكمه معاً.

2ــ ما نسخت تلاوته دون حكمه.

3ــ ما نسخ حكمه دون التلاوة ( 3 2).

والضرب الاخير من النسخ هو الذي أُلفت لأجله الكتب والمصنفات، وهو الذي يعنينا.

لقد عدّ المهتمون بعلوم القرآن الآيات التي نُسخت، وأحصاها المكثرون الى ما يتجاوز المائتين آية، أغلبها لا يعتبر من النسخ حقيقة، بل يدخل ضمن عناوين العام والخاص والمطلق والمقيد وما الى ذلك. فقد وصل عدد قضايا النسخ عند ابن الجوزي (( 7 4 2))، وعند ابن حزم (( 4 1 2))، وعند ابن سلامة (( 3 1 2))، وعند ابن بركات (( 0 1 2))، وعند ابي جعفر النحاس (( 4 3 1))، وعند عبد القاهر البغدادي (( 6 6)) قضية ( 4 2). وهناك من حسبها تقارب العشرين آية كما هو الحال مع صاحب (الإتقان) السيوطي ( 5 2).

وفي القبال نرى الامام الخوئي من المعاصرين يعترض على اغلب ما عُدّ من النسخ من الآيات. فهو يتقبل ظاهرة النسخ لدى افراد محدودة جداً من الآيات، كآية النجوى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فان الله غفور رحيم)) المنسوخة بآية ((ءأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات، فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون))، ومثل ذلك اعترف - في محل آخر - بنسخ حكم التوجه في الصلاة الى القبلة الاولى ( 6 2). فالخوئي يعتبر ان القسم الذي يخضع الى النسخ في القرآن هو عندما يكون الحكم الثابت بالقرآن يُنسخ باية اخرى منه ناظرة الى الحكم المنسوخ، ومبينة لرفعه، وهو امر يعترف الخوئي بحصوله وإن لم يورد ضمن مصاديقه سوى آية النجوى. في حين على رأيه انه اذا كان الحكم الثابت بالقرآن يُنسخ باية اخرى غير ناظرة الى الحكم السابق ولا مبينة لرفعه، وانما يعتبر نسخاً لمجرد التنافي بينهما؛ فان مثل هذا النوع من النسخ غير واقع بالقرآن، مستدلاً على ذلك بقوله تعالى : ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) ( 7 2).

على ان النسخ لم ينحصر في القرآن الكريم، بل طال السنة النبوية، حيث هناك الكثير من الاحاديث عُدّت انها تنضوي تحت عنوان الناسخ والمنسوخ ( 8 2). وكذا الحال مع النسخ الدائر بين القرآن والسنة، حيث أجاز العلماء نسخ السنة بالقرآن، لكنهم اختلفوا في النسخ المعاكس، ولم يجوزه الكثير منهم ( 9 2).

والواقع ان اغلب الخلاف حول تعيين القضايا التي لها علاقة بالنسخ يعود الى الموقف من التخصيص والتقييد إن كان يعد ذلك من النسخ أم لا، وهو الخلاف الذي يحدد مفهوم السلف والخلف عن المراد بالناسخ والمنسوخ. فقد ذكر ابن القيم ان المفهوم لدى الطرفين مختلف، حيث ان الخلف يعدون النسخ هو ذلك الذي يرفع الحكم بجملته، أما عند السلف فيضيفون الى هذا ما يتعلق برفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغير ذلك، إما بتخصيص او تقييد او حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه: حتى انهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه ( 0 3).

كما ذكر الشاطبي بأن الذي يظهر من كلام المتقدمين ان النسخ عندهم في الاطلاق أعم منه في كلام الاصوليين: فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل او منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً: لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو ان النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى ان الامر المتقدم غير مراد في التكليف، وانما المراد ما جيء به آخراً، فالاول غير معمول به، والثاني هو المعمول به ( 1 3). لهذا عبّر الكثير من الصحابة والتابعين عن التخصيص بكلمة النسخ ( 2 3). وعند الحنفية ان تخصيص العام غير المقارن او المتصل يكون نسخاً ( 3 3)، وكذا بخصوص التقييد والزيادة. لذلك ورد عن ابي حنيفة ان الحديث المروي عن النبي (ص) اذا كان مخصصاً او مقيداً لآية او مضيفاً لها زيادة ما فانه يرفض - ما لم يكن مقطوعاً به - باعتباره يعني النسخ. وبعبارة اخرى انه يردّ كل أخبار الآحاد التي تخالف ظاهر النص القرآني باعتبارها زيادة، والزيادة على النص نسخ. فمثلاً انه ترك حديث ((تغريب الزاني البكر)) وقوفاً على ما جاء في القرآن بقوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) النور/ 2 ( 4 3). كما خالف الفقهاء في زيادة الغرم على قطع يد السارق، وقوفاً عند حد الآية الكريمة: ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله))، اذ لم يأتِ ذكر الغرم في الآية ( 5 3). كذلك انه لم يعمل بحديث القضاء والشاهد الواحد، لأنه يعده ناسخاً لقوله تعالى: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)). لكن خالفه جمهور العلماء في قوله ان الزيادة على النص نسخ، وإن وافقوه في كون المتواتر - ومنه النصوص القرآنية - لا ينسخ بالآحاد ( 6 3).

أما عند المتأخرين فإن مفهومهم عن النسخ يختلف. فعلى رأي الآمدي ان التخصيص والنسخ وإن اشتركا من جهة لكن بينهما ما يقارب عشرة فروق هي:

الاول: ان التخصيص يبين ان ما خرج عن العموم لم يكن المتكلم قد اراد بلفظه الدلالة عليه، والنسخ يبين ان ما خرج لم يرد التكليف به وان كان قد اراد بلفظه الدلالة عليه.

الثاني: ان التخصيص لا يرد على الامر بمأمور واحد، والنسخ قد يرد على الامر بمأمور.

الثالث: ان النسخ لا يكون في نفس الامر الا بخطاب من الشارع، بخلاف التخصيص، فانه يجوز بالقياس وبغيره من الادلة العقلية والسمعية.

الرابع: ان النسخ لا بد وان يكون متراخياً عن المنسوخ، بخلاف المخصص فانه يجوز ان يكون متقدماً على المخصص ومتأخراً عنه .

الخامس: ان التخصيص لا يخرج العام عن الاحتجاج به مطلقاً في مستقبل الزمان، لذا يبقى معمولاً به فيما عدا صورة التخصيص، بخلاف النسخ فانه قد يخرج الدليل المنسوخ حكمه عن العمل به في مستقبل الزمان بالكلية، وذلك فيما لو ورد النسخ على الامر بمأمور واحد .

السادس: انه يجوز التخصيص بالقياس، ولا يجوز به النسخ .

السابع: ان النسخ رفع للحكم بعد ان ثبت، بخلاف التخصيص .

الثامن: انه يجوز نسخ شريعة بشريعة، ولا يجوز تخصيص شريعة بأخرى .

التاسع: ان العام يجوز نسخ حكمه حتى لا يبقى منه شيء، بخلاف التخصيص)) ( 7 3).

ومع تلك الفروق اصبح من الممكن نظرياً التفرقة بين النسخ والتخصيص، لكن من الناحية العملية قد يكون الامر موضع التباس في معرفة إن كانت القضية فيها تخصيص او نسخ، فضلاً عن كونه موضع اختلاف بين العلماء.

وقد اورد البعض احتمالات النسخ والتخصيص، فهناك من يرى ان تأخر الخاص عن العام او العكس هو عبارة عن نسخ له. وهناك من يرى ان ذلك يعتمد على حضور وقت العمل، حيث بعد الحضور يعد نسخاً لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، أما قبله فليس بنسخ. بل من العلماء من اعتبر انه حتى بعد حضور العمل فإنه لا دلالة له على النسخ، حيث يمكن ان تكون هناك مصلحة تقتضي اخفاء الخصوصيات ( 8 3). ومن هذا المدرك رد الآخوند الخراساني على شبهة كون أخبار أئمة أهل البيت تعد ناسخة لعمومات الكتاب والسنة، حيث انها جاءت بعد حضور العمل، فلو لم تكن ناسخة للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ( 9 3). على انه لو صحت هذه الشبهة لكان يعني ان اغلب ما ورد في القرآن والسنة من الاحكام يعد منسوخاً؛ للاعتقاد بأن صدور الاخبار المخالفة لعموم الكتاب كثيرة جداً، وكذا يمكن القول مع ما ورد من السنة، حتى اشتهر انه ((ما من عام الا وقد خُصّ)) ( 0 4)، ذلك انه ((اذا كانت طريقة الشارع في بيان مقاصده تعتمد على القرائن المنفصلة لا يبقى اطمئنان بظهور العام في عمومه))، لذا نقل عدم الخلاف بل الاجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس من وجود المخصص ( 1 4). ودفعاً لمثل هذه الشبهة اعتبر صاحب (المعالم) ان النسخ لا يصار اليه الا عند عدم امكان التخصيص كما في حالة تأخير الخاص عن وقت العمل، اذ يمتنع ذلك لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز، لذا يُفسّر بالنسخ. أما لو تردد الامر بين النسخ والتخصيص فانه يُحمل على التخصيص، باعتبار ان النسخ رفع للحكم والتخصيص دفع له لا رفع له، والدفع أهون من الرفع ( 2 4).

والواقع ان هذه الاعتبارات لا تلغي قوة احتمال الأخذ بالنسخ فيما لو تأخر الخاص عن العام او العكس عن حضور العمل، اذ يظل ان الظاهر في الامر هو عدم وجود مصلحة تجعل من التخصيص يتأخر مدة طويلة تفوت حالة العمل به وقت الحضور، الامر الذي يجعل من شبهة كون اخبار الائمة ناسخة لعمومات الكتاب والسنة واردة، لا أنها مخصصة لها. نعم يختلف الحال فيما يتعلق بالخواص النبوية في قبال عمومات الكتاب والتي قيل ان اكثرها مخصص بقول النبي (ص) ( 3 4)؛ حيث يمكن حملها على التخصيص لا النسخ، وذلك فيما لو كنا لا نعلم إن كان الخاص جاء بعد حضور العمل أم قبله، ففي هذا التردد يمكن الحمل على التخصيص باعتباره أهون من النسخ.

***

لكن يلاحظ انه اذا سلمنا بمقولة كون العمومات في الاحكام القرآنية قد خصصتها السنة النبوية، يضاف الى ما هو حاصل من تخصيص في داخل هذه السنة بعضها للبعض الآخر، وما جرى من تغيرات في الاحكام ضمن عنوان النسخ، سواء النسخ الذي جرى في اطار القرآن الكريم وحده او السنة النبوية وحدها او نسخ السنة للقرآن او العكس؛ كل ذلك يجعل الفهم يقرب الى اعتبار الشريعة الاسلامية ذات طبيعة دينامية لحملها الطابع النسبي في اغلب احكامها، وذلك لوجود العلاقة المؤكدة من التفاعل والجدل الحاصلين بين النص والواقع، او بين الكتابين التدويني والتكويني. فرغم ان وظيفة المحور الاول هي التشريع للثاني؛ لكن ذلك لا يتجاوز حقيقة ما في المحور الأخير من اختلاف وتباين وقابلية للتغير والتجديد؛ الى الحد الذي يجعله يؤثر أثراً بارزاً على صياغة التشريع. وهذا يعني ان التشريع لم يكن وليد النص وحده، والا لجاء على صيغة هيكل واحد وقالب ثابت لا يقبل التغيير ولا التكثر. بل لعل من البداهة الحكم ان للواقع اثره العميق على تغاير التشريع.

على ان التفاعل والجدل بين النص والواقع لا يسير في اتجاه عشوائي من غير ضوابط تحكمه وتعمل على توجيهه. اذ من المعلوم ان هناك حدوداً واطراً تعد الغاية من عملية التشريع، وهي المعبر عنها بالمقاصد والمصالح العامة التي يسعى الى تحقيقها الشارع الاسلامي. ومنه نعلم ان الاحكام الالهية لا تشكل من حيث ذاتها غاية الشريعة والخطاب، بل جاءت كوسائل لتحقيق الغايات العظمى التي استهدفها الخطاب لصالح البشرية. فالحكمة الالهية شاءت ان تجعل القرار التشريعي لا يتخذ بمجرد النص وبمعزل عن الواقع، وذلك لأن تغاير الواقع وتجدده لا يمكن ان ينطوي تحت قوالب نصية جاهزة ما لم تكن من الكليات الثابتة العامة.

مما سبق يمكننا ان نعلم بان ما اطلق عليه الفقهاء عنوان التخصيص (المنفصل)؛ ليس في حقيقته تخصيصاً بالمعنى الذي رموا اليه، ومثله ما يتعلق بالتقييد، كذلك فان ما أُطلق عليه بالنسخ ليس هو الآخر بنسخ الا من حيث المجاز.. ذلك انه اذا سلمنا بتلك الكثرة مما أُطلق عليه بالتخصيص والتقييد والنسخ، وعلمنا أنها كانت لدواعي تغير احوال الواقع وتبدل ظروفه؛ فمن الناحية المنطقية يكون التوقف عند ذلك الحد من التغيير والتبديل غير معقول. فمن الواضح بالنسبة الى مفهوم النسخ ان التسليم بتغيرات الواقع يجعل من الموضوع الواحد الذي يتعلق به الحكم موضوعات متغيرة متجددة كل منها يحتاج الى حكم خاص يناسبه دون ان تندرج جميعها تحت حكم ثابت واحد، وهو امر لا يمت الى النسخ بصلة لاختلاف الموضوع، كما سيتضح لنا الامر فيما بعد. لكنا لو أخذنا الامر على نحو المجاز لاقتربنا من الرأي الذي ذكره الغزالي في قوله: ((ما من حكم شرعي الا وهو قابل للنسخ خلافاً للمعتزلة)) ( 4 4). أما بخصوص التقييد والتخصيص فلو انا عوّلْنا على المفهوم الذي حدده الفقهاء بشأن كل منهما لكنا ندور في حلقة جامدة محددة من قبل النص المجرد وما هو معلوم ضرورة، وهو الحال الذي تقيّد به الفقهاء ضمن طريقتهم التقليدية ما لم يضطرهم الامر للخروج عن ذلك بفعل الحاجات الزمنية.. لكن علمنا ان ظروف شبه الجزيرة العربية التي راعاها الخطاب بالتمفصل والنسبية؛ لم تكن بمجملها العام مطلقة كي يجوز ان يشكل منها اصل للاستصحاب والقياس على غيرها. وبالتالي فان من المنطقي ان تتخذ الاحكام وجهة اخرى لا تنطلق من مبررات اصل الموضوع الذي استند اليه الحكم، حيث تغير الموضوع وتحوله، انما تنطلق من مبررات المصالح ومقاصد الشرع الكلية التي يريد الخطاب تثبيتها وتحقيقها. الامر الذي يجعل الباب مفتوحاً مادامت التغيرات التي تحصل في الكتاب التكويني لا تقف عند حد الى يوم يبعثون.

فحقيقة الامر هو ان التسليم بأن العمومات والمطلقات كلها او اغلبها لا تخلو من التخصيص والتقييد انما يعني في واقع الامر أخذ اعتبار المغايرة تبعاً لتغاير الظروف والاحوال، وقد اصبح من الجلي ان العبادات رغم انها ثابتة او تكاد ان تكون كذلك؛ انما هي الآخرى خضعت لهذا التغاير والتنويع، فمثلاً ان الصلاة والصيام لا تفرض على المكلفين على نحو واحد لا يقبل المغايرة، بل ان ذلك يخضع الى الاحوال والظروف المؤثرة، فالمريض والمسافر والشيخ الكبير العاجز كلهم لهم احكامهم الخاصة بهم، فلا يعامل الكل معاملة واحدة، فلكل حكمه بحسب حاله وظرفه، والذي يحكم ذلك مبدأ التيسير ورفع الحرج والتسامح. وكذا الحال في المعاملات والحدود والتقديرات، حيث انها تشهد ظاهرة كبرى من التنويع والتغاير في الاحكام. بل يكاد ان يكون التشريع الاسلامي المفصل والمباشر في تغطية الواقع كله على هذه الشاكلة. الامر الذي يعني ان حقيقة التشريع ما هي الا حقيقة المغايرة والتنويع، ومن الظلم اعتباره ينحى منحى واحداً لا يحيد عنه، او انه يشكل طبقاً معداً سلفاً لا يقبل التغيير، او لا علاقة له بتأثير الواقع. وهو كالخطأ الذي وقع به الجبريون حين افترضوا ان ما يحدث على ارض الواقع الانساني انما تحدده الارادة الالهية ولا شأن لارادة الانسان سوى تنفيذ الخطة الالهية كآلة صماء. فسواء بما يتعلق بتفسير القوانين التكوينية التي تحدد حركة الانسان وسلوكه او بتفسير القواعد التشريعية التي تحدد قيم هذه الحركة والسلوك؛ فانه سواء بهذا او بذاك قد تم فصل الواقع عن بعد الوحي والسماء، وذلك للتصور الخاطئ ان اي اشراك في التأثير من الواقع يعد من الشرك بحق السماء؛ حيث لله الفعل والتشريع المطلقان، وله ان يفعل ما يشاء. ومن الواضح انه بحسب هذا التصور لم يعد للواقع سوى الانفعال والخضوع لما ترسمه له السماء من ابعاد على صعيد التكوين والتشريع. في حين انه في كلا الامرين نرى ان للواقع دوراً هاماً لا يستهان به، وهو دور يخضع من حيث المبدأ تحت تفويض الارادة الالهية وتدبيرها، الامر الذي لا يجعله محل شرك او منازعة. ذلك انه ليس من المعقول ان تكون الحركة التكوينية للانسان بمعزل عن ارادته وقدرته التي هي من صنيع القدرة الالهية، وعلى الاقل ان ذلك لا يفسر لنا ضرورة التكليف والحساب، ناهيك عن ان ذات الخطاب يؤكد عنصر المزاوجة بين المحورين الفاعلين السماوي والواقعي في تحديد النتاج التكويني للسلوك. وكذا الحال فيما يتعلق بالبعد التشريعي الذي يحدد قيمة السلوك للانسان، حيث ليس من المعقول هو الآخر ان يكون بمعزل عن الواقع وما ينطوي عليه من تنوع وتغير، وان أي نظرية ترى ان الابعاد النهائية قد حُددت سلفاً بشكل مستقل من قبل محور الوحي والسماء انما يكذبها نفس الواقع، سواء ذلك الذي شهد الخطاب على التفاعل والجدل معه، او ما جاء بعده الى يومنا هذا. فعدم التسليم بهذه الحقيقة يجعل من نصوص الخطاب تتضارب كلياً مع الواقع، بل وتقع في النهاية تحت اسره ورحمته، وذلك بحكم تنوع خصوصياته وتغايرها يوماً بعد يوم. وهو أمر يؤول في النهاية الى التضارب مع قيم الخطاب وغاياته العليا، فيكون بذلك في غاية التهافت والتساقط من حيث ان نصوصه تكون مدعاة للتعارض فيما بينها. الأمر الذي يجعله غير معقول ولا مقبول.

النسخ ودوران العلة

من المهم ان نفهم ان عملية تبديل الحكم التي مارسها الخطاب الالهي لا تعني بالضرورة أنها تعطيل للحكم الشرعي تعطيلاً تاماً ومطلقاً. فآية النسخ ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها..))؛ فيها كلمة ((ننسها)) المشهور أنها تقرأ بثلاث قراءات هي (نَنْسَها، نُنْسِها، ننسأْها). وقد ذُكر ان القراءتين الاخيرتين متواترتان، الاولى دالة على النسيان، بمعنى نمحها من قلبك، والاخرى بمعنى التأجيل والارجاء او التأخير من غير تنزيل للحكم ( 5 4). والقراءة الأخيرة ((ننسأها)) هي التي كان يقرأها كل من أبي عمرو وعمر وابن عباس ومجاهد وابن ابي كعب والنخعي وعبيد بن عمير وابن محيصن وعطاء بن رباح اليزبدي وعاصم الجحدري وابن كثير والزركشي وغيرهم ( 6 4). على هذا فُسّرت الاية ان من الاحكام ما يُنسخ ومنها ما يؤخر او يؤجل ( 7 4)، وقد ذهب الزركشي صاحب كتاب (البرهان في علوم القرآن) الى ان اغلب ما اعتبر من النسخ انما هو من النسأ، وبعضه ما يرجع لبيان الحكم المجمل ( 8 4). وبذلك يكون قد عوّل على مفهوم مشخص تتجلى فيه حقيقة الجدل بين الخطاب والواقع. فمثلاً ان العلاقة بين الآيتين الكريمتين في قوله تعالى: ((يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفاً، فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم الف يغلبوا ألفين باذن الله والله مع الصابرين)) الأنفال/ 5 6ــ 6 6؛ ان العلاقة بينهما ليست علاقة إلغاء مطلق بمطلق، بل هي على ضوء ذلك الفهم علاقة نسأ وارجاء، حيث يكون حكم الآية الاولى مؤجلاً حتى يصبح المؤمن ذا قوة تعادل مضاعفات قوة عدوه.

ان ذلك الفهم يعطي دلالة على عدم إلغاء أي حكم من الاحكام الشرعية للنسأ من الناحية النظرية، اذ كل حكم يصبح مؤجلاً او مرجئاً حتى يرد ما يناسبه من الظرف والخصوصية، الأمر الذي يعني ان الحكم يظل معلقاً ونسبياً. لكن دون ان يغيب عن البال من ان هذه ((النسبية)) تحددها قواعد ثابتة هي دلالات المقاصد التي تحيط بالحكم، فضلاً عن مقاصد الخطاب العامة ككل. وكذا لا يغيب عن البال ان هناك من الاحكام المبدلة تحت عنوان المنسأ او غيره من العناوين ما لا يتوقع ان تعاد؛ لاستبعاد تكرر ما يناسبها من ظرف وموضوع، وبالتالي فهي من هذه الناحية تكون كالاحكام المنسوخة واقعاً.

نعم من الناحية المبدئية ان حكم المنسأ يتوقف على مدار العلية بخلاف النسخ كما ذهب الى ذلك اغلب المتأخرين، وهو ان ما شرع لسبب ثم زال سببه لا يعد من المنسوخ، حيث ان الحكم يدور مدار علته، فلو حضرت العلة حضر الحكم، ولو زالت زال معها. ذلك ان الفارق بينهما هو ان النسخ عبارة عن الازالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله، بينما النسأ هو عبارة عن تبديل الحكم بحكم آخر لعلة تطرأ فتقتضي ذلك الحكم مثلما كان الحكم الاول سارياً لعلة تقتضيه، مما يعني انتقال الحكم الى آخر لانتقال علته، وبالتالي جاز عودته بعودة العلة. لهذا يقول الزركشي: ((ما أُمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر.. وهذا ليس بنسخ في الحقيقة، وانما هو نسأ، كما قال تعالى: << او نُنسئها >>. فالمنسأ هو الأمر بالقتال الى ان يقوى المسلمون.. وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف انها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ.. وانما النسخ بالازالة حتى لا يجوز امتثاله ابداً. ومن ذلك ما اشار اليه الشافعي في (الرسالة) الى النهي عن ادخار لحوم الاضاحي من أجل الدافة، ثم ورد الاذن فيه فلم يجعله منسوخاً..)) ( 9 4).

مع ذلك نعتقد انه طبقاً للجانب اللغوي لما كان النسخ يعني الازالة والتبديل والإبطال؛ فان كل ما يدخل ضمن عنوان تغيير الحكم سواء من حيث ابطاله ورفعه كلياً ، او من حيث ازالته للتخفيف، او من حيث زوال علته إن كانت مذكورة، او بغير ذلك؛ فإنها جميعاً تعد نسخاً او من مصاديق ذلك المعنى العام. وكما يذكر البيضاوي تبعاً لصاحب (الحاصل) ان النسخ من حيث هو عبارة عن رفع الحكم فإنه لا فارق فيه من حيث كونه نسخاً سواء كان الرفع لزوال العلة او لشيء آخر ( 0 5). ففي جميع الاحوال لا يكون النسخ الا عن سبب، ولا يوجد تغيير في الاحكام من غير سبب وعلة مؤثرة، سواء علمنا تشخيصها ام لم نعلم. على هذا يصبح كل ما اعتبره المتأخرون من النسأ داخلاً ضمن اقسام النسخ. فمثلاً ان اية المصابرة المعتبرة من النسأ لدى الكثير من العلماء هي في حقيقتها لا تتعدى معنى النسخ بمعناه العام، مثلما ذهب الى ذلك الشافعي ( 1 5).

نعم يمكن القول ان هناك جملة من الاحكام المنسوخة ليس في الامكان الرجوع اليها، وذلك لعدم علمنا بعلة نسخها على وجه التحديد، كما في قضايا العبادات. فهذه القضايا إنما عُدّت داخلة ضمن عنوان النسخ باعتبارها مرفوعة رفعاً مطلقاً من غير عودة كما يؤكد على ذلك الكثير من المتأخرين. لكنا مع ذلك نرى احكاماً ملغية في قبالها هي الاخرى لا يمكن العودة اليها؛ لا لكونها مرفوعة من قبل الله تعالى ، ولا لأنها غير معلومة العلل، انما السبب في ذلك يعود الى ان ظروف وجودها قد تغيرت دون ان يؤمل لها العودة من جديد. فهي على هذا النحو بحكم المنسوخة او المرفوعة رفعاً تاماً ، بغض النظر إن كان الناسخ هناك هو الله تعالى الذي بيده الأمر والحكم، بينما هنا ان الناسخ - مجازاً - عبارة عن الواقع او تغير الظروف. لكن سواء هنا او هناك فان النتيجة واحدة من حيث ازالة الحكم والغائه. وها نحن نعود من جديد حول علاقة الخطاب بالواقع وتأثير احدهما بالآخر. فهل ترد شبهة الشرك والمنازعة لو اننا اعتبرنا النسخ لا يقتصر على ما افاده الخطاب او بعد السماء ، بل للواقع دوره هو الآخر سواء رضينا بذلك ام لم نرض، فتلك هي سنة الله تعالى في أمره وتكوينه، وهي كلمات الله؛ تدوينية كانت ام تكوينية؟! ويشهد على هذا جدل السلوك الذي انتهجه الخطاب، كما يشهد عليه تاريخ الاجتهاد الطويل بما يحمله من نسخ وتغيير، على ما سيأتينا بحثه فيما بعد.

لكن لو قيل ان ما يشترط في الحكم المنسوخ هو ليس فقط عدم صحة عودته الى حياض التكليف من الناحية الواقعية، بل حتى من الناحية النظرية ايضاً ، فمثلاً ان الاحكام التي تقوم على العادات والاعراف السائدة في عصر النص والتي يمكن ان تتغير كلياً نتيجة تغير الواقع لا تعد منسوخة باعتبارها يمكن ان تعاد مرة اخرى ولو من الناحية النظرية، كما هو الحال في ظاهرة الرق والجزية وموارد جواز الرهان في السبق ونصيب المقاتلين من الغنائم وغيرها، فكل هذه القضايا لا تعد من الاحكام المنسوخة بحسب ذلك الاعتبار، انما المنسوخ هو ذلك الذي لا يصح استعادته بأي شكل من الاشكال، سواء من الناحية الواقعية ام النظرية. ومع ان هذا قد يصدق في مجال العبادات التي لم يعلم عللها واسبابها، الا انه لا يصدق في غيرها من المعاملات التي يعلم اسبابها. لهذا فان اية السيف بنظر الكثير وربما اغلب العلماء كانت ناسخة لغيرها، وقد عرفنا أن بعضهم أوصل مقدار ما هو منسوخ عنها الى ما يزيد على المائة آية من الآيات التي تأمر بالإعراض عن المشركين والصفح عنهم ( 2 5)، مع ان الاية معللة في النص بعلة لا يمكن الادعاء انها ثابتة لا تقبل التغيير، مما يعني جواز العودة الى الحكم الخاص بالمنسوخ تبعاً لتغير العلة. وكذا الحال فيما يتعلق بحكم الجزية حيث انها ألغت هي الاخرى ما قبلها من احكام، مع ان تغير الاحوال جعل العودة الى غيرها مبرراً، وبالتالي فليس هناك ضرورة تقتضي ابقاء الحكم الناسخ الى غير نهاية، كما ليس هناك ضرورة تقتضي ابطال الحكم المنسوخ كلياً ، فجميع ذلك يعتمد على معرفتنا للعلل المؤثرة للحكم، وعلى طبيعة الظروف والواقع.

يضاف الى ذلك ان الخطاب لم يتبين منه انه يشترط مثل تلك القيود التي عوّل عليها المتأخرون. فهو فقط يؤكد على ان تبديل الاحكام او نسخها يعد من الحق الذي لا ريب فيه. فآية التبديل عامة ومطلقة من غير تقييد، أما آية النسخ والنسأ فان ظاهرها يجعل من النسأ غير النسخ الذي يعنينا، فلو اعتبرنا النسأ بمعنى التأجيل لكان يعني حسب الظاهر انه لا ازالة للحكم، بل هناك حكم مؤجل، ولو قُرأت بمعنى النسيان فان المعنى حسب الظاهر هو رفع الحكم ابتداء من قلب النبي، وهو أمر لا يعنينا بالبحث رغم انه يدخل ضمن عنوان النسخ، وقد يكون هو المراد، وبه يتميز عن النسخ الآخر المذكور لفظاً. أما النسخ المذكور بلفظه في الاية فمن الواضح انه غير مقيد بأي قيود كالتي اشترطها المتأخرون. وإن كنا في الوقت ذاته سنجد ان ما يعد نسخاً انما حقيقته ليس بنسخ اذا ما أخذنا اعتبارات تغير الموضوع وتأثيره على تغير الحكم كما سنشير الى ذلك.

هكذا يتضح ان اعتبار شرط عدم دوران العلة الذي وضعه المتأخرون كقيد في تحديد مفهوم النسخ ليس مفيداً. بل الحقيقة هو ان النسخ عبارة عن ابطال الحكم لأسباب تقتضي التبديل، وفي حدود هذا المعنى فإن عملية النسخ عملية حيوية لم يختص بها الخطاب، مثلها في ذلك مثل التشريع، حيث هو الآخر لم يختص به، اذ الاجتهاد هو نوع من التشريع المستند الى فهم الخطاب، وكذا الحال مع النسخ، حيث انه من أهم اركان العملية الاجتهادية المنبنية على ذلك الفهم، ولولاه ما كان للاجتهاد من معنى، اذ بدونه لا تجد في الواقع المتغير غير الجمود والتقليد. لذلك فان ظاهرة النسخ لم تتوقف في أي لحظة من لحظات التاريخ طالما هناك تشريع واجتهاد. فهي ظلت وستظل سارية المفعول من غير نهاية. وإن كانت حقيقة الأمر ومن حيث الدقة ان النسخ ليس بنسخ، وان التشريع الذي يتخذ سلوك التغيير في الاحكام سواء جاء عن طريق الشريعة الحقة او عن طريق الاجتهاد لا يعد في واقعه تغييراً وإبطالاً للاحكام، بل تظل الاحكام على ما هي عليه، ويصدق عليها انها خالدة بخلود الشريعة وباقية ببقائها وان ((حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة))، رغم ان العملية لا تتخذ طريقة المنهج الماهوي والفهم الحرفي للنص، باعتبار ان هذه الطريقة ضيقة وجامدة لا تجعل للتشريع قدرة على الاستمرار وتجاوز ظروف الزمان والمكان. ذلك ان ما كنّا نعده نسخاً إنما هو في حقيقته عبارة عن تغير الحكم لتغير الموضوع، اذ لكل موضوع حكمه الخاص، فلو انه تغير تغيراً مؤثراً لكان من اللازم ان يتغير الحكم تبعاً له، وهذا من حيث الدقة والتحليل لا يعد نسخاً، كما سنعرف.

***

لقد ظهر النسخ كتبديل حكم عوض حكم آخر مراعاة لظروف الواقع وما يفرزه من حاجات وضرورات ومتطلبات. وهو مع هذا التبديل لا يمس الدلالات الثابتة للمقاصد التي تتحكم بالحكم وجوداً وعدماً. ومن ذلك يتجلى منهج الاسترشاد الذي يستعين به الفكر البشري كموجه عام يراد منه الانشداد نحو المحكمات والثوابت لتلك المقاصد وملكات الاحكام. ذلك ان عملية النسخ تعبر عن حالة الجدل بين الخطاب والواقع، يراد منها الدوران في ظل المقاصد العامة كمحكمات ثابتة ترد اليها مختلف ((متشابهات)) الاحكام المتغيرة وفق تغير الظروف والاعتبارات. فالنسخ لا يصيب دلالات المقاصد المحيطة بالحكم، بل يقع على الحكم ذاته. فالمقصد ثابت على الدوام، والحكم متغير بتغير الظروف والأحوال.

ان ظاهرة النسخ في الخطاب هي ظاهرة هامة في التشريع الاسلامي، ذلك انها لم ولن تنتهي بما تعبر عن تبديل حكم عوض حكم آخر لتبدل الظروف والاوضاع. فعلى الرغم من ان اطلاق لفظة ((النسخ)) لم ترد في الغالب الا معلقة بذيل الخطاب، الا ان مدلولها الحقيقي لا ينحصر بهذا الحد. فالنسخ بما هو عملية تبديل للحكم لا يسعه ان يتوقف بحال. فاذا ما قارنا الظروف المحدودة لمرحلة الخطاب المتمثلة بتلك السنوات القصيرة مع الظروف الهائلة المستجدة التي ظهرت خلال اكثر من أربعة عشر قرناً؛ تبين لنا ان عملية النسخ لا يمكن لها ان تتوقف بحال مادامت هناك أحداث جديدة وظروف وتطورات متصاعدة. فالنسخ يعيد ذاته في آفاق مفتوحة لا تعرف السدود والانغلاق.

ولو أنا إعتمدنا على إحصاء قضايا النسخ في الخطاب - القرآن منه على وجه الخصوص - حسب ما مال اليه السيوطي، والتي قدرها بما يقارب العشرين قضية، وهو ما يقارب عمر الرسالة الشريفة، وافترضنا ان هذا العدد قياسي، وهو ان معدل النسخ يساوي واحداً من كل سنة، فان وجود اكثر من ( 0 0 4 1 عام) يجعل من حساب النسخ - مع افتراض وحدة المشرع ووحدة المكان بعد مرحلة الخطاب - يبلغ حداً اكثر من ( 0 0 4 1 حكم). ولو اضفنا حساب اتساع الرقعة المكانية وحجم الظروف، اذ ظروف ما يسمى بالنهضة الحديثة منذ مطلع القرن الماضي هي ليست بحجم ظروف ما قبلها منذ مرحلة الخطاب؛ علمنا كم ينبغي ان يتضاعف ذلك العدد الافتراضي.

أي أنا لو أخذنا اعتبار دخالة ((الزمن)) على الاحكام، لكان يمكن تقرير قاعدة عامة، وهي أنه كلما كانت تغيرات الاحداث والظروف هائلة، كلما كان ضغط الحاجة للعمل بالنسخ والتشريع كبيراً أيضاً. مما يعني أن تغير الزمن من روح عصر الى روح عصر آخر يجعل ضغط الحاجة يحتم ممارسة عملية التشريع والنسخ بشكل مستجد يتناسب مع عمق الفارق والاختلاف بين الروحين. وبمقارنة تاريخية نلاحظ أن ظروف وأحداث ما قبل ((النهضة الحديثة)) هي ليست بذلك الحجم والقدر مقارنة مع ظروف وأحداث ((النهضة)) الى يومنا هذا، اذ يمكن القول أن لكل منهما روحه الحضارية الخاصة. فاذا ما كان الفقه قبل ((النهضة)) قد مارس بعض الدور من النسخ والتشريع؛ فان ضغط الحاجة جعل من هذه ((النهضة)) تمارس وتحتاج أن تمارس دوراً اكبر يفوق ما كان عليه في السابق. لكنها تحتاج وهي تمارس دورها من التشريع والنسخ أن تكون على دراية تامة بالخطاب من ذاته وداخله، وبالواقع وتقلباته، كي تُحدث وراء ذلك صيرورة الجدل المثرية بين الحكم والواقع، وهو الجدل الدائر بين تنزيل الحكم الى الواقع، وبين رفع الواقع الى الحكم، مثلما سبق للقرآن الكريم أن أشار اليه في خطابه الذي أظهر فيه الجدل بين ما يريده الخطاب من رفع الواقع وجعله شريعة، وبين ما يتطلبه الواقع من جعل الشريعة واقعاً.. إن هذا الجدل هو فلسفة ما يسمى بالنسخ.

الهوامش

( 1) الواحدي النيسابوري: اسباب النزول، ص 1 2.

( 2) انظر بهذا الصدد: الزمخشري: الكشاف،ج 2، ص 8 2 4. كذلك: مجمع البيان، ج 6، ص 0 0 2. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 1 6. وروح المعاني، ج 1، ص 1 5 3.

( 3) الكشاف، ج 2، ص 8 2 4. كذلك: مجمع البيان، ج 6، ص 0 0 2. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 1 6. وروح المعاني، ج 1، ص 1 5 3.

( 4) الاتقان ج 2 ص 1 0 7.

( 5) العلامة الحلي: مبادئ الوصول، ضمن: نصوص الدراسة في الحوزة العلمية، ص 8 8 4. الشيرازي، ابو اسحاق: التبصرة في أُصول الفقه، ص 1 5 2.

( 6) النحاس، ابو جعفر: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ص 1.

( 7) الجامع للقرطبي، ج 2، ص 3 6.

( 8) اسماعيل، شعبان محمد: نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ص 3 2. ومقدمة المحقق شعبان محمد اسماعيل لكتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص 7ــ 8.

( 9) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص 6. والاتقان في علوم القرآن، ج 2، ص 0 0 7.

( 0 1) الاعتبار، ص 6ــ 7.

( 1 1) الاعتبار، ص 5. ومقدمة ابن خلدون، فصل: ((في علوم الحديث))، ص 0 8 2.

( 2 1) انظر بهذا الصدد: الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص 6. ابن حزم الاندلسي: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. والاعتبار، ص 7ــ 8. والغزالي، أبو حامد: المستصفى من علم الأُصول، ج 1، ص 7 0 1 وما بعدها. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 2 6. وفتح القدير للشوكاني، ج 1، ص 6 2 1. كذلك: الشوكاني: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من الأُصول، ص 3 8 1ــ 4 8 1.

( 3 1) الاتقان، ج 2، ص 0 0 7 . والاعتبار، ص 8.

( 4 1) معالم الدين، ص 1 7 3. ومبادئ الوصول للحلي، ص 7 8 4. والاعتبار، ص 8. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 4 6. والارشاد للشوكاني، ص 4 8 1.

( 5 1) معالم الدين، ص 6 0 3.

( 6 1) المستصفى، ج 1، ص 1 2 1. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 4 6.

( 7 1) ابـن حـزم: الإحـكام في أُصـول الأحـكـام، ج 4، ص 0 2 1.

( 8 1) ارشاد الفحول، ص 3 9 1.

( 9 1) انظر: الشيرازي، ابو اسحاق: التبصرة في أُصول الفقه، ص 4 7 2ــ 5 7 2. والمستصفى ، ج 1 ص 6 2 1ــ 7 2 1. والآمدي، سيف الدين علي: الإحكام في أُصول الأحكام، ج 3، ص 8 4 1ــ 9 4 1. والتركي، عبد الله بن عبد المحسن: اصول مذهب الامام احمد، ص 8 1 6ــ 9 1 6.

( 0 2) نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ص 9 5 1 و 0 6 1. من الموارد التي اعتبرها بعض القدماء منسوخة بالاجماع؛ النص الخاص بسهم المؤلفة قلوبهم، على ما سنعرف.

( 1 2) الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص 2.

( 2 2) الجامع للقرطبي، ج 2، ص 6 6.

( 3 2) الاتقان ج 2، ص 5 0 7 وما بعدها.

( 4 2) عن مقدمة المحقق لكتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، ص 0 4.

( 5 2) ذكر السيوطي ان هناك واحدة وعشرين آية منسوخة في بعضها خلاف. وقد حصر المنسوخات في جملة أبيات كالاتي:

قد اكثر الناس في المنسوخ من عدد وادخلوا فيه آياً ليس تنحصر

وهاك تحرير آي لا مزيد لها عشرين حررها الحذّاق والكُبَر

آي التوجه حيث المرء كان وأنْ يوصي لاهليه عند الموت محتضر

وحرمة الاكل بعد النوم من رفث وفدية لمطيق الصوم مشتهر

وحق تقواه فيها صحّ من اثر وفي الحرام قتال للأّلى كفروا

والاعتداد بحولٍ معْ وصيتها وأن يدان حديث النفس والفِكَرُ

والحلف والحبس للزاني وترك أُولى كفروا شهادتهم والصبر والنَّفَر

ومنع عقد لزان او لزانية وما على المصطفى في العقد محتظر

ودفع مهر لمن جاءت وآية نجـ ـــواه كذاك قيام الليل مستطر

وزيد آية الاستئذان مَن ملكت وآية القسمة الفُضلى لمن حضروا

(الاتقان ص 2 1 7 ــ 3 1 7).

( 6 2) الخوئي، ابو القاسم: البيان في تفسير القرآن، ص 3 7 3ــ 4 7 3.

( 7 2) البيان، ص 8 6 3.

( 8 2) من اهم الكتب في هذا المجال كتاب الاعتبار المشار اليه سلفاً .

( 9 2) انظر: الشافعي: الرسالة، ص 6 0 1. والاعتبار، ص 6 2 و 8 2 وما بعدها. والتبصرة، ص 4 6 2. وأوائل المقالات، ص 1 4 1. وارشاد الفحول، ص 0 9 1.

( 0 3) ابـن الـقيم الـجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 1، ص 5 3.

( 1 3) الشاطبي: الموافقات في اصول الشريعة، ج 3، ص 8 0 1.

( 2 3) ابو زهرة: ابو حنيفة، ص 0 0 3.

( 3 3) حماده، عباس متولي: اصول الفقه، ص 1 0 5.

( 4 3) احكام القرآن، ج 1، ص 8 5 3.

( 5 3) احكام القرآن، ج 2، ص 2 1 6.

( 6 3) الشنقيطي، محمد أمين: القول السديد في كشف حقيقة التقليد، ص 0 8ــ 1 8. والغزالي، محمد: دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، ص 4 6.

( 7 3) الإحكام للآمدي، ج3، ص 4 0 1ــ 5 0 1. كذلك: الاعتبار، ص 4 2.

( 8 3) معالم الدين، ص 7 0 3 وما بعدها. وكفاية الاصول، ص 3 1 5 وما بعدها.

( 9 3) الكفاية، ص 4 1 5.

( 0 4) الكفاية، ص 6 7 2. والمظفر: اصول الفقه، ج 1، ص 6 5 1.

( 1 4) اصول الفقه، ج 1، ص 6 5 1ــ 7 5 1.

( 2 4) معالم الدين، ص 8 0 3ــ 0 1 3.

( 3 4) فـرائـد الاصول، ج 1، ص 3 1 1.

( 4 4) المستصفى، ج 1، ص 2 2 1.

( 5 4) جامع البيان، ج 1، ص 6 7 4ــ 8 7 4. والجامع للقرطبي، ج 2، ص 7 6ــ 8 6. وروح المعاني، ج 1، ص 2 5 3. وهامش الاتقان، ص 3 0 7.

( 6 4) عبد العالم سالم مكرم واحمد مختار عمر: معجم القراءات القرآنية، ج 1، ص 0 0 1.

( 7 4) تفسير ابن كثير، ج 1، ص 3 3 1.

( 8 4) يقول الزركشي: ان في القرآن ((من ناسخ ومنسوخ فمعلوم وهو قليل، بين الله ناسخه عند منسوخه، كنسخ الصدقة عند مناجاة الرسول والعدة والفرار في الجهاد ونحوه، وأما غير ذلك فمن تحقق علماً بالنسخ علم ان غالب ذلك من المنسأ، ومنه ما يرجع لبيان الحكم المجمل، كالسبيل في حق الاتية بالفاحشة، فبينته السنة، وكل ما في القرآن مما يدعى نسخه بالسنة عند من يراه فهو بيان لحكم القرآن.. وأما بالقرآن على ما ظنه كثير من المفسرين فليس ينسخ وانما هو نسأ وتأخير او مجمل أُخّر بيانه لوقت الحاجة او خطاب قد حال بينه وبين اوله خطاب غيره او مخصوص..)) (البرهان، ج 2، ص 3 4ــ 4 4). وهو على شاكلة ما أراده مجاهد من معنى (تفسير مجاهد، ج 1، ص 5 8).

( 9 4) البرهان، ج 2، ص 2 4. كما لاحظ: الاتقان، ج 2، ص 3 0 7ــ 4 0 7.

( 0 5) نظرية النسخ في الشرائع السماوية، ص 2 4.

( 1 5) الرسالة، ص 7 2 1- 8 2 1.

( 2 5) ينظر حول ذلك المصادر التالية: نواسخ القرآن، ص 3 7 1. والناسخ والمنسوخ لابن حزم، ص 2 1ــ 8 1. وتفسير ابن كثير: ج 2، ص 1 9 2ــ 2 9 2. والجامع للقرطبي، ج 8، ص 3 7. واحكام القرآن لابن العربي، ج 2، ص 1 0 9ــ 2 0 9. وانظر لابي جعفر الطوسي: المبسوط، ج 2، ص 6 3. والنهاية، ص 3 9 1. والتبيان في تفسير القرآن، ج 5، ص 0 5 1.

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار