مع الطرابيشي في نقده لـ: نقد العقل العربي

يحيى محمد

تأتي هذه الدراسة بصدد نقد كتاب (نظرية العقل) للكاتب السوري المعروف جورج طرابيشي. ويعد هذا الكتاب حلقة أُولى لسلسلة من حلقات، وذلك ضمن مشروع مناهض اطلق عليه صاحبه: (نقد نقد العقل العربي)، حيث أراد به نسف وتقويض مشروع الجابري وذلك عبر تناول كتابه (تكوين العقل العربي) حصراً مع امتدادات عارضة إلى سائر كتبه الأُخرى.

وقد سبق للطرابيشي أن كتب مقالاً في العدد الأول من مجلة الوحدة ثمّن فيه كتاب الجابري الآنف الذكر، وذلك بعد ثلاثة أشهر من صدوره، وظن حينها أن هذا الكتاب جاء كاطروحة عن العقل وفي سبيل العقل. أما الآن في مشروعه الجديد فهو غير ما كان عليه في السابق، لا من جهة أنه أراد نسف فكر الجابري وتقويضه من الأساس؛ بل والأهم من ذلك إنه قام باتهامه فيما عرضه من أفكار وما اعتمده من مصادر. فالطرابيشي هنا ينقلب على ما كان عليه غاية الانقلاب. وهو في مشروعه الذي نحن بصدد تقويمه يعمد إلى تفكيك جملة من الاشكاليات التي تضمنها كتاب (تكوين العقل العربي)، مثل اشكالية العقل المكوِّن والعقل المكوَّن، واشكالية التفكير بالعقل والتفكير في العقل، واشكالية الضدية الابستمولوجية ما بين العقل العربي والعقل (اليوناني ـ الاوروبي)، واشكالية عقلانية التراث المغربي ولا عقلانية التراث المشرقي، واشكالية التوزيع الثلاثي للأنظمة المعرفية إلى ((برهان وبيان وعرفان))، واشكالية التكوين والتدوين... الخ (1). وقد طرح الطرابيشي الاشكاليات الثلاث الأُولى خلال الفصول الأربعة الأُولى من كتابه (نظرية العقل)، والذي تضمن خمسة فصول مطوّلة إذا ما استثنينا الفصل الأول منها. وهذه الفصول تتضمن العديد من الاستطرادات وحشو التفصيلات والمداخلات غير المعنية بالنقد في الغالب الا على نحو بعيد أو غير مباشر، وهي ربما تثير في نفس القارئ المهتم نوعاً من الملل والضجر. مع ذلك نرى أن الأهمية التي يمتاز بها هذا الكتاب هو ما طرحه من استعراض للتراث الشرقي القديم وعلاقته بصياغة الفكر المسمى باليوناني، فقد اعتمد المؤلف على عدد كبير من المصادر الفرنسية ليكشف عن الأُصول الشرقية لبدايات التفكير العلمي والفلسفي والتي لعبت دوراً بالمشاركة مع اليونانيين في تحديد تجاه سير التاريخ المعرفي عبر العصور.

أما من حيث علاقة الكتاب بنقد مشروع الجابري؛ فإن الطرابيشي يعد هذا المشروع عقبة ابستمولوجية، وذلك لما أحاط في وجه ((العقل العربي)) من سدود، ولما طرحه من اشكاليات مغلقة تحتاج إلى تفكيك ومن ثم إعادة بناء جديد تسمح لأن تؤهل الدراسات التراثية لأن تحرز تقدماً بعد أن أقفل الجابري عليها الباب(2).

لكن السلوك الذي اتبعه الناقد في تجاوز ما اطلق عليه بالعقبة الابستمولوجية لم يكن سلوكاً ابستيمياً بقدر ما هو عبارة عن نزعة جدلية اتهامية ايديولوجية. فالاتهام بكل ما ينطـوي عليه مـن حدّة وتحامل هـو ((الاشكـاليـة)) العامة التي تحدد موضوعات الـكتاب ومضامينه النقدية. والمبرر الأساس لهذه الاشكالية هو كما يقول الناقد إنه لم يجد من بين مئات الشواهد التي وظفها الجابري في كتابه (تكوين العقل العربي) سوى قلة قليلة لم يصـبها تـحريف أو تـزييف أو توظـيف بعـكس منـطوقها(3)، لذلك انـه عمد إلى ذكر شواهد من نصوص الجابري ليفككها ويعرّضها إلى شتى ألوان النقد والاتهام ولو عبر لفيف من الدوران والغوص في سجل التفصيلات الهامشية التي لا علاقة لها بالنقد مباشرة. مع هذا فمن المفارقة والطرافة أن نجد أن هذه التُهم التي تكال ضد الجابري هي نفسها قد انزلق بها الناقد ـ كثيراً ـ أثناء تعرضه لإدانة خصمه ونقده .

مهما يكن فالاشكالية العامة للاتهام كما تدل عليها مضامين الكتاب إنما تدور حول محورين رئيسيين، أحدهما يتعلق باتهام الجابري بخرق الطريقة الأبستيمية والعمل بممارسة ((المناقصات والمزايدات)) على حضارات العالم وعقولها وتبعياتها، بما يتضمن ذلك من التلاعب بجدول الحضور والغياب والذي اعتبره الناقد عبارة عن ((الثابت البنيوي الدائم في طـريقـة الإسـتدلال الجابرية))(4) . حـيث اتـهمه النـاقد انـه يكـيل بـالذم والمنـاقصة علـى الـعقول الشرقية وحضاراتها وكذلك يفعل نفس الشيء مع العقل العربي والحضارة العربية الاسلامية، في الوقت الذي يكيل بالمدح والمزايدة على العقلين اليوناني والاوروبي وحضارتهما، إلى درجة أنه يراهما يتحدان بالهوية والماهية ويحملان ما يطلق عليه بالعقل الكوني، خلافاً للعقل العربي الذي يراه على الضد منهما. أما المحور الثاني فيتعلق باتهام الجابري بالانتحال والسرقة والتحريف.

وعليه فإن نقدنا وتقويمنا لكتاب الطرابيشي إنما يمرّ من خلال هذين الممرين، حيث سنجد أن أغلب ما سطّره الناقد من نقد واتهام لم يكن موفقاً، أو أنه يمكن الرد عليه، إما على نحو كلي أو جزئي. وباعتقادنا أن ذلك يعود إلى كونه لم يتبع السلوك الابستيمي والتعامل مع الجابري كظاهرة مركبة تحتاج إلى تفكيك جميع عناصرها دون الاقتصار على أجزاء منها لرميها بشتى الاتهام والتنكيل، حيث في هذه الحالة يصبح الناقد مخترعاً لصورة هي أبعد ما تكون عن حقيقة الظاهرة كواقع موضوعي.

وإذا كنّا هنا لسنا بمعرض نقد فكر الجابري وتقويم المقدمات التي استعان بها للوصول إلى أحكامه ـ إذ يكفينا ما سبق عرضه من فصول ـ، فذلك لأنا أردنا أن نبين بأنه لا يصح أن نقرأ نظرية الجابري بالبتر والتشطير، بل الواجب النظر اليها نظرة كلية قائمة على الأكسمة في ربط الجزء بالكل، مع أخذ اعتبار ما يتحكم فيها من عوامل آيديولوجية مؤثرة بل ومحددة للنتائج.

نعم إن الناقد وفق حقاً في بعض النقود التي أثارها ضد الجابري، كما في تبيانه لبعض الممارسات التي يقوم بها هذا الأخير من التغييب لما يتعارض مع النظرية التي يطرحها، وقد وُفق حينما صرح بأنه يحمل ثابتاً بنيوياً من التلاعب في جدول الحضور والغياب. كذلك يمكن القول إنه نجح إلى حد ما في طرحه لبعض القرائن التي تدين الجابري بالانتحال، مثلما هو الحال مع شاهد الفيلسوف المحدث مالبرانش الذي أحضره ـ الناقد ـ ليثبت أن النص الذي نقله الجابري وأحال في الهامش إلى مجموعة أعمال ذلك الفيلسوف إنما هو خدعة وتزييف، حيث دلل بقرائن متعددة ليثبت أن الجابري لم يطلع على الأعمال الكاملة لذلك الفيلسوف ولا على أيِّ كتاب له، بل نقل النص بتقطيعاته وما يحمله من نقاط فراغ مع جميع المواصفات المتعلقة به كعدم ذكر رقم المجلد ورقم الصفحة من كتاب (معجم اللغة الفلسفية) لبول فوكييه، مثلما صنع ذلك في شواهد أُخرى عديدة كلها مقتبسة من هذا المصدر الخفي الذي ظل عنه ساكتاً. ومع أن الناقد ينجح في إثارة هذا المثال لعدد القرائن التي يذكرها في هذا الصدد، إلا أن شواهده الأُخرى لا تحمل مثل هذه القرائن القوية، ومع ذلك فالناقد يسارع إلى الاتهام بكل ثقة وقطع ولو لم يقدّم الأدلة الكافية، وأحياناً فإن الأدلة التي يقدمها ضعيفة للغاية إلى درجة تدينه نفسه في الزيف والتحريف. حتى يخيل للقارئ أن الناقد يستدل على المشابهة والاتهام بالانتحال والسرقة لأدنى مناسبة أو قرينة مهما كانت ضعيفة لا يمكن التعويل عليها. وهو الأمر الذي يضعّف من شأن النقد الذي يمارسه، بل وربما يمنع عنه، وذلك لعدم التأني في هذا الأمر من جهة. أما من جهة أُخرى فإن نزعة التحامل بادية على خطاب الناقد إلى درجة كبيرة، وهي صفة ربما لها الاثر الكبير في جعل الناقد لم يفهم أو يرد أن يفهم خطاب الجابري ومقاصده والجانب الوحدوي الذي يملأ أركان مشروعه الضخم بغض النظر عن سعة اختلافنا معه وتقديرنا لحقيقة النتائج التي توصل اليها.

أما الآن فلنبدأ بالنقد من خلال المحورين الذين أشرنا اليهما قبل قليل، وهما: محور المناقصات والمزايدات، ومحور الانتحال والسرقة والتحريف.

الاشكالية العامة للاتهام

أولاً: قانون المناقصات والمزايدات

معلوم أن الجابري يقسّم حضارات العالم التي إلتزمت الخط العلمي في التفكير إلى ثلاث حضارات هي اليونان والعرب واوروبا، وهو مع اعترافه بعظمة حضارات قديمة عديدة؛ فقد عدّها خارج الممارسة العلمية التنظيرية. وينطلق الجابري في تمييزه بين الحضارات الثلاث وبين ما سبقها من حضارات أُخرى قديمة؛ بمؤشرات يراها بمثابة الحكم الفصل في التمييز . حيث يرى أن البنية العامة للثقافة في الحضارات القديمة تمتاز بالسحر أو ما في معناه، بخلاف الحال مع الحضارات الثلاث التي مارست التفكير العلمي بوعي، إلى درجة أنها لم تنتج العلم فقط، بل نظريات في العلم أيضاً، فهي على حد قوله: ((وحدها ـ في حدود ما نعلم ـ التي مارست ليس فقط التفكير بالعقل بل أيضاً التفكير في العقل)). وهو يرى أن مسألة (التفكير في العقل) هي أسمى درجة من (التفكير بالعقل)(5).

وقد اعترض الناقد على القيمة التي أولاها الجابري لمسألة التفكير في العقل والتي عدّها أسمى من التفكير بالعقل. وهو أحيانا حاول أن يوقعه في الدور بخصوص اعتماد إحدى الـقضيتين على الأُخرى(6). كما أنه قلب المعـادلة ولم يتـقبل الحكم المطلق الذي حكم به الجابري في تحديد درجة المفاضلة بين المسألتين، واعتبر أن الأولوية يمكن أن تكون لمسألة التفكير بالعقل؛ سواء من منظار بعض الحضارات القديمة أو من منظور الحضارة الحديثة. لكنه مع ذلك يعترف بأن العقل مطالب اليوم بالتفكير بنفسه بوساطة العلم(7).

والواقع إن ما يقصده الجابري من التفضيل الذي أبداه واضح من السياق الذي تحدث فيه، فمن المؤكد إنه لا يقصد من معنى (التفكير في العقل) أنه عبارة عن التأمل المنفصل عن العلم، بل ما يرمي اليه هو التنظير العلمي، أو إنشاء النظريات المنبنية على العلم. فالتفكير بالعقل ينتج العلم كما هو مأخوذ من الموضوع الخارجي من الناحية الأساسية، أما التفكير في العقل فمادته ليس الموضوع الخارجي كما هو الحال مع العلم الذي ينتجه التفكير بالعقل، بل مادته عبارة عن عين العلم، والتفكير به ينتج النظريات العلمية، فبهذه المعادلة يصبح التفكير في العقل أسمى من التفكير بالعقل، وذلك فيما لو كان المعنى المراد منهما هو كما ذكرنا(8)، حيث يصبح التفكير في العقل يتضمن التفكير بالعقل مع إضافة تخصّه، أو أنه يتضمن العلم مع إضافة القالب النظري. فهو تمييز أشبه ما قيل عن التمييز بين الانسان والحيوان من حيث أن الثاني هو ذلك الذي يدري لكنه لا يدري أنه يدري، بخلاف ما لدى الانسان حيث انه يدري ويدري انه يدري، ولا شك أن لدينا في هذه الحالة حاسة أُخرى مضافة إلى حاسة الإدراك الأولية.

أما فيما يتعلق بالمناقصات والمزايدات التي يتهم بها الناقد الجابري فهي كالاتي:

1 ـ المناقصة على العقول الشرقية

أ ـ المناقصة على العقول الشرقية القديمة

يتهم الناقد الجابري بالمناقصة على العقول الشرقية القديمة السابقة لليونان لكونه يعتبرها لم تمارس التفكير في العقل، ولكون الطابع العام الذي غلب على تفكيرها هو الاطار السحري أو الاسطوري. والناقد يعترف بأن تلك الحضارات لم تمارس فعلاً التفكير في العقل، لكنه اعتبر ذلك إنما كان استناداً إلى المشروطـية الـتاريخية والمادية(9)، منتـقداً ما تصوّر أن نـظرية الجابري توحي بأن ((شعوب الحضارات القديمة امتنعت عن التفكير في العقل لعلة تكوينية تتعلق بصبغياتها الوراثية))(0 1). مع انه لا دليل على الإيحاء المذكور، بل على العكس تجد أن نظرية الجابري قائمة على مبدأ التأثير الظرفي في التكوين الثقافي والعلمي، وهي تؤكد ذلك بما لا مزيد عليه.

ب ـ المناقصة على سائر العقول الشرقية

1ـ برأي الـناقد إن المـناقصة التي يتـمركز حـولها خـطاب الجـابري إنمـا تتـمثل بمـحوري الإبخاس والتغييب. فالجابري يبخس من جانب قيمة العقل الذي تحمله الشعوب الشرقية، كما إنه يغيّب دور هذا العقل في بناء التفكير العلمي. فعلاوة على أنه غيّب دور الحضارات الشرقية القديمة وتأثيرها على حضارة اليونان وما بعدها، حيث بدلاً من أن ينطلق من منطق الاستمرارية تراه على الـعكس يـثبت مـنطق الـقطيعة بتـغييبه ذاك(1 1).. كذلـك انـه غيّـب الجنس الشرقي الذي شارك الجنس اليوناني في تكوين الحضارة التي أُطلق عليها فيما بعد باليونانيـة(2 1). ذلك أن للفيـنيقيين مـشاركة أساسية في تكوين العقل اليوناني منذ لحظة ظهوره الأُولى، وإن كانت كتابة التراث قد تمّت باللغة اليونانية ذاتها. والناقد يرى أنه لا يمكن تفسير الظاهرة اليونانية وإعجوبتها إلا بأخذ اعتبار المساهمة الفينيقية والشروط التاريخية التي أتاحت إمكانياتها، حيث أن الفلسفة اليونانية لم ترَ النور في أثينا ولا في البَر اليوناني، بل في أيونيا ذات الأعراق العشرة، في ساحل آسيا الصغرى، وفي عاصمتها ملطية، وهي المدينة اليونانية الفينيقية المزدوجة لغة والمختلطة سكاناً(3 1).

وكذا يتهم الناقد الجابري أنه غيّب دور سائر الأُمم الشرقية السابقة على الدور العربي، كما هو الحال مع العبريين والسريان والأرمن والجيورجيين وغيرهم ممن مارسوا (التفكير في العقل). بل وبرأيه أن الإبخاس يتخذ شكلاً جغرافياً، ليصبح كل ما يمتّ إلى الشرق بصلة فإنه ذو تفكير سحري لا عقلاني(4 1).

والواقع إن المدقق في نظرية الجابري لا يجد فيها مثل هذا المبنى العرقي أو الأثني، أو على الأقل إنه غير مضطر لأن ينجر إلى الحكم بمثل هذا الاتهام. فالجابري ليس بمعني في الكشف عن طبيعة الجنسيات والعرقيات التي ساهمت في تكوين ما يسمى بالعقل اليوناني أو الحضارة اليونانية، إن كانت شرقية أم يونانية أو غيرها. ذلك إن الأصل الذي يحكم نظرية الجابري في الأساس هو اللغة والمحيط؛ من حيث أنهما إطاران يحددان معالم التفكير والعقل، بغض النظر عن طبيعة الأُصول العرقية والوراثية التي يحاول الناقد اتهامه بها. وإذا نظرنا إلى ذلك العقل من وجهة نظر الجابري نرى أنه نتاج ذلك المحيط وتلك اللغة التي أُطلق عليها باليونانية. وبالتالي فإن اختيار هذا العنوان التقليدي ـ الذي لم يبتدعه الجابري ـ يتسق تماماً مع هذه النظرية. على هذا فإن الجابري يعد شخصيات شرقية واضحة المعالم هم ممن فكروا بذات التفكير العقلي الذي كان يفكرّ به العقل اليوناني، كما هو الحال مع افلوطين والعديد من رجال الحضارة العربية الاسلامية. وعلى العكس اعتبر عدداً من الفلاسفة اليونانيين كانوا واقعين في النزعة اللاعقلية الباطنية كما هو الحال مع فيثاغورس وافلاطون. بل واعتبر أن مصدر المعقول واللامعقول هو اليونان، حيث يقول: ((هكذا يبدو واضحاً، إذن، إنه في مقابل التاريخ (الرسمي) للفلسفة القديمة والمتّجه من أثينا إلى روما والمتفرع من أرسطو إلى افلوطين ثم إلى شرّاح أرسطو، يمكن كتابة تاريخ آخر لنفس الفلسفة القديمة يُكمل الأول ولا يلغيه ولكنه ينافسه ويصارعه، تاريخ يتّجه من أثينا إلى أفامية وينحدر من فيثاغورس وافلاطون إلى نومنيوس لينتقل عبر تلامذته والمتأثرين به إلى كل الاتجاهات الصوفية والباطنية والاشراقية التي عرفـها الـفكر الـعربي الاسـلامي مـشرقاً ومغرباً))(5 1). كما يرى أن النظرة الواحدية للكون الذي يقوم عليه التصوف الهرمسي قد سادت العالم القديم كله بما في ذلك الـفكر الـيوناني وهو في أوج عقلانيته(6 1). وهو يحـتمل أن يكـون مصـدر الهرمسـية نابعاً من أساتذة يونانيين، اذ اعتبر ((أن البحث العلمي الحديث أثبت بما لا يقبل الشك أن تلك المؤلفات ترجع في جملتها إلى القرنين الثاني والثالث للميلاد، وأنها كتبت في الاسكندرية من طرف أساتذة يونانيين، أو من طرف أساتذة قبطيين يعرفون اليونانية))(7 1). بل إنه في ذات الحدود اليونانية ونتيجة التطور الداخلي الذي حصل فيها عدّ أن اللامعقول العقلي قد آل اليه الأمر فظهر وغلب على المعقول العقلي، فبعد أرسطو مباشرة دخلت الفلسفة اليونانية في مرحلة التراجع والانحلال التي انتهت إلى استقالة العقل اليوناني وحلول اللاعقل محله(8 1)، وهو المسمى بالعصر الهيليني الذي فيه إتجه الناس إلى افلاطون يقرأونه بواسطة فيثاغورس(9 1). وكذا نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص المناطق، اذ تجده يعتبر بعض المناطق الشرقية في بعض الفترات التاريخية نتيجة لأسباب سياسية أو غيرها تنهج نهج المعقول العقلي الذي كانت عليه اليونان أيام ازدهارها، والعكس بالعكس. مما يعني أن نظريته لم تتخذ الطابع العرقي أو الوراثي الخاص، بحيث لا ينفي أن يكون المكان الواحد والعرق الواحد قابلاً لأن يصبح مورداً لإنتاج المعقول واللامعقول طبقاً لما يتأثر به من عوامل البيئة والثقافة المختلفة. نعم يلاحظ من جانب أن الجابري في الأساس يركز على التأثير الغالب للبيئة واللغة في تحديد النشاط الذهني للتفكير العقلي، سواء من حيث المحتوى أو الأداة، لكنه لا يعد ذلك سلباً للإرادة في الإفادة والتغيير، وبالتالي فإن نظريته لا يحكمها عامل الحتمية كالذي يحكم التفسيرات العرقية. أما من جانب آخر فهو أن الجابري أقام تأسيسه في موارد المعقول واللامعقول طبقاً لنظريات بعض الغربيين، خاصة فيستوجيير وبويش المختصين في الدراسات الهرمسية والغنوصية. فهو يتابعهما في الحكم بأن الشرق مصدر اللامعقول والنزعات العرفانية والهرمسية، وكذا يتابعهما في اعتبار فيثاغورس وافلاطون هما أيضاً ينهجان هذا النهج(0 2). كما يتابع الأول منهما في اعتـبار العقلانيـة اليونانـية تحتـقر التـجربة، الأمـر الـذي جعلها تتمزق، وذلك بعد أرسطو مباشرة، حيث أصبح العقل اليوناني وكأنه يلتهم نفسه. وهو يتكئ عليهما في كتابته لتاريخ آخر للفلسفة القديمة يُكمل التاريخ الرسمي المتعارف عليه، كما أنه استناداً إلى بويش يعد افلوطين يحمل عقلانية اغريقية بخلاف شيخه نومنيوس. وهو فوق كل هذا وذاك يستلهم منهما الافكار والمبادئ التي تتصف بها هذه النزعات مع ما يتضمن ذلك من تقييم عمدته الوصف باللاعقلاني واللامعقول والعقل المستقيل(1 2).

هكذا إن الجابري قد اعتمد على مثل هذه المسلمات التي أدلى بها بعض المختصين دون أن يشكك بمضامينها أو يتعرض إلى مناقشتها، بل على العكس إنه أقام جزءاً كبيراً من اعتباراته الفكرية عليها. لكن مع ذلك لا يعني بالضرورة أن تلك المسلمات التي تدين العرفان وتطلق عليه باللامعقول وترجع أُصوله في الأساس إلى بلاد الشرق؛ أنها تندفع تحت لواء العرقية. بل حتى لو فرضنا أنها لسبب ما من الأسباب واقعة في هذا المطب الآيديولوجي، فإنه ليس بالضرورة أن يصدق حالها على الجابري مادام أنه غير مدرك لحقيقة الملابسات التي ينطوي عليها البحث المنتج لتلك المسلمات.

مع هذا يمكن القول إن الجابري متأثر للغاية بالنظرة الغربية لما يسمى بالعقل اليوناني في قبال ما صُوّر انه نقيضه من العقل الشرقي. فهذه النظرة هي من الثوابت الأساسية التي ينطوي عليها مشروع الجابري برمته، ذلك إنه جعل لكل من العقلين نظاماً خاصاً يتنافى كلياً مع ما للآخر. وقد سبق أن بيّنا ـ سواء في هذا الكتاب ضمن حدود، أو في كتابنا: مدخل إلى فهم الاسلام ـ زيف هذه الدعوى وبطلانها.

أما بخصوص الحضارات الشرقية التالية لليونان والتي سبقت الدور العربي الاسلامي فمن الواضح أن الجابري لا يغيبها لأجل التغييب، بل انه يعتبر إمتدادها، وعلى الأقل إمتداد بعضها، عالقاً بالحضارة اليونانية. بل الناقد ذاته يعترف أن من سبق الحضارة العربية الاسلامية قبل الحضارة اليونانية كانوا أسيرين لمنطق الافلاطونية المحدثة(2 2)، مما يعني انهم ممتدون تحت إطار العقلية اليونانية. وهو ما لا يتنافى مع إطروحة الجابري. لهذا فإنه يستبعد أيضاً الحضارة الغربية في القرون الوسطى مع أنها ساهمت في ممارسة (التفكير في العقل)، وقد نـقده النـاقد عـلى هـذا التـغييب(3 2). وهو أمر يـدل على أن نـظرية الـجابري ليست محكومة بالشبهة العرقية والوراثية، وإلا كان عليه أن لا يهمل حضارة الغرب في القرون الوسطى، بل لكون مثل هذه الحضارة لا تمثل عنده سوى بروز يتغذى من نفس المائدة التي أحضرتها حضارة الأم (اليونان)؛ لذلك أبعدها عن تصنيفه الثلاثي.

2ـ وفي ظـل تـلك المنـاقصة اتـهم النـاقد الجابري بتغييبه لحضارة شرقية قديمة مستقلة لم تختلف في نمط تفكيرها عن اليونان وغيرها من الحضارات الثلاث، من حيث أنها كانت تمارس التفكير بالعقل وفي العقل، وهي الحضارة الهندية التي اقترن بروزها إما مع ظهور حضـارة الـيونان أو قـبـلها(4 2)، اذ مـارست التـفكـير الفـلسفي والمـنطقي مثـلما هو الـحال عـند اليونان.

ولا شك أن هذا الاشكال يرد على نظرية الجابري، وإن كانت الاشكالية الهندية تظل بدورها تتماثل أو تتشابه مع الاشكالية اليونانية من جانب، كذلك فإن الأثر والزخم الذي ولّده العقل الهندي لا يقاس بالقدر الذي أثّر به العقل اليوناني، لذلك فربما من مثل هذه الاعتبارات قد يكون التركيز منصباً على اليونان دون الهند وإن كان هذا لا يعفي الجابري من الإشارة اليها أو من تبيان دورها في التفكير، وذلك على فرض أن ظهورها اقترن مع ظهور العقل اليوناني، أما إذا كانت سابقة عن ذلك فإن إظهارها وإحضارها يصبح أمراً لا غنى ولا مفر منه، لكن مع جميع هذه الاعتبارات يظل أن الجابري بهذا الإغفال أو الجهل لا يترتب عليه بالضرورة أن يكون تفسيره منطلقاً من منطق المناقصة على العقل الشرقي الذي يحاول الناقد إدانته به.

2 ـ المناقصة على العقل العربي

اتهم الناقد الجابري إنه يقوم بعملية هجاء واحتقار للعقل العربي في قبال العقلين اليوناني والاوروبي الذين ضمّنهما المديح الكامل. وقد انطلق الناقد في اتهامه هذا من التضاد الذي أبداه الجابري بين العقل العربي من جهة والعقلين اليوناني والاوروبي من جهة أُخرى(5 2)، خاصة وأن هذا الأخير يوحّد في ماهية العقلين الأخيرين.

لكن يلاحظ أن ما قصد اليه الجابري بمسألة (الضدية) ليس بأكثر من معنى الاختلاف كما هو صريح لفظه، بخلاف ما صوّره الناقد واتهمه به(6 2).

مع ذلك هناك آثار ضدية بين العقلين أبرزها الناقد كدلالة على تهمة المناقصة. فمن ذلك أن الجابري قد غيّب ((الطبيعة)) في الممارسة الفكرية للعقل العربي وأحضر عوضاً عنها ((الإله)) كعنصر مستقل، وهو على عكس ما صوّره بالنسبة للعقل اليوناني ـ الاوروبي. كذلك فإنه غيّب منطق المطابقة بين العقل والواقع من العقل العربي، وجعل ذلك من مختصّات العـقلين الـيوناني والـغربي(7 2). مع أن هذه المـطابقة برأي الناقد ليست غريبة عن العقل العربي الاسلامي فحسب، ((بل هي من انتاجه أصلاً))، وهو يستشهد على ذلك بما ذكره القديس توما الاكويني من أن الفيلسوف العربي اسحق بن سليمان الكحال هو من عرّف الحقيقة بأنها ((مطابقة الشيء والعقل))(8 2). وكذا بخصوص إبخاس قيمة اللغة العربية والعقل العربي عموماً ووصفهما بالفقر والضعف، بخلاف ما يتعامل به مع المعطيات اليونانية والاوروبية(9 2).

والانصاف إن الناقد بهذا يمارس نفس الدور من التغييب لما في نظرية الجابري من حضور. فرغم أن الجابري يصرح أحياناً بتغييب بعض القضايا المتهم عليها، إلا أنه لا يغيّبها تغييباً مطلقاً، فهو بالنسبة إلى الطبيعة في العقل العربي يراها غائبة نسبياً، وعلى ما يبدو أن هذا التغييب النسبي ينحصر عنده في النظام البياني الذي عمّ وساد لدى الغالب من الثقافة العربية، خاصة إنه يجعل من وظيفة الطبيعة في هذا الغياب النسبي هو أنها مجرد واسطـة للـعقل تُتـخذ لمـعرفة الله(0 3)، ولا شك أن هـذه الوظـيفة لا نجـدها من حيث الأساس إلا لدى علم الكلام المنضوي تحت النظام البياني. لهذا فهو في خاتمة كتابه (تكوين العقل العربي) يصرح بأن موضوع العقل البياني لا يقبل بطبيعته التجربة وهي نقطة ضعفه الأساسية والخطيرة، خاصة وأن علوم هذا العقل قد احتلت أوسع رقعة في الثقافة العربية(1 3). كذلك إنه يضفي على النظام البرهاني العربي نفس الخصائص والصفات التي يصف بها العقل اليوناني كما هو متمثل بشخص أرسطو، لذا كيف يمكن أن نتصور إنه يغيّب الطبيعة من هذا النظام وهو يضعه في تلك المرتبة؟! نعم إنه اعتبر مكانة النظام البرهاني في الثقافة العربية لم تكن بنفس المكانة التي كان فيها لدى اليونان ولدى اوروبا المسيحية، وذلك أن دخول النظام البرهاني في هذه الثقافة إنما جاء في الأساس لأغراض سياسية توظيفية، كما أنه لم يحضر متحرراً من شوائب الهرمسية واللامعقول باستثناء ما كان لدى ابن رشد، يضاف إلى أن حضوره كان في مكان يزدحم بسلطة النظام البياني الذي له عقله الخاص بما جعله مستغنياً عنه(2 3). فلهذا وذاك كان حضوره ضعيفاً، وهو أمر لابد أن ينعكس على حضور الطبيعة. ناهيك عن أن الجابري لا ينكر وجود العلم العربي ـ المتضمن لحضور الطبيعة ـ، بل إنه وإن رآه مهمّشاً ومعزولاً خارج مسرح الصراع المستفحل بين الأنظمة الثلاثة في الثقافة العربية؛ لكنه اعترف له مع الجانب الفلسفي العربي بالفضل الكبير في قيام النهضة الغربية(3 3).

هكذا نرى أن ما قصد اليه الجابري من غياب بعض العناصر أو حضورها لا يتجاوز أساساً النظام البياني دون غيره من الأنظمة الأُخرى في العقل العربي. وإذا كان لم يصرح بذلك مباشرة، فذلك لأنه من جهة كان بصدد عرض المقدمات الأولية لمشروعه دون الدخول في تفاصيل الأنظمة المعرفية وحتى التعريف بتحديدها وتعريفها. وكذلك فلأن سلطة النظام البياني وشيوعه هي الطاغية على الثقافة العربية بالقياس مع النظام البرهاني الذي عدّه آخر الأنظمة الثلاثة تأثيراً في هذه الثقافة بخلاف ما هو الحال لدى الثقافتين اليونانية والغربية. فهذا ما يفسر علة اعتباره بعض القضايا الحاضرة لدى هاتين الثقافتين غائبة في الثقافة العربية، وكذا العكس. كما يفسر علة وصفه للعقل العربي بالضعف والضحالة بالقياس مع العقلين الآخرين، فهو لا يريد إلا الأمر الذي غلب على العقل العربي، وهو النظام البياني في الدرجة الرئيسية والذي له علاقة باللغة المنعكسة عن البيئة الصحراوية التي تمتاز عنده بالفقر والضحالة.

على أنا ـ هنا ـ لسنا بصدد مناقشة إطروحة الجابري، فقد سبق أن كشفنا عن الأخطاء الفادحة التي وقع بها، وبيّنا المسالك الايديولوجية التي جعلت من فكره يقع في جملة من المفارقات والتناقضات. لكن ما نودّ التنبيه اليه؛ هو أن اعتراف الجابري بوجود نظام مستقل وسط ثلاثة أنظمة للعقل العربي، ودعوته إلى إعادة تبني طريقة هذا النظام (العربي) المغيّب وذلك من أجل الخلاص من الضعف العقلي والبدء بالنهضة؛ هو في حد ذاته ينفي عنه تهمة المناقصة على العقل العربي، كما ينفي عنه شبهة العرقية والإطار الأثني.

نعم إن ما تحكّم في طريقة الجابري هو العامل الآيديولوجي من حيث إنه يبحث عن سبيل للنهضة بتجاوز ظاهرة الانحطاط الحضاري التي مرّت بها الأمة العربية والاسلامية دون أن تغيّر من الواقع شيئاً، لذلك فهو إذ يجعل مسؤولية هذا الانحطاط على ما ساد لدى المشرق العربي من أنظمة مشوبة بـ ((اللامعقول)) مع فقر النظام البياني، فإنه في الوقت ذاته يراهن على أن سبيل النهضة ينطلق من ((اللحظة المغربية)) المغيّبة، وهي المتمثلة أساساً بطريقة إبن رشد الفلسفية ضمن ما يطلق عليه بالنظام البرهاني، والغرض من ذلك هو تحقيق ايصال التاريخ القومي للعرب بالتاريخ الثقافي العالمي، خاصة وهو يرى أن بذات النظام البرهاني وببنيته قام الفكر الحديث والمعاصر الغربي. فمن هذا التحليل يعتبر أنه لابد لهذا العصر الجديد من بداية هي نقد السلاح، نقد ((العقل العربي)). مما يعني أنه قد عدّ نفسه حاملاً لمفتاح النهضة بنقده للعقل العربي وتبيانه لنواحي القصور والقوة فيه. ولا شك أن هذا العمل التحليلي وما ينطوي عليه من اعتراف بوجود عناصر متضادة في العقل ـ القصور والقوة ـ هو أبعد ما يكون عن المناقصة والعرقية. بل قد يقال إن إدخال الجابري للنظام البرهاني داخل العقل العربي جعل منه وكأنه يزايد على هذا العقل من حيث إنه يحمل عقول العالم الثلاثة ـ اليوناني والعربي والاوروبي ـ دفعة واحدة كما سبق أن عرفنا، حيث في هذه الحالة يصبح متفوقاً على غيره بوجود هذا التكثر للعقل، وبه لا يصبح للتغريب الثقافي من معنى، إذ السائر في هذا الدرب من التغريب يمكنه أن يرى نفسه عربياً صرفاً، حيث إنه يتبع إحدى صيغ العقل العربي أو ثقافته. وهذا التناقض إنما يصدر لما في طريقة الجابري من تناقض لا يفسره غير الآيديولوجيا التي سبق أن كشفنا عنها.

على أنه لا يمكن أن نتهم الجابري بالمناقصة ما لم يكن ـ على الأقل ـ حاملاً لهوية الآخر، كإن تكون هويته هوية تغريبية. والحال إنه لا فقط يعدّ نفسه عروبياً قومياً مما هو ليس بموضع شك، بل كذلك إنه كثيراً ما يعرّض النزعة التغريبية إلى النقد، حتى من الناحية الابستمولوجية، كما يلاحظ في كتابه (الخطاب العربي المعاصر) الذي عرّض فيه تيارات هذه النزعة إلى النقد بما لا يختلف عن نقد التيارات التي ترمي إلى النزعة التتريثية، من حيث أنها جميعاً تستند إلى شاهد لتقيس عليه ما هو غائب، وهي الطريقة التي يعدّها غير علمية بخلاف ما يسلّم به من الطريقة الفلسفية المدعاة بالبرهانية.

3 ـ المزايدة على العقلين اليوناني والغربي

واضح إن الجابري يتبنى الاطروحة ((اليونانية)) متمثلة أساساً بالعقل الأرسطي في طريقته لفهم الواقع. وهو في الوقت ذاته يعد العقل اليوناني (الأرسطي) متحداً مع العقل الاوروبي الغربي رغم التطورات الكبيرة التي ظهرت منذ ظهور العقل الأول وحتى يومنا هذا. فكلاهما يقومان على ما يطلق عليه بالنظام البرهاني، وكلاهما يجعلان من العقل مطابقاً للحقيقة الواقعية أو الطبيعة، وكلاهما يعتبران العلم متوقفاً على التسليم بالسببية الحتمية. فمن خلال هذه السببية يتأسس العلم والبرهان، وكذلك تتحدد المطابقة بين العقل والطبيعة، وبالتالي فهناك ثابتان في بنية الفكر اليوناني الاوروبي هما العقل والطبيعة مع غياب الإله كطرف ثالث مستقل، بخلاف ما لدى العقل العربي.

وقد استدل الجابري على ذلك باستشهاده بجماعة من الفلاسفة المحدثين الذين ساروا على خطا الرؤية العقلية اليونانية، وذلك بتثبيت مبدأ المطابقة أو المساوقة بين العقل وقوانين الطبيعة، من أمثال مالبرانش وديكارت وسبينوزا وكانت وهيجل(4 3).

واذا تجاوزنا ما لبعض هؤلاء الفلاسفة من اختلاف في موقفهم إزاء علاقة العقل بنظام الطبيعة، وبكيفية خاصة عمانوئيل كانت الذي لا يقرّ المطابقة كما هي في مفهوم النظرية العقلية الأرسطية، وكذا هيجل الذي يرى المطابقة عبارة عن صيرورة تتحقق عبر التاريخ.. وكذا لو تجاوزنا موقف الفلاسفة التجريبيين من السببية والعقل بخلاف ما لدى النظرية العقلية، خاصة فلسفة دافيد هيوم التشكيكية.. فمع ذلك نرى أن الجابري قد سكت عن آخرين لم يقروا مقولة المطابقة؛ كما يتضح الحال لدى الوضعية المنطقية، بل الاتجاه العام للعلم والفكر المعاصرين.

أما المؤاخذات التـي أبـداها النـاقد بهـذا الـصدد، فـهو إنه اعتبر الجابري قد زايد لصالح العقلين اليوناني والغربي بما هو بعيد عن الحقيقة كالآتي:

1ـ حاول الناقد أن يُحضر ما غيّبه الجابري من السلطة السحرية والاسطورية التي خيّمت على الحضارة اليونانية وهي في أوج ازدهارها. فهناك الممارسات السحرية ((التي تصاعد مدّها في القرن الخامس، قرن بريكليس وسقراط، وأدرك ذروته في القرن الرابع، قرن افلاطون وأرسطو))، وذلك كالرقى والتعاويذ والدمى المسحورة وآلهة السحر والأعياد والـطقوس الـدينية والعرافة وغيرها(5 3)، مما يجعلها ليست مجرد حضارة عقل، ولا أنها تحمل ثابتين هما العقل والطبيعة فحسب، فالإله في مثل هذه الصورة يُعد طرفاً مستقلاً مع غياب العقل والطبيعة. ومن ثم تكون الحضارة اليونانية هي كغيرها من الحضارات السابقة تحمل ذات الهجين من عناصر العقل والطبيعة والإله والسحر والمعقول واللامعقول.

مع ذلك يلاحظ أن ما يبرر للجابري وصفه للحضارة اليونانية بأنها حضارة عقل وأنها تحمل ثابتين هما العقل والطبيعة؛ إنما ينبعث من كون هذه الحضارة قد أمدّت الفكر البشري بزخم من الآثار القوية والسابقة على صعيد الفلسفة وبشيء من علم الطبيعة. وهو نفسه لا ينفي وجود النزعات اللاعقلية في الفكر اليوناني، بل كما رأينا انه يجعل من اليونان مصدراً للمعقول واللامعقول، يضاف إلى أنه يحتمل بأن مصدر الهرمسية قد نبع أساساً من أساتذة يونانيين. فاذا كان الجابري يزايد على شيء فإنما هو أرسطو أو طريقته المسماة بالبرهانية. وإن كنّا نرى أن ذلك نابع عن الآيديولوجيا التي يعمل الجابري بهاجسها كما سبق أن حققنا، حيث أنه مفكر قومي يرى أن النهضة العربية لا يمكن أن تقوم لها قائمة من غير اعتبار للسند التراثي، وباعتقاده أنه ليس هناك سند تراثي يمكن الإتكاء عليه للحاق بركب الطريقة الغربية غـير تلـك الجهة العقلية الـتي أمدت الـفكر الـغربي بالنـهوض؛ بعيداً عن الطرق البيانية والعرفانية ، وهذه ليست متحققة بشكلها الأكمل إلا لدى إبن رشد الفيلسوف؛ الذي عُرف بوفائه لأرسطو وإتّباعه له.

نعم إن الغلو الذي يقع به الجابري هو حين يجعل من مقولة ثبات العقل والطبيعة تمتد إلى الفكر المسيحي، حيث يتصور أن فيه يغيب الإله كقوة مفارقة مستقلة، وهو يستشهد على ذلك بتأويل للفكرة اللاهوتية المسيحية عن ((تجسّد الله في المسيح)) كطرف واحد في قبال طرف الطبيعة(6 3). وهو أمر قد أشبعه الناقد بالنقد(7 3).

2ـ طـبقاً لقـانون المزايدة اتـهم النـاقد الـجابري بأنـه قـد عـزا أُبوّة مقـولة (المطابقة) إلى العقل الغربي الحديث حصراً، رغم أن هذا المفهوم ليس فقط إنه ورد لدى العقل العربي الاسلامي، بل هو من إنتاجه أصلاً(8 3).

والواقع لا ارى لهذا الاتهام من مبرر، فضلاً عن أن الجابري لا يعزو أُبوة تلك المقولة إلى العقل الغربي الحديث كما يصرح الناقد، بل إنه اعتبر العقلين اليوناني والاوروبي مشتركين في حمل هذه الفكرة كعنصر ثابت. فهو يقول بالحرف الواحد: ((المطابقة بين العقل ونظام الطبيعة والقول بأن العقل يكتشف نفسه في الطبيعة ومن خلال التعامل معها ثابتان أساسيان في بنيـة الـفكر الـغربي، اليونـاني ـ الاوروبـي))(9 3). ومع ذلـك فـنظريته لا تـنفي أن تكون هذه المطابقة وسط العقل العربي، وإن كانت تظل في هامشه لدى النظام البرهاني بالخصوص.

3 ـ كما يؤاخذ الـناقد الـجابري على مزايدته في اعتـبار الفكر الاوروبي الحديث والمعاصر قد سارا باتجاه ما كان عليه العقل اليوناني. حيث يلاحظ أن الجابري مارس حالة التغييب بحق العلماء والفلاسفة التجريبيين الذين ساروا في الاتجاه المخالف لما كانت عليه العصور السابقة ومنها الحضارة اليونانية. بل يضيف الناقد بأن مالبرانش الذي استشهد به الجابري للدلالة على الإمتداد الاوروبي لليونان هو نفسه من يعرّض مبدأ السببية الحتمية للنفي مثل ما فعل الغزالي من قبل(0 4). وهو أمر شبيه بما لحظناه في تعامله مع إبن خلدون والشاطبي وحتى إبن حزم. كذلك فإن سبينوزا الذي يستشهد به الآخر كدلالة على ذلك الإمتداد؛ هو الآخر نفسه كان يسخر من سذاجة سقراط وافلاطون وأرسطو(1 4).

لكن مع ذلك نرى أن السياق العام لفلسفة سبينوزا من حيث موقفه من العقل ونظام الطبيعة تجعلانه يسير في نفس هذا الاتجاه، خاصة وقد كانت فلسفته تصب في وحدة الوجود.

على أن أهم ما في الأمر هو أن الفكر الغربي المعاصر هو فعلاً يختلف تماماًَ عما كان متصوراً إزاء فكرة التطابق بين العقل ونظام الأشياء بخلاف ما ادعاه الجابري. وهو أمر قد أكد عليه الناقد وإن كانت تحليلاته في هذا الصدد ليست صحيحة أو مورد اعتماد.

ففيما يتعلق بالتحول الذي جرى لدى الاعتقاد العلمي المعاصر يُخطئ الناقد حيث يتصور أنه يتبنى مقولة اللانظام خلاف الطريقة الأرسطية والتصور الديني للعالم، معتمداً في ذلك على نصوص لبعض الغربيين هي أشبه بالنصوص الأدبية منها بالعلمية(2 4).

كما يخطئ حيث يتصور أن العلم المعاصر قد اخترق مفاهيم أرسطو في عدم التناقض والهوية والسببية، معتبراً أن الطبيعة تجرى مجرىً مخالفاً تماماً لهذه المبادئ(3 4).

والواقع إن النظرة المعاصرة ما زالت تلتزم في الغالب بسيادة النظام ودون اختراق لتلك المبادئ، رغم أنها لم تتخذ الطريقة الأرسطية. فنحن نعلم أن أرسطو وضع هذه المبادئ كقوانين تتحكم في كل من الموضوع الخارجي والفكر الانساني عامة. وبحكم كونها أولية وضرورية فإن المنطق الأرسطي ـ وعلى رأسه البرهان ـ يتوقف على التسليم بها، حيث لا يمكن أن تكون هناك معرفة صحيحة من غير الاعتماد عليها. فأرسطو يقول: ((فإن لم يكن سبيل إلى علم الأوائل؛ فانه لا سبيل إلى أن نعلم على الاطلاق الأشياء أيضاً التي عن هذه، ولا سبيل أيـضاً إلى أن تـعلم على الـحقيقة))(4 4). وبـنظر هذا المعلم أن تلك المبادئ وإن كان لا يمكن البرهنة عليها؛ إلا أن اكتشافها يأتي عن طريق ممارستها من خلال الاستقراء حدساً. فهو في (التحليلات الثانية) يؤكد أن معرفة المبادئ الأولية إنما تحصل من خلال الاستقراء لا البرهان، وذلك من خلال الاعتماد على الادراك الحسي لاقتناص الكلي، بفضل قوة الحدس(5 4).

لذلك من العجب أن يقال عن المنطق الأرسطي بأنه عبارة عن فيزياء الجسم الصلب، كما هي مقولة كونزيت، وقد أيدها كل من الجابري والناقد(6 4)، مع أن الناظر في هذا المنطق يجده في غاية التجريد والرياضة، خاصة وأن الاعتبار الذي يقيمه أساساً هو كيفية بناء المعرفة الصحيحة وتمييزها عن سائر المعارف الأُخرى ضمن ضوابط وأُصول وشروط هي أبعد ما تكون عن الجسم واعتباراته. كيف وهو يرى أن كل المعارف بما فيها معرفة الجسم إن كان صلباً أو غيره تتوقف أساساً على المبادئ الأُولى ؛ وعلى رأسها وأولها مبدأ عدم التناقض كما رأينا. ولو أن كونزيت قصد العلم الطبيعي لأرسطو ـ وما يتوقف عليه من فلسفة ـ لا المنطق؛ لكان محقاً، حيث أن هذا العلم اتخذ ـ فعلاً ـ من الجسم الصلب موضوعاً له. وهو يتناسب مع المقارنة التي أقامها بينه وبين العلم الحديث الذي اتخذ من الجسيم الذري موضوعاً له، معتبراً أن الفارق بينهما كبير جداً، حيث أن الأول منهما بدائي بخلاف الآخر الذي هو في غاية الرقي والتطور. فهو يصرح بصيغة عنوان فرعي: ((المنطق علم طبيعي أولاً))، ثم يشرع بالشرح قائلاً: ((العلم الطبيعي الذي يأخذ المنطق شكله ذو طابع بدائي للغاية)). إنه ((ليس الفيزياء بمعناها الحاضر والناجز... بل الفيزياء بوصفها الفصل الأول، الخطوة الأُولى نحو الفيزياء المخبرية))(7 4).

والذي يبدو من هذا النص أن كونزيت يضع المقارنة قائمة بين المنطق (الأرسطي) وعلم الفيزياء الحديثة، لذلك فهي غير متسقة، إذ كان الأجدر أن يقارن إما بين المنطق الأرسطي والمنطق الحديث، أو بين العلم الأرسطي والعلم الحديث المتمثل بالفيزياء الذرية.

مهما يكن لابد من التفريق بين المنطق والعلم الأرسطي، حيث أن الأول بخلاف الآخر هو في غاية التجريد، وعلاقته منشدة نحو الرياضة بدرجة لا تقل عن انشدادها عن ((الموضوع الخارجي)) وليس الجسم الصلب فحسب. مما يعني أن أرسطو هو ـ كأي مفكر وعالم ـ وإن تأثر بمحيطه الخارجي، لكن لا يمكن اختزال ما قدّمه انطلاقاً من الاسقاطات الآلية للبيئة عليه. فلا يمكن تصور أن يكون الجسم الصلب قد حدد منطقه والفلسفة التي تبناها طولاً وعرضاً، رغم ما لذلك من التأثير كـ ((موضوع خارجي)) له مواصفات عامة تختلف عما انتهى اليها العلم الحديث. ذلك أننا إذا حددنا الفكر الأرسطي بمقولة الجسم الصلب لكان لزاماً أن نطيح ليس فقط بكل ما أنتجه أرسطو من معارف عقلية مجردة، بل وما أنتجه الفكر الانساني الذي يتفق معه في المبادئ والمقدمات إلى يومنا هذا، حتى من طرف الكثير من العلماء والفلاسفة المعاصرين الذين لم يشككوا بصحة تلك المبادئ.

هذا من جهة، أما من جهة أُخرى فهو أنه لا يمكن فهم المبادئ الأولية ـ الآنفة الذكر ـ على حقيقتها من غير مراعات للشروط الخاصة المقررة لدى المنطق الأرسطي. ومع هذه المراعات فإنها تكون بمنأى عن سهام الخرق التي حاول البعض استهدافها. لذلك تجد الكثير من العلماء وفلاسفتهم كالوضعيين المنطقيين وغيرهم؛ اعتبروا مبادئ مثل الهوية وعدم التناقض هي صادقة وصحيحة بالضرورة لكنها تحليلية لا اخبارية، حيث إنها ليست سوى تكرار وتحصيل حاصل دون أن تخبر بشيء جديد عن الواقع(8 4).

كما أن بعضهم اعترف بمبدأ السببية العامة على أنه اخباري، وهو وإن رفض فكرة الضرورة التي ينزعها الذهن عليه؛ إلا أنه اعترف بعدم وجود شاهد يمكن من خلاله تكذيبه وبالتالي نسف العلم الأرسطي الذي يقوم عليه(9 4).

والواقع إن العلم عاجز عن أن يمدّ يده نحو مثل هذه المبادئ. فمن جهة أن مبدأي عدم التناقض والهوية يعد الاخلال المبدئي بهما هو في حد ذاته اخلالاً بالعلم والفكر، أي بنفس القضية التي تتناولهما، من حيث أن أي خرق لهما هو في حد ذاته يتناقض مع نفسه، أو أنه إنما لا ينجح إلا بشرط القيام عليهما. نعم لابد في مثل هذه الحالة من التمييز في هذين المبدئين: كقضيتين وكواقعين وجوديين. فمن حيث أنهما قضيتان لا يمكن المساس بهما، حيث كل مساس بهما مآله التناقض، أو مآله الاعتماد عليهما بالذات، وبالتالي الدور والتناقض. أما المساس بهما كواقعين وجوديين فإنه هو الآخر وإن كان لا يبعث على التناقض والدور إلا أنه لا يمكننا الاستدلال عليه مطلقاً، كما لا يمكننا الاستدلال على خلافه. ومثل ذلك كمثل الحياة العامة الكلّية أو الواقع الإجمالي من حيث انها لا تقبل الخضوع إلى مطلق الدليل؛ سلباً وايجاباً، سواء بالعقل أو بالاستقراء، وإنما يشهد عليها الوجدان فحسب (0 5).

أما السببية فيلاحظ أن المبدأ العام منها لا يمكن خرقه بواسطة العلم. إذ يظل الفكر البشري معتقداً أن أي تغيّر وحادثة لا يحصل إلا بسبب ما؛ سواء استطاع هذا الفكر أن يتوصل إلى حقيقة السبب أو أنه عجز عن ذلك. لكن بخصوص السببية الخاصة من المعلوم أن التصور الأرسطي لها قائم على فكرة الضرورة، حيث الاعتقاد بأن علاقات الوجود تجري بحسب الروابط التي تحددها العلية من أعلى المراتب وحتى أسفلها، وإن كان تحديد معرفة السبب أو ما هو مقترن به بالطبع تظل خاضعة للطريقة الاستقرائية المسماة لدى المناطقة الاسلاميين بـ ((التجربة))، وذلك عن طريق مبدأ عقلي يقول: (الاتفاق أو الصدفة لا يكون أكـثرياً ولا دائمياً)(1 5). فبالاعتماد على هذا المبدأ تتقرر العلاقة الحـتمية بين ما يعرف بالسبب - أو ما هو مقارن له بالطبع - وبين ما يعرف بالمسبب. مع ذلك يلاحظ أن التقليد الأرسطي يرى أن من الجائز الوقوع في خطأ ((التجربة)) فيؤخذ ما بالعرض بدل ما بالذات، ومنه تكـون الـنتيجة غـير محـتمة(2 5)، وهو استدراك يتناسب كـلياً مع التـغيرات العلمية التي أظهرت أسباباً حقيقية للحوادث لم تكن تعرف في السابق. وعليه فإن مثالاً تقليدياً من قبيل احتراق القطن بالنار، وإن كان يبدو ساذجاً من أول وهلة وذلك إذا ما عُزل عن شروطه الخاصة، إلا أنه مع أخذ جميع شروطه فإن المثال يظل مورداً من الموارد الفلسفية الذي كان موضعاً للاختلاف بين المتكلمين والفلاسفة. وخلاصة الخلاف، هو أنه هل يمكن لمادة القطن أن لا تحترق إذا ما كانت هناك ذات الشروط المادية المهيئة لاحتراقها سواء الشروط الخاصة بالنار أو بالقطن أو بالعلاقة المباشرة بينهما، فالملاحظ أن مثل هذا السؤال هو من صميم البحث الفلسفي يخرج عن كونه ذا طبيعة علمية، من حيث إنه ينقلب إلى سؤال ميتافيزيقي عبارة عما إذا كانت هناك قوة خارقة أو متعالية كالإرادة الإلهية يمكنها أن تفعل شيئاً خلاف الشروط المعهودة، أم أنه لا يمكنها ذلك. وبالتالي فهل السببية الخاصة مجرد عادة أو أنها ضرورة؟

يتبين من ذلك أن العلم لا يتمكن من أن يخترق السببية؛ لا بمفهومها العام الشامل، ولا حتى بمفهومها الخاص، طالما أن قابلية العلم على الكشف عن المستجدات من الشروط والأسباب لا تلغي المعنى الفلسفي من القضية. بل إن بعض العلماء وفلاسفة العلم المعاصرين ظلوا يعتقدون بتمسكهم بالجانب الحتمي من هذه السببية لعلاقات الطبيعة، كما هو الحال مع انشتاين الذي خالف أصحاب نظرية الكوانتم في اعتقادهم بأن الصدفة ولو بالمعنى الرياضي الاحصائي هي الحاكمة في المجرى العام للكون على شاكلة لعبة الزهر على الطاولة، حيث اعتقد أن هناك نظاماً حتمياً صارماً هو الذي يطبّق في العلاقات التي يشهدها الكون. وكذا هو الـحال مع فـيلسوف العلم المعاصر برتراند رسل، حـيث اعـتقد أن المنـهج العلمي لا يتخلى عن بعض المصادرات التي لا يشتق صدقها من أي تجربة، حيث يُعتقد بها منذ البدء، مثل مبدأ السببية المتضمن للحتمية واطراد الحوادث وسلطان القانون في العالم الطبيعي(3 5).

هكذا يتضح أن المبادئ المعرفية الثلاثة التي جاء بها المنطق الأرسطي غير قابلة للخرق والنقض إذا ما روعيت فيها شروطها الخاصة، بغض النظر عن مقدار القيمة العلمية التي يمكن أن تحملها وهي بهذا الشكل من التقييد.

ثانياً: الانتحال والسرقة والتحريف

مع معجم فوكييه.. المصدر المسكوت عنه

اتهم الناقد الجابري في العديد من المواقف إنه لم يقرأ الكتب التي أحال إليها في هوامشه، وإنما اعتمد على مصادر ثانوية ظل ساكتاً عنها، وأهمها كتاب (معجم اللغة الفلسفية) لمؤلفه بول فوكييه. ويأتي هذا الاتهام من خلال عدد من القرائن التي جمعها الناقد بصدد جملة من النصوص التي وظفها الجابري من المصادر الأجنبية (الفرنسية)، وذلك كالآتي:

1ـ سخر الـناقد الفـصل الأول مـن كـتابه بـصدد اثـبات مثل تلك التهمة على نص للجابري يعتمد فيه على تقسيم لالاند للعقل في كتابه (العقل والمعايير) من حيث إنه عقل مكوِّن وعقل مكوَّن.

فنص الجابري يقول: ((لنستعن بادئ ذي بدء، في تلمس الجواب عن هذه الأسئلة، بالتمييز المشهور الذي أقامه لالاند بين العقل المكوِّن أو الفاعل والعقل المكوَّن أو السائد. الأول ويُقصد به الـنشاط الـذهني الـذي يقـوم به الـفكر حـين البحث والدراسة والذي يصوغ المفاهيم ويـقرر المـبادئ. وبعـبارة أُخرى إنه: (الملـكة التي يستـطيع بها كـل انسان أن يستـخرج مـن ادراك العلاقات بين الأشياء مبادئ كلية وضرورية، وهي واحدة عند جميع الناس). أما الثاني فهو: (مجموع المبادئ والقواعد التي نعتمدها في استدلالاتنا)، وهي على الرغم من كونها تميل إلى الوحدة فإنها تختلف من عصر لآخر، كما قد تختلف من فرد لآخر. يقول لالاند: (إن العقل المكوَّن والمتغير ولو في حدود، هو العقل كما يوجد في حقبة زمنية معينة. فإذا تحدثنا عنه بالمفرد (= العقل) فإنه يجب أن نفهم منه العقل كما هو في حضارتنا وفي زمننا)، و بعبارة أُخرى إنه: منظومة القواعد المقررة والمقبولة في فترة تاريخية ما، والتي تُعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة))(4 5).

وقد اعترض الناقد على هذا النص بخمس ملاحظات غطّت الفصل الأول من كتابه تقريباً. وكانت ملاحظاته كالآتي:

الملاحظة الأُولى: بنـظر النـاقد إن تـعريف العقل المكوِّن بأنه ((الملكة التي يستطيع بها كل انسان أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الأشياء مبادئ كلية وضرورية، وهي واحدة عند جميع الناس)) لا وجود له لدى لالاند، لا في كتاباته إجمالاً ولا في كتابه (العقل والمعايير) حصراً. وإنما صاحب هذا التعريف هو بول فوكييه، مؤلف (معجم اللغة الفلسفية)(5 5).

والملاحظ على هذه الملاحظة إنه لا يظهر من نص الجابري بما هو صريح وواضح أنه ينسب التعريف المذكور أعلاه إلى لالاند. وإن كان سكوته عن ذكر مصدر ما نقله من تعريف يوحي بأنه قد اقتبسه من لالاند، الأمر الذي أثار اتهام الناقد، خاصة وأن صاحب التعريف هو فوكييه الذي يعتبره الناقد المرجع الأساس الذي يحتمي خلفه الجابري خلسة.

الملاحظة الثانية: بنظر النـاقد إن تعـريف الـعقل المـكوَّن بأنه ((مجـموع المـبادئ والقـواعـد التي نعتمدها في استدلالاتنا))، وتوصيف هذه ((المبادئ والقواعد)) بأنها ((على الرغم من كونها تميل الى الوحدة فإنها تختلف من عصر لآخر، كما قد تختلف من فرد لآخر))، لا وجود لهما أيضاً لدى لالاند، وإنما هما مترجمان بدورهما عن فوكييه(6 5).

وتعليقنا على هذه النقطة لا يختلف عما ذكرناه بصدد الملاحظة الأُولى، حيث لا يظهر من نص الجابري إنه ينسبه بشكل صريح إلى لالاند. وقد يكون الجابري اعتمد فعلاً على معجم فوكييه من غير أن يذكر اسمه.

الملاحظة الثالثة: يرى الـناقد أن تـعريف الـجابري الاضافي للـعقل المـكوَّن بأنه ((منـظومة القواعد المقررة والمقبولة في فترة تاريخية ما، والتي تُُعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة)) لا وجود له هو الآخر لدى لالاند بحرفه، وإن كان في معناه لا يتعارض ونظرية لالاند(7 5).

وفي هذه النقطة يلاحظ أن الجابري يحيل ما ذكره من تعريف إلى كتاب لالاند مع ذكر رقم الصفحة، والناقد يذكر في هذه الصفحة من الكتاب نصاً هو في واقعه يتشابه كثيراً مع النص الآنف الذكر الذي نقله الجابري، إذ جاء فيه أن العقل المكوَّن هو ((على الضد من العقل المكوِّن، تلك المنظومة العامة من القواعد المشكَّلة والحقائق المقررة التي لا تعبر في كل آن، مهما تكن ثمينة، إلا عن مقتنى الحضارة البعيد عن أن يكون كاملاً ))(8 5).

على أن الاشكال الذي نثيره بوجه الناقد هنا، هو أنه لو صدق أن الجابري لم يطّلع على كتاب لالاند وإنه اقتبس ما ذكره عنه من كتاب فوكييه؛ لكنّا نجد ـ على الأقل ـ رقم الصفحة المذكورة لكتاب لالاند، أو ما هو قريب عنها، مذكوراً حتماً في كتاب فوكييه. فهذه نقطة هامة يُفترض أنها لا تغيب على الناقد الذي يحاول أن يجمع كل ما أمكنه واعتقده أنه يشكل جسراً يربط الجابري بفوكييه، مع تفكيك ما يراه أنه جسر وهمي يربط الأول بعدد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، وهم الذين أحال اليهم الجابري في هوامشه.

الملاحظة الرابعة: يؤكد الناقد بأن الجابري لم يتعرف على نظرية لالاند في المصدر المشار اليه (العقل والمعايير)، وذلك لكونه يأخذ في فقرة لاحقة موقف المنتقد لتلك النظرية التي بنى عليها تحليله للعقل العربي ((والتي لا يثبت بنقده لها سوى المزيد من الجهل بها)). ففي هذه الفقرة يقول الجابري: ((ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية هذا التمييز بين العقل الفاعل والعقل السائد بالنسبة لموضوعنا، فيجب ألا نغفل علاقة التأثير والتأثر القائمة أبداً بينهما. فمن جهـة ليـس الـعقل السائد شيئاً آخر غير تلك المبادئ والقواعد التي أنشأها وينشئها العقل المكوِّن الفاعل، وهذا بتأكيد لالاند نفسه: فالعقل السائد، أي جملة المبادئ والقواعد الذهنية السائدة في فترة زمنية ما، هو من إنتاج العقل الفاعل أي ذلك النشاط الذهني الذي يتميز به الفرد البشري على الحيوان، فمصدره إذن في العقل نفسه لا خارجه، ومن جهة أُخرى فالعقل المكوِّن الفاعل، يفترض عقلاً مكوَّناً كما يقول ليفي ستراوس))(9 5).

ومورد اشكال الناقد هو أن لالاند نفسه يبني نظريته على أن ((العقل المكوِّن يفترض عقلاً مكوَّناً))، فهل يحتاج إلى تذكيره بذلك حتى يدخل صاحب كتاب (الفكر الوحشي) ليفي ستراوس دخول المقتحم وكأنه ينقد نظرية لالاند، مع إنه ما كان يساجل لالاند لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى ذكر اسمه ولو لمرة واحدة في جميع صفحات كتابه، وإنما كان بصدد الرد على جان بول سارتر في تصوره حول أولوية التاريخ المطلقة في تكوين الجماعة البشرية البدائية .

وما يريده الناقد من هذا النقد هو أن يقول بأن الجابري لم يطّلع على كتاب لالاند، وإلا لما كان هناك داع ليظهر نفسه وكأنه ينقد لالاند في قضية هو نفسه قد أكدها، ولا كان هناك داع ليحشر ستراوس ويُظهره بمظهر الناقد في قضية لم يخلّ بها لالاند. بل أكثر من هذا زعم الناقد بأن الجابري لم يطّلع حتى على كتاب ستراوس الذي يحيل إلى مصدره (الفكر الوحشي)، حيث يقتبس عبارته من كتاب فوكييه المشار اليه(0 6).

مع ذلك يلاحظ أن ما ذكره الناقد مازال يُعد من التكهّنات. ذلك بأن ما بدى على الجابري من أنه ينقد لالاند وأنه جاء بقولة ستراوس في نفس هذا السياق والذي يفترض أن نظرية لالاند لم تضع في عين اعتبارها كون كل عقل مكوِّن يفترض عقلاً مكوَّناً قبله؛ إن ذلك إنما يبرره على الظاهر بأن لالاند لم يكن بتلك الصراحة في تحديد هذه المسألة مثلما وردت عن ليفي ستراوس الذي قال بها من غير غبش ولا لبوس. فحتى الناقد يعترف بأن لالاند يبدو عليه وكأنه ((يقدّم في القيمة والمرتبة العقل المكوِّن من حيث هو فاعلية ذهنية محضة وملكة تأسيسية وتشريعية للنشاط العقلي))، وإن كان يقر بالمقابل ما للعقل المكوَّن من دور كبير. إلا أن ما ذكره الناقد عن لالاند في هذا الصدد من الدور الكبير للعقل المكوَّن لا يمتّ إلى الجانب المعرفي في التأثير على العقل المكوِّن من حيث الأساس، وإنما إلى السلوك الاجتماعي أو الوظيفي في تلاحم الجماعة التي تنتمي اليه والتي تضعه بقدر ما يوحدها على أنه مطلق(1 6). وهو ما يعزز كون لالاند لم يكن صريحاً في تحديد التأثير الذي يمارسه العقل المكوَّن على العقل المكوِّن، أو أوليته عليه كما هو صريح عبارة ستراوس. الأمر الذي يبرر للجابري اخضاعه الى ما يشبه النقد، ويبرر في الوقت ذاته إدخال قولة ستراوس كشاهد موظف للنقد وذلك بنقله من مجاله في سجاله مع سارتر إلى حقل لالاند، من غير ضرورة لأن يكون ستراوس قد تعرّض إلى لالاند أو كان له شكل من الحضور في ذهنه.

على أن هناك نصاً للفيلسوف لالاند نقله صاحب (تكوين العقل العربي) كما نقله الناقد من غير أن يوظفه لتأييد زعمه ضد الجابري. ويبدو أنه غير موجود في كتاب فوكييه، وإلا لما سكت عنه الناقد، خاصة وأن الجابري لم يشر إلى مصدره(2 6).

الملاحظة الخامسة: يرى الـناقد أن الـجابري لم يـدرك غـاية قـسمة لالاند للعقل ولم يوظف ذلك توظيفاً مثمراً في مشروعه لنقد العقل العربي. فإذا كان لالاند أعطى قدرة توحيدية للعقل المكوَّن؛ فإن الجابري قد تجاهل هذه الوظيفة التوحيدية. إذ إنه بدلاً من أن يردّ مختلف تجليات هذا العقل في مجالات الفقه وعلم الكلام والتصوف والفلسفة إلى البنية العضوية الواحدة التي تصدر عنها؛ فانه عمد إلى تشطير هذا العقل تشطيراً ثلاثياً عبارة عن كل من البيان والعرفان والبرهان، بحيث جعل بعضها في حرب دائرة مع البعض الآخر. وفي ذات الوقت نصّب نفسه طرفاً في هذه الحرب، الأمر الذي جعل ممارسته للنقد تقوم على الجدل الآيديولوجي وليس النقد العلمي الابستمولوجي.

أيضاً فبنظر الناقد أن الجابري قد فوّت على نفسه من أن يمارس القراءة النقدية للعقل العربي، وهذه المرة من حيث وظيفة العقل المكوِّن، وذلك بمراجعة العقل لذاته وتجاوزه لما هو مكوَّن باستمرار، وهو الذي يسميه لالاند باسم ((حركية العقل)).

فالجابري بنظر الناقد وإن بدا في أول الأمر يأخذ حركية العقل هذه بعين الاعتبار، وذلك في الجزء الأول من مشروعه (نقد العقل العربي)، حيث جاء تحت عنوان (تكوين العقل العربي)، إلا أنه ما لبث أن اختار للجزء الثاني عنواناً أبعد عن الحركية وعن التاريخية معاً، هو (بنية العقل العربي)، وهو عنوان يشفّ عن نقلة نوعية من مشروع لنقد تكويني وصيروري إلى مشروع لنقد بنيوي للعقل العربي(3 6).

والواقع إن ما طرحه الناقد بخصوص الملاحظة الخامسة ـ التي تنطوي على عدد من الملاحظات ـ يستدعي التوقف. فنحن لا يعنينا إن كان الجابري أدرك غاية تمييز لالاند للعقل أم لم يدركها، كما لا يعنينا إن كان قد اتخذ هو من لالاند مرجعاً مطلقاً بهذا الخصوص أم أنه وظّف شطراً من نظريته فحسب، بل ما يعنينا حقاً هو ما أبداه الناقد من فهم خاطئ للعقل المكوَّّن، حيث صوّره وكأنه يحمل كل نتاج يصدر عن العقل البشري في فترة زمنية ومكانية ما، لذلك إنه يؤاخذ على الجابري أنه لم يرد تجليات الثقافة العربية الاسلامية من الفقه وعلم الكلام والفلسفة والتصوف وما اليها إلى البنية العضوية الواحدة التي تصدر عنها. وهذا هو عين المغالطة. ويبدو أن الجابري وقع هو الآخر في نفس هذا الخطأ(4 6). ذلك أن العقل المكوَّّّن في هذه الحالة إما أن يكون متناقضاً وغير متسق في ذاته، وذلك لحمله قواعد متنافرة وأُسساً متضاربة لا يجمعها جامع، مما تدل عليه الخلافات الأساسية المستقطبة، كما هو الحال بين علمي الفلسفة والكلام، وعلى نحو عام بين نظامي الوجود والمعيار. أو يكون العقل المكوَّن متكثراً لا واحداً، أي أنه يصبح لدينا عدد من العقول والبنيات العضوية وليس عقلاً واحداً أو بنية واحدة. بل من الناحية المبدئية نرى أن ما يطلق عليه بالعقل المكوَّن وما يفهم عنه لأول وهلة على أنه واحد مغلق، فإنه في واقع الأمر ليس كذلك، ذلك أنك لا تجد عقلاً مكوَّناً إلا ويتداخل مع عقول مكوَّنة أُخرى تنتمي إلى نفس المعطيات الحضارية والثقافية، إذا ما استثنينا مجتمع الجماعات البدائية حيث يُتوقع لكل جماعة أن تمتلك عقلاً مكوَّناً واحداً من غير منافسة ومداخلة مع العقول الأُخرى. فبشهادة الواقع تكون العقول المكوَّنة في بعض جهاتها متنافرة مغلقة، وفي جهات أُخرى منفتحة ومتداخلة، وبالتالي فكل عقل مكوَّن يمكن أن تتسع مساحته ضمن اعتبارات محددة داخل عقل مكوَّن آخر، بل ويمكن أن تكون بعض العقول متشكلة من زوائد المداخلات بين العقول الأُخرى. وعليه فإن ظاهرة العقل المكوَّن ليست بظاهرة بسيطة التكوين، بل هي تركيبة في غاية التعقيد. لذلك نعتبر أن الحديث عن هذا العقل لا يمكن أخذه على نحو الجدّية والاعتبار إلا من حيث السلوك المنهجي. فمن الناحية المنهجية أو الذهنية الصرفة يمكن الحديث عن العقل المكوَّن بما يعبّر عن نسق موحّد ومغلق في ذاته. أما من ناحية الواقع فمثل هذا النوع من العقل لا وجود له إلا في المجتمعات البدائية.

يضاف إلى ما سبق نحن نعتبر أن تقسيم لالاند للعقل إنما هو تقسيم منهجي أكثر مما هو واقعي. ذلك أن العقل المكوِّن لا يمكنه أن يكون مجرداً وخالياً عن حمل العقل المكوَّن، كما أن العقل المكوَّن هو الآخر يحمل في ذاته عقلاً مكوِّناً وإن كان لا يبدو في الظاهر. وبعبارة أُخرى، إن كل ما نعتقد أنه جديد يصل إلى الحد الذي نطلق عليه بالعقل المكوِّن فإنه لا يكون جديداً على اطلاق، بل لابد أن يتضمن جذوراً سابقة، كما أن كل ما نعدّه سائداً ليس فيه جدّة هو في حد ذاته يمتلك ما سوف يظهر بمظهر الجديد أو أن الجديد لا يقوم إلا به. الأمر الذي يؤكد ظاهرة التداخل بين العقلين المكوِّن والمكوَّن على صعيد الواقع، مما يجعل التقسيم الخاص بهما لا يتجاوز التقسيم المنهجي.

أما بخصوص إشكال الناقد على الجابري من حيث أنه وضع نفسه طرفاً في الحرب الدائرة بين العقول الثلاثة العربية، الأمر الذي جعل مشروعه يتخذ طابعاً جدلياً وآيديولوجياً دون أن يكون نقدياً، فهو إشكال صادق وصحيح. لكن ينبغي أن نشير دفعاً للملابسة؛ إنه من الناحية المبدئية لا مانع من أن ينحاز الباحث إلى طرف دون طرف إذا ما كانت قناعته منصبة على أحدهما دون الآخر، فربما في تصوره أن هذا الطرف أصدق حقيقة من الآخر. فكل ذلك لا يمنع من أن تكون دراسته نقدية ابستيمية، خاصة وان الباحث، أي باحث، لا يمكنه أن يتجرد من نزعة الانحياز. لكن الذي جرّد الجابري عن نقده الابستيمي وجعله يمارس النقد الجدلي إنما هو انحيازه غير المعرفي، أي ذلك المنطلق من اعتبارات آيديولوجية كما أوضحناها سابقاً، بدلالة إنه لا يعرّض ما ينحاز اليه إلى أي نقد معرفي، بل كثيراً ما يقع في تناقضات ومفارقات لا يمكن تبريرها إذا ما حملناه محملاً قائماً على البحث الابستيمي، في حين أنها مفسرة تماماً من منظار الطابع الآيديولوجي.

أما ما أورده الناقد من أن الجابري بدا عليه وكأنه غيّر مسلكه من مسلك القراءة التاريخية التكوينية التي تعتمد ((حركة العقل)) كما في (تكوين العقل العربي) إلى القراءة البنيوية كما يشير اليها اسم كتابه اللاحق (بنية العقل العربي)، فإنه لا يمتّ إلى واقع ما أراده الجابري الذي لا يبدو عليه أي شكل من التغيير. بل نراه في ( تكوين العقل العربي) يؤكد الجانب البنيوي في الفكر العربي، طرحاً وتصريحاً(5 6). وهو أمر لا يبعث بالضرورة على التناقض وعدم الاتساق كما يوهم الناقد. أي من الممكن فعلاً الجمع بين القراءتين التاريخية والبنيوية من دون تناقض، وذلك إذا ما كانت القراءة التاريخية تجري ضمن الاطار البنيوي دون أن تخترقه، حيث يفترض أن تكون هناك مسائل كلية تنحو نحو الثبات لا تتأثر بحركة العقل ومجريات التاريخ، خاصة المسائل التي لها علاقة بآليات المعرفة وطرق انتاجها. فمهما كان حجم التغير في التصورات والمفاهيم المعرفية عبر التاريخ، يظل من الممكن أن تكون هناك قضايا عامة مواكبة للتاريخ دون أن تتغير. وإذا كان الأمر في الثقافة الغربية يوحي بأن حالة التغيير عبر التاريخ قد شملت كل شيء تقريباً؛ فإنه في الثقافة العربية الاسلامية يكون الأمر على الخلاف، خاصة أن هذه الثقافة ـ كما يقول حسن حنفي ـ ثقافة مركزية وليست طردية(6 6)، أي أنها أقـرب إلى الـقراءة البـنيوية مـنها إلى التـاريخية. فـتجد هنـاك الـكثير مـن القضايا المعرفية الخاصة والعامة، فضلاً عن مناهج المعرفة والقراءة وحتى طرق الاستدلال، هي مازالت كما كانت من قبل. وإن بدا هناك بعض التغيرات فانها تظل تغيرات جزئية معزولة عن الاطارات العامة الكلية.

* * *

2 ـ كمـا اتـهـم النـاقد الـجـابري بالأخـذ عن مـعجم فوكـييه ونـسب ذلـك إلى كـتاب كـورنو (محاولة في أُسس معارفنا). فالجابري يقول: ((لقد بقي الفكر الاوروبي الحديث، رغم كل ثوراته على (القديم) متمسكاً بفكرة (العقل الكوني) متصوراً إياه على أنه (القانون المطلق للعقل البشري). وسواء نُظر إلى هذا العقل على أنه قائم بذاته مستقل عن فكرة الله، أو نظر اليه على أنه هو الله ذاته، فإن العلاقة بينه وبين نظام الطبيعة تبقى هي هي: إنها المطابقة، أو على الأقل المساوقة. ولقد انعكس هذا التصور حتى على اللغة، واللغات الاوروبية ذات الأصل اللاتيبي خاصة، حيث نجد كلمة ratio (أو ما اشتق منها مثل كلمة raison الفرنسية) تعني في آن واحد: العقل والسبب. يقول كورنو: إن كلمة raison (= عقل، بالفرنسية) تدل: تارة على ملكة للكائن العاقل، وتارة على علاقة بين الأشياء بعضها ببعض، بحيث يمكن القول أن عقل الانسان (أو العقل الذاتي) يتتبع ويدرك عقل الأشياء (أو العقل الموضوعي)...))(7 6).

فبهذا النص استدل الناقد بعدة ادلة أكدت له أنه لم يطلع على كتاب كورنو. حيث بنظره إنه لو اطلع عليه لما ارتكب خطأً في الترجمة ولا في التأويل ولا كذلك في المناقصة على العقل العربي واللغة العربية بما يتعلق بمسألة السببية. فالناقد يرى أن ((الجابري يورد شاهد كورنو تدليلاً منه على أن فكرة (المطابقة) راسخة في العقل الاوروبي إلى درجة انعكاسها على اللغات الاوروبية ـ وفي مقدمتها الفرنسية ـ ذات الأصل اللاتيني. والحال أن سياق الشاهد في اتصاليته في كتاب كورنو، لا في انقطاعيته في معجم فوكييه، ينطق بعكس تلك الدلالة. فكورنو يفصح عن برمه، من الصفحات الأولى من كتابه، من إلتباسات اللغة الفلسفية وضيقها واضطرار الفلاسفة إلى أن يستخدموا اللفظة الواحدة لمعاني عدة وشتى صنيعهم مع كلمة (عقل) raison. وهو يعتبر ذلك (عيباً طبيعياً) و (قصوراً عضالاً لا برئ له)، وليس بحال من الأحوال مدعاة للفخر في مساق اللغة الفلسفية التي يفترض فيها أن تقوم على أفكار واضحة وألفاظ متمايزة. ودوماً على صعيد اللغة الفلسفية، لا اللغة المعجمية كما يتوهم الجابري، يلاحظ كورنو أن طائفة بأسرها من قبيل (الحقيقة) و (الفكرة) و (الحكم) و (الاعتقاد) تنزع إلى التنقل الدائم ما بين المعنى الذاتي والمعنى الموضوعي تبعاً لتركز الانتباه على (الفاعل الذي يعرف أو على موضوع المعرفة). فلفظة (الحقيقة)، مثلاً، تشير تارة إلى صحة الحكم على الشيء وطوراً إلى واقع الشيء. وذلك يصدق (بإطلاق) على كلمات (logos، ratio ، raison)، فهي (تشير تارة إلى ملكة للكائن العاقل، وطوراً إلى علاقة بين الأشياء ذاتها، بحيث يمكن القول إن عقل الانسان (raison بالمعنى الذاتي) يتتبع ويدرك علة الأشياء (raison بالمعنى الموضوعي)))(8 6).

وقد اعتبر الناقد أن عدم ادراك الجابري لإحتجاجية كورنو على إلتباسات اللغة الفلسفية هو الذي أفضى به إلى أن ((يرتكب خطأً فلسفياً لا يغتفر في ترجمته raison des choses La بـ (عقل الاشياء)))(9 6).

والناقد ينفي أن تكون كلمة raison سواء في استعمالها الحاضر أو في تطورها التاريخي أو حتى في اشتقاقها من الأصل اللاتيني؛ تعني ((سبباً)) بقدر ما تعني دافعاً(0 7). بل اعتبر هذه اللفظة تعني ذريعة وباعثاً وحجة ولا تعني سبباً(1 7). مع أنه سبق أن ترجم هذه اللفظة في نص كورنو الآنف الذكر إلى معنى ((العلة)) للأشياء، أي بمعنى السبب الذي يجادل في نفيه هنا.

على أنه ليس المهم فيما وقع به الناقد من تناقض، بل المهم في الأمر هو أنه أخطأ في اتهامه وإدانته للجابري على ما وظّفه من نص كورنو. حيث لا دليل في نص الجابري يثبت أنه أراد تبيان مذهب كورنو أو اعتبره يريد المطابقة، بل نصه ظاهر بأنه قصد تبيان ما يحمله الجانب اللغوي من المعنى الدال على المطابقة، فلهذا الغرض بالخصوص اعتمد على شاهد كورنو، دون أن يكون للأمر علاقة بمذهب هذا الأخير. وبالتالي فإن اتهام الناقد ينحصر فقط في وجود التماثل بين نص الجابري ونص فوكييه في معجمه، من حيث أن الجابري ذكر نص كورنو منقطعاً كما هو منقطع في المعجم، بينما هو في النص الأصلي له اتصاليته الدالة على المعنى المعكوس، وإن كنّا نعتبر أن موضع الشاهد الذي ذكره الجابري يكفي في إرادة ما قصد اليه دون حاجة للنص في اتصاليته كما ذكرنا. بل حتى ما اعتبره الناقد بأنه ترجمة خاطئة حين نسب إلى الأشياء صفة العقل؛ فالذي يظهر لي أن الجابري أصاب بقدر ما أخطأ الناقد، ذلك أن كورنو يتحدث وهو في موضع ذكر الملابسة اللفظية لا في موضع اعتقاده هو بالذات. لذلك جاء في النص المذكور قوله: ((بحيث يمكن القول..)) فذكر عقل الذات وعقل الأشياء كدلالة على تلك الملابسة للفظة raison. والجابري اعتبر هذه اللفظة بالمعنى السالف الذكر شاهداً على كون اللغة قد انعكس عليها ذلك التطابق بين العقل ونظام الأشياء.

* * *

3 ـ مرة أُخرى يتهم الناقد الجابري بأنه لقط نصاً للفيلسوف المحدث مالبرانش من معجم فوكييه، وأحال في الهامش إلى الأعمال الكاملة لهذا الفيلسوف، رغم أنه ما رآها ولا اطلع عليها. فنص مالبرانش الذي نقله الجابري، من غير ذكرٍ لرقم الصفحة ولا رقم المجلد، يقول: ((إن العقل الذي نهتدي به عقل كلي (...) عقل دائم وضروري (...). وإذا كان صحيحاً أن هذا العقل ضروري ودائم وثابت لا يتغير فهو لا يختلف عن الله))(2 7).

ويزعم الناقد أن هذا النص بما فيه من نقاط الفراغ (...) كله وبحرفه مذكور في معجم فوكييه، بل إن هذا المعجم نفسه لم يحدد رقم الصفحة أو الصفحات، ولا حتى رقم المجلد الذي اقتبس منه النص، فضلاً عن أن عدد مجلدات الأعمال الكاملة لمالبرانش التي اعتمدها معجم فوكييه كانت سبعة مجلدات نشرت وقتها، وهي نفسها التي أشار اليها الجابري إتّباعاً لفوكييه، في حين أن مجموعة الأعمال الكاملة لمالبرانش كما وجدها الناقد إنما هي في عشرين مجلداً كما نشرت فيما بعد، لا في سبعة مجلدات، وأن النص المقطع الذي اقتبسه فوكييه منتزع عن ثلاث صفحات متتالية. يضاف إلى كل ذلك يرى الناقد أن الجابري لو كان يعرف حقاً مالبرانش واطلع على كتابه لما اعتمد على شاهد فوكييه المتخلخل والمقتبس على تقطيع من ثلاث صفحات، بل لإعتمد بدلاً منه على شاهد ((أكثر تماسكاً وأنطق دلالة، هو بالتحديد الشاهد الذي تستعيد فيه (إذا) الشرطية، المقحمة في نهاية شاهد الجابري ـ فوكييه على نحو ناشز وغير مفهوم، دلالتها السياقية)). حيث يقول مالبرانش: ((إذا صح أن العقل الذي يشارك فيه البشر كافة كلي، وإذا صح إنه لا متناه، وإذا صح إنه ثابت وضروري، فمن المحقق إنه لا يختلف عن عقل الله بالذات))(3 7).

والواقع إن هذا الشاهد الذي يذكره الناقد هو الوحيد الذي يحمل قرائن عديدة قوية يمكنها أن تؤيد الزعم الذي يتهم فيه الناقد الجابري بعدم مراجعته للمصدر الذي يحيل اليه في الهامش؛ معتمداً عما يأخذه من فوكييه. وهو يتسق مع ما سبق أن اتهمه باستخدام بعض تعاريف فوكييه دون ذكر اسمه أو المصدر، موحياً وكأنه تعريف للفيلسوف لالاند. أما الشواهد الأُخرى التي ليست لها علاقة بفوكييه والتي هي الأُخرى يتهم فيها الناقد الجابري بأنه قام بسرقتها أو تحريفها؛ فأغلبها ـ إن لم يكن كلها ـ ضعيفة الدلالة على سنرى(4 7).

الجابري والسرقات الفكرية والأدبية

1 ـ اتـهـم الـناقـد الـجابري بـما يُطلـق علـيه بـالسرقات الأدبيـة أو الفـكـرية. حيـث اعتـبر اشكالية التفكير بالعقل وفي العقل ((مستعارة لفظاً ومعنى، شكلاً ومضموناً، من مصدرين مكتومين أو مسكوت عنهما تماماً))(5 7). اذ جاء عن الـجابري قولـه: ((التفكـير في العقل درجة من المعـقولية أسـمى بدون شـك من درجة التـفكير بالعقل))(6 7). وقد اعتبر الناقد أن هذا القول مأخوذ حرفياً من عبارة وردت في كتاب محمود قاسم (نظرية المعرفة عند إبن رشد وتأويلها لدى توما الاكويني) الصادر بالفرنسية عام 8 7 9 1م. حيث أن المؤلف في الفصل الختامي من الكتاب يعلّق على قضية اندثار العقل المستفاد فيقول: ((إن التفكير بواسطة المفهوم هو بحد ذاته درجة رفيعة للغاية في المعرفة البشرية، ولكن ثمة درجة أسمى بعد، وهي تلك التي يقتدر فيها العقل على الانعتاق من مضمونه فلا يعود يفكر إلا في نفسه. وهذا الانعتاق هو ما يسميه فليسوف قرطبة اندثار العقل المستفاد))(7 7).

ولا شك أن هذه العبارة تتشابه كثيراً مع العبارة التي أوردها الجابري، لكن ذلك لا يدعو إلى تأكيد الاتهام الذي يتهم به الناقد خصمه. فكثيراً ما ترد العبارات والمعاني المتشابهة في الكتابات من هنا أو هناك، ومع ذلك يمكن أن تكون مجرد محض توارد أفكار، ما لم تكن القرائن الدالة على الانتزاع والسرقة كثيرة وناطقة.

2 ـ أما بخصوص المصدر الثاني الذي اعتبر الناقد أن الجابري أخذ عنه؛ فهو هيجل في كتابـه (دروس في فـلسفـة الـتاريخ)(8 7). لكـن الـواقع إنه لا تـوجد عـبارة مـحددة يمكن اتهام الجابري فيها بالسرقة عن هيجل. مع أن الناقد سبق أن صرح بأن اشكالية التفكير بالعقل وفي العقل ((مستعارةً لفظاً ومعنى، شكلاً ومضموناً، من مصدرين مكتومين)). فما يؤاخذه الناقد على الجابري هو تقسيمه لحضارات العالم طبقاً لمعيارية التفكير بالعقل والتفكير في العقل، حيث جعل الحضارات التي اكتفت بالتفكير بالعقل حضارات غير علمية بخلاف الحضارات التي تداولت كلا التفكيرين. فطبقاً لهذا المبدأ اقتصر على ثلاث حضارات في العالم هي اليونانية والعربية والاوروبية الحديثة. أما مع هيجل فهو وإن كان قد سبق إلى تقسيم حضارات العالم، إلا أن تقسيمه يختلف كلياً عن التقسيم الذي أبداه الجابري، سواء من حيث المضمون أو من حيث المبدأ الذي يقوم عليه التقسيم، بل وحتى من حيث الحضور الآيديولوجي. ذلك أن هيجل كما أوضح الناقد أقام تقسيماً هرمياً، ففي البدء يقسّم العالم إلى عالم تاريخي وعالم لا تاريخي، وهو بخصوص العالم التاريخي يستند في تقسيمه طبقاً لدرجة حضور الوعي العقلي أو الفلسفي، فهناك التاريخ في أول تطوره والذي تنتمي اليه آسيا والحضارات الشرقية القديمة، كما هناك التاريخ في أوج نضجه والذي عدّه وقفاً على اوروبا، وهو حتى في هذا العالم يقيم تمايزاً هرمياً انطلاقاً من العمق العقلي والفلسفي، فيجعل في أوله اوروبا اليونانية ومن ثم اوروبا المسيحية وبعدها اوروبا الحديثة، ثم أخيراً اوروبا الجرمانية التي ينتمي اليها والتي يجعلها في نهاية التاريخ وفي قمة الهرم التراتبي(9 7). ويلاحظ في هذا التقسيم إنه يختلف كلياً عن تقسيم الجابري. فتقسيم الأخير لم يكن من حيث المضمون مشابهاً لتقسيم الأول، كما أنه ليس قائماً على التراتب الهرمي، ولا أنه قائم على مبدأ الفلسفة ـ أو العقل ـ ودرجات العمق أو الوعي فيها. وإذا كان الجابري استند في تحديده على مبدأ التفكير بالعقل والتفكير في العقل؛ فإن هيجل لم يعمل بحسب تقسيماته على مثل هذا المبدأ، لا تصريحاً ولا مضموناً، بدلالة كثرة تفريعاته واعتباراته الهرمية. بل أكثر من هذا أن هيجل في تفسيره وتقسيمه للتاريخ يركز لا على العقل كأداة تفكير، بل على ما له علاقة بالإرادة، فهو يرى أن الإرادة ضرب من الفكر، حيث تكون الإرادة هي الفكر معبراً عنه في الواقع، وهو على ذلك يعد التاريخ الكلي عبارة عن تقدم للشعور بالحرية، حتى ينتهي الأمر عند الحضارة الجرمانية، فكما يقول: ((إن الأُمم الجرمانية هي وحدها التي ارتفعت لأول مرة إلى الشعور والوعي لهذه الحقيقة، ألا وهي أن الانسان حر بما هو انسان، وأن حرية الروح هي الطبيعة الخاصة الجوهرية بكل انسان بما هو انسان))(0 8). ولا شك أن اعتبارات الجابري للعقل والتاريخ ومراكز التقدم والمفاضلة كلها تخلو بالمرة من المعنى القيمي أو المعياري الذي تتضمنه الإرادة والحرية كما لدى هيجل. يضاف إلى ما سبق أن طريقة هيجل فيها نمط تمايزي معياري عرقي يستند إلى الحتمية الجغرافية، بينما الحال عند الجابري هو أنه وإن كان يستند في تفسيره من حيث الأساس إلى العامل الجغرافي، إلا أنه لا يقيم ذلك على نحو حتمي ولا عرقي، خلافاً لما يتهمه به الناقد، كما سبق أن بيّنا. وأخيراً فان هناك حضوراً شاخصاً للآيديولوجيا في تقسيم هيجل، حيث يجعل الأُمة التي ينتمي اليها في قمة الهرم كنهاية للتاريخ وأقصى درجات العقل، بل الشعور بالحرية، وهو خلاف ما لدى تقسيم الجابري. وعليه فماذا بقي ليأخذ الجابري من هيجل؟!

* * *

وفي سياق آخر اتهم الناقد الجابري أنه قلب اشكالية هيجل القائلة: ((كل ما هو عقلي فهو واقعي، وكل ما هو واقعي فهو عقلي))، حيث أنها لدى الجابري عبارة عن: ((كل ما هو واقعي فهو عقلي، وكل ما هو عقلي فهو واقعي))(1 8). فالناقد يرى ((أن هذا القـلب لا يمكن أن يقارفه إلا من يجهل جهلاً مطبقاً فلسفة هيجل وروحها ومفرداتها المركزية))(2 8).

* * *

كما في سياق ثالث اتهم الناقد الجابري بالأخذ عن هيجل دون ذكر اسمه ولا مصدره، وذلك عندما أكد بأن أناكساغوراس هو أول من قال بأن ((العقل يحكم العالم)). ويرى الناقد أن أول من قال بهذه العبارة هو هيجل، وذلك في المدخل العام لكتابه (دروس في فلسفة التاريخ)، حيث صرح قائلاً: إن ((اليوناني أناكساغوراس هو أول من قال بأن النوس، أي العقل بصفة عامة يحكم العالم))(3 8).

لكن ما يلاحظ هو أن الجابري لم يقل ولم يؤكد في عبارته أن أناكساغوراس هو أول من قال تلك المقولة كما يتهمه الناقد، بل إنه ذكر تلك المقولة وعلّق عليها بقوله: ((تلك هي العبارة التي تلخص فكرة أناكساغوراس ونظريته التي لا تترك أي مجال للصدفة..))(4 8). وإذا كان الجابري لم يذكر اسم هيجل ولا كتابه كمصدر لهذه العبارة؛ فإنه بعد انتهائه من الفقرة التي بدأها بتلك العبارة يشير إلى كتاب روبن الفرنسي(5 8)، مما يوحي أنه اعتمد في ذكر تلك العبارة على هذا المصدر، وبالتالي لا يهم إن كان يعلم أن قائل هذه المقولة هو هيجل أم غيره.

3 ـ كما اتـهم الـناقد الجابري في بعض نصوصه على أنها تكرار شبه حرفي لنص فراس السواح في كتابه (مغامرة العقل الأُولى). فالسواح يقول: ((تنتمي أساطير التكوين في المنطقة إلى زمرة أساطير الميلاد المائي. فالحالة السابقة لبدء الكون في أساطيرنا التكوينية هي حالة من العماء المائي، ساكن، لا متمايز، لا متشكل، في زمن سرمدي متماثل، لا ينتابه تغيير ولا تبديل كأنه عدم. وفي لحظة معينة، هي هزة ودمار، يليهما بناء جديد، ينبثق الكون من لجة العماء، ويبدأ النظام من قلب الفوضى، ويتحدد الشكل من صميم الهيولى. لحظة يقرر فيها الآلهة خلق العالم، ووضع أُسس الكون والحياة. فيبدأ الزمن الذي نعرفه الآن، وتتخذ الأشياء شكلها الذي نراه اليوم))(6 8). أما نص الـجابري الذي يقصده الناقد بأنه تكرار شبه حرفي لنص السواح فهو متضمن في فقرته التالية: ((يرى أناكساجوراس أن الأجسام مركبة من أجزاء متشابهة تقبل القسمة إلى غير نهاية من حيث المبدأ، ولكن مع افتراض وجود أجزاء في غاية الصغر لا تنقسم، هي أشبه بالبذور الأُولى، لا تدرك بالحواس وإنما تُتصور بالعقل فقط. ولقد كان الكون في أول أمره عبارة عن خليط فوضوي من هذه البذور، عبارة عن (كاوس)، أي عبارة عن عماء مطلق يشكل (الكل) الموجود. وإذا كان كثير من الفلاسفة السابقين قد قالوا بهذه الفكرة أو بما يماثلها فإن ما يتميز به أناكساجوراس، كما نوه بذلك كل من افلاطون وأرسطو، هو قوله: (إن العقل هو الذي نظم كل شيء وإنه العلة لجميع الأشياء). ذلك لأنه كي يتمكن ذلك الخليط الأولي، أو العماء الكلي، من الخروج من عطالته لابد من قوة محركة تقوم بالفصل بين الأجزاء ثم الوصل بينها وإعادة تركيبها، وهذه القوة المحركة سماها أناكساجوراس (النوس) أو العقل (أو الروح). لقد بدأت هذه القوة المحركة عملها بإحداث حركة دائرية محدودة، أخذت بعد ذلك في التوسع ولازالت تتوسع، فتشكلت بفعلها النجوم والكواكب والأثير، وتمايز البخار والبارد واليابس والرطب والمضيء والمظلم والكثيف والخفيف. ومن انضمام هذه الكيفيات بعضها إلى بعض نشأت الأجسام المادية، ومن ثم مختلف الكائنات. على أن هذا المبدأ المحرك الذي قام بـ (الدفعة الأُولى) الضرورية لمسلسل النشوء والتطور لم يكن مجرد قوة محركة، بل إنه (عقل)، فهو يعرف ويعقل ذلك الخليط ـ العماء ـ كما يعرف ويعقل ما تفرع عنه من كائنات وما أقام من نظام))(7 8).

ويلاحظ أن المشابهة بين النصين قليلة، وربما الذي أغرى الناقد بوجود مشابهة هو فكرة العماء التي كثيراً ما يرد لفظها أو مضمونها في الكتابات القديمة وعلى رأسها النصوص الفلسفية والعرفانية الصوفية بما تعبر عن حالة للكون بما هو حالة ساكنة متجانسة أولية ظلماء لا حياة فيها، ومنها بدأت الدفعة الأُولى لتكوين الأشياء وتـحديد الـنظام(8 8) ، بل إنها وردت كذلك في بعض الأحاديث النبوية بما هو قريب عن هذا المعنى(9 8). ولا شك انه بدون هذا المعنى للعماء لا تجد أي مشابة بين النصين، فكيف والناقد يرى وجود تكرار شبه حرفي بين النصين !!

الجابري وتحريف النصوص

اتهم الناقد الجابري إنه قام بتحريف تعريف غونسيت للمنطق الأرسطي الذي اعتبره أنه كان بمثابة ((فيزياء الموضوع ما)). ومع أن الناقد عدّ هذا التعريف لا يخلو من غموض، لكنه اعتبر الغاية فيه من ادخال ((ما)) النكرة على ((الموضوع)) المعرف بأل تعد واضحة، حيث أن التنكير بواسطة ((ما)) بالفرنسية هو كما في العربية يفيد ضرباً من التبخيس(0 9). أما الجابري الذي اقتبس التعريف عن كتاب جان أولمو؛ عمل على رأي الناقد بتحريفه كلياً. فمن جهة إنه حوّله مما هو تعريف للمنطق الأرسطي إلى المنطق باطلاق، كما إنه حرّفه من معناه الذي يراد به الإبخاس من قيمة المنطق الأرسطي إلى معنى يراد به الترقية العلمية للمنطق عموماً، وذلك بحذف أداة التعريف (أل) عن لفظة ((الموضوع)) كما جاءت عن كونزيت. فالجابري يقول: ((أما المنطق فانه سيصبح هو الآخر ـ كما قال كونزيت ـ عبارة عن (فيزياء موضوع ما)))(1 9).

لكن يلاحظ أن تعريف الجابري هذا؛ قد استنتجه فعلاً عما نقله من تعريف كونزيت للمنطق الأرسطي، بمعنى أن الجابري لا ينفي أن يكون كونزيت عرّف المنطق الأرسطي بالخصوص، أما التعميم الذي أورده الجابري فربما كان اجتهاداً منه لا يخل بالمعنى بعد حذف كل ما له علاقة بالأصل الأرسطي، فهو يقول: ((ومن هنا كان المنطق الأرسطي، كما يقول كونزيت، عبارة عن فيزياء اتخذت موضوعاً لها الجسم الصلب. ومن هنا أيضا استجابته لمتطلبات الفيزياء الكلاسيكية التي كان موضوعها هي الأُخرى: الجسم الصلب. وعندما اخترقت الفيزياء الحديثة جدار (الجسم الصلب) هذا ودخلت عالم الذرة، تغير الأمر تماماً. لقد عجز المنطق الأرسطي عن التعبير عن صفات وخصائص الجسيمات الذرية وأصبح عالم الذرة يفرض على العقل البشري ـ العقل العلمي ـ قواعد جديدة، أي منطقاً جديداً. لقد ظهر نوع جديد من الحضور والغياب (مسألة الطبيعة المزدوجة، الجسيمية والموجية، للكائن الذري) ونمط جديد من الترابط (مبدأ اللاحتمية الذي قال به هايزنبرغ) واندمج الزمان في المكان وتداخل الموقع مع السرعة... الخ، وقائع جديدة أصبحت تفرض نوعاً جديداً من التعامل، أي عقلاً جديداً. هكذا نخلص إلى النتيجة التالية: إن العقل هو في نهاية التحليل جملة من القواعد مستخلصة من موضوع ما. أما المنطق فإنه سيصبح هو الآخر ـ كما قال كونزيت ـ عبارة عن (فيزياء موضوع ما)، ومن هنا ضرورة الاعتراف بتعدد أنواع المنطق تبعاً لتعدد منظومات القواعد التي تؤسس النشاط العلمي في هذا المجال أو ذاك))(2 9).

فهذا النص الذي ننقله يجعل من المناقشات التي أوردها الناقد تكاد أن تكون قليلة الجدوى. فحتى لو أن الجابري اجتهد وغيّر سياق تعريف كونزيت للمنطق، الأمر الذي فرض عليه أن يحرّف ما في التعريف لكي يتناسب مع التوظيف الذي أراده، حيث نقله مما هو يتعلق بالمنطق الأرسطي إلى ما هو عام وشامل.. فمع هذا يظل أن ما أراده الجابري لا يختلف مضموناً عما رمى اليه كونزيت. ذلك أن نص الجابري المذكور يتضمن الاعتراف بوجود فارق القيمة بين ما كان عليه المنطق الأرسطي وما هو عليه المنطق العلمي الحديث. وهو قريب عما أراده كونزيت، حيث أبخس من قيمة المنطق الأرسطي قياساً مع ما جاد به العلم المعاصر من مفاهيم جديدة قائمة على فيزياء هي ليست كفيزياء ذلك المنطق. فكما يقول الناقد: ((إن تعريف غونزيت للمنطق الأرسطي بأنه (فيزياء الموضوع ما) لا يعني سوى شيء واحد: (فيزياء الموضوع العديم القيمة). وتلك هي أصلاً فرضية عمل غونسيت الأساسية: فانطلاقاً من الموضوع (المتطور) للغاية الذي تتعامل معه الفيزياء الحديثة، ألا هو الموضوع الذري، فإن الموضوع الذي يتعامل معه منطق أرسطو هو موضوع (بدائي) للغاية فيزيائياً: إنه الجسم الصلب، لا في بنيته الداخلية، بل في مورفولوجيته الخارجية من حيث إنه جسم ظاهر الوجود، له طول وعرض وارتفاع، يملأ مكاناً معيناً، ويقع في حضوره وغيابه حتى تحت ملاحظة الطفل. صحيح أن غونسيت يضع للفصل الذي يعقده تحت عنوان (فيزياء الموضوع ما) عنواناً فرعياً هو: (المنطق علم طبيعي أولاً)، ولكنه يضيف في الشرح حالاً أن هذا (العلم الطبيعي الذي يأخذ المنطق شكله ذو طابع بدائي للغاية). إنه (ليس الفيزياء بمعناها الحاضر والناجز... بل الفيزياء بوصفها الفصل الأول، الخطوة الأُولى نحو الفيزياء المخبرية)))(3 9).

فمن هذا النص يمكن أن يلاحظ أن المشترك العام بين المنطق الأرسطي والعلم الحديث هو أنهما معاً عبارة عن ((فيزياء موضوع ما))، سواء كان (الموضوع) بخساً لا قيمة له بمنظارنا الحاضر كما هو الحال مع ما اتخذه المنطق الأرسطي، أو كان (الموضوع) راقياً كما هو معلوم لدى ما تعامل به العلم الحديث.

نهاية المطاف

هكذا أعتبرُ أن طريقة الناقد في حلقته الأُولى (نظرية العقل) لم تتبع أو تمارس البحث الابستيمي كما ينبغي، حيث تجد هناك الاتهام والتحامل والجدل والتنقير في كل شاردة وواردة، أو السعي نحو إلتقاط الأنفاس مهما كانت صغيرة ليست ذات قيمة. والواقع إن الجابري نفسه لا يخلو هو الآخر من الجدل والتلاعب في الإحضار والتغييب، بل والتحامل في كتاباته على من حمّله مسؤلية التخلف وتكريس اللامعقول كما هو موقفه المعياري من فلاسفة المشرق العربي والاسلامي وعلى رأسهم ابن سينا الذي يتهمه بالعنصرية الفارسية من غير دليل يقدمه. لكن مع هذا ينبغي عدم الانزلاق والوقوع فيما وقع به.

مع ذلك نحن نرى أن ما قدمه الجابري من مشروع للنقد هو في غاية الجدّة والأهمية. على الأقل إنه بقرارة الناقد ـ عند تثمينه للمشروع في مقاله بمجلة الوحدة المشار اليه في مستهل هذه الخاتمة ـ هو عبارة عن ((اطروحة تغيّر، وليس مجرد اطروحة تثقّف)). وهنا الأهمية، ذلك إنه يفتح أمامنا آفاقاً من التفكير لم يكن بالامكان فتحها ما لم تنطلق من موقع الجذور الخاصة بنقد العقل الذي نفكر به، وقد أفادنا مشروع الجابري بهذا النحو من العمل خير إفادة. وهو أمر لا يعني بالضرورة أننا نتفق مع الاطروحة التي قدمها، وبالتالي لا مانع من أن يكون السعي نحو نسف هذه الاطروحة جملة وتفصيلاً، شرط أن يكون العمل مستمداً من النهج الابستيمي بعيداً قدر الامكان عن الأدلجة والجدل، كذلك بعيداً عن صيغ الاتهامات غير القاطعة. المهم إن ما نستلهمه عن الجابري هو ضرورة مراجعة العقل ونقده. فهذه هي الحكمة الثابتة التي نأخذها فعلاً عن الطريقة التي طرحها صاحب (نقد العقل العربي)، أما غير ذلك فهو مما يقبل النقد، وبالتالي لا اعتقد أن ما طرحه هذا المفكر أصبح عقبة ابستمولوجية كما يقول الناقد، بل على العكس أرى أن ما طرحه يبعث على التغيير والمساءلة والنقد، سواء بالنسبة للموضوع الذي أخضعه للنقد وهو العقل العربي، أو حتى بخصوص الاطروحة التي قدمها في نقده لهذا العقل.

هكذا نذكّر ـ أخيراً ـ بأنه لا يمكن أن نقلع ما ثبّته الجابري من تصور نظري متماسك رغم ما ينطوي عليه من تناقض ومفارقات إلا من خلال التجلية الابستيمية بعيداً عن الإكثار من لغة الاتهام والتحامل.

الهوامش

(1) طرابيشي، جورج: نظرية العقل، ضمن سلسلة: نقد نقد العقل العربي، دار الساقي، لندن، الطبعة الأُولى، 6 9 9 1م، مقدمة المؤلف، ص 7 ـ 8.

(2) المصدر السابق، ص 8.

(3) المصدر السابق، ص 9.

(4) المصدر السابق، ص 7 4 3.

(5) تكوين العقل العربي، ص 7 1 ـ 8 1.

(6) نظرية العقل، ص 0 3.

(7) المصدر السابق، ص 1 7 ـ 2 7.

(8) ذلك إننا لو أخذنا بالمعنى العام الشامل للتفكير بالعقل؛ لكانت الأولوية عائدة اليه، حيث يصبح كل تفكير في العقل معتمداً ولابد على التفكير بالعقل، دون عكس.

(9) المصدر السابق، ص 3 7.

(0 1) المصدر السابق، ص 9 8.

(1 1) المصدر السابق، ص 6 5.

(2 1) حيث أن الهيلينيين أو الشرقيين هم الذين اطلقوا لفظة اليونان. فاليونانيون ما عرفوا أنفسهم بهذا الإسم ولا حتى بإسم الاغريق، وإنما جاءت اللفظتان متأخرتين عن زمن حضارتهم (المصدر السابق، ص 9 2 1).

(3 1) المصدر السابق، ص 8 7 ـ 9 7 و 8 8.

(4 1) المصدر السابق، ص 9 8 و 2 9 2 ـ 3 9 2.

(5 1) تكوين العقل العربي، ص 3 7 1.

(6 1) المصدر السابق، ص 1 8 1.

(7 1) المصدر السابق، ص 5 7 1.

(8 1) المصدر السابق، ص 6 3 3.

(9 1) المصدر السابق، ص 0 2 2.

(0 2) إلى درجة أن فيستوجيير يقرر: ((أن الإيمان بفيثاغورس كان يزداد بمقدار ما كان يتناقص سلطان العقل)). عن المصدر السابق، ص 8 6 1.

(1 2) المصدر السابق، ص 6 6 1 وما بعدها.

(2 2) نظرية العقل، ص 0 9.

(3 2) نظرية العقل، ص 3 9.

(4 2) المصدر السابق، ص 2 0 1 وما بعدها.

(5 2) انظر الفصل الثالث المسمى: هجاء العقل العربي بالضدية مع العقل اليوناني، ص 7 1 1 وما بعدها.

(6 2) يقول الجابري بالحرف الواحد: ((عندما نتحدث عن (العقل العربي) أو عن (الثقافة العربية) فإننا نصدر، سواء صرحنا بذلك أم لم نصرح، عن موقف يسلم بوجود (عقل) و (ثقافة) أو (ثقافات) أُخرى يتحدد بالمقارنة معها العقل والثقافة اللذين نتحدث عنهما. هذا شيء لا مفر منه اذ (بضدّها تتميز الأشياء) كما كان يحلو لأجدادنا أن يقولوا ويكرروا القول)) (تكوين العقل العربي، ص 7 1).

(7 2) تكوين العقل العربي، ص 8 2 ـ 9 2. ونظرية العقل، ص 3 6 3 وما بعدها.

(8 2) نظرية العقل، ص 6 2 2. يلاحظ أن ما اعتمد عليه الناقد من الاستشهاد بقول الاكويني لا يفيد دلالة أن تكون المطابقة هي من انتاج العقل العربي في الأساس.

(9 2) نظرية العقل، الفصل الثالث، و ص 4 9 2 وما بعدها.

(0 3) تكوين العقل العربي، ص 9 2.

(1 3) المصدر السابق، ص 1 4 3 و 3 4 3.

(2 3) المصدر السابق، ص 4 4 3.

(3 3) المصدر السابق، ص 5 4 3 وما بعدها.

(4 3) تكوين العقل العربي، ص 0 2 ـ 3 2.

(5 3) نظرية العقل، ص 8 4 وما بعدها.

(6 3) تكوين العقل العربي، ص 8 2.

(7 3) نظرية العقل، ص 4 5 3 وما بعدها.

(8 3) المصدر السابق، ص 5 2 2 ـ 6 2 2.

(9 3) تكوين العقل العربي، ص8 2.

(0 4) نظرية العقل، ص 1 0 2.

(1 4) نظرية العقل، ص 8 0 2 و 9 0 2.

(2 4) فمن المقاطع ((الأدبية)) للنصوص التي نقلها الناقد ما جاء عن إدغار موران قوله: ((ينبغي علينا أن نغيّر عالمنا. فالكون الموروث عن كبلر وغاليله وكوبرنيكوس ونيوتن ولابلاس كان كوناً بارداً، متجمداً، من أفلاك سماوية، وحركات مستديمة، ونظام تام أتم، واتزان وتوازن. وعلينا الآن أن نقايضه بكون ساخن، من غيمة متقدة ملتهبة، وكرات نارية، وحركات غير قابلة للارتكاس، ونظام يخالطه اللانظام، وانفاق، وهدر، واختلال توازن. لقد كان الكون الموروث عن العلم الكلاسيكي واحدي المركز. أما الكون الجديد فعادم المركز، متعدد المراكز... متفجر، متفتت. وما كان يؤلف العمود الفقري للكون ومعماره قد أمسى أرخبيلات منجرفة في شتات عادم البنية. ولقد كان الكون القديم ساعة كبيرة مضبوطة أتم الضبط. لكن الكون الجديد غيمة متقلبة. الكون القديم كان يضبط الزمن ويقطّره. والكون الجديد يجرفه الزمن؛ فالمجرات هي نواتج، آناء في صيرورة متناقضة. فهي تتكون، وتترنح، وتتهارب، وتتصادم، وتتشتت... ولقد كان الكون القديم يجد مستقراً مريحاً له في المفاهيم الواضحة المتمايزة من قبيل الحتمية والقانون والوجود. أما الكون الجديد فيطيح بالمفاهيم، ويجاوزها، ويفجرها، ويرغم الحدود الأكثر تناقضاً على أن تتقارن وتتعانق، بدون أن تفقد مع ذلك تناقضاتها في وحدة صوفية... إن كوناً إذن قد مات. إنه الكون الذي لا يفتأ، منذ بطليموس، وعبر كوبرنيكوس ونيوتن واينشتاين، يدور في مدار النظام. لكن الكون الجديد الذي يولد على مرأى منا ومبصر ما عاد يدور حول النظام... وهذا الكسموس الجديد لا يحمل لراصده سوى عدم يقين لا يطاق)). ويقول آخر: ((إن أول المفاهيم التي طردتها الرؤية الجديدة للعالم هو المفهوم المركزي في الرؤيتين القديمة والكلاسيكية للعالم: أي مفهوم النظام. فالكون، في جملته تقريباً، لا وجود له إلا في حالة شتات وعدم نظام. ذلك أن الكون، خلافاً للتصور القديم، ليس عالماً من جليد وثبات، بل عالم من نار وتفاعل. وحسب التقديرات الراهنة للعلم، فإن الكون يتألف من خمس مائة مليون مجرة، كل مجرة تتألف من مليار إلى مائة مليار من الشموس. وكل شمس من مليارات مليارات الشموس عبارة عن كرة ملتهبة، قنبلة هيدروجينية هائلة قيد التفجر المستمر والمتراكب. والحال أن عالم النار والحرارة ليس عالماً نظامياً، بل عالم من انصهار وانفلاق وتفاعل مركب. والحرارة لها دوماً فاقدها: فرفيقها الدائم هيجان وغليان وشتات وفقدان وهدر ونزيف، أي لا نظام. وهذا اللانظام ماثل في كل نسيح الكون: الأكبر والأصغر على حد سوا'ء. فالشموس على صعيد الكون الأكبر حركة دائبة، وغير قابلة لأي قياس إلا بمليارات السنوات الضوئية، من انفجارات النجوم اشتعالاً وانطفاءً، ومن تصادمات الأفلاك، وتناطحات المجرات. وإذا صح تشبيه الشموس بمحركات، فهي محركات انفجارية من طبيعة نووية، وقوتها الانفجارية مرتدة إلى ذاتها في سلسلة لا متناهية من التفاعلات التي لا يمكن تعقلها الا بمنطق الكارثة. فبالكارثة تتخلق الشموس، وبالكارثة تتفاعل وتنتشر، وبالكارثة تنطفئ. وفي ذلك الحريق الهائل الذي هو الكسموس بمليارات بؤره المشتعلة المنطفئة؛ تولد المجرات وتموت. وليس ما بين تقلص رحم الولادة وتشنج ساعة الاحتضار أي نظام أو أي قانون بل فقط سورة جنون حرارية ليس لها من مثيل معروف للانسان، قبل تفجير الذرة، سوى سعار البراكين. وعلى صعيد الكون الأصغر فإن الذرة، التي هي في بناء الكون بمثابة الآجرّة، لا تعدو أن تكون شمساً لا متناهية الصغر وقيد تفاعل لا متناه بين إلكتروناتها وبروتوناتها وفوتوناتها. فهي ليست نظاماً، بل (غيمة)، بل سديم قيد الانتاج الدائم والتنظيم الدائم لذاته. وعلى هذا النحو فإن كل ما في الكون، الأكبر والأصغر (يتكلم بلغة الهذاء))). (نظرية العقل، ص 6 8 1 ـ 7 8 1 و 7 8 1 ـ 8 8 1).

(3 4) نظرية العقل، ص 0 7 2 وما بعدها.

(4 4) منطق أرسطو، التحليلات الثانية، حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي، نشر مكتبة النهضة المصرية، 9 4 9 1م، ج 2، ص 8 1 3.

(5 4) منطق أرسطو، ج 2، ص 3 6 4 ـ 4 6 4. كما انظر المصادر التالية: محمد علي، ماهر عبد القادر: المنطق ومناهج البحث، دار النهضة العربية، بيروت، 5 0 4 1هـ ـ 5 8 9 1م، ص 9 4 1. بدوي، عبد الرحمن: أرسطو، دار القلم، الطبعة الثانية، ص 8 7 ـ 0 8. فخري، ماجد: أرسطو طاليس، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 8 5 9 1م، ص 4 3 ـ 5 3. علماً أن البعض أخطأ وظن أن أرسطو يرى أن المبادئ الأُولى مبرهن عليها بدورها بالاستقراء (التام)، وذلك إثر نص للمعلم الأول يقول فيه: ((وينبغي أن تعلم: إن الاستقراء ينتج أبداً المقدمة الأُولى التي لا واسطة لها، لأن الاشياء التي لها واسطة؛ بالواسطة يكون فيها قياسها، أما الأشياء التي لا واسطة لها فإن بيانها يكون بالاستقراء..)) (منطق أرسطو، نفس المعطيات السابقة، طبعة 8 4 9 1م، ج 1، ص 5 9 2 ـ 6 9 2. والصدر، محمد باقر: الأُسس المنطقية للاستقراء، دار التعارف، بيروت، الطبعة الرابعة، ص 6 1). لكن الواقع هو أن أرسطو لا يجعل من الاستقراء برهاناً على تلك المبادئ وانما يجعل منه بمثابة المنبّه للقوة الحدسية للعقل كما سبق أن عرفنا، كيف وهو يصرح بأن العلم بالبرهان لا يصح ما لم يتم العلم بتلك المبادئ (منطق أرسطو، ج 2، ص 2 6 4). لذلك إنه يقول بصدد مبدأ عدم التناقض: ((إن هذا الأول ـ مبدأ عدم التناقض ـ أثبت من جميع الأوائل، ومن الناس من يروم أن يوضح هذا الأول ببرهان بجهله وقلة أدبه، فإنه من الجهل وقلة الأدب أن لا يعلم أحد لأي الأشياء ينبغي لنا أن نطلب البرهان ولأيها لا ينبغي لنا أن نطلب البرهان، فانه لا يمكن أن يكون برهان لجميع الأشياء بقول كلي، لأنه إن أمكن ذلك صارت الأشياء بلا نهاية ولا يكون على هذا النحو برهان أيضاً)) (تفسير ما بعد الطبيعة، ج 1، ص 7 4 3). بل إن ابن سينا في كتابه (البرهان) والذي اعتمد فيه على كتاب (البرهان) لأرسطو وسلك مسلكه في كثير من الموارد؛ هو نفسه يتعرض إلى ذات الموضوع الذي طرحه المعلم الأول مجملاً في تحليلاته؛ فأخذ في بسطه وايضاحه؛ مبيناً أن علاقة الاستقراء بالمبادئ الأولية هي علاقة المنبّه بفضل القوة الحدسية، فمثلاً إنه يقول: ((.. وأما ـ تصديق المعقولات ـ الكائن بالاستقراء فإن كثيراً من الأوليات لا تكون قد تبيّنت بالعقل بالطريق المذكور أولاً. فاذا استقرأ جزئياته تنبّه العقل على اعتقاد الكلي من غير أن يكون الاستقراء الحسي الجزئي موجباً لاعتقاد كلي ألبتة، بل منبهاً عليه، مثل أن المماسين لشيء واحد وهما غير متماسين يوجبان قسمة لذلك الشيء. فهذا ربما لا يكون ثابتاً مذكوراً في النفس، فكما يحس بجزئياته يتنبه له العقل ويعتقده...)) (ابن سينا: البرهان، تحقيق الدكتور أبي العلا عفيفي، ص 2 2 2 ـ 3 2 2 ). ويقول أيضاً: ((وإن كنّا قد نستقرئ من تكرار المحسوسات أموراً كلية، لا لأن الحس أدركها ونالها، ولكن لأن العقل من شأنه أن يقتنص من الجزئيات المتكررة كلياً مجرداً معقولاً لم يكن الحس أدركه، ولكن أدرك جزئياته فاختلق العقل من الجزئيات معنى معقولاً لا سبيل اليه للحس، بل يناله باشراق فيض إلهي عليه)). (البرهان، ص 0 5 2). علماً بأن تفصيل هذا الموضوع عرضناه في كتابنا: الاستقراء والمنطق الذاتي. كما يُراجع بهذا الصدد كتابنا: الأُسس المنطقية للاستقراء / بحث وتعليق، مطبعة نمونه، الطبعة الأُولى، 5 0 4 1هـ ـ 5 8 9 1م، ص 7 9 و 1 0 1 وما بعدها.

(6 4) انظر: تكوين العقل العربي، ص 5 2. ونظرية العقل، ص 5 6 2 وما بعدها.

(7 4) نظرية العقل، ص 6 6 2.

(8 4) فمثلاً يقول ريشنباخ: ((القول أن كل شيء في هوية مع ذاته، وأن كل جملة إما صادقة وإما كاذبة - أي (أن تكون أو لا تكون) بالمعنى المنطقي - هي مقدمات لا يتطرق اليها الشك، ولكن عيبها أنها بدورها فارغة، فهي لا تذكر شيئاً عن العالم الفيزيائي، وإنما هي قواعد نستخدمها في وصف العالم الفيزيائي، دون أن تسهم بشيء في الوصف. فهي تتحكم في صورته وحدها، أي في لغة وصفنا، وإذن فمبادئ المنطق تحليلية)) (ريشنباخ، هانز: نشأة الفلسفة العلمية، ترجمة الدكتور فؤاد زكريا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 9 7 9 1م، ص 5 4 ـ 6 4). كما يقول الدكتور زكي نجيب محمود: ((ضمن تعريف المثلث في هندسة اقليدس بأنه سطح مستو محاط بثلاثة خطوط مستقيمة؛ تترتب نتيجة خاصة بمقدار زواياه وهي أن تلك الزوايا تساوي مائة وثمانون درجة، وقد تظن أن هذه النتيجة علم جديد لم يكن في التعريف، وهو علم يزودنا بخبر عن المثلث المرسوم في الطبيعة الخارجية، ولو كان الأمر كذلك لصح قول القائلين: بأن القضية الرياضية قبلية واخبارية في آن معاً، لكن حقيقة الموقف غير ذلك)) (محمود، زكي نجيب: نحو فلسفة علمية، ص 6 7 1). لكن في دراستنا (الاستقراء والمنطق الذاتي) كشـفنا عن الخـلط المستخدم بـين القـضايا التـي توصـف بأنها: (تكـرارية = تحليلية = ضرورية = لا إخبارية)، وكذا بين القضايا التي توصف في المقابل أنها: (جديدة = تركيبية = اخبارية = غير ضرورية). حيث كشفنا أن هذه المساواة ليست دائماً صادقة وصحيحة.

(9 4) نشأة الفلسفة العلمية، ص 6 0 1.

(0 5) يلاحظ بهذا الصدد كتابنا: الاسس المنطقية للاستقراء / بحث وتعليق، ص 3 4 2 ـ 9 4 2.

(1 5) انظر حول ذلك المـصادر التالية: البرهان لابـن سـينا، ص6 9. ومنطق الاشارات والتنبيهات، ص7 1 2. السبزواري، ملا هادي: شرح المنظومة، طبعة حجرية، ص 1 9. التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، مكتبة الخيام، طهران، 7 6 9 1م، ص0 9 1.

(2 5) فقد ذكر ابن سينا يقول: ((إن التجربة كثيراً ما تغلط أيضاً إذا أخذنا ما بالعرض مكان ما بالذات فتوقع ظناً ليس يقيناً. وإنما يوقع اليقين منها ما اتفق إن كان تجربة فيها الشيء المجرب عليه بذاته. فأما إذا أُخذ غيره مما هو أعم منه أو أخص، فإن التجربة لا تفيد اليقين)) (البرهان، ص 6 9). بل نُقل عن أرسطو ذاته ما يقرب من هذا الاستدراك. حيث جاء انه صرح بأن ((الاستقراء ينتقل من حالات فردية إلى حالات كلية، ومن المعلوم إلى المجهول، ويشترط لمثل هذا الانتقال أن نبحث عن أوجه التشابه ونفحصها جيداً، لأننا لن نستطيع التوصل للحكم الكلي من البينات التي أمامنا ما لم نقم باستقراء الافراد في الحالات التي تكون متشابهة.. ففي بعض الحالات فانه من الممكن في الاستقراء أن نسأل السؤال في صورته الكلية، ولا يسهل هذا في حالات أُخرى حيث لا يوجد حد عام مؤسس يجمع كل التماثلات. وفي هذه الحالة فإنه حين يريد الناس انقاذ الكلي يستخدمون العبارة (في كل حالات هذا النوع)، ولكن من أصعب الأُمور أن نميّز أياً من الأشياء الواردة هي من هذا النوع، وأيها ليس منه)) (المنطق ومناهج البحث، نفس المعطيات السابقة، ص 0 5 1).

(3 5) زيدان: محمود فهمي: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، دار النهضة العربية، بيروت، 2 8 9 1م، ص 1 1 1 ـ 4 1 1.

(4 5) تكوين العقل العربي، ص 5 1.

(5 5) نظرية العقل، ص 3 1 ـ 4 1.

(6 5) نظرية العقل، ص 4 1.

(7 5) المصدر السابق، ص 5 1.

(8 5) المصدر السابق، ص 5 1.

(9 5) تكوين العقل العربي، ص 6 1

(0 6) نظرية العقل، ص 5 1 وما بعدها.

(1 6) نظرية العقل، ص 9 1.

(2 6) في هذا النص يذكر الجابري أن لالاند يقول: إن العقل المكوَّن ((ينزل منزلة المطلق من طرف اولئك الذين لم يكتسبوا، في مدرسة المؤرخين أو مدرسة الفلاسفة، الروح النقدية))، اولئك الذين يحكمهم العقل السائد الذي أنتجه عقل أجدادهم الفاعل، عقل ثقافتهم التي يعتبرونها الثقافة الوحيدة والممكنة، أو على الأقل العالم الثقافي الخاص بهم. (تكوين العقل العربي، ص 6 1. ولاحظ: نظرية العقل، ص 0 2).

(3 6) نظرية العقل، ص 8 1 وما بعدها.

(4 6) انظر: تكوين العقل العربي، ص 6 1.

(5 6) انظر على سبيل المثال تصريحه في مقدمة كتابه تكوين العقل العربي، ص 6.

(6 6) مقدمة في علم الاستغراب، نفس المعطيات السابقة، ص 4 1 و 2 8 .

(7 6) تكوين العقل العربي، ص 0 2.

(8 6) نظرية العقل، ص 0 5 2 ـ 1 5 2.

(9 6) نظرية العقل، ص 1 5 2.

(0 7) المصدر السابق، ص 5 5 2.

(1 7) نفس المصدر، ص 6 5 2.

(2 7) تكوين العقل العربي، ص 0 2.

(3 7) نظرية العقل، ص 9 9 1.

(4 7) تنبغي الاشارة انه لابد من التأني بالحكم، ذلك أن الناقد هو نفسه كثيراً ما يمارس التحريف في تعبيره عن آراء الجابري أو أقواله. ناهيك عن أن إدراكه للشبه بين نصوص الجابري وبين نصوص غيره ممن يراه مصدراً لهذا المفكر العربي يُعد إدراكاً ضعيفاً قائماً على الربط لأدنى مناسبة، كما سيمر علينا نماذج من ذلك أثناء ذكره للشواهد التي يدين بها الجابري. وعلى العموم تجد عدم التأني والتحامل وسرعة الاتهام، مع عدم ايراد المحتملات الممكنة مهما كانت قوية ومبررة؛ هي من العلامات الوافرة في كتاب (نظرية العقل).

(5 7) نظرية العقل، ص 7 2 ـ 8 2.

(6 7) تكوين العقل العربي، ص 8 1.

(7 7) نظرية العقل ، ص 8 2.

(8 7) نظرية العقل، ص 1 3 وما بعدها.

(5 7) نظرية العقل، ص 7 2 ـ 8 2.

(6 7) تكوين العقل العربي، ص 8 1.

(7 7) نظرية العقل ، ص 8 2.

(8 7) نظرية العقل، ص 1 3 وما بعدها.

(9 7) المصدر السابق، ص 1 3 ـ 2 3.

(0 8) بدوي، عبد الرحمن: موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأُولى، 4 8 9 1م، ج 2، مادة (هيجل)، ص 1 9 5 ـ 2 9 5.

(1 8) تكوين العقل العربي، ص 2 2.

(2 8) نظرية العقل، ص 9 3 2.

(3 8) نظرية العقل، ص 0 7 1. وانظر: موسوعة الفلسفة لبدوي، مادة (هيجل)، ج 2، ص 1 9 5.

(4 8) تكوين العقل العربي، ص 9 1.

(5 8) انظر: تكوين العقل العربي، ص 9 1 ـ 0 2 و 0 3.

(6 8) نظرية العقل، ص 2 7 1 ـ 3 7 1.

(7 8) تكوين العقل العربي، ص 9 1.

(8 8) مثلاً تقارب المفردات الواردة في نص كل من السواح والجابري ما جاء في النص الفلسفي لمعنى العماء، إذ عُرّف بالقول: ((العماء هو الخلاء المظلم، وغير المحدود، المتقدم على وجود العالم. مثال ذلك قوله في الاصحاح الاول من (التكوين): (كانت الارض خربة وخالية، وعلى وجه الارض ظلمة). والعماء أيضاً حالة الفوضى والاضطراب التي تكون عليها عناصر الوجود ، قبل أن تتناولها يد (الصانع) بالتنظيم والتنسيق. قال ديكارت: (عزمت على أن اترك هنا كل هذا العالم ليجادلوا فيه، وأن أقتصر على الكلام عما قد يحدث في عالم جديد، لو أن الله خلق الآن في مكان ما، في الفضاء الخالي، مادة كافية لتأليفه، ثم حرّك الأجزاء المختلفة لهذه المادة تحريكاً مختلفاً، بحيث ألف من ذلك خليطاً مشوشاً على النحو الذي يتوهمه الشعراء). فالخليط المشوش المشار اليه في هذا النص هو العماء، وعلى ذلك فكل ما ليس مرتباً ولا منسقاً فهو عماء)). صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، نشر الشركة العالمية للكتاب، مادة العماء، ج 2، ص 3 0 1.

(9 8) جاء انه سُئل النبي (ص): أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه، قال (ص): كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق الخلق وقضى (إبن عربي: الفتوحات المكية، تحقيق وتقديم عثمان يحيى، تصدير ومراجعة ابراهيم مدكور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية، 5 8 9 1م ـ 8 8 9 1م، ج 3، ص 3 2 3 / ج 2 1، ص 1 2 2 / ج 3 1، ص 3 5 3.

(0 9) نظرية العقل، ص 6 6 2.

(1 9) تكوين العقل العربي، ص 5 2.

(2 9) تكوين العقل العربي، ص 5 2.

(3 9) نظرية العقل، ص 6 6 2.

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار