النظام الوجودي وعلاقة الوجود
يحيى محمد
العلاقة الوجودية بين الذات والاخر
هناك ثنائية نسبية يمكن ان نلتمسها داخل اي نظام معرفي بين موضوعاته التي يسلط عليها ضوء البحث والكشف . وتفترض هذه الثنائية ان يكون هناك طرفان من الموضوعات يقوم احدهما بدور المحور المرجعي في تحديد ما يترتب على الاخر . فالطرف الاول هو بمثابة المنطلق المعلوم في قبال الطرف الاخر المجهول . وغالباً ما تتعدد المحاور المرجعية ، واحياناً قد تتبادل الادوار بينها وبين الاخر ، وذلك تبعاً لطبيعة ما يستكشف من القضايا المعرفية . وفي النظام المعرفي الوجودي نجد ان على رأس المحاور المرجعية في تحديد الاخر هو ذلك المتمثل بمبدأ الوجود الاول او الذات الالهية . وعليه فان قراءتنا للنظام الوجودي ستعتمد على تحديد العلاقة الكائنة بين هذا المحور المرجعي وبين الاخر ، وذلك تبعاً لاستحكام منطق السنخية الذي اتخذه النظام الوجودي كأصل مولد للانتاج والفهم المعرفي ، مثلما اوضحنا ذلك في كتاب >مدخل الى فهم الاسلام< .
على ان >الاخر<>الاخر<>
ويمكن تلخيص هذه العلاقات الثلاث بالاخر بأنها علاقة وجود ، وعلاقة ادراك ، وعلاقة تنزيل بحسب الرتب التفاضلية . حيث يكون للذات علاقتها الوجودية بالاخر ، وكذا علمها به ، وايجادها وتكوينها له . فالذات في العلاقة الاولى هي محض الوجود ، وفي الثانية محض العقل ، وفي الثالثة محض العلة والاصل .
وهذا التقسيم الثلاثي للرؤية الوجودية يناسب التصور الذي تطرحه كل من الرؤيتين الفلسفية والعرفانية . فعلى صعيد الرؤية الفلسفية ان الذات الالهية او الوجود المحض لا علاقة لها بالتنزيل الا من حيث العلم ، فالعلم الالهي هو سبب الوجود النازل ، ولولا هذا العلم ما كانت هناك رابطة بين العالمين الذات وما يصدر عنها ، بل ولا كان هناك تنزيل قط .
أما بحسب الرؤية العرفانية فهناك ثلاث حضرات الهية ، وهي حضرة الذات وحضرة الصفات وحضرة الربوبية او الافعال ، والاولى هي الذات بغض النظر عن كل شيء ، والثانية هي الحضرة العلمية ، حيث ان العلم هو اول ما تعينت به الذات ، ذلك انها مقارنة مع الحضرة الاولى هو انه لا يمكن ان نتصور وجودها من غير تلك الحضرة ، والعكس ليس صحيحاً . ومثلما ان الحضرة العلمية او الصفات تتقوم بحضرة الذات ، فان الحضرة الربوبية تعتمد بدورها على الحضرة العلمية ، وكأنها سبب لها ، باعتبارها تتضمن التنزيل . فهذا المعنى نجده عند ابن عربي الذي اعتبر مراتب الوجود هي هذه الحضرات الثلاث ، اولاها: المرتبة الاحدية التي لا وصف لها ولا اسم ولا رسم فهي في عماء كما جاء في بعض الاحاديث . اما الثانية فهي المرتبة الواحدية او الالهية ، والتي هي حضرة الاسماء والصفات السبعة وعلى رأسها صفة العلم ، حيث ان اول تعينات الذات الالهية او الاحدية هي علمها بذاتها ، وصفة العلم لها مقام الامام بالنسبة الى بقية الصفات . فالعلم متقدم على الارادة والقدرة والكلام والسمع والبصر . وحتى صفة الحياة رغم انها متقدمة على العلم وجوداً فانها لا تستحق الامامة لتقدم العلم بالشرف ، حيث ان الحياة لا تظهر الا بالعلم والادراك ، فهي بالتالي كالشرط والاستعدادية 1. ثم ان العلم يقتضي وجود الاعيان الثابتة ، او حقائق الاشياء ، ومنه تظهر بقية الصفات كالقادرية والمشيئة والتكلم اياها وشهودها سمعاً وبصراً ومنها يتبين دور ما يأتي من مرتبة الربوبية 2.
هذه هي المحاور الثلاثة التي يمكن من خلالها تحديد الرؤية داخل اطار النظام الوجودي ، ابتداء من مبدأ الوجود الاول وحتى اخر مرتبة وجودية؛ تلك التي يعبر عنها بالهيولى او المادة . بل انها كفيلة ايضاً بأن تحدد لنا معالم الفهم الديني تبعاً لمنطق السنخية ، وعلى رأس ذلك الفهم الخاص باصول الدين .
اذن نحن مع ثلاث علاقات ينبغي بحثها على التوالي . ففي دراستنا سنجد ان العلاقة الاولى تعمل - لدى النظام الوجودي - على بلورة فهمنا لمعالم التوحيد ، وان العلاقة الثانية تضفي ابعاداً معرفية على كيفية فهمنا لطبيعة النبوة ونظيرتها الولاية ، وان العلاقة الثالثة يتحدد بموجبها فهم المعاد . يضاف الى ان فهم النص هو الاخر قد تم تحديده وتشكيله بحسب ما هو مقدم من الرؤية الوجودية لتلك العلاقات ، وذلك تبعاًً لحاكمية الاصل المعرفي المولد >السنخية< .
وفي هذه الحلقة لا يسعنا الا بحث العلاقة الاولى ، على ان نتبعها بالاخريتين في الاعداد القادمة ، ومن ثم نتطرق الى الكيفية التي اجراها النظام الوجودي في فهمه وتفسيره للنص ، وذلك من اجل تشكيل رؤية واضحة عن طبيعة المنهج الذي سلكه النظام الوجودي في تصويره للحقائق الموضوعية ، وكذلك فهمه للقضايا الدينية .
تمهيد
لقد شغل مبحث الوجود لدى الفلاسفة المسلمين مكانة هامة ، خصوصاً ان الفلسفة تعنى - كما في تعريف الفارابي لها - بالبحث في الموجودات بما هي موجودة 3. وقد اتخذه المتأخرون من الفلاسفة اهم المباحث التي يعول عليها في تحديد قضاياهم الفلسفية . فكان على ذلك اول المباحث التي يعتنى بالبحث فيها .
ان >الوجود<>الله< . فهذا الاصطلاح يحمل العديد من الدلالات الفلسفية المفيدة ، ولهذا الغرض ادخله الفلاسفة المتقدمون ضمن المنظومة الفلسفية مع اعترافهم بانه مفهوم مجازي لا يكشف عن طبيعة الهوية الالهية . هكذا بدا الحال في اول الامر كالذي يدلي به ابن سينا على ما سيمر علينا . لكن هذا المفهوم تعدى التعبير المجازي ليتخذ فيما بعد صفة الحقيقة الفعلية عند المتأخرين ، بل وحتى عند المتقدمين احياناً ، وذلك بغية التخلص من عدد من الاشكالات الفلسفية ، طالما ان الفلاسفة محكومون بالتعبير عن الاشياء ضمن الحصر المألوف بين الوجود والماهية ، فالشيء هو إما ان يكون وجوداً او ماهية ، واذا كان من المحال وصف مبدأ الوجود بالماهية ، فانه لا محالة ان يكون وجوداً . فشهاب الدين السهروردي رغم انه يرى بان حقائق الاشياء تعبر عن كونها ماهيات وليست وجودات ، فالوجود عنده اعتباري ذهني محض ، لكن كما ينقل عنه انه يستثني من الامر مبدأ الوجود الاول وذلك ليتخلص من الاشكالات التي يمكن ان ترد فيما لو اعتبر هذا المبدأ ماهية . وقد توسع الامر لدى صدر المتألهين >المتوفي سنة 0 5 0 1هـ< ، حيث انه تجاوز المفارقة التي سقط فيها السهروردي ، وهي المفارقة التي تجعل وجود نوعين من الطبيعة يختلفان كل الاختلاف ، وهي طبيعة العالم العلوي الذي حقيقته الوجود ، وطبيعة العالم السفلي الذي حقيقته الماهية . وبالتالي فمن حيث ركيزة قانون السنخية لم يتقبل هذه المفارقة ، فالكل إما ان يكون وجوداً او ماهية ، واذا كان الاصل وجوداً فان ما يصدر عنه يتحتم ان يكون وجوداً هو الاخر . وبذلك اصبح القول باصالة الوجود من المسلمات الفلسفية لدى المتأخرين . الامر الذي جعل كتبهم تنطبع بهذا الطابع من البحث حول الوجود ومراتبه وعلاقاته تبعاً لذلك القانون . لكن علينا اولاً ان نبحث حقيقة ما يقصده الفلاسفة من الوجود وعلاقته بالماهية قبل الخوض في الشؤون الاخرى المترتبة عن ذلك .
مفهوم الوجود وتحديد العلاقة الوجودية
يلاحظ ان المتأخرين من رواد النظام الوجودي قد بحثوا العلاقة الكائنة بين الوجود والماهية؛ سواء فيما يتعلق بمبدأ الوجود الاول المطلق عليه >واجب الوجود< ، او ما يتعلق بالممكنات الصادرة عنه . لكن البحث عندهم اخذ نوعاً من التفكيك بين المطلبين ، واحياناً فان النتائج التي ترتبت على ذلك كانت نتائج مختلفة لعدد من المبررات كما سنطلع على ذلك . بل ان الامر قد اضطرهم في الكثير من الاحيان الى الانسياق نحو التعويل على مفهوم الوجود ضمن معان متعددة لا تخلو من غموض والتباس . وسنرى انه في السياقين من البحث ، اي سواء فيما يتعلق الامر ببحث حقيقة واجب الوجود ، او بحث حقيقة ما عليه الممكنات الموجودة ، نجد هناك من النصوص المصرح بها ما يجعل المفهوم الذي يتحدثون عنه انما هو مفهوم متعدد يراد منه معان تتضارب مدلولاتها احياناً .
وقبل الدخول في البحث عن حقيقة ما عليه الشيء الخارجي إن كان ماهية او وجوداً ، ضمن الخلاف الفلسفي المعروف ، لابد من التعرف على معاني كل من هذين المفهومين .
معنى الوجود والماهية
ذُكر ان المقصود بالماهية هو انها تطلق على معنيين: احدهما ما به الشيء هو هو ، وهي بهذا المعنى قد تطلق على نفس الوجود ايضاً ، فيعبر بانها نفس الإنية او تأكد الوجود 4، بذلك تتخذ طابع الاعم ، فكما تطلق على الوجود تطلق على غيره . لكن ما يراد من المعنى الاخر الذي يقابل الوجود - في محل النزاع - هو ما تكون في جواب >ما هو<>الكلي الطبيعي< . وبنظر بعض القائلين باصالة الوجود فان الماهية تطلق في ثلاثة موارد مختلفة كالاتي 5:
1 ــ اما ان تكون إنية ، اي محض وجود كما في الباري تعالى ، حيث ماهيته عين إنيته ووجوده .
2 ــ او تكون غير إنية ولا مأخوذة بشيء معها ، وبهذا الشكل تصبح على هيئة ما هي الا هي ، دون ان تكون موجودة بالوجود ، فمفهومها هنا محض اعتبار ذهني لكونها غير متعلقة بذلك الوجود .
3 ــ او انها غير إنية ، لكنها مأخوذة بشيء مع الانية ، ككونها تابعة في وجودها بالعرض للوجود .
فالماهية على ذلك إما ان تكون محض وجود او تابعة له استناداً الى اصالته في العين ، او هي محض اعتبار لا وجود لها بأي شكل من الاشكال .
أما الوجود فكما ذكر صدر المتألهين انه يطلق بالاشتراك على ثلاثة معان كالاتي:
الاول: ذات الشيء وحقيقته ، وهو الذي يطرد العدم وينافيه . والوجود بهذا المعنى يطلق على الواجب تعالى .
والثاني: المعنى المصدري الانتزاعي المعبر عنه في لغة فارس >به هستى وبودن< .
والثالث: معنى الوجدان والنيل .
وعلى رأي البعض ان اطلاق الوجود بالمعنى الاول على الواجب تعالى حقيقة عند الحكماء وكثير من المشايخ الموحدين كالشيخين محي الدين الاعرابي وصدر الدين القونوي وصاحب >العروة< 6.
ويمكن القول انه بعد حذف المعنى الاخير للوجود ، لعدم اهميته الدلالية على المقاصد الفلسفية ، يظل المعنيان الاول والثاني هما مورد البحث . فهناك المعنى الانتزاعي العام ، وهو الذي ينتزع من الاشياء في الخارج ، كانتزاع المعاني المصدرية العامة مثل الشيئية والممكنية والحيوانية وغير ذلك من المفاهيم الذهنية المصدرية . ويضاف اليه المعنى الذي يراد به ما يقابل العدم ، وهو بهذا المعنى له حقيقة واحدة هي عبارة عن محض التحصل والثبوت والكون والتحقق والفعل والصيرورة في الاعيان 7. وكمقارنة بين هذين المعنيين حدد صدر المتألهين الوجود الذي يقابل العدم بان حقيقته لا تحصل بكنهها في ذهن من الاذهان ، حيث انه ليس امراً كلياً ، فوجود كل موجود هو عينه الخارجي ، والخارجي لا يمكن ان يكون ذهنياً . أما المتصور من الوجود فهو مفهوم عام ذهني منتزع؛ يقال له الوجود الانتسابي الذي يكون في القضايا ، والعلم بحقيقة الوجود لا يكون الا حضوراً اشراقياً وشهوداً عينياً ، وحينئذ لا يبقى الشك في هويته 8. وفي تعبير له يرى ان مفهوم الوجود هو نفس التحقق والصيرورة في الاعيان ، كما انه في الاذهان ايضاً ، اذ هو مفهوم عام بديهي التصور ويكون عنواناً لحقيقة نورية . والوجود هو ابسط من كل شيء واول كل تصور ، فهو متصور بذاته بحيث لا يمكن تعريفه بما هو اجلى منه لفرط ظهوره وبساطته . واذا اريد تصويره فانما لاجل التنبيه والاخطار ، وذلك عن طريق الاسماء المرادفة له كالثابت والحاصل وغير ذلك ، ومفهومه معنى عام واحد مشترك بين الموجودات 9. لذلك فان بعض العرفاء منع تعريفه لبداهة تصوره وبساطته من اي شيء اخر 0 1.
ولا شك ان هذا المعنى من الوجود هو على الضد من ذلك المعنى الذي يشكل قضية ذهنية او مقولة منطقية ، وهو يشابه المعنى الذي لجأ اليه بعض المفكرين الغربيين من امثال هايدجر الذي اعاب معالجة الوجود بحسب وصفه كقضية او مقولة ذهنية ، انما اخذ بمعالجته على النحو الفينومينولوجي المعتمد على الاتصال المباشر بالمعطيات الخارجية ، فالوجود عنده ليس غير تلك الكينونة التي ندركها مباشرة بلا واسطة . ومنه يفهم كيف ان كوجيتو ديكارت >انا افكر فانا موجود<>
والواقع ان المعنى الانتزاعي للوجود منتزع عن المعنى الذي يقابل العدم ، فلولا هذا المعنى الخاص ما كان ذلك المعنى ، فنفهم ان الاول عنوان للاخر ، والاخر معنون له . واذا كان الفلاسفة قد اتفقوا بخصوص المعنى العام للوجود من كونه اعتبارياً لا حقيقة له في الخارج ، فانهم اختلفوا حول معناه الاخر إن كان له حقيقة خارجية ام لا؟ وقد آل اغلب المتأخرين الى الاعتقاد بحقيقته واصالته في العين ، في حين ذهب القليل منهم الى اعتبار الماهية هي الحقيقة العينية ، كما هو الحال عند الشيخ السهروردي والمحقق الدواني والسيد باقر الداماد ، ولم يتجرأ احد ان يقول باصالة اشتراك الوجود والماهية معاً في العين ، اذا ما استثنينا شيخ الطريقة الاحسائي ومن بعده الشيخ هادي النجفي 1 1، لعدة اعتبارات اهمها: ان القول بالاشتراك يعني كون الامر الواحد يصبح شيئين متباينين ، وهذا ما يؤدي ايضاً الى التركيب في العقل الاول الذي صدر عن الحق تعالى ، فضلاً ان ذلك يفضي الى ان لا يكون الوجود عبارة عن نفس تحقق الماهية وكونها 2 1.
لذا فمن قال باصالة الماهية ، اعتبر الوجود لا حقيقة له خارجاً ، واكتفى بعدّه من المفاهيم الذهنية المنتزعة عن الماهيات في العين . وكذا من قال باصلة الوجود؛ اعتبر الماهية لا حقيقة لها خارجاً بحسب الذات ، واكتفى ان يضفي عليها صفة الاعتبار والانتزاع الذهني ، اذا ما أُخذت في حد ذاتها ، والا فقد قُدّر لها ان تكون موجودة بالعرض والتبع للوجود .
على ان التحقق الخارجي للوجود الذي جاء بمعنى الكون والحصول والثبوت قد افاد في حل الكثير من المشكلات الفلسفية ، ولا شك ان المقصود به يقابل معنى الماهية ، اي ان الماهية من حيث ذاتها لا توصف بالوجود والعدم ، انما توصف بالوجود عندما يكون لها تحصل وفعلية . لكن مع هذا فهناك معنى اخر مختلف تردد لدى نفس من يقول بالمعنى الاول ، حيث يقصد به هذه المرة بأنه عين الماهية عند تحققها ، الامر الذي يجعل بينها وبينه نوعاً من السنخية والشبه ، اذ تكون ظلاً له في عالم التصور والتحليل ، لكنها عينه في عالم التحقق والتشخص . اي ان للماهية اعتبارين؛ احدهما تعبر فيه عن نفس الوجود عند تحققها ، والاخر لا تعبر عن الوجود لكونها من حيث ذاتها لا توصف بالوجود والعدم .
هكذا لدينا معنيان للوجود ، احدهما له دلالة فعلية او كونية ، حيث يشير الى الكون والفعل والتحقق ، والاخر له دلالة ذاتية لانه يشير الى معنى الذات او الهوية والماهية . ولكل من المعنيين فائدته الاستثمارية .
اذن المهمة الاولى التي يجب التحقيق فيها هي اثبات ان هناك معنيين مرادين للوجود ، وذلك بذكر عدد من الاشارات والنصوص التي أوفانا بها احد ابرز القائلين باصالة الوجود واهم المنظرين للفلسفة ، وهو صدر المتألهين الشيرازي . ثم بعد ذلك سنتعرف على الاستثمارات الفلسفية التي تترتب على هذين المعنيين .
لنبدأ بالمعنى الاول كالاتي:
المعنى الفعلي للوجود
هناك العديد من النصوص التي ادلى بها صدر المتألهين وغيره تشهد على المعنى الفعلي والكوني للوجود في قبال الماهية . فهذا الفيلسوف كثيراً ما يعبر عن الوجود بأنه عبارة عن محض التحصل والفعلية 3 1. او انه ليس له في ذاته الا الحصول والفعلية والظهور 4 1. او الثبوت والتحقق والتشخص 5 1، وقد كان القيصري شارح >فصوص الحكم< style=""> 6 1، وهو بهذا المعنى لا يمكن ان يكون اعتبارياً 7 1. فبعض العرفاء يرى ان الوجود هو ما يتحقق به الشيء في الخارج ، ومن تعابيرهم انه عبارة عن الكون في الخارج 8 1. وعلى ما يرى العارف عبد الرزاق الكاشاني فان الوجود موجود بذاته لا بغيره ، بل هو المقوم لكل شيء سواه ، وهو غني بذاته عن كل شيء ، والكل مفتقر اليه 9 1. او هو عبارة عن حقيقة واحدة ونوع بسيط لا جنس له ولا فصل له ولا يعرض له الكلية والعموم والجزئية والخصوص ، وهو حقيقة واحدة مشتركة بين جميع الماهيات بالاتحاد بها ، فالوجود ظاهر بذاته بجميع انحاء الظهور ، ومظهر لغيره ، حيث به تظهر الماهيات 0 2، وهذه الاخيرة هي بحسب نفسها لا يحكم عليها بالانتساب الى غيرها ما لم يكن لها كون او وجود هي تكون به منسوبة الى مكونها وجاعلها ، وليس المقصود من الوجود الا ذلك الكون الذي لا يمكن تعقله وادراكه الا بالشهود الحضوري 1 2. وبالتالي فالوجود هو نفس ثبوت الماهية لا ثبوت شيء للماهية حتى يكون فرع ثبوت الماهية 2 2. او ان الوجود ليس الا كون الشيء لا كون الشيء لشيء 3 2. وان الماهية اذا كانت ، فكونها بعينها هو وجودها 4 2. فالوجود ليس ما به يوجد الشيء في الاعيان او في الاذهان ، اذ هو عبارة عن نفس تحقق الشيء وصيرورته في شيء منهما لا غير 5 2. او ان الوجود في كل شيء عين تشخصه ، وتشخصه عين وجوده ، فمفيض وجوده مفيض تشخصه 6 2. وكذا القول ان الوجود هو نفس صيرورة الشيء في الاعيان 7 2. وعليه فان مما يذكر في اصالة الوجود هو ان الفاعل يفيد الماهية المعدومة شيئاً حين تصير موجودة ، وليس هذا الشيء الا الوجود ، حيث لا تصير الماهية موجودة بغير الوجود 8 2.
والعلاقة بين الوجود والماهية لها نوع من الاتحاد ، حيث فيه يكون الوجود موجوداً بذاته وتكون الماهية موجودة بوجوده . اذ يمكن للعقل ان يحلل الموجود الى ماهية ووجود ، وفي هذا التحليل يفصل الوجود عن الماهية ويحكم بتقدمه عليها ، لكن من حيث الخارج او الناحية الموضوعية فان الاصل والموصوف هو الوجود لأنه الصادر عن الجاعل بالذات والماهية متحدة به محمولة عليه ، لكن لا كحمل العرضيات اللاحقة ، بل حملها عليه واتحادها به بحسب نفس هويته وذاته . وبذلك يكون الوجود اولى واسبق من الماهية وجوداً وحقيقة . ذلك انه لما كانت حقيقة كل شيء هي خصوصية وجوده التي تثبت له ، فالوجود اولى من ذلك الشيء ، بل من كل شيء ذي حقيقة ، كما ان البياض اولى بكونه ابيضاً مما ليس ببياض ويعرض له البياض ، فالوجود بذاته موجود وسائر الاشياء غير الوجود ليست بذواتها موجودة بل الوجودات العارضة لها . ومن ثم فان الوجود هو الموجود كما ان المضاف هو الاضافة ، لا ما يعرض لها من الجوهر والكم والكيف وغيرها كالاب والمساوي والمشابه وغير ذلك . ونُقل عن بهمنيار في >التحصيل<>وبالجملة فالوجود حقيقة انه في الاعيان لا غير وكيف لا يكون في الاعيان ما هذه حقيقته< 9 2. على ان اتصاف الماهية بالوجود امر عقلي ليس كاتصاف الشيء بالعوارض الخارجية كالجسم بالبياض ، فكون الماهية والوجود معاً في الواقع يعني كون الوجود بذاته موجوداً والماهية متحدة به وموجودة به لا بغيره ، حيث ان الفاعل اذا أفاد الماهية أفاد وجودها ، واذا أفاد الوجود أفاده بنفسه . وبهذا يكون الوجود متقدماً على الماهية ، وهذا التقدم ليس كتقدم العلة على المعلول حيث لا يوجد تأثير في مثل هذا الموضع ، وذلك لأن الماهية غير مجعولة حتى يلوحها التأثير والعلية . كما ان هذا التقدم ليس كتقدم القابل على المقبول ، بل انه كتقدم ما بالذات على ما بالعرض ، وما بالحقيقة على ما بالمجاز 0 3. وكما يقول السبزواري هو ان >المتقدم والمتأخر وإن كانا ماهية لكن ما فيه التقدم والتأخر هو الوجود الحقيقي< 1 3.
ولدى تحليل صدر المتألهين لمسألة نجاسة الكلب والكافر ، افاد بان في الامر شيئين ، احدهما وجوده ، والاخر ماهيته او ذاته ، فهو من حيث ماهيته التي هي بمعنى ذاته فانه نجس ، اما من حيث وجوده الذي هو بمعنى الكون فهو طاهر ليس بنجس 2 3.
كما سبق لنصير الدين الطوسي ان ميّز بين الوجود والماهية تبعاً لذلك المعنى ، وهو ان الماهية عبارة عن الذات والهوية ، وان الوجود عبارة عن كونها وتحققها . فقد جاء عنه وهو يحلل اعتبارات التكثر في الصدور ، انه اعتبر كون المعلول صادراً عن الاول يسمى وجوداً من حيث كونه صادراً ، ومن حيث كونه هوية لازمة لذلك الوجود فهو ماهية 3 3.
اذن نعلم مما سبق ان المقصود من الوجود هو ليس عبارة عن الماهية المتحققة ، بل هو تحقق الماهية ، او انه محض التحصل والتشخص والكينونة ، والذي به تكون الماهية موجودة ، فالمعنى المعطى للوجود هنا هو عين الفعل والكون وليس الذات والهوية ، او انه عين الاضافة وليس المضاف . وبهذا المعنى يحال ان نجد هناك اي نسبة شبه او حكاية بين الوجود والماهية ، فليس هناك اي معنى من معان الشبه والظلية بين معنى الذات من جهة وبين معنى الفعل والكون والحصول من جهة اخرى .
المعنى الذاتي للوجود
في قبال المعنى السابق يظهر لنا معنى اخر مختلف ، اذ فيه يكون الوجود عين الذات المتحققة وليس الفعل والكون ، وبه تتحقق صورة شبحية الماهية وحكايتها له ، فصورتنا الذهنية للذات المتشخصة في الخارج تحاكي ما هي عليه ، وبالتالي فان الماهية الذهنية تطابق ما عليه الوجود الخارجي . وبهذا المعنى تكون الماهية في الخارج هي عين الوجود لا غير ، وذلك خلافاً للمعنى الاول ، فالنار كصورة ذهنية مثلاً هي ماهية محضة ، لكنها كحقيقة خارجية تكون ماهية متشخصة ، فالصورة والحقيقة الخارجية كلاهما يمكن تسميتهما بالماهية ، سوى انها في الخارج لها اثارها الفعلية بخلاف ما هي عليه في الذهن ، لهذا يطلق عليها الوجود في الخارج دون الذهن ، باعتبارها غير موجودة الا بحسب الوجود الذهني ، وهو نحو من الوجود . فهذا هو معنى كون الوجود عين الماهية في الخارج . لكن بهذا المعنى يفضي الخلاف بين القائلين باصالة الماهية واصالة الوجود الى خلاف لفظي كما سنعرف .
ومن دلالات هذا المعنى هو ان صدر المتألهين اعتبر الوجود هو الاصل والماهية تبعاً له كاتّباع الظل للشخص ، والشبح لذي الشبح من غير تأثر وتأثير ، فالوجود موجود في نفسه بالذات ، والماهية موجودة بالوجود او بالعرض ، وبهذا الاتحاد متحدان 4 3. ومثّل على ذلك بوجود الصور في المرايا حيث وجودها بالعرض بتبعية الأشخاص ، ووجودها على سبيل الحكاية في الخارج ، وكذا الأمر بالنسبة للماهية او الكلي الطبيعي ، اذ انها بحسب ذاتها ليست موجودة وما شمت رائحة الوجود ، ولكنها من حيث نسبتها الى الوجود فهي موجودة بالعرض لأنها تمثل حكاية الوجود ، ليست معدومة مطلقاً ولا موجودة من حيث الأصل بل وجودها ظلي تابع للوجود 5 3. وانطلاقاً من هذا المعنى اعتبر ان اي نحو من انحاء الوجود تتبعه ماهية خاصة من الماهيات ، وذلك كتابعية الصورة الواقعة في المرآة للصورة المحاذية لها . فكما ان الظل يوجد بوجود ذي الظل ويتقدر بتقدره ويتشكل بتشكله ويتكيف بتكيفه ويتحرك بتحركه ويسكن بسكونه ، وما الى ذلك من الاوصاف التي تتعلق بها الرؤية ، وذلك عن طريق الحكاية والتخيل وليس الاصالة والحقيقة ، فكذا حال الماهية بالقياس الى الوجود وتوابعه ، حيث ان الماهية هي نفسها خيال الوجود وانعكاسه الذي يظهر منه في المدارك العقلية والحسية ، وعليه يتقرر الامر عند صدر المتألهين ما ذهب اليه المحققون من العرفاء من ان العالم كله خيال في خيال 6 3.
ومن تصريحاته التي تفيد كون الوجود هو نفس الماهية قوله: >الوجود عين الماهية خارجاً وغيرها ذهناً< ، وكذا: >الوجود عين الماهية على تقدير العينية فلم يكن بينهما اتصاف بالحقيقة وغيرها< ، وايضاً: >ثبت كون وجود كل ممكن عين ماهيته في العين< ، ومثله: >الوجود نفس الماهية عيناً< ، كذلك قوله: ان كلاً من الماهية والوجود >غير الآخر حسب المعنى عند التحليل الذهني مع اتحادهما ذاتاً وهوية في نفس الامر< 7 3.
اذن يلاحظ ان هذا المعنى هو ليس كالمعنى الاول الذي يفيد الفعلية والصيرورة . مع هذا فهناك نصوص قد تكون قابلة لان تفهم بحسب المعنى الاول او المعنى الثاني . وربما ان بعض النصوص التي طرحناها ما يقبل الفهم الاخر ، وذلك لدقة المعاني وتقاربها ولوجود عدد من المشتركات بين المعنيين ، رغم التعارض بينهما ، فاحدهما يعطي دلالة الفعل والكون والثبوت ، والاخر يعطي دلالة الذات والماهية الخارجية ، اي احدهما يعبر عن الوجود بانه كون الماهية وثبوتها وتحققها خارجاً ، والاخر يعبر عنه بانه ذات الماهية خارجاً . واذا كان المعنى الاخير يفضي الى ان تصبح العلاقة بين الوجود وبين الماهية غير المتحققة هي علاقة شيء بصورته ، احدهما يحاكي الاخر ، فانه بحسب المعنى الاول لا يمكن ان نتصور اي علاقة شبه ومحاكاة بين الامرين ، حيث يكون الوجود فعلاً وكينونة ، وتكون الماهية ذاتاً وهوية . لكن يظل ان المشترك في المعنيين >الفعلي والذاتي<>
***
ما ننتهي اليه هو ان هناك تردداً فعلياً في تصور امر الوجود ، لا بحسب فهمنا لنصوص المتأخرين من الفلاسفة ، وانما لاعتبارات توظيفية ، فتارة يراد من الوجود ان يستدل به على بعض القضايا التي تتسق مع معنى الفعلية من الكون والصيرورة ، واخرى يراد له الاستدلال على قضايا تتسق مع معنى الذاتية او الماهية ، ولا شك ان بين المفهومين بوناً شاسعاً ، لكن شاء المتأخرون ان يقعوا في عدد من المفارقات عندما وجدوا انفسهم امام محاولات للتوفيق بين الرؤية الوجودية وبين القضايا الاسلامية . ومن ذلك تظهر المفارقات التي تتعلق بالمبدأ الاول وعلاقته بالماهيات او الاعيان الثابتة ، حيث انه كثيراً ما ينفى ان يكون بينهما نوع من الشبه والتشاكل ، مع انها تعد صور الاشياء ، وان هناك تشاكلاً فيما بينها وبين الاشياء ، كما ان المبدأ الاول هو عبارة عن صور كل هذه الاشياء فكيف لا يكون هناك شبه وتشاكل بينهما؟! ولو اردنا تبرير ذلك لوجدنا ان التبرير جاهز من حيث النظر الى حمل الوجود بالمعنى الاول فحسب . فالتوظيف الفلسفي تارة يتكئ على الوجود بمعناه الاول الدال على الفعلية والتحقق ، كالذي يتعلق بعدد من المباحث الخاصة بمبدأ الوجود الاول ، واخرى ان هذا التوظيف يتكئ على الوجود بمعناه الثاني >الذاتي< ، كالذي سنطلع عليه فيما بعد .
تطور مفهوم الوجود
الذي يتتبع النصوص الفلسفية التي تخص علاقة الوجود بالحقيقة الالهية يجد ان هناك تطوراًً في المقصود من اطلاق مفهوم الوجود بالمعنى الفعلي على تلك الحقيقة ، اذ بدأ المفهوم وهو يحمل بعض الاضطراب ، فتارة يراد منه المجاز صراحة ، واخرى قد يراد منه الحقيقة ، وعلى ما يبدو ان الاوائل لم يسعهم الا التعويل على المعنى المجازي ، ثم تطور الحال حتى انتهى الى معناه الحقيقي الذي يراد به محض التحقق والكون والثبوت . وما علينا الا ان نرصد تجليات هذا الاختلاف والتحول ، وذلك قبل ان نتعرف على اثر ما استقر عليه الامر في فهم العلاقة التي تربطه بالممكنات تبعاً للاصل المولد الوجودي >السنخية< . فما هي حقيقة مبدأ الوجود الاول بحسب النظر الفلسفي الوجودي؟ وكيف انقلب وصف هذه الحقيقة من التعبيرات المجازية الى الحقيقية؟
ما سنشهده فعلاً هو ان لفظ الوجود الذي استخدم في وصف المبدأ الاول كان لفظاً مسلماً به لدى الفلاسفة المسلمين وإن ابدى تعارضاً في المعنى المراد منه . وقد يكون هذا التعارض ناشئاً منذ البداية كدلالة على الالتباس في اصل الوضع والمعنى ، وإن كان المرجح انه في اول الامر ظهر المفهوم مجازياً قبل ان يتخذ ليدل على المعنى الحقيقي الفعلي ، وهو المعنى الذي تلقفه الفلاسفة المتأخرون غير آبهين بما عوّل عليه المتقدمون من المعنى المجازي . ويظل ان لكل من الفريقين مبرراته الفلسفية .
هناك الكثير من العبارات الدالة على اعتبار المبدأ الاول محض الوجود والثبوت ، وسبق للفارابي >المتوفي سنة 9 3 3هـ<>فصوص الحكم<>فكل ما هويته غير ماهيته وغير المقومات لماهيته فهويته عن غيره ، وينتهي الى مبدأ لا ماهية له مباينة للهوية< 8 3. وكان ابن سينا يصرح بان وجود المبدأ الاول هو نفس حقيقته وان ماهيته لا تكون غير انيته 9 3. وكذا كان الغزالي يقول: >وحقيقته تعالى محض الوجود< 0 4، ويقول ايضاً: >وحقيقة ذات الاول هو انه وجود بلا ماهية زائدة على الوجود ، وان انيته وماهيته واحدة< ، ومثل ذلك قوله: >ان حقيقته الوجود المحض< 1 4.
تلك كانت بعض النصوص التي وصفت المبدأ الاول بالوجود المحض . لكن مع لحاظ ان هذا الوصف قد لا يراد به المعنى الحقيقي الذي آل اليه المتأخرون . فاحياناً يضطر الفيلسوف الى اتخاذ هذا اللفظ والتعبير حيث لا يجد لفظاً اخر انسب منه . ومن ذلك ان رئيس الفلاسفة >ابن سينا< style=""> 2 4. كما سلك جماعة من المتأخرين نفس المسلك الذي كان عليه ابن سينا ، فاطلقوا الوجود على الحق تعالى بضرب من الاصطلاح وكاشارة الى حقيقته المجهولة الكنه 3 4. وكذا نجد من المحققين من يعتبر ان اطلاق الوصف عليه تعالى بالوجود انما هو لضيق العبارة 4 4، ومن هؤلاء ابن عربي الذي صرح في >الفتوحات<>ان اطلاقنا عليه الوجود من ضيق العبارة وقصورها ، والمقصود سلب العدم منه ، لان حقيقة وجوده لا تقبل التصور< 5 4.
اضافة الى ان بعضاً آخر فسر هذا الوصف بان ما يقصد به هو انه مبدأ للاثار فحسب 6 4. ولعل المعبرين عنه تعالى بقصد مبدأ الاثار؛ لم يجدوا ما يمكن ان يدركوا منه سوى تلك الصفة ، حتى ان صدر المتألهين رغم ما عرف عنه من كلمات يشير فيها الى مكاشفة ذات الحق - كما سنرى - فانه اعترف في بعض كلماته بما يشير الى ذلك الجهل عدا ما ذكرنا ، فأقر بان كنه ذات الواجب وهويته لم تكن معلومة لاحد غيره ، واعتبر ان ما معلوم منه انما هو صفاته المختصة كالالهية والقيومية والخالقية المطلقة باعتبارها مفهومات كلية متعلقة بذوات الممكنات وهياكل الماهيات التي هي بمنزلة صفحات وسطوح مصقولة تقع عليها اشعة تلك الصفات الفائضة من نور الحق تعالى . فبهذا السبيل اجاز للعقل ان يتصور الصفات الالهية الاضافية ويدل عليها بالفاظ موضوعة لمعانيها الخاصة ، فيكون بذلك مدركاً لذات الحق ، حيث الصفات لا تنشأ الا من هذه الذات . والنتيجة التي يخلص اليها ذلك الحكيم هي استحالة معرفة الذات الاحدية مع قطع النظر عن النسب والاضافات ، حيث تعقّل الحق باعتبار ذاته بذاته مستحيل ، ولكن تعقله باعتباره قيوماً للعالم ومبدأ الموجودات وخالق ما في السماوات والارض ، فهو جائز لان للعقل سبيلاً الى اكتناه هذه المعاني ، وكذا الحال مع تعقله من حيث سلب الكثرة عنه والاشتراك ، فهو ممكن ايضاً 7 4.
فلعل المعنى السابق هو نفسه الذي اختلج في اذهان الفلاسفة ، فعبروا عن الحق تعالى بالوجود كاشارة تشير الى الجهل بحقيقة كنهه وترمز الى انحسار المعرفة بكونه مبدأً للاثار فحسب .
وواقع الامر اننا نصادف هنا ذات المعنيين للوجود كما اشرنا اليهما سلفاً ، وهما المعنى الفعلي والذاتي ، وذلك كوصف لحقيقة المبدأ الاول . بل نجد ذات التردد يلوح لدى صدر المتألهين ، فتارة انه يريد المعنى الفعلي ، واخرى يريد المعنى الذاتي ، لكنه في كلا الحالين يستفيد من المعنيين في توظيفه لحل المشكلات الفلسفية .
والبعض لم يتقبل اعتبار المبدأ الاول محض الوجود بالمعنى الفعلي الدال على الكون والثبوت والحصول ، انما وصفه بالماهية والذات خروجاً عن المألوف الفلسفي ، الامر الذي جعل بعض الفلاسفة يرد عليه انتصاراً لذلك المعنى . فالمحقق الدواني لم يستسغ نفي الماهية بمعنى الذات عن المبدأ الاول ، وأشكل على كلام السيد الصدر الذي صرح بنفي الماهية مطلقاً عن هذا المبدأ ، وقال في رده: >إن أراد انه لا ذات له فهو ظاهر البطلان ، وإن أراد ان له ذاتاً ، لكن لا تسمى ماهية بحسب الاصطلاح فهو بحث لفظي ، فان من يقول: ان حقيقته وماهيته هو الوجود القائم انما يريد به المعنى الذي يريد به من الذات ، فلا يبقى المباحثة الا في اللفظ< . الا ان هذا الاشكال لم يرض صدر المتألهين فرد عليه معتبراً ان المراد من واجب الوجود هو انه ليس له ماهية كلية ، انما له هوية شخصية يعبر عنها تارة بالوجود الصرف واخرى بالوجود البحت او الوجود او التشخص او الواجب البحت >فان الماهية للشيء هي التي يتصورها الذهن بعد تجريد ها عن الوجود والتشخص ، ويعرض لها الكلية والاشتراك ، وحقيقة الوجود هي عين الهوية الشخصية لا يمكن تصورها ولا يمكن العلم بها الا بنحو الشهود الحضوري . فهذا معنى قولهم >لا مهية له<>ذات الباري موجود خاص<>وبالجملة فالقول بان ذاته تعالى هو الموجود البحت صحيح ، اذا اريد به حقيقة الوجود ، فان للوجود حقيقة وهو بنفسه موجود وغيره به موجود ، كما ان للبياض حقيقة وهو بنفسه ابيض وغيره به ابيض< 8 4.
ومع ان النصوص التي ستأتينا لصدر المتألهين تجعله يلتزم اعتبار الحقيقة الالهية بانها محض الوجود بمعنى الكون والفعلية ، لكنه مع هذا يخرج عن هذا الطور احياناً ليصب في المعنى الذاتي لمفهوم الوجود ، فيعبّر عن الحقيقة الالهية بانها جسم الهي لا كالاجسام 9 4، او انه نور حقيقي هو اشرف مراتب الانوار ، باعتباره ظاهراً بذاته ومظهراً لغيره ، وما هذا النور الحسي الا رتبة متدنية وناقصة من ذلك النور الكامل الذي يظهر به كل شيء 0 5. بل ويتبع ابن عربي في جمعه بين التنزيه والتشبيه او تمسكه بالصفات الالهية من اليدين والعينين والمجيء وغيرها مما يتسق والمفهوم الذاتي للوجود ، فيعطي بذلك معنى الماهية للذات الالهية 1 5، مما يتنافى مع ما يدلي به في محل اخر من ان الصفات الالهية هي عين الذات لا غيرها ، وانها فوق كل حد ووصف . وايضاً نجد في بعض تعبيرات صدر المتألهين ما قد يفيد المعنى الذاتي للوجود كما يبدو ذلك في شرحه لكتاب >الكافي< ، حيث تعرض الى حديث روي عن الامام الصادق >ع<>اعلم ان الماهية لها معنيان احد هما ما بازاء الوجود كما يقال وجود الممكن زايد على ماهيته ، والماهية بهذا المعنى مما يعرضه العموم والاشتراك . فليست له ماهية بهذا المعنى . وثانيهما ما به الشيء هو هو ، وهذا يصح له< 2 5.
لكن على العموم يلاحظ ان الفلاسفة المتأخرين وعلى رأسهم صدر المتألهين ارادوا المعنى الفعلي من الوجود البحت في وصف مرتبة الواجب الحق ، ذلك انه اذا كانت الماهية في الممكنات لا توجد الا بالوجود وان الوجود موجود بذاته فان ذلك يعني ان المبدأ الاول لا يمكن تفكيكه عن الوجود البحت ، والا اصبح عروض الوجود عليه من الخارج مثلما هو الحال في الممكنات ، وهو محال . فهذا هو اهم ما يبرر الاحتفاظ بكون المبدأ الاول هو عين الوجود ، وان ماهيته لا تختلف عن وجوده . ولا شك ان لهذا المفهوم اغراض اساسية قام الفلاسفة بتوظيفه لاجل اثبات وحدة الحق وعينية الصفات للذات وتبرير وحدة الوجود كما سنعرف . فقد عبّر صدر المتآلهين عن هذا المعنى بالقول: >كيف لا تكون حقيقة الواجب القيوم صرف الوجود ومحض التقوم وهو ينبوع كل وجود< 3 5. وقوله: >ان الواجب بالذات يجب ان يكون متشحصاً بنفس حقيقته ، لا بأمر زائد عليه ، اي تكون حقيقته عبارة عن تشخصه كما انه عبارة عن نفس وجوده ، بل الوجود والتشخص امر واحد كما هو التحقيق< 4 5. وقوله: >ثبت ان الواجب تعالى هو الوجود البحت< 5 5. وقوله: >لا يتصور شيء أكمل واشرف من صرف الوجود المتأكد الذي هو فعلية محضة يستفيض منه سائر ماهيات الوجود وكمالات الوجود< 6 5. ومثل ذلك قال صاحب >الاقطاب القطبية<: >بل الحق ان وجوده نفس الكون والحصول ، لا ما به الكون والحصول ، حتى لا تفهم من قولهم >كان الله في الازل<>الله< ، ومعنى >الازل<>ع<: >لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر< 7 5.
اذن ان الفلاسفة حريصون على التأكيد بان الوجود الخارجي ، وعلى رأسه الحقيقة الالهية ، هو عبارة عن محض الكون والتحصل ، لكن يمكننا ان ندرك مصدر اغترار الفلاسفة بالوجود وقولهم باصالته وعينيته . فمرد الامر يعود الى البحث في حقيقة المبدأ الاول ، ذلك ان الوجود في غيره يعتبر خارجاً على ذاته وفائضاً عليه من الاول ، أما الاول فلا يمكن ان يكسبه من غيره ، والا تسلسل الحال ، كما لا يمكن ان يكون قريناً لذاته والا تعدد وتركب ، فلم يبق الا الحل الاخير وهو كون الوجود عين ذات الحق . فهذا الاغترار نجده في بعض النصوص المصرح بها لدى الفلاسفة والعرفاء ، فهناك نص لابن رشد يقول فيه وهو في معرض رده على بعض تهم الغزالي: >ان القوم لم يضعوا للاول وجوداً بلا ماهية ولا ماهية بلا وجود وانما اعتقدوا ان الوجود في المركب صفة زائدة على ذاته وان هذه الصفة انما استفادها من الفاعل . واعتقدوا فيما هو بسيط لا فاعل له ان هذه الصفة فيه ليست زائدة على الماهية ، وانه ليس له ماهية مغايرة للوجود ، لا انه لا ماهية له اصلاً< 8 5.
كما جاء على لسان بعض العارفين ما يؤكد ذلك الاغترار ، حيث يقول: >وكذلك الحكماء والصوفية؛ لما رأوا ان للوجود تقدماً ذاتياً على جميع الموجودات ، لانه إن فرض لشيء معية للوجود؛ فان شيئان يفرض تقدم احدهما ، فيحكم البتة بتقدم الوجود ، لان احاطته وانبساطه ازيد من احاطة جميع الامور المحيطة ، لان كل ما يعرض ، يعرض بنحو من الوجود سوى نفس الوجود ، فانه معروض بنفسه لا لغيره . وايضاً: اول ما يدرك من الاشياء بالبصيرة ما يعبر عنه بالثبوت والكون و- بودن - ومرادفاتها ، وبعد ذلك يدرك التشخص . وهذا الامر ، اعني الثبوت ومرادفاته ، زائد في الموجودات ، وحاصل من غيرها ، وفي الواجب ليس من غيره ، فيدرك هذا الامر في الواجب احق واقوم واولى ، بل ما يدرك من الواجب منحصر في هذا ، فاطلقوا عليه لفظ الوجود من غير ارادة المعنى اللغوي مع شائبة الوصفية ، بل اطلقوا عليه للتفهيم ، وللاشعار على ان المدرك من ذات الاقدس منحصر في هذا الامر< 9 5.
واذا كان العديد من المتأخرين السابقين لصدر المتألهين قد ذهبوا الى اصالة الماهية في الممكنات ، فما ذلك - على ما يبدو - الا لكون الوجود لا يعد مقوماً من مقومات الذات او الماهية ، ذلك انه يعرض عليها من الخارج ، بخلاف واجب الوجود الذي فيه تتحدد الماهية بالوجود فتكون ماهيته عين وجوده . ولتلك العلة ربما يكون القول باصالة الماهية لها سبق زماني على القول باصالة الوجود في الممكنات ، خاصة اذا علمنا ان من المتأخرين من يعدّ رئيس الفلاسفة ابن سينا ممن يذهب الى القول باصالة الماهية تعويلاً على بعض كلماته 0 6.
ومهما يكن الحال فان القول باصالة الوجود في مرتبة المبدأ الاول هو المسلم به عند الفلاسفة تعويلاً على ان ذاته عين الوجود من دون عارض ومعروض . وعليه يمكن ان نستوحي ونستنتج ان الاعتقاد باصالة الوجود في الممكنات متفرع في الاساس عن مقولة عينية الوجود للمبدأ الاول ، وذلك بطريق التناسب والسنخية ، فلا يصدر عن الوجود الا الوجود ، وهو الامر الذي التفت اليه صدر المتالهين مع انه كان من مريدي اصالة الماهية قبل ان تنكشف له الحقيقة الاخرى 1 6.
اذن نحن أمام مفارقة سنجدها حاضرة في طيات البحث ، حيث الالتزام تارة بالمعنى الفعلي >الكوني<>الماهوي<>
فهذه الموارد يختلف بعضها عن البعض الآخر في المترتبات ، اذ بحسب الوجود الذي بمعنى الكون والثبوت يصبح هناك تبرير للتفريق بين واجب الوجود وغيره من الممكنات؛ حين يقال ان واجب الوجود محض الوجود وماهيته عين وجوده بخلاف غيره اذ تكون ماهيته غير وجوده لا عينها ، ويستفاد من هذه التفرقة في حل بعض المشكلات المرتبطة بالمبدأ الاول ، لأن الفلاسفة ليسوا مستعدين للاخذ بزيادة الماهية على الوجود والا كان مركباً وبعضه يحتاج الى بعض آخر .
أما بحسب المعنى الآخر المراد به الذات المشخصة ، فإن تلك التفرقة تصبح لا مبرر لها ، حيث يصبح الكل ، سواء كان واجباً ام ممكناً ، وجوده عين ماهيته ، مادام يعني الذات المشخصة . ولو قيل ان الفارق بينهما عندما يراد بالماهية ذلك المفهوم الكلي القابل للتطبيق على الكثير من المصاديق ضمن النوع الواحد ، حيث انه يصدق على الممكن لا الواجب ، فيكون وجود الممكن غير ماهيته . . لقلنا ان التعميم في ذلك غير صحيح ، حيث ان العقول الطولية المفارقة كالعقل الاول وغيره هي من الافراد التي ليس لها ما يشاركها في المصداقية ضمن النوع الواحد ، فكل فرد منها يندرج في نوعه الخاص من غير مشارك ، وبالتالي فانها من هذه الجهة لا تختلف عن المبدأ الاول الذي لا يشاركه فرد اخر ضمن المرتبة التي هو فيها . ولو قيل ان جميع العقول الطولية تندرج ضمن ماهية مشتركة للعقل المفارق ، لقلنا ان ذلك يصدق على واجب الوجود ايضاً ، حيث يعتبر هو الاخر عقلاً لا يختلف عما دونه من حيث الصورة العقلية ، وإن كان اشرفها واكملها وجوداً .
هكذا فان لدينا ثلاث قضايا متنازع حولها لا قضيتين ، احداها القول بأصالة الوجود بمعنى الكون والثبوت . وثانيها القول باصالة الذات المشخصة التي يعبًر عنها بالوجود كما عرفنا ، كما يعبر عنها بالماهية احياناً أخرى . وثالثها القول بأصالة الماهية بالمعنى النوعي .
ومن حيث التوظيف يلاحظ انه إذا كان يمكن بحسب المعنى الاول للوجود اثبات المبدأ الاول - كما سنرى - واثبات عينية صفاته ونفي الشرك عنه ، فان المفهوم الآخر ليس بقادر على ذلك ، إذ ان اثبات ذات مشخصة لا ينفي اثبات ذات اخرى غيرها ، وهو ما قيل في شبهة ابن كمونة المعبر عنها بوجود ذاتين ينتزع منهما ماهية مشتركة ، او هويتين بسيطتين كل منهما عبارة عن موجود بسيط مستغن عن العلة مطلقاً 2 6.
نعم قد يجاب على ذلك بان ذات الواجب لما كانت عبارة عن كل الاشياء لذا لا يمكن فرض معها ذات اخرى . حيث كل ما يفترض من وجود ذات اخرى انما تكون داخلة ضمن الاشياء التي تحتويها ذات الحق . لكن من الواضح ان هذا الجواب يصادر على المطلوب ، حيث كيف نثبت ان ذات الواجب هي كل الاشياء بما في ذلك الذات الاخرى المفترضة ، وذلك انطلاقاً من المعنى الذاتي للوجود؟ فهذا ما لا يمكن اثباته على ما سنعرف فيما بعد . مع الاخذ بعين اعتبار ان مقولة كون الحق حاملاً لكمالات كل الاشياء هو اكثر تصوراً وقبولاً بحسب المعنى الذاتي للوجود مقارنة مع المعنى الفعلي له .
كما ان من مترتبات المعنى الفعلي للوجود هو سريان الوجود الواحد والمنبسط على كل الاشياء وعلى هياكل الماهيات ، فلعله الاقرب في التصور من سريان الذات المشخصة . كذلك فان من المترتبات على هذا المعنى هو التفرقة بين جانبي الخير والشر في الاكوان الناقصة والشرور العارضة ، حيث ان كل ممكن وحادث فيه هذان الجانبان من المعنى الفعلي للوجود والمعنى الذاتي له ، اي ذلك المعبر عنه بالماهية .
اما من مترتبات المعنى الذاتي للوجود فقد تمكن صدر المتألهين من تبرير اعتبار المبدأ الاول كل الاشياء ، حيث اقام التفرقة بين الماهية والوجود المحض تبعاً لصفة المحدودية ، فاعتبر المراد بالماهية هو كونها محدودة بحد خاص جامع مانع ، أما المراد بالوجود المحض فهو انه غير محدود بحد خاص جامع مانع بل هو شامل لكل الحدود والماهيات . . كل ذلك ليجيب على الشبهة القائلة ان اعتبار الحق تعالى عين ماهيات الاشياء يفضي الى اعتباره ماهية ايضاً 3 6. والواقع ان اضفاء صفة الحد على الماهية للاشياء لا يثبت محض الوجود لما هو غير محدود ، فقد يكون هذا الشيء عبارة عن ماهية غير محدودة ، واذا لم يجز نعت الماهية بصفة اللامحدود ، فمهما يكن فإنه لا يدل على محض الوجود الا على معنى الذات المشخصة التي تشترك في مفهومها العام لكل من الواجب والممكن على حد سواء . اذن هذا يصح لو اعتبرنا معنى الوجود هو الذات ، فتكون ذات الواجب ذاتاً حاوية على ماهية كل شيء مما يبرر قول الفلاسفة في كونه كل الاشياء ، وهو بالتالي جسم لا كالاجسام ، او هو عبارة عن نور الانوار ، حيث النور كما يرى السهروردي هو اشرف الموجودات ، وان اشرف الاجسام انورها 4 6، مما يعني انه لا يمكن تبرير هذه المقالة بحسب المعنى الفعلي للوجود .
على انه لابد من لحاظ ان اعتبار الحق نوراً ووجوداً في الوقت ذاته يعطي نوعاً من التماثل المعنوي مع بعض التمايز . فالنور والوجود كلاهما ظاهر بذاته ومظهر لغيره ، وهذا بيّن لا شك فيه ، وعلى خلافهما العدم والظلمة ، لذا فان العرفاء يصرحون بان النور هو الوجود والظلمة هي العدم 5 6. كذلك فان النور متصف بصفة التشكيك او الشدة والضعف ، وهو امر واضح ، وقد اعتبر الوجود هو الاخر يتصف بهذه الصفة كما هو الحال لدى صدر المتألهين واتباعه ، وربما يكون اطلاق التشكيك على الوجود مستمداً مما يلاحظ في النور . لكن نقطة الافتراق بينهما هي ان النور يظل من جنس الماهية او الطبيعة بخلاف الوجود الذي يحمل المعنى الكوني .
***
اذن في البحث عن اصالة الوجود والماهية هناك ثلاث اطروحات متنافسة ، احدها ترى ان الموجود هو الوجود بالمعنى الفعلي الذي يعني الكون والثبوت ، وثانيها ترى ان الموجود هو الوجود بالمعنى الذاتي الذي يعني الماهية المتشخصة او الذات او الهوية الجزئية ، أما الاطروحة الثالثة فهو القول باصالة الماهية بمعنى الكلي الطبيعي الافلاطوني . لكن ما يبدو هو ان الجدل الذي دار بين الفلاسفة المسلمين كان تركيزه على الاطروحتين الاولى والثالثة طبقاً لمنطق الرفض المتبادل باعتبارات بعضها يضاد البعض الاخر ، من غير مساس مشبع لنقاش الاطروحة الثانية وتمييزها بصورة كافية عن الاخريتين . فاصحاب القول بأصالة الوجود يردون على القائلين باصالة الماهية من موقع رفض الاطروحة الثالثة ، وكذا ان الاخيرين يردون على الاوائل من حيث رفض الاطروحة الاولى ، واعتبار الوجود معنى اعتبارياً عاماً منتزعاً عن الماهيات الخارجية . أما الاطروحة الثانية التي عبرنا عنها بالوجود الذاتي ، او الماهية المتشخصة في الخارج ، فانها في الكثير من الاحيان لم تتميز بشكل جلي عن معنى الكلي الطبيعي للاطروحة الثالثة ، وذلك لدى بعض المنظرين لاصالة الماهية ، وربما لهذا الاعتبار فان صدر المتألهين حمّل القائلين باصالة الماهية هذا المفهوم الكلي ، من غير ان يستند الى بعض الاشارات التي تدل على كون مرادهم هو الاطروحة الثانية لا الثالثة . كما ان هناك طرفاً مستحدثاً رابعاً سنرى انه يمثل الاصالة والحقيقة للموجودات الطبيعية .
مبررات اصالة الوجود
الملاحظ ان ما سلّم به الفلاسفة من كون المبدأ الاول محض الوجود؛ جاء من حيث التمييز بين نوعين من العلاقة للوجود ، احدهما يخص علاقته بهذا المبدأ ، والاخر يخص علاقته بالممكنات . ففي الممكنات هناك فرق جلي بين ماهية الممكن وبين وجوده العارض عليه من الخارج ، فمن حيث انه ماهية فانه لا يوصف بالوجود ، ومن حيث اعتباره موجوداً فهو ان ماهيته قد عرض عليها الوجود ، وهذا الحال لا يمكن تطبيقه على المبدأ الاول والا تسلسل الامر ، وبالتالي فلابد من اعتبار ماهيته عين وجوده ، او انه عبارة عن محض الوجود بلا عارض ولا معروض .
ولا شك ان هذا التقرير يثبت اصالة الوجود الفعلي سواء بالنسبة للمبدأ الاول ، او الممكنات . فمن حيث المبدأ الاول ان ماهيته لا يمكن عزلها وتجريدها عن وجوده والا افضى ان يكون كالممكن ممن يعرض عليه الوجود ، او يقترن به فيكون مركباً ، او ينتفي عنه فيكون عدماً ، او انه يكون محض الوجود فيحصل المطلوب . أما من حيث الممكنات فواضح من حيث التفرقة الحاصلة بين ماهية الممكن ووجوده ، حيث الماهية غير الوجود ، وبفضل الوجود وعروضه عليها تكون موجودة ، مما يعني ان الوجود هو الاصيل وليس الماهية .
على ان حكم الفلاسفة على المبدأ الاول بانه محض الوجود الفعلي هو في حد ذاته يبرر اصالة الوجود في الممكنات ، وذلك تبعاً لقانون السنخية والتناسب ، حيث لا يصدر عن الوجود المحض الا الوجود . وبالتالي فقد كان من المنتظر ان يسلم الفلاسفة بهذه الاصالة ، لكن واقع الحال غير ذلك ، اذ نجد هذه المفارقة لدى العديد منهم ، كالذي نُسب الى السهروردي ، حيث جمع بين اصالة الماهية في الموجودات الطبيعية وبين اعتبار المبدأ الاول وجوداً محضاً . ذلك انه دافع اشد الدفاع عن اصالة الماهية في الممكنات الطبيعية ولم ير حرجاً - فيما نُسب اليه - من تبني القول بحقيقة كون المبدأ الاول محض الوجود الفعلي ، بل واعترف صراحة بوجودية النفوس الانسانية وما فوقها من غير ماهية ، فوقع في تناقض صارخ كما نبّه على ذلك صدر المتألهين ، وهو ان السهرودي كيف حق له ان ينقد اصالة الوجود ويعدّه محض اعتبار مع انه قائل بوجودية المبدأ الاول وغيره من المفارقات والانوار 6 6. ذلك ان ما هو اعتباري كيف يمكن ان يكون نفسه في موضع اخر ليس اعتبارياً ، فاذا كان اعتبارياً في الممكنات الحدوثية فكيف يجوز ان لا يكون اعتبارياً في حق المبدأ الاول والمفارقات العليا؟!
اذن ان الاعتقاد بالسنخية لا يسمح بوجود حقيقتين مختلفتين في العين ، فاما ان يكون العين معبراً في الاصل عن الوجود فقط او ماهية فقط ، ولا يجوز الجمع بينهما الا على حساب هذا المولد الوجودي . وبالتالي فان القول بوجودية بعض المراتب وماهوية المراتب الاخرى ينطوي على هذه المفارقة . وهو الامر الذي دعا صدر المتألهين الى ان ينكر ان تكون الماهيات >الكلية< style=""> 7 6، فلا يصدر عن الوجود الا وجود ، كما لا تنشأ عن الماهية الا مثلها . وبعبارة اخرى ان الوجود الفعلي إما ان يكون عند الكل محض اعتبار وانتزاع ، او انه يكون عينياً من غير فصل بين بعض وبعض . اذ بحسب قانون السنخية لا يعقل ان يكون عينياً لدى البعض ، واعتبارياً لدى البعض الاخر . وبالتالي فانه حيث يكون عينياً لدى مبدأ الوجود الاول فانه لابد ان يكون عينياً ايضاً لدى سائر الممكنات والمحدثات .
مع هذا فان ما يبرر وقوع السهروردي في الحرج السابق واضطراره الى تلك المفارقة - على فرض صدق ما نُسب اليه - هو انه اراد التفرقة بين حقيقة الممكنات وبين المبدأ الاول من خلال لازم الماهية . فمن حيث المبدأ ان لازم الماهية إما ان يكون الامتناع او الوجوب او الامكان ، فعلى هذا التقدير لمواد القضية استنتج ان الماهية لو كان لازمها الامتناع لما تحققت الممكنات ، ولو كان لازمها الوجوب لكانت الممكنات واجبة ، لذا فان لازمها الامكان بالضرورة ، وعليه فكل ما يقع ويحدث من اشياء فستظل هناك اشياء اخرى ممكنة الوقوع الى غير نهاية . فبهذا الشكل توصل الى ان واجب الوجود لا يمكن ان يكون ماهية ، والا كان ممكناً باعتبار ان لازمها الامكان وعدم الوجوب 8 6.
ومهما يكن الحال فان السهروردي في استدلاله السابق قد جانب الصواب ، اذ يمكن القول ان لازم الماهية يجوز ان يكون واجباً وممكناً وممتنعاً ، لا بحسب الماهية بمفهومها العام ، بل تبعاً لطبيعة الذوات والانواع . فقد يصدق ان تكون من طبيعة بعض الماهيات الامكان كما هو الحال مع الاجسام وغيرها . كما يصدق ان تكون من طبيعة بعض آخر الامتناع كما هو الحال مع شريك المبدأ الاول . وكذا يجوز ان تكون من طبيعة بعض الذوات الوجوب كما هو الحال مع ذات هذا المبدأ .
لكن رغم ذلك لا نستبعد ان يكون تعبير السهروردي عن المبدأ الاول بانه محض الوجود هو تعبير غير مراد على حقيقته ، فربما اضطر اليه كالعديد من الفلاسفة على ما عرفنا 9 6. بدليل انه في كتاب >المشارع والمطارحات< style=""> 0 7. ويمكن تفسير الموقف لدى السهروردي بان سمح لان يعبر عن ماهيته بانها الوجود من حيث جواز الوصف بالامور الاعتبارية . وقد سبق له ان اعتبر الوحدة مفهوماً اعتبارياً لا يلزم من وصفنا للحق بها ان تزيد على ذاته . وكذا لا يعني اعتبار ماهيته الوجود ان لهذا الاخير حقيقة عينية . وهو وإن قرر بان الحق لا ماهية له ، لكنه ليس بصدد نفي الماهية عنه على نحو الاطلاق ، انما عنده هي تلك التي اذا كانت فهي ليست في موضوع 1 7.
وعلى العموم يمكن القول ان اغلب الادلة التي قُدمت لاثبات اصالة الوجود هي ادلة جدلية تفيد نقض اصالة الماهية على ما تعنيه من معنى النوع والجنس الذي لا يأبى التكثر والاشتراك ، وهي لهذا لا تثبت اصالة الوجود الفعلي بالضرورة ، اذ يصبح الامر مردداً بين هذه الاصالة وبين اصالة الوجود الذاتي ، اي الذات المشخصة . وحتى السهروردي الذي يقر باصالة الماهية فانه احياناً يصرح بانه لا يريد من الماهية غير الحقيقة الخارجية ، فهو من جهة ينفي وقوع الطبيعة النوعية من حيث انها نوعية في الاعيان 2 7. كما انه يفهم معنى الماهية عين حقيقة الشيء الخارجي ، لذا فقد ايد القائلين باصالة الماهية ورد على من يقول بان الفاعل اذا أوجد يعطي حقيقة الوجود ، فعارض ذلك بان الفاعل يعطي نفس حقيقة الشيء لا شيئاً اخر 3 7.
على ان اهم ما يُذكر من الادلة الجدلية التي تنقض اصالة الماهية بالمعنى النوعي او الكلي الطبيعي هي ما يلي:
1ــ ان الوجود الحقيقي هو نفس التحقق فكيف لا يكون موجوداً . بل لو لم يكن الوجود موجوداً لما امكن ان يوجد شيء . فالماهية من حيث ذاتها بما هي هي؛ ليست موجودة ولا معدومة ، فلولا كون الوجود موجوداً لما صارت مستحقة لحمل الوجود عليها .
2ــ يعتبر الوجود الذي يترتب عليه اثاره واحكامه حقيقة كل شيء ، فهو احق الاشياء بان يكون ذاحقيقة ، وذلك لان غيره - اي الماهيات - بواسطته يصبح ذاحقيقة ، فيكون بذلك حقيقة كل ذي حقيقة ، ولا يحتاج بنفسه الى حقيقة اخرى؛ بل هو بذاته في الاعيان ، وغيره به يكون فيها .
3ــ ان بالوجود يحصل الفارق بين الذهن والخارج ، من حيث ترتب الاثار والاحكام على الثاني دون الاول ، فلولاه لكان حالهما واحداً من دون ترتب تلك الاثار والاحكام . فمثلاً لولا ذلك لكانت النار لا اثر لها من جهة الاحراق والتسخين وسائر العوارض الاخرى ، بل لكانت مجرد مفهوم صوري فحسب ، كما هو الحال مع سائر المفاهيم الذهنية 4 7.
ومن الواضح ان اساس هذه الادلة يتضمن المنطق القائل >ان الذات بلا وجود هي اللا وجود او العدم< ، وهو صحيح لا شك فيه ، لكن من الواضح ايضا ان الوجود بلا ذات هو لا شيء ايضاً . على هذا كان التلازم بينهما امراً مؤكداً ، وهو ليس من قبيل تلازم بين امرين لكل منهما حقيقته المنفصلة ، بل كلاهما يعبران عن حقيقة واحدة ، فبما كون الشيء ذاتاً متشخصة فهو موجود ، وكذلك بما انه موجود فهو عبارة عن ذات متشخصة ، سواء كان له اثر او تأثير ام لم يكن ، وسواء كان في الذهن او الواقع بلا فرق ، وهو ما لم تستدركه الادلة السابقة ، اذ اعتبرت الوجود مختصاً بالواقع دون الذهن ، وإن كان من المتفق عليه ان الوجود لا يختص بالخارج ، بل يطال العالم الذهني ، فالماهية في العقل هي عبارة عن وجود لها فيه 5 7.
لكن رغم ذلك يظل التشخيص للذات لا الوجود ، فلا يصح اعتبار الوجود بما انه متشخص فهو موجود ، حيث التشخص لا يصدق الا على ما هو ذات ، فهي من حيث ذاتيتها تكون موجودة ، وبغيرها تصبح عدماً محضاً . وبالتالي ليس للوجود في حد ذاته حقيقة ما ، بل حقيقته تنبع من نفس كون الذات ذاتاً ، فبهذه الحيثية وحدها تستحق نزع الوجود عليها صفة؛ كما في نزع اللون الابيض على الشيء . وهذا يعني ان الوجود بحسب حقيقته يتوقف على الذات من غير عكس ، وان كان يسبقها من حيث التقدم العقلي ، وذلك لانه لا ذات من دون وجود . اذن هناك تلازم بين الوجود والذات ، فلا ذات بدون وجود ، ولا وجود بدون ذات ، الا ان حيثية عين الذات تكفي لنزع الوجود علبها ، ولا يمكن ان يقال بان حيثية الوجود كافية لنزع الذات عليه ، حيث الوجود ليس بشيء حتى يمكن ان ننزع عليه الذات ، ولهذا لا يمكن وصفه بانه مذوّت ، بخلاف الذات التي نصفها بانها موجودة . وشبيه بهذا الحال تلك العلاقة التي تخص العرض بالجوهر ، كعلاقة اللون بالجسم ، فرغم التلازم بينهما فانه يصح خلع صفة اللون على الشيء من غير عكس ، فنقول الجسم ملون ، ولا نقول اللون مجسم ، مع ان كل جسم ملون ، وكل ملون هو جسم . والسبب في ذلك هو اننا ندرك بان وجود اللون في ذاته غير معقول ، وانه حيث نفترض وجوده لابد ان نقدره مشخصاً تبعاً لوجود الجسم من دون عكس .
اذن طبقاً لما سبق يصح ان نقول بوجه ان الوجود عين الماهية كما يقول صدر المتألهين ، ومرادنا نفس مراده إن كان يعني بالوجود هو الوجود الذاتي ، فهذا المعنى يجمع ما بين الوجود والماهية ، فهو وجود من حيث العينية الخارجية ، وهو ماهية من حيث الذات . وبالتالي فالقول باصالة الماهية استناداً الى هذا المعنى صحيح ، وكذا القول باصالة الوجود استناداً اليه صحيح ايضاً ، وبالتالي ليس هناك من فرق بين الوجود والماهية .
وبهذا التحقيق يمكننا الجواب على اهم الادلة الواردة بخصوص اعتبار المبدأ الاول محض الوجود؛ والتي منها ما قيل لو كان هذا المبدأ ماهية سوى الوجود لكان مركباً؛ لان الماهية بحسب حالها لا تقتضي الوجود ولا العدم ، ولو اعتبرت موجودة فلابد من ان يكون هناك شيء ما يضاف اليها لكي تكون موجودة ، وهذا الشيء المضاف هو الوجود ، وبالتالي لابد ان يكون الشيء وكذا ذات الحق عبارة عن الوجود والماهية معاً فيحصل التركيب 6 7. ومن هذه الادلة ايضا انه لو كان للمبدأ الاول ماهية وراء وجوده الخاص لكان وجوده زائداً عليها وعارضاً لها ، وحيث ان كل عرضي معلل ، فلابد ان يكون وجوده معلولاً إما لماهيته او لغيرها ، وكلاهما واضح الاستحالة 7 7.
والجواب على ذلك كله لا يأتي الا من حيث ما سبق ان طرحناه في علاقة الوجود بالذات ، فمن حيث كون الشيء ذاتاً فهو موجود؛ بدون ان يستوجب عروض او زيادة امر اخر وراء حيثية الذات نفسها ، بل من غير الصحيح عدّ المبدأ الاول محض الوجود بالمعنى الفعلي ، بل يشار اليه كما ورد في الاحاديث بانه شيء لا كالاشياء ، او بما جاء في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} الشورى/ 1 1 . اذ من المحال التسليم بمحض الوجود الفعلي ، انما الاشارة اليه بمحض الوجود يمكن قبولها مجازاً من حيث عدم انفكاك الوجود عنه بخلاف الممكنات . مع تقديرنا ان اخذ ذلك الوصف على حقيقته الفعلية كان مغرياً لدى الفلاسفة ، حيث مكّنهم من اثبات وجود المبدأ الاول وتوحيد صفاته ونفي الشرك عنه بجرة واحدة . اذ لو كان المقدر عين الوجود فان من السهل اعتباره عين العلم والقدرة والارادة والحياة ما دام الوجود حقيقة واحدة غير قابلة للتعدد ، فبهذا يكون المصداق واحداً رغم اختلاف المفاهيم 8 7. وهو عبارة عن ذريعة اخرى لنفي الشرك عنه ، حتى صرح بعضهم بانه لولا حقيقة الوجود العينية لكانت شبهة ابن كمونة في جواز الشريك شديدة الورود 9 7.
اذن لو اعتبرنا الوجود عين الماهية في الخارج وإن كان في الذهن غيرها ، فإن النزاع حول اصالة أي منهما يؤول الى نزاع لفظي ، حيث الماهية هنا ليست نوعاًً ولا جنساً وانما هي تلك الحقيقة ذات الهوية الشخصية المعبر عنها بالذات او الهوية . فالقائلون باصالة الماهية واعتبارية الوجود انما يرون نفي حقيقة الوجود الفعلي المعبر عنه بالكون والثبوت ، ولا يريدون نفي الوجود الذاتي المعبر عنه بتشخص الذات كما علمنا .
مع هذا يمكن تقرير ان ما ألفناه من القول بالوجود الذاتي ، او الذات المشخصة ، قد يعطي انطباعاً باننا نعد الموضوع الخارجي عبارة عن ذات تتضمن الثبات والسكون ، في حين ان الممكنات الحادثة ، او الكائنات الطبيعية ، لا تخضع الى مثل هذا المعيار . وبالتالي يمكن اعتبار الممكن الحادث ليس مجرد وجود ذاتي بالمعنى المألوف ، انما حقيقته تعبر عن >وجود صيرورة< . فهو مؤلف من امرين متلازمين: احدهما يمكن التعبير عنه بانه مادة او شيئية لا يمكن تحديدها بمعزل عن الامر الاخر . والثاني كون هذا الشيء غير المحدد هو في حالة من الوجود الفعلي المتكرر والمتغير بلا انقطاع ، فهو في صيرورة حدوثية يتجدد فيها الوجود الفعلي بشكل دائم لا يقف عند حد . والمهم في الامر هو انه بفضل الصيرورة تتحدد ماهية الموضوع الخارجي ، وتنشأ الذات ، او ما يطلق عليه الوجود الذاتي ، ولولاها ما كان للاشياء ماهية بالمعنى الذي ندركه ، او انه بغير الصيرورة يكون العالم ، إن شاء له الوجود ، شيئاً اخر غير ما نعهده .
اذن نحن لسنا امام عنصرين كالماهية والوجود ، بل ثمة ثلاثة عناصر يتضمنها الموضوع الخارجي كالاتي:
الاول: الشيئية الوجودية ، وهي قابلة للادراك بحسب التحليل العقلي . ويمكن التعبير عنها بالمادة والهيولى ، وذلك لانها الاصل الذي تتوارد عليها صيرورة التجددات ، ولا اقول الصور ، اذ ان هذه الاخيرة ناشئة بفعل الامرين معاً ، الشيئية والصيرورة .
الثاني: الصيرورة ، وهي عبارة عن تجدد كينونة الشيئية ووجودها بلا انقطاع . ومن الناحية المنطقية ان الصيرورة لا يمكن تصورها من غير ان تكون واردة على تلك الشيئية الوجودية ، وليس العكس صحيحاً ، اذ للعقل ان يتصور وجود الشيء من غير صيرورة ، في حين ان تصور الصيرورة الوجودية من غير شيء هو امر غير ممكن ولا معقول .
الثالث: الذات ، وهي مركبة من الشيئية الوجودية وصيرورتها ، ولو ان احد هذين العنصرين كان مفقوداً لما تمّ للذات ان تكون كما هي عليه ، ولحلّ الخراب على العالم المشهود . وبهذا نعرف ان الاصالة ليست للوجود او الماهية بمعناهما التقليدي ، او ما عبرنا عنهما بالوجود الفعلي والذاتي ، وانما هي لما اسميناه >الوجود الصيروري< .
لكن الوجود الصيروري للكائنات الطبيعية على انحاء من حيث قابلياتها المفتوحة ، واشدها مرونة تلك التي للانسان ، حيث لا تتحدد هويته بشخوصه وحضوره ، انما فيه امكانات اخرى تجعله ينقلب عما هو عليه صعوداً ونزولاً بلا توقف . لذلك استساغ العديد من المفكرين الغربيين ان يضفوا عليه صفة الوجود دون غيره من الكائنات التي عدّوها مجرد ماهيات ساكنة ، وإن كانت هذه الاخيرة تتفاوت فيما بينها من حيث المرونة والثبات ، لكنها في جميع الاحوال لا تقارن بالانسان ذي الامكانات المفتوحة . بل بسبب هذه الاخيرة فان الانسان يظل مستعصياً على الفهم والادراك مقارنة بغيره ، كما هو واضح مما تعاني منه الدراسات الانسانية الحديثة .
لفظ الوجود والالتباس اللغوي
بداية نحن نقدر ان المسائل الفلسفية هي من اكثر القضايا التي تستقطب الملابسات اللغوية والمنطقية ، فتخلق بذلك مشاكل وهمية او تدفع الى ايجاد نظريات ما كان لها ان تكون لولا تلك الملابسات . لكن ذلك لا يدعونا الى تلك النتائج التي تطرفت فيها بعض الاتجاهات الغربية الحديثة فاخذت تعلن بان المسائل الميتافيزيقية لا تعبر عن مشاكل حقيقية ولا توجد معان وراء ما يذكر من العبارات الفلسفية ، تعويلاً عن كون اللغة هي مصدر تلك المشاكل الزائفة ، وبالتالي فان حلها لا يتم الا عبر التحليل اللغوي فحسب . وابرز من يمثل هذا الخط هو تيار الوضعية المنطقية ومن على شاكلتهم من امثال فتجنشتاين wittgnstein)< .
على ان علماءنا القدماء كانوا على وعي بأثر الملابسات اللغوية على النتاج الفكري ، ومنه النتاج الفلسفي . ومن ذلك ان الامام الغزالي اعتبر ان الكثير من اخطاء المتكلمين نابع من الوهم اللغوي ، حيث تطلب المعاني من الالفاظ دون العكس . فهو يقول: >اذا انت امعنت النظر واهتديت السبيل عرفت قطعاً ان اكثر الاغاليط نشأت من ضلال من طلب المعاني من الالفاظ ، ولقد كان من حقه ان يقدر المعاني اولاً ثم ينظر في الالفاظ ثانياً ، ويعلم انها اصطلاحات لا تتغير بها المعقولات< 0 8.
ومن الفلاسفة من اخطأ بسبب التعبير اللغوي ، وذلك عند محاولته الاستدلال على نفي صفات المبدأ الاول ، حيث اعتبر وجودها يفضي الى تكثر جهتي الفاعلية والقبول في ذات هذا المبدأ . وموضع الالتباس كما نبّه عليه صدر المتألهين هو انه قد اخذ القبول بمعنى الانفعال التجددي مكان القبول بمعنى مطلق الاتصاف 1 8. او كما يقول ابن سينا: >ليس هناك قابل وفاعل ، بل من حيث هو قابل فاعل< .
ومن بين الالفاظ الملتبسة المؤثرة على العلاجات الفلسفية لفظة >الحوادث< . فقد استخدمت هذه اللفظة لدى المتكلمين للدلالة على خلق العالم ونفي قدمه الزماني ، حيث انها تشعر >بان لها ابتداء ، كالحادث المعين والحوادث المحدودة< . في حين هناك فرق بين هذه الحوادث وبين جنس الحوادث ، حيث يمكن ان تكون الحوادث متصلة منذ الازل . وهذا ما لم يتداركه اهل الكلام ، حيث انساقوا الى المعنى المألوف من اللفظة ، ووقعوا في المغالطة لدى اثباتهم للخلق والخالق 2 8. وعلى هذه الشاكلة الاستدلال المغالط على ما لا يتناهى من جهة الماضي عبر المثال التالي: >انك لو قلت لا اعطيك درهماً الا اعطيك بعده درهماً كان هذا ممكناً ، ولو قلت لا اعطيك درهماً حتى اعطيك قبله درهماً كان هذا ممتنعاً< . فهذه الموازنة ليست صحيحة كما دل عليها ابن تيمية ، اذ الصحيح هو ان تقول: >ما اعطيك درهماً الا اعطيتك قبله درهماً ، فتجعل ماضياً قبل ماضي كما جعلت هناك مستقبلاً بعد مستقبل< 3 8. ولا شك ان لهذا التصحيح اللغوي ثمرة فلسفية بخصوص البحث عن امكانية وجود حوادث ليس لها بداية محددة .
وبخصوص لفظ الوجود فهو من اكثر الالفاظ مدعاة للبس والخلط والايهام ، وقد اوقع الفلاسفة في مطبات الاختلاف والتناقض ، لشدة ما اكتنف معناه من غموض وابهام . فقد وُصف انه اظهر من كل شيء تحققاً وإنية حتى قيل فيه انه بديهي ، كما وُصف انه اخفى من جميع الاشياء حقيقة وكنهاً حتى قيل انه اعتباري محض 4 8. فمثلاً في وصف المبدأ الاول بالوجود؛ نعلم ان من المستحيل التفكيك بين ذاته وبين وجوده لانه ازلي ، الا ان هناك فرقاً واضحاً بين العبارتين التاليتين ، الاولى ان نقول: >هذه الذات هي ذات موجودة ازلاً< ، والثانية ان نقول: >ان هذه الذات هي محض التحصل والكون والوجود< ، فلا شك ان العبارة الاولى سليمة لا اشكال عليها ، بخلاف العبارة الاخرى التي لا تعقل ، وذلك فيما لو اخذت بحسب المعنى الفعلي كما مر علينا . وما فعله الفلاسفة هو انهم استنتجوا قضيتهم في العبارة الثانية تعويلاً على الاولى . ذلك ان مفاد الاولى هو الاعتراف بكون الشيء بلا وجود لا ثبوت له في العين ، فمن هذه المقدمة الحقة ظهرت المغالطة في مفاد العبارة الثانية ، وهي النتيجة التي تعتبر الوجود احق الاشياء بالثبوت لانه المنبع لعد الاشياء موجودة .
والحقيقة ان الاشياء بالوجود توصف موجودة ، وهو حق لا ريب فيه ، لكنه لا يقتضي ان يكون له ثبوت خارجي تنبع منه الاثار ، فحاله - كما عرفنا - كحال البياض الذي يشرط الشيء الابيض به ، رغم عدم وجود دلالة على ثبوته مستقلاً ، باعتباره مصدراً من الصفات الاضافية النسبية . فكما لا يقال للبياض ابيض فانه لا يقال للوجود موجود ، لكن يصح ان يقال للشيء ابيض او موجود ، حيث من شرط وجود الشيء الابيض ثبوت صفة البياض وتقدمها عليه عقلاً ، رغم عدم ثبوت البياض لنفسه واصالته مستقلاً ، وكذا الحال - تماماً - مع الوجود ، اذ ليس للشيء ان يتحقق بغير ثبوته كصفة متقدمة عليه عقلاً ، ومع ذلك فلا يقتضي ان يكون لنفسه ثبوت في العين . فالتعبير بان الشيء لا يتحقق الا من حيث تقدم الوجود عليه عقلاً هو تعبير صحيح ، لكن ما يترتب على هذه المقدمة من نتيجة في الحاق الاصالة بالوجود فهو خطأ باعتباره غير معقول . من هنا يصح اعتبار العلم والقدرة والحياة هي من آثار الشيء الموجود ، وان كان لا يصح اعتبارها من آثار نفس الوجود .
ومن الواضح ان هذا التمييز المنطقي لم تراعه ادلة القائلين باصالة الوجود . فبعض الحكماء من امثال صدر المتآلهين اعتبر الوجود احق ان يكون موجوداً من الماهيات التي يعرض اليها في ملاحظة العقل ، كما ان البياض اولى ان يكون ابيضاً من المعروض له . وآخر يرى ان الوجود موجود ، وكونه موجوداً هو بعينه وجود ، وهو موجودية الشيء في الاعيان 5 8. والذي لا يساعد على ذلك كله هو ان معنى الوجود لا يمكن فهمه بدون نسبة الاضافة ، وقد التفت الى هذه الناحية بعض المفكرين الاسلاميين كالغزالي الذي اعتبر الوجود بلا ماهية ولا حقيقة غير معقول 6 8، وإن كان في >معارج القدس< style=""> 7 8.
مبحث الوجود واشكالية التوحيد
هناك العديد من الثمار التوظيفية التي افادها النظام الوجودي من تحديداته الخاصة لمفهوم الوجود وعلاقته بالماهية ، واعظم ما يتجلى هذا الامر في معالجته لقضايا التوحيد . الامر الذي يجعلنا نبحث هذه الاشكالية من زاويتين ، احداهما بحسب ما عليه الوجود مستقلاً ، واخرى من حيث العلاقة التي تربطه بالماهية ، وذلك كالاتي:
1ــ الاشكالية الالهية ومفهوم الوجود
اُنيط بالوجود بحسب معناه الفعلي تفريع العديد من المسائل الالهية كإثبات وجود الله تعالى ووحدته ووحدة صفاته وما الى ذلك .
فحول الاستدلال على وجوده تعالى ذكر صدر المتألهين برهاناً اعتبره اسدّ البراهين واطلق عليه سبيل الصديقين ، وكأن فيه ايماءاً الى كون الطرق الاخرى لا تخلو من كذب كما نبّه عليه السبزواري في حاشيته على >الاسفار< 8 8. وهو يعني انه لا يوجد اي برهان يدل عليه الا منه . وبحسب هذا الاعتبار ان الاستدلال بالآثار واللوازم لا يؤدي الى اليقين ، ذلك ان العلم اليقيني بالمسببات لا يكون الا من جهة السبب ، فكيف يمكن قلب القضية وعكسها؟ بل حتى الاعتماد على الوجود وانه يقتضي واجباً لا يعطي - برأي ذلك الفيلسوف - سوى قياساً شبيهاً بالبرهان 9 8. مع ان هذه الطريقة قد اعتمدها ابن سينا واصفاً اياها بنفس صفات الطريقة التي عوّل عليها صدر المتألهين ، وهو انها تقيم البرهان بالاستعانة بالحق تعالى لا بغيره ، وذلك من خلال مفهوم الوجود ذاته . لذا فقد كانت عنده موضع اعتماد >الصديقين< . اذ ذكر ابن سينا في >النجاة<>لا شك ههنا وجوداً ، وكل وجود إما واجب وإما ممكن ، فإن كان واجباً فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب ، وان كان ممكناً فإنا نوضح ان الممكن ينتهي بدوره الى واجب الوجود . .< 0 9. وعلّق على هذا المسلك في >الاشارات<>تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الاول ووحدانيته وبراءته عن السمات الى تأمل لغير نفس الوجود ، ولم يحتج الى اعتبار من خلقه وفعله ، وان كان ذلك دليلاً عليه ، لكن هذا الباب اوثق واشرف . . اي اذا اعتبرنا حال الوجود ، فشهد به الوجود من حيث هو وجود ، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده من وجود . والى مثل هذا اشير في الكتاب الكريم: {سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق . .} . اقول: ان هذا حكم لقوم . ثم يقول: {او لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد} . اقول إن هذا حكم للصديقين الذين يستشهدون به لا عليه< 1 9.
كما انه في >التعليقات< style=""> 2 9.
ولا شك ان هذه الطريقة لا تختلف في حقيقتها عما استعان به صدر المتألهين من البرهان الذي اطلق عليه سبيل الصديقين . فهذا البرهان هو ايضاً عبارة عن اثيات واجب الوجود من نفس الوجود مباشرة ، والذي يشار له - برأيه - من خلال دعاء رواه الشيخ ابو جعفر الطوسي في كتابه >مصباح المتهجدين<>ع< ، اذ قال وهو يعلم كيفية الصلاة: >فقل في السجدة الثانية: يا من هداني اليه ودلتني حقيقة الوجود عليه وساقني من الحيرة الى معرفته< 3 9.
وتحرير برهان هذه الطريقة يعتمد على بعض المصادرات كاعتبار الوجود حقيقة عينية واحدة بسيطة ومتفاوتة بالكمال والنقص . فاذا كان الوجود هكذا؛ فلابد ان يكون كماله التام عبارة عن واجب الوجود ، لان الضرورة قاضية بتقدم التام على الناقص استناداً الى اصل العلية ، وبه يثبت ان واجب الوجود يتمثل بالكمال التام للوجود . وفي رسالته >المشاعر< style=""> 4 9.
وهذا البرهان لم يسدد - لدى فيلسوفنا - الثغرة الخاصة باثبات وجود الله تعالى فحسب ، بل كذلك اليه يعود الفضل في تسديد سائر الثغرات الاخرى التي تخص وحدته وعلمه وقدرته وقيمومته وما الى ذلك من صفات .
فباعتبار ان الوجود حقيقة واحدة لا يعتريها نقص بحسب سنخه وذاته ولا تعدد يُتصور في عدم محدوديته؛ فإنه يثبت وحدته . وباعتبار كون العلم ما هو الا الوجود؛ فإنه يثبت علمه بذاته وبما سواه ، وكذا الحال مع الحياة . اما القدرة والارادة فتثبتان بكونهما تابعتين للعلم والحياة ، وكذا قيمومته؛ لكون الوجود الشديد فيّاض وفعّال لما دونه من مراتب متأخرة عليه 5 9.
يظل ان برهان الصديقين يتمشكل بمصادرة تحليل الوجود بمعناه الفعلي ، ذلك ان المشكلة التي واجهتنا سابقاً هي عدم معقولية تحقق الوجود البحت المجرد عن اي شيء آخر ، وكذا عدم معقولية اعتباره عين العلم او الحياة . وقد سبق ان اعتبر السهروردي ان ادلة الفلاسفة على توحيد واجب الوجود انما هي صحيحة على فرض كون الوجود له صورة عينية في الاعيان حتى يبنى عليه ذلك الكلام ، أما لو اخذ الوجود كأمر اعتباري لما نفعت تلك الادلة . لكن مع هذا لو سلمنا جدلاً بجميع ما سبق؛ فان نفي التسلسل يحتاج الى دليل آخر اجنبي ، اذ قد يقال ان رتب الوجودات متسلسلة من حيث تمامها ، فكل كمال فوقه ما هو اكمل منه بلا نهاية .
نعم ان ذلك البرهان لو اراد التخلص من مشكلة التسلسل فلابد من الاخذ بمذاق الصوفية التي تستغني عن الاستدلال على واجب الوجود؛ لبداهة كون الواقع شاهداً على الوجود المعتبر عين الحق تعالى ، فيثبت لها وجوده وتوحيده ونفي الحلول والاتحاد به مع الغير ، اذ لا يوجد غيره ديّار . ولا شك ان هذه الحجة اولى من قول الفلاسفة؛ لأنها لا تحتاج الى اكثر من كون شيء ما موجوداً ، بلا اضطرار لافتراض وجود مراتب الكمال وتحديد هوية الواجب بالمرتبة الاولى وما يفضي اليه من الحاجة الى دليل نفي التسلسل .
لكنّا مع ذلك ندرك فائدة تحليل الوجود لاثبات الواجب وتوحيده ، اذ ان اعتباره ماهية سوف لا يكون بالمستوى الذي يمكن ان يدفع بها شبهة ابن كمونة كلياً ، بخلاف ما لو كان محض الوجود ، حيث يعبّر عن حقيقة واحدة واجبة من جميع الجهات من دون نقص ، كما نصّ عليه صدر الحكماء 6 9، الذي عدّ في بعض كتبه ان >الحاكم بوحدته وقيموميته ليس هو العقل او الوهم بل ضرب من البرهان الوارد على القلب من عنده وقسط من النور الساطع من قبله يحكمان بأن مبدأ سلسلة الوجودات واحد حقيقي فياض بذاته< 7 9.
الوجود ومسألة الصفات الالهية
مثلما انيط بالوجود اثبات الذات الالهية وتوحيدها ، فانه قد انيط به ايضاً اثبات الصفات ووحدتها . حيث تقرر انه مع ما يوجد من اختلاف وتكثر في معاني صفات الذات الالهية ، الا انها لا تختلف من حيث الحيثيات والاعتبارات ، فكل حيثية هي بعينها حيثية الصفة الاخرى >فعلمه تعالى بعينه قدرته ، وقدرته تعالى بعينه ارادته ذاتاً واعتباراً< . مما يعني ايضاً ان الحقيقة المعقولة هي بعينها علم وقدرة وارادة 8 9.
والسبب في كل هذه الاعتبارات؛ هو ان حقيقته تعالى لما كانت كل الوجود ، فجميع صفاته الكمالية تصبح ما هي الا محض الوجود بدون شائبة العدم ، فتكون ذاته كل تلك الصفات ، لان كل صفة عبارة عن وجود ، اذ لو لم تكن وجوداً لكانت عدماً او مشوبة بالعدم ، وبالتالي تصبح كل صفة عين الذات ، حيث لا فرق في الوجود التام في نفسه ، فيكون علمه عين الوجود وعين ذاته من دون فرق ، وكذا قدرته وارادته وحياته ، والحال نفسه يدل على عينية بعض الصفات لبعضها الآخر . وعلى حد قول احد اتباع صدر المتألهين من المعاصرين: ان >جميع الصفات الكمالية من العلم والقدرة والارادة في السعة والاطلاق تدور مع الوجود حيثما دار< 9 9.
اما الاستدلالات التي طُرحت حول هذا المعنى؛ فمنها ما ذكره صدر المتألهين كالآتي:
اولاً: ان نفي عينية الصفات لذاته تعالى يلزم عنه التكثر في الذات لاجل كثرة صفاته .
ثانياً: لو كانت الصفات زائدة على ذاته للزم ان يكون كماله بأمر زائد عليه؛ فيكون بحسب ذاته ناقصاً .
ثالثاً: ان فيضان الصفات من ذاته على ذاته يستدعي جهة اشرف مما عليها واجب الوجود بالذات ، فتكون ذاته اشرف من ذاته وهو محال بديهة . وايضاً لكانت ذاته تتكثر ، لان حيثية النقص غير حيثية الكمال ، وهو باطل 0 0 1.
الا انه في محل اخر اخلّ بفحوى ما ترمي اليه تلك الاستدلالات ، اذ كشف عن معنى اخر اخف مما ابداه آنفاً ، فقال: >معنى كون صفاته عين ذاته أن هذه الصفات المتكثرة الكمالية كلها موجودة بوجود الذات الاحدية ، بمعنى انه ليس في الوجود ذاته تعالى متميزاً عن صفته بحيث يكون كل منها شخصاً على حدة ، ولا صفة منه متميزة عن صفة اخرى له بالحيثية المذكورة ، بل هو قادر بنفس ذاته وعالم بعين ذاته ، اي يعلم هو نفس ذاته المنكشفة عنده بذاته ، ومريد بارادة هي نفس ذاته ، بل نفس علمه المتعلق بنظام الوجود وسلسلة الاكوان من حيث انها ينبغي ان توجد< 1 0 1.
وشبيه بذلك ما وضحه من المقصود بقوله >صفاته عين ذاته< ، فقد اعتبر هذه الصفات لا تزيد على ذاته بل هي عينها على معنى ان الحق تعالى من حيث حقيقته مبدأ لانتزاع الصفات عنه ومصداق لحملها عليه 2 0 1. ووفقاً لهذا المعنى شبّه علاقة الصفات بالحق كعلاقة الماهية بالوجود ، فكما ان الوجود موجود في نفسه من حيث نفسه ، والماهية ليست موجودة في نفسها من حيث نفسها ، وانما هي موجودة من حيث الوجود ، كذلك صفات الحق واسماؤه فإنها موجودات لا في انفسها من حيث الحقيقة الاحدية . وهو بهذا اراد ان يكشف كون وجوده تعالى الذي هو ذاته انما هو بعينه مظهر جميع صفاته الكمالية من غير لزوم كثرة 3 0 1.
والواقع ان هناك فرقاً كبيراً بين التصريح الاول الذي ذكرناه وبين هذه التصريحات الاخيرة . ففرق بين ان نقول: >العلم عين القدرة ، وهما عين الذات؛ ذاتاً واعتباراً< ، وبين ان نقول: >هو قادر بنفس ذاته ، وعالم بعين ذاته< ، او نقول: >حقيقته تعالى مبدأ لانتزاع الصفات عنه ومصداق لحملهما عليه< .
فالقول الثاني كما انه معقول؛ فهو ايضاً لا ينفي وجود الكثرة لصفاته ولو اعتباراً ، من حيث صدق كونها موجودة بوجود واحد هو وجود الذات . في حين ان المعنى الاول غير معقول . لهذا رفضته الصوفية مؤكدة على وجود النسب والاعتبارات المتكثرة في الذات ، مما جعلها تحكم بجواز صدور الكثير عن الحق؛ مما لم يتقبله الفلاسفة ومنهم صدر المتألهين ، رغم ان لسان حاله دال على قبوله مثل هذه الكثرة في الصفات ، ذلك انه على خلاف ما سبق ذكره اعتبر القدرة والارادة تابعين للعلم والحياة الذين هما عنده عين الوجود 4 0 1، مما يقتضي تكثر الصفات وعدم عينية بعضها للبعض الآخر ، خاصة انه قد صرح في محل آخر بأن التابعية تعني ان يكون للتابع وجود آخر غير وجود المتبوع 5 0 1.
بل لديه تعبير آخر فيه الكثير من المرونة والتخفيف الذي يلائم المسلك الصوفي ، اذ يقول: قد >صح قول من قال ان صفاته عين ذاته ، وصح قول من قال انها غيره ، وصح قول من قال انها لا عينه ولا غيره كما هو مذهب الاشعريين< 6 0 1.
ولعله يقصد انها موجودة بوجود الذات مع انها ليست زائدة عليه تعالى .
كما ان ما يخدش في وحدة تلك الصفات وعينيتها للذات الواجبة ، هو انه قد اجاز اعتبار ان يكون العلم عين العالم والقدرة عين القادر ، وكذا مع غيرهما من الصفات الذاتية باستثناء صفة الكلام 7 0 1، اذ اعتبرها غير المتكلم ليوافق ما جاء في حديث الامام موسى الكاظم الدال على هذا المضمون 8 0 1، رغم ما يفضي به هذا المعنى من الاخلال بوحدة الصفات وعينيتها للذات .
ومن الملاحظات الاخرى هو ان صدر المتألهين اضاف الى تلك الصفات صفات اخرى تنبعث عنها؛ مثل كونه حكيماً ، غفوراً ، خالقاً ، رازقاً ، رحيماً ، مبدئاً ، معيداً ، مصوراً ، منشأً ، محيياً ، مميتاً ، الى غير ذلك؛ معتبراً انها من فروع كونه قادراً على جميع المقدورات . وكذا هناك صفات اخرى موازية لها مثل كونه سميعاً ، بصيراً ، مدركاً ، خبيراً ، الى غير ذلك من الصفات التي اعتبرها مما تتفرع عن كونه عليماً بالاشياء . فجميع هذه الصفات موجودة بوجود واحد بسيط رغم تكثر معانيها 9 0 1. مع انه في كتاب >المبدأ والمعاد< style=""> 0 1 1.
كما ان صفة الجود رغم انه اعتبرها في كتابه >اسرار الآيات< style=""> 1 1 1، الا انه في العديد من كتبه الاخرى عدّها من صفات الذات؛ مع انه عرفها بما يناسب ضمها الى باب الفعل لا الذات 2 1 1، ومن ذلك انه في كتابه >المبدأ والمعاد<>جوده تعالى؛ فيضان الوجود منه على كل ما يقبله بقدر ما يقبله ، من غير منع وبخل وتعويض ، سواء كان جوهراً عينياً او ثناءاً او فرحاً او دعاءاً او ضنيناً . . كان فعله منبعثاً عن ذاته وكرمه ناشئاً عن حاق حقيقته غير معلل بغيره ولا مستند الى ما سواه فيكون فعله جوداً حقيقياً< 3 1 1.
بالاضافة الى ان هناك صفات تشبيهية كتلك الخاصة باليدين والفرح والتعجب وغيرها ، حيث يلاحظ ان صدر المتألهين ، خلافاً لمن سبقه من الفلاسفة ، قام باثباتها وفاقاً مع ابن عربي مثلما سيمر علينا ذلك فيما بعد . وكما علمنا ان اثبات هذه الصفات يعود بنا الى تصور المفهوم الاخر للوجود ، الذ ي فيه يصبح الحق ذاتاً وماهية ليس كسائر الذوات والماهيات .
اخيراً فان صدر المتألهين يعترف بوجود صفات اخرى عدّها سلبية محضة ، كالقدوسية والفردية والازلية وغيرها ، والاتصاف بها يرجع الى سلب الاتصاف بصفات النقص 4 1 1.
2ــ الاشكالية الالهية والعلاقة الوجودية
سبق لنا ان تحدثنا عن طبيعة العلاقة التي تربط الوجود بالماهية ، وقد عرفنا في بعض خصوصيات هذه العلاقة ان بينهما محاكاة وظلية تبعاً لما يتفق والاصل المعرفي المولد >السنخية< . ولا شك ان هذه الخصوصية ظهر عليها العديد من المترتبات الهامة ، وعلى رأسها تلك الصلة التي تربط الوجود بالاعيان الثابتة .
ولفظ الاعيان الثابتة هو لفظ عرفاني اريد به معنى الماهية الامكانية قبل ان يفيض عليها الوجود . وهو يصدق على الاشياء الكلية والجزئية ، بينما يطلق الفلاسفة على الكليات عادة مصطلح الماهيات والحقائق ، وعلى الجزئيات مصطلح الهويات 5 1 1. وهي عبارة عن صور الاشياء الكامنة في العالم الالهي . او يمكن القول انها عبارة عن صور الوجودات الامكانية . لكن اذا كنا قد علمنا ان الماهيات هي اظلال الوجود وان لها خصوصية محاكاته في الشبه ، فان الامر في العلاقة بين الاعيان الثابتة والوجودات الممكنة لا يستقيم الا بان يتخذ صورة العكس ، حيث يكون الوجود الامكاني تابعاً وظلاً حاكياً لما عليه تلك الاعيان . فهذه الاخيرة تسبق الوجود وتتقدمه رتبة باعتبارها كائنة في محل الجمع الالهي . والاعيان مع هذا السبق والتقدم والاصالة فانها ليست معدودة في لوح الوجود ، وعلى حد قول الفلاسفة والعرفاء انها ما شمت رائحة الوجود ولا كانت موضعاً للجعل والتأثير ، بخلاف الحال مع نظيرها الوجود . لكن من جانب اخر انها بهيئتها الجمعية تكون ما هي الا ذات الوجود الالهي الذي يمثل صور الاشياء جميعاً ضمن قاعدة >بسيط الحقيقة هو كل الاشياء< . وهنا ان الفارق بين الوجود والماهية يصبح من حيث المحدود وغير المحدود ، حيث تتصف الماهية بكونها محدودة ، أما عند لحاظ الجمع في الماهيات من غير ان تكون محدودة بحد خاص فانها تصبح بهذا الاعتبار عين الوجود المحض ، كالذي صوره صدر المتألهين كما سبق ان عرفنا .
فها نحن امام مشاكلة ومطابقة اخرى بين الوجود والماهية ، او الاشياء والاعيان الثابتة . فالمشاكلة والسنخية بين الوجود والماهية على الصعيد المعرفي الانساني ما هي الا نتاج تلك المشاكلة السابقة بين الاعيان الثابتة والاشياء ، وبالتالي بين المبدأ الاول والوجودات الفائضة عنه .
ورغم ان صدر المتألهين انكر وجود سنخية بين المبدأ الاول والماهيات الكلية 6 1 1، الا ان اعتبار الماهية شبحاً وصورة للوجود ، لابد ان يحتم وجود نوع من التناسب بينها وبين الاول .
نعم انه عند اخذ الوجود بمعناه الفعلي فانه لا مجال للقول بوجود اي شبه ومشاكلة بين الطرفين ، لكن اخذ الوجود بمعناه الذاتي يقيم هذه العلاقة ، وهو المعنى الذي صرح به ذلك الحكيم في العديد من المرات ، واعترف بوجود المشاكلة والمحاكاة بين الوجود والماهية ، وبالتالي يتحتم ان يكون بين المبدأ الاول والماهيات نوع من الشبه والمشاكلة مهما بدا ضعيفاً ، وذلك لان من المقرر وجود هذه المشاكلة بينه وبين الوجودات الفائضة عنه ، وانه مع وجود المحاكاة بين هذه الوجودات وبين ماهياتها ، فانه لا محالة ان تكون هناك مشاكلة ومحاكاة بين ذلك المبدأ والماهيات المجعولة عرضاً بجعل الوجود .
واذا كنا قد لا نجد اتحاداً نوعياً بين الماهيات المجردة او المفاهيم النوعية الكلية باعتبارها مفاهيم مبهمة ، لكن فيما يخص الماهيات الجزئية يلاحظ انها تعكس ما عليه هذا الوجود من رتب خاصة ، وبالتالي فان التكثر والاختلاف في الماهيات انما هو من حيث هي مفاهيم كلية غير مجعولة . وسواء اعتبرنا الماهية المجعولة هي نفس الذات المشخصة أو أنها عبارة عن ظل الوجود وتابعه ، ففي كلا الحالتين يقتضي الامر ان تكون هناك وحدة للماهيات يسود بين مراتبها التشابه والتشكيك . الامر الذي يفسر لنا لماذا ان محض الوجود يشابه الوجودات من حيث كونهما وجود ، في الوقت الذي يشابه الماهيات من حيث كونه عبارة عن كل الأشياء الماهوية ، أو باعتبار كونه جسماً اشرف من سائر الانواع الجسمية ، وهو تعبير اخر عن الكيفية الماهوية وليس الوجود . وهكذا حين يكون الوجود أصلاً والماهية فرعاً فانه لا يمنع من وجود سنخ وتشكيك فيما بين الفروع كما هو حاصل مع الاصول . بل اذا كانت الفروع على شاكلة الاصول ، وكانت الاصول ذاتها محكومة بمنطق المشاكلة ، فان الفروع ستكون هي الاخرى محكومة بهذا المنطق بالعرض والتبعية . وكل ذلك من مقتضيات قانون السنخية .
بل بحسب هذا المنطق ان سريان الوجود وتنزلاته يجر معه تنزلات ما يتبعه من الماهيات . فالسريان مختص بالوجود ، حيث انه يسري على الماهيات فيجعلها موجودة ، وهو بهذا السريان الذي يحفظ للماهيات مقام التبعية يتنزل فيكون بعضه اضعف من البعض الاخر وفقاً لمقدار البعد عن المبدأ الاول ، لكن ذلك يفضي الى ان تكون الماهيات التي يسري عليها الوجود هي الاخرى متنزلة بالتبع ، فيكون بعضها اضعف من البعض الاخر وفقاً لما هي عليه من الرتب التابعة للوجود .
مع هذا يمكن القول ان الماهيات من حيث كونها اعياناً ثابتة فانها تكون الاصل في نشأة الوجودات الفائضة ، فهي ليست مجرد سابقة على وجود الممكنات ، انما لها ارتباط سنخي معه . وهنا تنشأ المشكلة ، اذ كيف يمكن تصور انها الاصل الذي تعود اليه نشأة الوجودات الممكنة مع انها لا توصف بالوجود؟
وبعبارة اخرى كيف نصف الاعيان الثابتة قبل سريان الوجود عليها ، وما سر هذا السريان وعلاقة ذلك بمولد التفكير الوجودي >السنخية<؟
فنحن هنا بصدد البحث عن طبيعة سريان الوجود ومن ثم صلة ذلك بالماهيات التي تسبق هذا السريان ، وعلاقة كل ذلك بالسنخية كمولد معرفي . فهناك مشكلتان ، احداهما تتعلق بكيفية تقدم الماهية على الوجود ، والاخرى تتعلق بالسريان وشبهة كونه يفضي الى مقولة وحدة الوجود الصوفية ، كالذي يتضح لنا مما يأتي:
مشكلة تقدم الاعيان الثابتة على الوجود
لا شك ان الفلاسفة الذين قالوا باصالة الوجود في الممكنات؛ افترضوا ان هذا الوجود تسبقه الماهيات المعبر عنها بالاعيان الثابتة ، لكن السؤال المطروح ، هو كيف يجوز ان تتقدم الماهية على وجودها ، مع ان التقدم يعطي لها بعداً من الكمال؟ وذلك باعتبار ان الاخس لا يمكنه ان يكون قبل الاشرف بحسب مبدأ السنخية ، وبالتالي فان الاشرف هو اولى بالوجود من غيره .
وقد يبدو لأول وهلة ان الفلاسفة لا يترددون في وصفها بالوجود الذي يصحح مسألة تقدمها وكمالها ، فكما يقول صدر المتألهين: >ان الماهيات والاعيان الثابتة وان لم تكن موجودة برأسها بل مستهلكة في عين الجمع ، وهذا الاستهلاك نحو موجوديتها< 7 1 1.
كما وصفها بانها وان لم تكن في الازل موجودة بوجوداتها الخاصة الا انها كلها متحدة بالوجود الواجبي ، واعتبرها بهذا القدر قد خرجت عن كونها معدومة في الازل ، دون ان يلزم شيئية المعدوم كما زعمته المعتزلة 8 1 1. لهذا كانت بنظره عبارة عن صور كمالات الحق تعالى ومظاهر اسمائه وصفاته 9 1 1، او انها تمثل المجالي والمظاهر التي تتجلى فيها صفات الرب وظهور اسمائه 0 2 1.
او هي كما عرفها حيدر الآملي >من شئونه الذاتية التي هي عبارة عن كمالاتها الغير المتناهية الكامنة في ذاته المسماة بالصفات والاسماء والكمالات والشئون< 1 2 1.
وهي من هذه الناحية تمثل معلومات الله الازلية وصوره العلمية التي لا يجوز ان توصف بكونها مجعولة لكونها معدومة في الخارج 2 2 1. او باعتبارها قوابل للتجليات الالهية والاسمائية ، بالتالي فانها ليست بجعل جاعل 3 2 1.
فبهذه الاعتبارات يمكن ان يقال: كيف لا يكون للاعيان الثابتة وجود ، وهي التي تمثل موضع الشهود العلمي المعبر عنه بالفيض الاقدس والمخاطبة بخطاب >كن< ، ذلك انها منتسبة بهذه الجهة الى حضرة الوجود ، ومستفيضة منه الوجود الآخر العيني المعبر عنه بالفيض المقدس ، والذي يعتبر محض الاضافة الاشراقية ، فكيف لا يكون لها وجود اعظم من الوجود الخارجي الذي تظهر به في فيضها الآخر المقدس 4 2 1؟ وانها انما سميت بالفيض الاقدس بمعنى الاقدس من شوائب الكثرة الاسمائية ونقائص الحقائق الامكانية 5 2 1، خاصة انها تمثل صوراً علمية ، والصور لدى الفلاسفة من طبقة صدر المتألهين احق بالوجود من غيرها . كيف لا وقد اقر هذا الحكيم بان للاشياء وجوداً الهياً كما لها وجود عقلي ومثالي وطبيعي ، فذلك الوجود هو عين صور الاشياء كلها؛ كلّيها وجزئيها وقديمها وحادثها ، وهو الذي اعتبره اولى ان يكون نفس الامر دون ان يلزم ثبوت المعدومات ، حيث عنده ان المعدوم المحال هو عبارة عن انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقاً ، لا انفكاكها عن الثبوت الخارجي مع تحققها بالوجود الرباني وظهورها فيه 6 2 1. بل ان الاعيان الثابتة تكون في رتبة الذات الالهية الاحدية هي الفاعل والقابل للموجودات ، وهي خالقة كل شيء كالذي ذهب اليه العارف حيدر الاملي .
وواقع الامر ان الفلاسفة تارة يضفون على الاعيان نوعاً من الوجود يصحح كمالها وتقدمها ، واخرى ينفون ذلك عنها . فهي من حيث الاعتبار الاول لا تخرج عن الوجود الالهي ، بل انها ذات الشهود العلمي الالهي وفيضه الاقدس ، وبكلها تمثل عينه وان كانت غيره من حيث التعين والتقيد . لكنها من ناحية اخرى عُدت في حيز الامكان العدمي ما شمت رائحة الوجود ازلاً وابداً . وكما قرر صدر المتألهين بأن الماهيات قبل الوجود لا يمكن الحكم عليها بشيء من الاشياء ، ولا حتى الحكم عليها بثبوت نفسها لها ، حيث لا ظهور لها ولا امتياز بينها قبل الوجود ، انما بالوجود تظهر الماهيات المظلمة الذوات على البصائر والعقول ، وبسبب الوجود المعقول او المحسوس يمكن الحكم عليها انها هي هي او ليست الا هي ، أما هي لذاتها فليست موجودة ولا معدومة ولا ظاهرة ولا باطنة ، ولا قديمة ولا حادثة . فجميع السلوب صادقة في حقها ازلاً وابداً ، وذلك انه لا ذات لها حتى يثبت لها شيء من الاشياء ، لذا ان ارتفاع النقيضين انما يستحيل عن الشيء الموجود من حيث كونه موجوداً لا من حيث كونه غير موجود . وبالتالي فالحكم على الماهيات ولو كان باحكامها الذاتية واوصافها الاعتبارية السابقة الازلية من الامكان والبطون والظلمة والخفاء والكمون واشباهها انما يتوقف على انصباغها بصفة الوجود واستنارتها به . لذلك يقول بعض اهل الكشف من ان الماهيات لم تظهر ذواتها ولن تظهر ابداً ، بل يظهر احكامها واوصافها ، وما شمت رائحة الوجود اصلاً 7 2 1.
على ان صدر المتألهين يوضح ما يريده عن امر حقيقة هذه الاعيان تارة فلسفياً بعلاقتها بالوجود ، واخرى عرفانياً بعلاقتها باسماء الله . ومن حيث العلاقة الاولى اعتبر ان لشيئية الممكن وجهين ، هما شيئية الوجود وشيئية الماهية ، والشيئية الاولى عبارة عن ظهور الممكن في مرتبة من المراتب وعالم من العوالم . في حين ان شيئية الماهية هي عبارة عن نفس معلومية الماهية بنور الوجود ، وانتزاعها من دون تعلق الجعل والتأثير بها ، وكذا من غير انفكاك هذه الشيئية عن الوجود ، وذلك ان موجودية الماهيات لا تعني ان الوجود يصير صفة لها ، بل بان تصير معقولة من الوجود ومعلومة منه ، وذلك بان يكون المشهود هو الوجود والمفهوم هو الماهية ، وبذا تمتاز شيئية الممكن عن الممتنع ، وتتقبل الفيض الربوبي وتستمع أمر >كن<>كان الله ولم يكن معه شيء< style=""> 8 2 1.
اذن ان الماهيات او الاعيان من هذه الناحية لا تتصف بالوجود ، انما لها شيئية وسطية بين الوجود والعدم التام ، هي تلك المطلق عليها الشيئية الثبوتية .
أما من حيث علاقة الاعيان باسماء الله فهي ان هذه الاعيان هي لوازم تلك الاسماء ، وعند القيصري ان الاعيان تارة تكون عين الاسماء بحكم اتحاد الظاهر والمظهر ، وتارة اخرى غيرها 9 2 1، وهي من حيث كونها من لوازم الاسماء فان ذلك يعني ان تكثرها مستند الى تكثر الاسماء او الصفات ، وكما يشير القيصري واتبعه في ذلك صدر المتألهين ، انها من حيث كونها في غيب الحق وحضرته العلمية تعد شؤون الحق واسماءه الداخلة في الاسم الباطن ، ولما اراد الحق ايجادهم ليتصفوا بالوجود في الظاهر كما اتصفوا بالثبوت في الباطن اوجدهم باسمائه الحسنى ، حيث ان اول مراتب ايجادهم اجمالاً في الحضرة العلمية التي هي الروح الاول ، وبه دخلوا تحت الاسم الظاهرالذي هو مظهر العلم الالهي ، كما انه مظهر القدرة الالهية . والاعيان الثابتة هي التي تعلق بها علم الله ، فادركها على ما هي عليه مع لوازمها واحكامها . ذلك ان العلم في المرتبة الاحدية عين الذات مطلقاً ، وفي المرتبة الواحدية التي هي حضرة الاسماء والصفات صور مغايرة للذات حيث فيها الاعيان 0 3 1، وذلك نظير ما ذهب اليه المشاؤون من ان علمه تعالى بالاشياء هو عبارة عن صور موجودة بعد وجوده وعلمه بذاته ، وهي قائمة بذاته قيام الاعراض بموضوعاتها ، لكن لدى صدر المتألهين ان الامر ليس كذلك ، حيث اعتبرها معان متكثرة انسحب عليها حكم الوجود الواجبي بالعرض ، والتغاير بينهما ليس بحسب الوجود ، بل بحسب المعنى والمفهوم . فعلم الله بالاشياء علماً تفصيلياً عبارة عن المعاني والنسب اللازمة لاسمائه وصفاته ، وهذه الاسماء والصفات ليست متأخرة في وجودها عن وجود الذات الاحدية تأخر الصفات الزائدة على الشيء عن وجوده ، بل هي موجودة بوجود الذات ، فتكون صفات الله عين ذاته وجوداً وغيرها معنى ، وكذا الاعيان والمظاهر بالقياس الى الاسماء والصفات . فهذا هو معنى كون الاعيان قبل وجودها في الخارج موجودة في علم الله ، وليس كما يفهم من ظاهر كلمات العرفاء من ان ثبوتها منفكة عن الوجود . فهي اذن موجودة قبل وجودها في الخارج بوجود الاسماء والصفات ، بل بوجود الحق ، لكنها هناك غير مجعولة الوجود ، كما انها غير مجعولة العين ، وهي في الخارج مجعولة الوجود ، فجعلها هنا تابع لجعل الوجودات الامكانية كما ان لا مجعوليتها هناك تابع للا مجعولية الوجود الواجبي . وبالتالي جاز القول ان العلم تابع للمعلوم ، كما جاز القول ان المعلوم تابع للعلم ، وذلك لاختلاف الجهتين ، اذ ان ثبوت الاعيان من حيث هي هي هو غير وجودها في علم الله بوجود الذات ، غيرية الماهية من حيث هي لوجودها ، والاول معلوم والثاني علم ، فيكون العلم تابعاً للمعلوم . ثم ان وجودها في العلم الاحدي مقدم على وجودها في الخارج ، فيكون المعلوم تابعاً للعلم 1 3 1. اذن ان ثبوت هذه الاعيان انما بحسب صفاته واسمائه فشيء الاشياء ، كما هو بحسب فعله وجوده موجد الموجودات ومظهر الهويات . فشيئية الاشياء انما هي برحمة الصفة لا برحمة الفعل ، وصفات الله لا تعلل 2 3 1.
وواضح هنا ان صدر المتألهين لا ينفي عن الاعيان الثابتة وجودها ، انما ينفي عنها ذلك الوجود الجعلي ، وبالتالي انه بحسب هذا المفهوم لا تكون الاعيان وسطاً بين الوجود والعدم التام ، فهي موجودة بوجود غيرها من غير جعل . اذ الجعل لا يكون للقابل او الماهيات ، وانما يصدق على الوجود الخارجي ، ذلك انها من حيث هي هي ليست مجعولة 3 3 1. ومن المفترض ان تكون في وجودها اللا جعلي هذا اكمل واتم مما هي عليه في وجودها الجعلي اللاحق ، خاصة وانها تعد من لوازم الاسماء والصفات الالهية ، وبالتالي لا مبرر لاعتبارها تمثل ذلك الثبوت المظلم . حتى استدل العرفاء والاشراقيون على هذا النوع من الثبوت المظلم للماهيات بالحديث النبوي القائل: >خلق الله الخلق في ظلمة ، ثم رش عليه من نوره<؛ اشارة الى ثبوتها في العلم قبل ان تظهر بالوجود ، او المعبر عنه بالشيئية دون الوجود 4 3 1. وكذا استدلوا عليها بقوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور} ، حيث اعتبروا تقدم الظلمات على النور للاشعار بثبوت الاعيان او الماهيات في الثبوت العلمي 5 3 1. وكان ابن عربي يرى ان الظلمة هي غيب الغيب وحضرة الهية لا تُسلك ابداً الا بنور السالك 6 3 1. وعلى ما يبدو انه هنا يراد لها من الكمال الذي هو كمال الباطن ما يفوق كمال الظاهر او الوجود الخارجي .
مع ان هناك مشكلة تتعلق بتفسير الحديث النبوي والآية القرآنية الانفي الذكر . فلفظة >خَلَقَ<>قدّر< ، فيصبح المعنى ان الله تعالى قدّر الخلائق في عالم الظلمة لكونها لم تتنور بعد ولم تتعلق بالايجاد والجعل من قبل الاسماء الالهية 7 3 1.
والواقع ان هذا المعنى حتى لو كان يطابق الحديث تماماً من حيث كون >خلق<>قدّر< ، فانه لا يطابق مقام ما هو عليه الماهيات الا مجازاً ، اذ تلك الماهيات لم تخضع الى تقدير مقدر على معنى الفعلية والفاعلية ، فهي مقدرة بذاتها دون حاجة الى من يقدرها ، لكونها تمثل جمعاً عين ذات المبدأ الاول .
اما ما جاء في الآية من كون الجعل شاملاً لكل من الظلمات والنور حيث يقول تعالى: {وجعل الظلمات والنور} ، فقد فُسّر الجعل ايضاً على معنى التقدير من حيث هو متعلق بالظلمات 8 3 1، فيكون معنى جعل انه >قدّر< ، في الوقت الذي لا يخرج معناه عن الجعل والايجاد ، حيث يكون بمعنى >قدّر<>جعل واوجد<>
وفي جميع الاحوال يلاحظ ان الاستدلال السابق باسبقية الظلمة على النور يواجه اعتراضاً ، وهو ان الماهيات في العالم الجمعي الالهي ينبغي ان تكون اكمل مما هو في هذا العالم لاعتبارات تتعلق بانها في عالم السبق والجمع والصورة والاله ، مما هو مفضل على عالم الخلق والمادة . فكان الاولى ان لا يصرح بأنها في محل التقدير ، وذلك لكون ما سبق له دلالة على الوجود ، وان كان باعتبار آخر يمكن ان يقال بانها غير موجودة بالوجود الجعلي من حيث عدم تنزلها الى عالم الخلق .
بل لا ينفع ما قد يطرح للتوجيه من ان الاعيان لو اُخذت مقيدة منفصلة عن بعضها البعض فهي ماهية بلا وجود لاستهلاكها في عين الجمع ، ولو اُخذت كلها مطلقة فهي وجود عبارة عن نفس الذات . فيصبح ذلك العالم وجوداً من حيث الكل ، وليس بوجود من حيث التقييد ، وهو حق بالاعتبار الاول ، وخلق بالاعتبار الثاني ، وكذا مطلق ومقيد .
فهذا التوجيه الذي يجعلنا نقترب من المفهوم الصوفي لوحدة الوجود ، لا يسعه ان ينكر كثرة تلك الصور في عين الوحدة الجمعية ، وهو الامر الذي يصحح وجودها قاطبة .
اما لو اعتبرنا ان للاعيان وجوداً ، هو ذلك الوجود غير المجعول ، فانه تصبح الماهيات في ذلك العالم هي عين الوجود بلا فرق ، رغم انه بالوجود الجعلي تتمايز الماهية عن الوجود . كما انه بحسب ذلك يتصحح المعنى من حيث سريان الوجود وفيضانه على الوجود ، اي اضافة الوجود الجعلي على الوجود غير المجعول .
ويلاحظ ان علة نفي الوجود عن تلك الاعيان لدى الفلاسفة ، او ترددهم في ذلك ، انما يرجع على ما يبدو الى هذا الامر ، وهو ان الاقرار بوجود الاعيان يفضي بثبوت موجودات كثيرة متمايزة في عين الذات الواحدة . ولا شك ان الفلاسفة يخشون مثل هذه الكثرة للوجود في المبدأ الاول ، الامر الذي جعلهم يتحاشون اثبات وجودها ، الا بنحو استهلاكيتها وجمعها ، فعبروا عن ذلك بتعبيرات اخرى هي اقرب للتوسط بين الوجود والعدم . رغم ان الفلاسفة والعرفاء يعولون على هذه الاعيان في تفسير العديد من المظاهر التي تخص العلاقة الجارية بين الحق والخلق . ومن ذلك انها منبع للخير والشر كما يراها العرفاء . اذ ليس للحق سوى ان يفيض عليها وجودها الخارجي الآخر . فالسريان هو اظهار الاعيان وابرازها من عالم الظلمة والخفاء الى عالم النور والظهور ، فهي اظلال النور ، حيث ظهورها به وعدميتها في نفسها . وان هذا الاظهار يجعل من علاقة الحق بالخلق هي علاقة تكاملية ، من حيث حاجة احدهما للاخر وافتقاره اليه ، كالذي يصوره لنا ابن عربي في التقابلات التي يقيمها بين وجودنا وبين الحق ، ومن ذلك قوله: >فوجودنا وجوده ، ونحن مفتقرون اليه من حيث وجودنا ، وهو مفتقر الينا من حيث ظهوره لنفسه< 9 3 1. وكذا قوله في بيت له من الشعر: 0 4 1
فانى بالغنى وانا اساعده واسعده
حيث يعني ان الحق ليس غنياً الغنى المطلق ، حيث نحن نساعده باعياننا الثابتة في ظهور اسمائه وتجلياته وجميع كمالاته فينا ، فالقابل مساعد للفاعل في فعله ، وذلك بقبوله هذا الفعل 1 4 1.
مهما يكن فقد علمنا ان الوجود له مراتب وتعينات مختلفة ، هي الذات ثم اسمائها وصفاتها التابعة لها ، ثم ما يلزم عنها من الاعيان الثابتة ، وبعد ذلك الوجود الخارجي المجعول المعبر عنه بالفيض المقدس . او يمكن القول ان هناك الذات الحقة التي تتضمن اسماءها وتوابعها ، ومن بعدها الوجودات الخاصة الخارجية التي وجدت بسبب التجليات الحاصلة من الذات بحسب شؤونها واسمائها على الاعيان . لكن السؤال المطروح هو كيف امكن لهذا التجلي ان يتم . وبعبارة اخرى ما هو مبرر انبساط الوجود من الذات الحقة الى غيرها؟ ثم ما هي طبيعة العلاقة بين هذه الوجودات؟
مشكلة السريان وانبساط الوجود
ان الفلاسفة الذين قالوا بأصالة الوجود اعتبروا الوجود منبسطاً وسارياً في كل شيء على نحو التشكيك . اي ان هناك اشتراكاً في الوجود الواحد بين الواجب وبين غيره ، وان الاختلاف بينهما قائم تبعاً لهذه الصفة من التشكيك 2 4 1، اذ تتقدم مراتبه بالكمال والنقص والشدة والضعف ، مع اشتراكها في نفس الحقيقة المسماة بالوجود ، كما صرح بذلك الشيخ الرئيس في >المباحثات< style=""> 3 4 1. رغم ان ابن سينا في >الهيات الشفاء< style=""> 4 4 1.
ومع ما عُرف عن المشائين وما نسب اليهم القول بتعدد افراد الوجود وتخالفها جميعاً من الناحية النوعية ، ابتداءً من مرتبة واجب الوجود وحتى ادنى مرتبة من مراتب الممكنات ، فان قولهم هذا يمكن توجيهه مثلما فعل صدر المتألهين ، وهو ان قولهم بتخالف حقائق الوجودات نوعاً؛ وذلك باعتبار ما للوجود من النعوت الذاتية الكلية للماهية في كل مرتبة ، كتخالف مراتب الاعداد نوعاً بوجه ، وتوافقها نوعاً بوجه آخر ، اذ يصح القول انها متحدة الحقيقة بتشابه ما تتضمنه من اجتماع للوحدات ، كما يصح نعتها بالتخالف بحسب المعاني الذاتية المنتزعة عنها في كل مرتبة بما لا يشابه غيرها من المراتب الاخرى ، كما لها آثار وخواص متخالفة تترتب عليها 5 4 1. بدلالة انهم يقرون بان الوجود عبارة عن معنى بسيط لجميع الكائنات . لهذا صرح هذا العارف بأن طريقته لا تختلف عن طريقة اهل المشاء عند التدقيق 6 4 1، وبذلك التوجيه يصبح التفكير الفلسفي متسقاً مع نفسه .
وبعض المتأخرين ، كما هو الحال مع النراقي ، انكر على الفلاسفة قولهم بالحقيقة الوجودية المشتركة بين المبدأ الاول والممكنات الصادرة عنه ، اذ اعتبر ان افراد الوجود متعددة بسيطة ومختلفة الحقائق نوعاً ، ولا دخل للممكنات بالوجود الواجبي سوى اشتراكها معه في انتزاع الوجود المطلق منهما 7 4 1، رغم انه وافق على اصالة الوجود وكونه يخضع للتشكيك فيتقدم بعضه على بعض ويكون بعضه اكمل من البعض الاخر ، كما يرى الاشراقيون 8 4 1. وبذلك فانه يتجاهل ما يؤكده الفلاسفة من ضرورة وجود وحدة مشتركة نوعية بين الاصل والفرع ، او العلة ومعلولها ، بحسب منطق الاصل المعرفي المولد >السنخية< ، والذي عليه ابتنى القول بالسريان الوجودي .
على ان هذا السريان الذي ينشأ عن المبدأ الاول ليحل في هياكل الماهيات؛ يعتبر مجهول التصور 9 4 1. فهو من هذه الناحية شبيه بعلاقة المبدأ الاول بالهيولى التي يحركها ليخرج منها صور الموجودات ، كما في نظرية ارسطو ، حيث انها مجهولة التصور ايضاً .
وواقع الامر ان هذا السريان المجهول للوجود على الماهيات يعطي انطباعاً بان ما قصده الفلاسفة من الوجود هو اشبه بذلك الافتراض الفيزيائي القائل بوجود مادة مجهولة تملأ الكون أُطلق عليها >الاثير< ، والمقصود به هنا هو ذات المبدأ الاول كما عند الصوفية ، او الصادر الذي به قامت سائر الممكنات الوجودية كما عند الفلاسفة . فالوجود بكلا الحالين يعبر عن حقيقة واحدة تتحد بها جميع الماهيات بفعل انبساطه عليها ، وهو بالتالي ظاهر بذاته ومظهر للماهيات بفعل هذا الظهور الذاتي . لذلك صرح صدر المتألهين من ان شمول حقيقة الوجود للاشياء هو شمول لا يعرفه الا العرفاء >الراسخون في العلم< . وقد عبّروا عنه تارة بالنفس الرحماني ، وتارة بالرحمة التي وسعت كل شيء ، او بالحق المخلوق به كما عند طائفة من العرفاء ، وكذا بانبساط نور الوجود على هياكل الممكنات وقوابل الماهيات ونزوله في منازل الهويات 0 5 1. كما يسمى ايضاً بمادة صور الممكنات ، وربما كان ذلك من باب التشبيه بالمادة او الهيولى التي ليس لها غير الاتحاد بالصور الطبيعية ليتحقق لها الفعلية والظهور 1 5 1. وعلى رأي العارف حيدر الاملي فان حقيقة هذا الصادر المنبسط ليس لها اسم ولا رسم ولا وصف ولا نعت ، وذلك باعتبارها على شاكلة الحق التي هي صورته تبعاً لمنطق السنخية . وانما لهذا الصادر الكثير من الاسماء لاعتباراته الكثيرة . اذن سواء لدى العرفاء ام الفلاسفة ، ما يظهر من الانواع الوجودية انما هو بفعل انبساط هذا الوجود ، ولولاه ما كان هناك من شيء ، مع ان الظاهر هو هذه الانواع التي تخفي خلفها ذلك الوجود المنبسط . الامر الذي دعا البعض الى ان يعد ما يرى من الانواع اوهاماً ، او انها نتاج حلم في منام طويل لا يكشف عن حقيقة ما عليه الامر من الوجود المتأصل .
انبساط الوجود وشبهة وحدة الوجود الشخصية
كما عرفنا ان القائلين باصالة الوجود اقروا انبساط هذا الوجود وسريانه في كل شيء على نحو التشكيك . وهذا الامر دفع الى ايجاد شبهة مؤداها: لِمَ لا يكون هذا الوجود المنبسط هو ذاته عبارة عن واجب الوجود ، او ان ما موجود في كماله المتقدم قد انسحب وسرى الى ما دونه . فلقد كان ابن عربي يقول: لولا سريان الحق في الممكنات ما كان للعالم وجود ، وكذا فلولا الحقائق المعقولة الكلية او الماهيات ما ظهر حكمها في الموجودات العينية ، ومن هذه الناحية نفهم افتقار العالم الى الحق في وجوده . والذي يتبين من قول ابن عربي ، كما كشف عنه شارحه الجندي ، هو انه ما من موجود من الموجودات ، ولا شيء من الاشياء الا وهو مظهر ومرآة ومحل ظهور للوجود الحق ، فهو ظاهر وسار فيها ، لكن ظهور الحق فيها وتعينه في كل مظهر انما يكون بحسب القابل وليس بحسب ما عليه الحق ، ولولا هذا السريان النوري في المجالي ما وجد موجود ولا شهد مشهود قط 2 5 1. فالحق هو باطن الخلق ، والخلق ظاهر الحق ، ولا يمكن فرض زوال الحق عن العالم ، ولا زوال العالم عن الحق ، والا انعدم العالم باسره ، فالحق هو هوية الكل ، وروح العالم الذي به حياته وبقاؤه ووجوده ، وفيه وبه شهوده ، والعالم مع قطع النظر عن الوجود الحق فانه عدم محض لا يمكن شهوده >فكما انه يؤخذ في حد الانسان الصورة الظاهرة والهوية الباطنة ، ولا يزول باطن الانسان عن ظاهره في حده ، فكذلك الالوهة لا تزول عن العالم ، لعدم زوال الرب عن المربوب ، والاله عن المألوه ، والعلة عن المعلول< 3 5 1.
اذن ان سريان الحق في الاعيان ، كما يصرح به العرفاء ، أثار شبهة حول نظرية الاشراقيين بانها تصب في مقالة الصوفية لوحدة الوجود . فمن الذين اثاروا هذه الشبهة الاستاذ محمد البيد آبادي الاصفهاني الذي فهم ان انبساط الوجود الواحد على كل الموجودات يفضي بواجبية الكل ، مما يعني نفس الصورة التي تقولها الصوفية بالوجود المطلق الساري في كل شيء . رغم ان هذا الحكم ليس بلازم ، اذ يمكن فهم السريان بانه عين الوجود الغير متعين بالوجوب والامكان كما جاء في توجيه السيد الاشتياني 4 5 1، حيث يكون هذا الوجود هو فعل الحق الساري والمنبسط على كل شيء ، فلا يتصف بالحدوث ولا بالقدم ولا بالنقص ولا بالكمال باعتباره يشمل كل ذلك ، وانه هو الذي يطلق عليه سمة >الحق المخلوق به< ، حيث بسببه وجد العالم ، ولولاه ما ظهر شيء قط ، وهو ذاته الذي يطلق عليه الانسان الكامل 5 5 1. لذلك يقول صدر المتألهين في تحديده لهذا النوع من الوجود: ان الوجود المنبسط المطلق >ليس عمومه على سبيل الكلية . . فان الوجود محض التحصل والفعلية . . وهذا الوجود المنبسط لا ينضبط في وصف خاص ونعت معين؛ من القدم والحدوث والتقدم والتأخر والكمال والنقص ، بل هو بحسب ذاته بلا انضمام شيء اخر يكون متعيناً بجميع التعينات الوجودية والتحصيلات الخارجية ، بل الحقائق الخارجية تنبعث من مراتبه وانحاء تعيناته وتطوراته ، وهو اصل العالم وتلك الحياة والحق المخلوق به في عرف الصوفية ، وحقيقة الحقائق ، ويتعدد بتعدد الموجودات فيكون مع القديم قديماً ومع الحادث حادثاً ومع المعقول معقولاً ومع المحسوس محسوساً ، وبهذا الاعتبار يتوهم انه كلي وليس كذلك < 6 5 1. فالسريان اذن متمثل بمعلول الاول المعبر عنه بالوجود المنبسط العام ، وذلك بحسب التصور الفلسفي ، مثلما سبق لابن رشد ان افاد ما يقارب هذا المعنى ، وكذلك الغزالي قبله ، حيث عد هناك روحاً تشترك بها جميع الموجودات ، مثلما ان الواحد يشترك في جميع الاعداد 7 5 1. لكن يظل ان الوجود هو وجود واحد وإن تعددت اعتباراته ومراتبه ، حيث مرتبة الاول واجبة بذاتها بخلاف ما ينشأ عنها من المراتب الوجودية الاخرى التي هي واجبة بالتبع .
على ان لفظ >الوجود المطلق<>الوجود المطلق< style=""> 8 5 1. وهذا الوجود المنبسط هو عبارة عن تجلي الواجب على قوابل الممكنات ، وهو معلول الحق تعالى ، واول تعيناته العقل الاول . وانما تمثل به الانبساط دون الحق وذلك حذراً من تطور هذا الحق بالاطوار المختلفة 9 5 1.
كما قد يراد بالوجود المطلق ذلك الوجود الساري في كل شيء والمعبر عنه لا بشرط شيء . وهو ما تتهم عليه الصوفية من وحدة الوجود الشخصية ، حيث الاعتراف بموجود واحد ، وان هويات الممكنات امور اعتبارية محضة وخيالات لا حقيقة لها الا بالاعتبار ، حيث ان الحقائق موجودة متعددة في الخارج لكن منشأ وجودها وملاك تحققها امر واحد عبارة عن حقيقة الوجود المنبسط بنفس ذاته لا بجعل جاعل ، اما منشأ تعددها فهي تعينات اعتبارية ، اي ان موجوديتها هي حقيقة ، لكن تعددها امر اعتباري 0 6 1. وكل ذلك لازم عن القول بالوجود الواحد الانبساطي او الساري في كل شيء . اي ان الافتراض القائل بالوجود الواحد المنبسط يفضي الى عدم ضرورة الحفاظ على مرتبة خاصة للمبدأ الاول
اذن الفارق بين الوجود المطلق لدى الاشراقيين ولدى الصوفية هو انه لدى الرأي الاول يكون وجود الحق فرداً من ذلك الوجود ، وان سائر الوجودات لها من الذوات التي تختلف فيما بينها وكذا بينها وبين الحق من حيث الكمال والنقص ، فالوجود واحد لكنه يتفاوت نقصاً وكمالاً . في حين ان الوجود المطلق لدى الرأي الصوفي هو ان هذا الوجود عبارة عن وجود الحق الذي ينبسط على هياكل الماهيات ، فليس في العين ذات غيره وليس في الدار غيره من ديار 1 6 1.
على ان هناك اتهاماً آخر ذكره بعض المحققين على كلام صدر المتألهين في تعليقاته على >الشفاء< style=""> 2 6 1.
وهذه الشبهة هي ايضاً مما يمكن ان يجاب عليها كالسابق . ذلك ان الواجب في الوجود فيه عموم من حيث تسلسل مصداقه على الحقيقة الاصلية المتمثلة بعين الوجود الحق ، وعلى الحقيقة الاخرى المتفرعة عنها ، كما جاء في توجيه السيد الاشتياني 3 6 1.
كما ان الفيض الكاشاني اعتبر ان معنى وجود واجب الوجود هو ان وجوده مقتضى ذاته من غير احتياج الى فاعل وقابل ، في حين ان معنى تحقق الوجود بنفسه هو انه اذا حصل فهو إما بذاته كما في واجب الوجود ، او بفاعل كما هو الحال مع ممكن الوجود ، لكن تحقق الوجود في الحالتين لا يفتقر الى وجود اخر يقوم به ، بخلاف غيره من الماهيات التي تفتقر للوجود في تحققها ، وهو امر لا ينافي كون الوجود الممكن له امكانه الذاتي ، اذ معنى ذلك انه تعلقي الذات ، ارتباطي الحقيقة ، فوجوده واجب ، لكن من حيث كونه تعلقي وارتباطي بغيره ، بخلاف ما هو الحال مع واجب الوجود بذاته 4 6 1.
كذلك ان الكيلاني في كتاب >تحفه< style=""> 5 6 1.
وكما هو واضح ان هذا الاستدلال ينبني على الامور التالية :
1ـ معنى الواجب هو الموجود بلا علة .
2ـ لا يمكن تعدد الواجب ببرهان التوحيد .
3ـ الوجود حقيقة منبسطة واحدة لا علة له .
اذن جميع الافراد التي ينبسط عليها الوجود هي واجبة لانه لا علة لها .
ومغالطة هذا الاستدلال هو انه فهم الواجب كل من لا علة له ، مع ان هناك الواجب بالغير والواجب بالذات . فالكل واجب من جهة كون المتفرع له حقيقة مستفاضة من نفس حقيقة الاصل ، وهو يختلف عن مقالة الصوفية ، لكون الفرع يتوقف على وجود الاصل مع بقاء هذا الاخير في مرتبته الخاصة المتعالية . فالذي يجعل المقالة الفلسفية بعيدة عن الشبهة الصوفية انما هو بقاء المرتبة الاولى على ما هي عليه دون سريان وانبساط بذاتها على هياكل الماهيات والاشياء .
والواقع كما قلنا ان شبهة سريان الوجود لا تفضي بالضرورة الى القول بمقالة الصوفية .
حدود واجب الوجود بين الفلاسفة والصوفية
ان لمفهوم الوجود الحقيقي معنى مشتركاً بين الوجودات جميعاً 6 6 1. فمن هذا المعنى تستنتج وحدة الوجود سواء على طريقة الفلاسفة ام الصوفية . حيث بنظر الفلاسفة ان المراتب الوجودية يرتبط بعضها بالبعض الآخر في سلسلة تبدأ من واجب الوجود وتنتهي بالهيولى ، فالاول هو اقوى ما يكون عليه من وجود ، أما الهيولى فهي اضعف الكائنات وجوداً ، في حين ان بقية الوجودات الاخرى تتوسط بين هذين الطرفين ، لكن الجميع من الواجب وحتى الهيولى يشترك في الصفة العامة للوجود الانتزاعي ، وهو عنوان لسريان الوجود على الكل في العين .
لكن من الحق ان يطرح بهذا الصدد سؤال يفصل الصوفية عن الفلاسفة ، وهو اذا كان الوجود سارياً في كل شيء؛ فكيف يصح اعتبار بعض الموجودات واجباً دون البعض الآخر؟
وبعبارة اخرى ، لماذا لا يكون الكل واجباً للوجود بدون تخصيصه بمرتبة خاصة؛ مادام الجميع يشترك بالوجود الواحد الخارجي؟ وكيف نعرف ان هناك فرداً مخصوصاً لواجبية الوجود دون غيره من الافراد؟
هنا يفترق مذهب التصوف عن الفلسفة ، فالصوفية لا تحتاج الى اقامة دليل على دعواها في اثبات الحق وتوحيده ونفي الشرك عنه طالما تحسبه عين الوجود المطلق او الكل 7 6 1. بينما يحتاج الفلاسفة الى شيء من اعطاء الحجة واقامة الدليل على ذلك .
وبطبيعة الحال ، لو قيل اننا نعرف واجب الوجود من نفس الوجود؛ لكان مصادرة على المطلوب ، اذ جميع الافراد يتصفون بالوجود فكيف يصح تخصيص البعض دون البعض الآخر . اذن معرفة الوجود في حد ذاتها لا تبعث على تعيين الواجب . يظل ان يقال انه يعرف ذلك بالكمال ، لأن بعض المراتب اكمل من البعض الآخر ، وهو ما استند اليه صدر المتألهين ، حيث حسب حقيقة الوجود حقيقة واحدة مشتركة بين الممكن والواجب ، لكنها تختلف ضمناً بالكمال بحسب ذاتها ، اي ان مراتب الوجود تتفاوت ذاتياً في الكمال ، اذ بعضها يفوق البعض الآخر 8 6 1، وبالتالي كان من الممكن تخصيص الوجود بالواجبية بنفس حقيقة الوجود المقدس عن النقص والقصور ، وكذا تخصيصه بمراتبه ومنازله الاخرى في التقدم والتأخر والغنى والحاجة والشدة والضعف ، وذلك من حيث شؤونه الذاتية وحيثياته العينية تبعاً لحقيقته البسيطة 9 6 1. لكن في هذه الحالة ان الكمال والنقص لا يمنع من اعتبار الكل عين حقيقة الواجب من غير حاجة للتخصيص بفرد ما من الافراد الوجودية ، حيث جميع الافراد تشترك في كونها واجباً للوجود بدون تمييز ، لا بالتأثير ولا العلية . بل اعتبار الكل واجباً يعطي صفة >كمالية<>التوحيد< ، وذلك بجمع الاشياء في حقيقة واحدة .
هكذا فمقالة الفلاسفة في الوجود الواحد المنبسط على الاشياء جميعاً فتحت طريقاً للشبهات التي تتهمها بالسقوط في خندق الصوفية . وهو امر لا تقتضيه تلك المقالة ، كما ليس للفلاسفة ان يدفعوا تلك الشبهة ويبطلوها الا اذا عادوا الى مفهومهم الثنائي الخاص عن العلية والتأثير خارج نطاق مصادرة الوجود الواحد المشترك البسيط . فلا يمكن النفي ، كما لا يمكن الاثبات ، ولكل وجهة هو موليها .
الهوامش
1 علماً بان القيصري في شرحه لفصوص الحكم يرى ان الاسم الحي هو امام الاسماء السبعة، وذلك لان هذه الصفات لا يتصور وجودها الا بعد الحياة، وهو خلاف رأي ابن عربي كما قدمنا >القيصري: مطلع خصوص الكلم، ج 2، ص 5 5 1<.
2 رسالة في اسرار الذات الالهية، ضمن رسائل ابن عربي > 1<، مؤسسة الانتشار العربي، ص 8 9 1ــ 0 0 2. وانظر ايضاً: جمال الدين الافغاني: مرآة العارفين، ضمن رسائل في الفلسفة والعرفان، اعداد وتقديم السيد هادي خسروشاهي، وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، طهران، الطبعة الاولى، 7 1 4 1هـ، ص 3 1.
3 الفارابي: كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين، تقديم وتحقيق البير نصري نادر، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 0 6 9 1م، ص 0 8.
4 الإنّية هي اصطلاح فلسفي قديم تعني تحقق الوجود العيني، والمرجح انها مشتقة من >إنّ<>جميل صليبا: المعجم الفلسفي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 4 1 4 1هـ ــ 4 9 9 1م، ج 1، ص 9 6 1<.
5صدر المتألهين الشيرازي: شرح الهداية الأثيرية، طبعة حجرية قديمة ، 3 1 3 1هـ، ص 2 2 3ــ 3 2 3.
6 صدر المتألهين: ايقاظ النائمين، مقدمة وتصحيح محسن مؤيدي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، 2 8 9 1م، ص 0 1 .
7 محمود شهابي الخراساني: النظرة الدقيقة في قاعدة بسيط الحقيقة، انجمن حكمت وفلسفة ايران، 9 9 3 1هـ، ص 4ــ 5 .
8 شرح رسالة المشاعر، ص 3 4 1.
9 صدر المتألهين: المبدأ والمعاد، مقدمة وتصحيح جلال الدين اشتياني، انجمن حكمت وفلسفه ايران ، 6 7 9 1م، ص 0 1.
0 1 حيدر الاملي: رسالة نقد النقود في معرفة الوجود، منشورة في ذيل جامع الاسرار ومنبع الانوار للاملي، ص 4 2 6.
1 1 ذلك ان الشيخ هادي بن محمد امين الطهراني النجفي >المتوفي سنة 1 2 3 1هـ<>اتحاد الوجود والماهية<>عبد الله نعمة: فلاسفة الشيعة/حياتهم وآراؤهم، منشورات دار مكتبة الحياة في بيروت، ص 6 6 3<.
2 1 لاحظ منظومة السبزواري، ص 9 2ــ 0 3.
3 1 ايقاظ النائمين، ص 6 .
4 1 صدر المتألهين: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة، ج 1، ص 9 5 2. والسهروردي: المشارع والمطارحات، ضمن مجموعة في الحكمة الإلهية من مصنفات السهروردي، صححه هنري كربين، مطبعة المعارف، استانبول، 5 4 9 1م، ص 4 5 3.
5 1 محمد حسين الطباطبائي: بداية الحكمة، ص 3 2، وكذا شبيه له في: نهاية الحكمة ص 8 6 2.
6 1 داود بن محمود القيصري: مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، منشورات انوار الهدى، الطبعة الاولى، 6 1 4 1هـ، ج 1، ص 7 1 و 2 5. ورسالة نقد النقود، ص 4 3 6ــ 5 3 6.
7 1 مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ج 1، ص 4 1. ورسالة نقد النقود، ص 2 3 6.
8 1 رسالة نقد النقود، ص 4 2 6.
9 1 رسالة نقد النقود، ص 1 3 6.
0 2 الاسفار، ج 1، ص 8 6.
1 2 ملا محمد جعفر اللاهيجي: شرح رسالة المشاعر، مقدمة وتصحيح وتعليق جلال الدين اشتياني، نشر مكتب الاعلام الاسلامي، طهران، ص 1 6 .
2 2 الاسفار ج 1، ص 3 4 . وكذا مثله في شرح رسالة المشاعر ص 5 1 1.
3 2 شرح رسالة المشاعر ص 3 4 1.ومثل ذلك لاحظ: الشواهد الربوبية، ص 0 1.
4 2 المبدأ والمعاد، ص 4 2.
5 2 المبدأ والمعاد، ص 6 2.
6 2 المظاهر الالهية، ص 6 1.
7 2 الاسفار، ج 1، ص 8 4.
8 2 المشارع والمطارحات، ص 5 4 3.
9 2 الاسفار، ج 1، ص 8 3ــ 9 3 .
0 3 شرح رسالة المشاعر ص 8 9- 0 0 1.
1 3 منظومة السبزواري، ص 2 3.
2 3 صدر المتألهين: رسالة جبر وتفويض، ص 7.
3 3 نصير الدين الطوسي: مصارع المصارع، تحقيق حسن المعزي، نشر مكتبة المرعشي، قم ، 5 0 4 1هـ، ص 8 8 و 7 9. كذلك: الاسفار ج 1، ص 5 5. وملا نعيم الطالقاني: أصل الأصول، مقدمة وتصحيح وتعليق سيد جلال الدين أشتياني، طبعة طهران، ص 2 8- 3 8.
4 3 صدر المتألهين: الشواهد الربوبية ص 8
5 3 الشواهد الربوبية ص 0 4- 1 4
6 3 الاسفار، ج 1، ص 8 9 1.
7 3 لاحظ شرح رسالة الشاعر، ص 2 1 1 و 3 1 1 و 7 2 1 و 2 3 1- 3 3 1 و 6 3 1.
8 3 الفارابي: فصوص الحكم، تحقيق محمد حسن آل ياسين، انتشارات بيدار، قم، ط 2، 5 0 4 1هـ، ص 9 4.
9 3 ابن سينا: العرشية، ص 4.
0 4 الغزالي: مقاصد الفلاسفة، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، مصر، 1 6 9 1م، ص 8 2 2.
1 4 مقاصد الفلاسفة، ص 1 5 2 و 2 5 2.
2 4 ابن سينا: التعليقات، ص 5 3 و 6 3.
3 4 الاسفار، ج 6، ص 0 6
4 4 صدر المتألهين: المبدأ والمعاد، ص 9 2. والهاشمي الخوئي: شرح نهج البلاغة ج 3 1 ص 9 6 1.
5 4 الحاج محمد علي الحكيم: لطائف العرفان، چابخانه دانشگاه طهران، 0 4 3 1 هـ.ش، ص 5 5 1.
6 4 مصطفى صبري: موقف العقل والعلم والعالم ج 3، ص 2 0 2ــ 3 0 2.
7 4 صدر المتألهين: تفسير القرآن الكريم، انتشارات بيدار، قم، تصحيح محمد خواجوي، ج 4، ص 0 1 1ــ 1 1 1.
8 4 الاسفارج 6، ص 3 8 و 5 8 ــ 6 8 و. 9.
9 4 صدر المتألهين: شرح اصول الكافي، كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة.
0 5 تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 5، ص 6 3 3.
1 5 لاحظ: ايقاظ النائمين ص 8 1 و 9 1. ومفاتيح الغيب ص 3 8 و 3 9.
2 5 صدر المتألهين: شرح اصول الكافي، كتاب التوحيد، باب اطلاق القول بانه شيء.
3 5 المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص 9 2.
4 5 المبدأ والمعاد، ص 5 4ــ 6 4
5 5 شرح الهداية الاثيرية، ص 0 9 2.
6 5 المبدا والمعاد، ص 3 7.
7 5 عبد القادر بن ياقوت الاهري: الاقطاب القطبية، مقدمة وتصحيح محمد تقي دانتر بزوه، انجمن فلسفة ايران، 9 9 3 1هـ، ص 4 4 1ــ 5 4 1.
8 5 ابن رشد: تهافت التهافت ، ص 8 0 6
9 5 محمد مهدي النراقي: قرة العيون، مقدمة وتعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، انتشارات دانشگاه فردوسي، مشهد، ص 0 4 2.
0 6 ومن ذلك ان ابن سينا يقول: >الوجود من لوازم الماهيات لا من مقوماتها، لكن الحكم في الاول الذي لا ماهية له غير الانية يشبه ان يكون الوجود حقيقته اذا كان على صفة< >التعليقات، ص 6 3<.
1 6 لاحظ الاسفار ج 1، ص 9 4 ، والمبدأ والمعاد ص 6 2ــ 7 2. وشرح رسالة المشاعر ص 6 4 1ــ 7 4 1.
2 6 الاسفار ج 6، ص 8 5- 0 6. وج 1، ص 2 3 1.
3 6 الاسفار، ج 6، ص 0 7 2- 2 7 2.
4 6 هياكل النور، ص 2 9.
5 6 حيدر الاملي: جامع الاسرار ومنبع الانوار، مع تصحيح ومقدمة كل من هنري كوربان وعثمان اسماعيل يحيى، طبع شركت انتشارات علمي وفرهنكي، ايران، طبعة ثانية، 8 6 3 1هـ، ص 4 5.
6 6 الشواهد الربوبية، ص 4 1.
7 6 الاسفار، ج 1 ، ص 8 1 4 ــ 9 1 4
8 6 المبدأ والمعاد لصدر المتالهين ص 7 2ــ 9 2
9 6 تأويلنا لما ينقل عن السهروردي جاء على عكس تأويل ما احتمله صدر المتألهين من مذهب السهرودي في علاقة الوجود بالماهية، اذ اعتبر ان ما ذكره في اعتبارية الوجود انما قصد به الوجود العام البديهي التصور وليس الوجود الخاص، او ان غرضه المباحثة مع المشائين >فانه كثيراً ما يفعل ذلك، ثم يسير الى ما هو الحق عنده اشارة خفية< >الاسفار، ج 1، ص 1 1 4<.
0 7 المشارع والمطارحات، ص 0 9 3 وما بعدها.
1 7 المشارع والمطارحات، ص 8 9 3ــ 9 9 3.
2 7 المشارع والمطارحات، ص 2 5 3.
3 7 المشارع والمطارحات، ص 8 4 3.
4 7 راجع : شرح رسالة المشاعر ص 8 2ــ 3 3 و 1 4 و 8 4. كذلك المظاهر الالهية ص 4 1.
5 7 الاسفار، ج 1، ص 6 5.
6 7 الاسفار ج 1 حاشية ص 6 0 1
7 7 الاسفار ج 1، ص 6 9 ، ونهاية الحكمة، ص 2 5
8 7 الاسفار، ج 7، ص 8 3 2.
9 7 الاسفار، ج 6، ص 8 5.
0 8 الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد، نشر مكتبة الشرق الجديد، بغداد، 0 9 9 1م، ص 5 1.
1 8 المبدأ والمعاد، ص 7 6ــ 8 6. والاسفار، ج 6، ص 0 1 2.
2 8 ابن تيمية: النبوات، دار القلم، بيروت، ص 0 6 .
3 8 ابن تيمية: منهاج السنة، طبعة دار الفكر، ج 1، ص 1 2 1 .
4 8 مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ج 1، ص 4 1. ورسالة نقد النقود، ص 3 3 6. والاسفار، ج 1، ص 0 6 2.
5 8 الاسفار، ج 1، ص 9 3ــ 0 4 ، ورسالة المسائل القدسية ضمن رسائل فلسفي لصدر المتآلهين، ص 2 1 و 3 1.
6 8 الغزالي: تهافت الفلاسفة، دار المعارف، مصر، ط 5، ص 7 7 1.
7 8 الغزالي: معارج القدس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 9 0 4 1هـ ــ 8 8 9 1م، ص 2 6 1 وما بعدها.
8 8 حاشية، ج 6 ، ص 3 1
9 8 المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص 6 4 .
0 9 ابن سينا: النجاة، ص 5 3 2
1 9 ابن سينا: الاشارات والتنبيهات >القسمان الثالث والرابع<، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، ص 2 8 4ــ 3 8 4.
2 9 التعليقات لابن سينا ، ص 0 7 .
3 9 النظرة الدقيقة، ص 7 3
4 9 لاحظ : الاسفار ، ج 6 ، ص 4 1ــ 5 1. واسرار الآيات ، ص 6 2ــ 7 2. وشرح المشاعر ، ص 2 0 2- 9 0 2 .
5 9 الاسفار ، ج 6، ص 4 2ــ 5 2.
6 9 الشواهد الربوبية، ص 7 3- 8 3. وشرح رسالة المشاعر، ص 1 2 2ــ 7 2 2.
7 9 الشواهد الربوبية، ص 2 5 .
8 9 لاحظ: الاسفار، ج 7، ص 8 3 2. والمظاهر الالهية، ص 8 1ــ 9 1. والمبدأ والمعاد لابن سينا، ص 0 2ــ 1 2.
9 9حاشية المظاهر الالهية، ص 8 1.
0 0 1 المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص 2 7.
1 0 1 الاسفار، ج 7 ، ص 8 3 2.
2 0 1 لاحظ: المظاهر الالهية، ص 1 2 ، وشرح الهداية الاثيرية، ص 5 9 2.
3 0 1 الشواهد الربوبية، ص 8 3ــ 9 3.
4 0 1 الاسفار، ج 6، ص 6 3.
5 0 1 الاسفار ، ج 6 ، ص 2 8 2 .
6 0 1 المظاهر الالهية، ص 9 1، كذلك: صدر المتألهين: اسرار الآيات، مقدمة وتصحيح محمد خواجوي، انتشارات انجمن اسلامي حكمت وفلسفه ايران، 2 0 4 1هـ، ص 0 4 .
7 0 1 صفة الكلام عند صدر المتألهين هي من الصفات الذاتية للحق تعالى >من حيث يخلق الاصوات والحروف في اي موضع كان من الاجسام لافادة ما في قضائه السابق على من يشاء من عباده<. مع ان من الواضح ان هذا التحليل للكلام الالهي لا يمكن ردّه كصفة عائدة الى الذات بقدر ما يعود الى الفعل ، خاصة انه ينفي الكلام النفسي الذي قالته الاشاعرة >لاحظ المبدأ والمعاد، ص 5 4 1<.
8 0 1 كتاب التوحيد من شرح اصول الكافي، باب النهي عن الجسمية.
9 0 1 الاسفار، ج 6، ص 6 4 1ــ 7 4 1 .
0 1 1 لاحظ : المبدأ والمعاد ص 5 7 . والمظاهر الالهية ص 1 2- 2 2. وشرح الهداية الاثيرية ص 5 9 2 .
1 1 1 اسرار الآيات، ص 4 4.
2 1 1 ويبدو لهذا عدها العلامة الطباطبائي من صفات الفعل لا الذات، كما في نهاية الحكمة ، ص 7 8 2 .
3 1 1 لاحظ: المبدأ والمعاد، ص 7 4 1. ايضاً: المظاهر الالهية، ص 1 2 و 3 3. وشرح الهداية الاثيرية، ص 5 9 2 .
4 1 1 لاحظ: المظاهر الالهية ص 1 2. وشرح الهداية الاثيرية ص 5 9 2 .
5 1 1 مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ج 1، ص 5 4.
6 1 1 الاسفار ج 1 ص 8 1 4- 9 1 4.
7 1 1 ايقاظ النائمين ، ص 1 3 .
8 1 1 الاسفار ، ج 6 ، ص 3 8 2 .
9 1 1 مفاتيح الغيب، ص 6 2 3. وكذلك الاسفار، ج 1، ص 2 6 2.
0 2 1 مفاتيح الغيب ، ص 5 3 3 .
1 2 1 حيدر الاملي: اسرار الشريعة ، ص 6 1 .
2 2 1 اسرار الشريعة، ص 3 1ــ 4 1.
3 2 1 نقد النقود، مصدر سابق، ص 3 8 6.
4 2 1 ان اصطلاح الفيض الاقدس والفيض المقدس هو اصطلاح صوفي يقابل اصطلاح الماهية والوجود للممكنات لدى الفلاسفة. فالفيض الاقدس والمعبر عنه بالاعيان الثابتة له نحو من الوجود الباطن والسابق على نظيره الظاهر، ويطلق عليه ايضاً بالتجلي الاول، مثلما يطلق على الفيض المقدس بالتجلي الثاني.
5 2 1 نقد النقود، مصدر سابق، ص 3 8 6.
6 2 1 الاسفار، ج 6، ص 1 6 2- 2 6 2.
7 2 1 الاسفار، ج 2، ص 8 8 2ــ 9 8 2.
8 2 1 ايقاظ النائمين، ص 0 3.
9 2 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 2 4 4.
0 3 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 1 3 2. ومفاتيح الغيب، ص 1 3 3.
1 3 1 مفاتيح الغيب، ص 1 3 3ــ 2 3 3.
2 3 1 مفاتيح الغيب، ص 6 0 2.
3 3 1 نقد النقود، مصدر سابق، ص 0 8 6.
4 3 1 جامع الاسرار، ص 3 6 2. وتفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 6، ص 6 1 4.
5 3 1 لاحظ : اصل الاصول، ص 2 6. وكلمات مكنونة ، ص 1 5 .
6 3 1 كتاب نسخة الحق، ضمن رسائل ابن عربي > 1<، ص 8 6 2.
7 3 1 انظر حاشية الاشتياني لاصل الاصول، ص 3 5 1 .
8 3 1 لاحظ حاشية الاشتياني لاصل الاصول، ص 4 6 .
9 3 1 شرح الفصوص، ص 2 1 4.
0 4 1 الفصوص والتعليقات عليه ج 1، ص 3 8.
1 4 1 مطلع خصوص الكلم، ج 1، ص 7 7 3.
2 4 1 نصير الدين الطوسي: تلخيص المحصل، راجعه وقـدم له وعـلق عليه طه عبد الرؤوف سعد ، دار الكـتاب الـعربي، ط 1، 4 0 4 1هــ ــ 4 8 9 1م، ص 6 9.
3 4 1 شرح رسالة المشاعر، ص 2 5 1- 3 5 1 . كذلك بعض رسائل ابن سينا في: ارسطو عند العرب لبدوي، ص 1 4 2.
4 4 1 الهيات الشفاء ، ص 6 7 2 . كذلك الاسفار ، ج 2 ، ص 8 8 1- 9 8 1 .
5 4 1 شرح رسالة المشاعر ، ص 2 5 1- 3 5 1 .
6 4 1 الشواهد الربوبية، ص 7، نشر دانشكاهي بايران، طبعة ثانية. انظر كتابه الآخر: المبدأ والمعاد، ص 4 9 1، نشر انجمن حكمت وفلسفة ايران، 6 7 9 1.
7 4 1 قرة العيون، ص 6 3 2- 7 3 2.
8 4 1 قرة العيون، ص 7 0 2 .
9 4 1 المظاهر الالهية ، ص 5 1 .
0 5 1 صدر المتألهين: كتاب المشاعر، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط 1، 0 2 4 1هـ ــ 0 0 0 2م، ص 9 5.
1 5 1 تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 2، ص 2 1ــ 3 1.
2 5 1 الجندي: شرح فصوص الحكم، ص 0 9 1ــ 1 9 1.
3 5 1 شرح الفصوص، ص 3 8 2.
4 5 1 الكيلاني:رسالة تحفه، ضمن رسائل فلسفي، انتشارات انجمن اسلامي حكمت وفلسفة ايران، تعليق وتصحيح جلال الدين اشتياني، ص 1 6 1 وحاشيتها .
5 5 1 تفسير صدر المتألهين، طبعة دار التعارف، ج 2، ص 2 1.
6 5 1 ايقاظ النائمين، ص 6.
7 5 1 الاجوبة الغزالية في المسائل الاخروية، ضمن رسائل الامام الغزالي > 4<، ص 0 2 1.
8 5 1 ايقاظ النائمين، ص 7 و 9. كذلك: النظرة الدقيقة، ص 3ــ 4.
9 5 1 رسالة تحفه، ص 3 3 1ــ 4 3 1.
0 6 1 قرة العيون، ص 2 2 1ــ 3 2 1.
1 6 1 تفسير صدر المتألهين، ج 4، ص 8 4 3ــ 9 4 3.
2 6 1 تحفه، ص 3 6 1- 4 6 1 .
3 6 1 لاحظ حاشية تحفه، ص 4 6 1 .
4 6 1 الفيض الكاشاني: اصول المعارف، نشر دانشكده الهيات، مشهد، ص 8.
5 6 1 تحفه، ص 1 6 1 .
6 6 1 لاحظ الاسفار، ج 6، ص 1 6 .
7 6 1 عبد الرحمن الجامي: الدرة الفاخرة، مؤسسة مطالعات اسلامي، دانشگاه مك گيل، شعبة طهران، 0 8 9 1م، ص 1 1ــ 2 1 .
8 6 1 الاسفار، ج 2، ص 2 6.
9 6 1 شرح رسالة المشاعر، ص 8 4 1- 9 4 1 . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق