مفهوم الإجتهاد وتطوره


يحيى محمد

يمكن القول أن هناك تطورات عديدة حدثت لمفهوم الإجتهاد منذ بداية تأسيسه التنظيري إلى يومنا هذا. ففي البداية لم يكن معنى الإجتهاد يخرج عن القياس أو ما يقابله من الممارسات الإجتهادية الأُخرى التي وضعت لأجل تحديد أحكام القضايا غير المنصوص فيها؛ مثل الاستحسان والمصالح المرسلة وما على شاكلتها، وبالتالي فإن مفهومه لم يكن دالاً على بذل الجهد لإستنباط الأحكام من النص وفي النص ذاته، كما هو واضح عند المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من المذاهب التي كانت سائدة آنذاك. فقد عُدّ الإجتهاد مصدراً من مصادر التشريع، وبالتالي فإن موقعه كان في نفس القائمة التي تضم المصادر الأساسية للإستنباط، كالكتاب والسنة والإجماع. مما يعني أن آلية إستنباط الأحكام من المصادر الثلاثة لم تفهم بأنها من الإجتهاد. فالإجتهاد لم يصح إلا مع عدم وجدان الحكم الشرعي من المصادر الآنفة الذكر.

فمن الناحية المبدئية أن الدلالة التي تمنحها المصادر الثلاثة هي القطع والبيان أو ما يردّ إلى ذلك من ظنون مؤسسة على البيان ذاته، كحجية خبر الواحد، بينما لا يفيد الإجتهاد إلا الظن والرأي. وعليه كان العمل به من موقع الإضطرار طالما ليس هناك حكم للنص أو الإجماع على الواقعة( 1). فالإجتهاد >إنما يباح للمضطر كما تباح الميتة والدم عند الضرورة (فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)<( 2).

لهذا كان السلف الأوائل يتحفظون من الفتوى( 3)، وكان العديد منهم لا يحرم ولا يحلل الا بنص صريح، وانما يقول أكره واستحسن، وعلى ذلك كانت سيرة مالك بن انس الذي يعقب على مثل قوله هذا بقبس من القرآن: ((إنْ نظنُّ الا ظناً، وما نحن بمستيقنين)) الجاثية/ 2 3( 4). وربما كان ذلك اتباعاً لما جاء في قوله تعالى: ((قل أرأيتُم ما أنزلَ اللهُ لكم من رزقٍ فجعلتم منه حراماً وحلالاً، قل أاللهُ أذنَ لكم أم على الله تفترون))يونس/ 9 5، وقوله: ((ولا تقولوا لما تَصفُ ألسِنتُكم الكذِبَ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذبَ..)) النحل/ 6 1 1( 5). وعليه جاء عن مالك انه قال: >لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً اقتدي به يقول في شيء هذا حلال وهذا حرام<( 6). كما قال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول أحلّ الله كذا وحرم كذا؛ خشية أن يقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا( 7).

هكذا إن الفقهاء الأوائل لم يُقحموا >الاجتهاد< في دائرة النص، خصوصاً وانهم أخذوا على عاتقهم مبدأ عدم التكثير في السؤال وتشقيق النصوص، وهو مبدأ طالما أكدت عليه بعض المرويات النبوية( 8)، وجرت عليه سيرة الصحابة كما يطلعنا عن ذلك ابن عباس في قوله: ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله (ص) ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلّهن في القرآن، منهن: يسألونك عن الشهر الحرام...الخ( 9). لهذا قال بعض السلف وهو يخاطب معاصريه: انكم تسألون عن أشياء ما كنّا نسأل عنها، وتنقّرون عن أشياء ما كنّا ننقّر عنها، وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي. وعن عمر بن اسحاق انه قال: لمن أدركت من أصحاب رسول الله (ص) أكثر ممن سبقني منهم فما رأيت قوماً أيسر سيرة ولا أقل تشديداً منهم( 0 1). وقال مالك: ادركت اهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فاذا نزلت نازلة جمع الامير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه انفذه، وانتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله( 1 1).

وعلى العموم كان السلف الأوائل يخشون الكثرة في السؤال وهم يدركون ما يترتب عليها من زجّ النص في حبائل الاجتهاد. وجاء عن الكثير من العلماء قولهم: التكثير من السؤال في المسائل الفقهية هو تكلف وتنطع فيما لم ينزل، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف( 2 1)

***

إن أول صورة منظّرة وصلتنا عن مبدأ الإجتهاد الفقهي هي تلك التي رسمها مؤسس علم الأُصول الشافعي (المتوفي سنة 4 0 2هـ). أما قبل هذا الامام فلم يردنا شيء بخصوص التنظير، انما كانت هناك قواعد معتمدة للاجتهاد يمارسها الفقهاء؛كتلك التي اعتمد عليها ابو حنيفة مثل مبدأ الاستحسان، او تلك التي استند اليها مالك مثل المصلحة المرسلة.

ومن حيث التنظير يرادف الشافعي بين الإجتهاد والقياس؛ في الوقت الذي لا يجد لهذا الإجتهاد أو القياس أساساً منصوصاً عليه من قبل الشرع، لهذا فهو يثير تساؤلاً بهذا الشأن ليجيب عليه فيقول: >فمن أين قلتَ يقال بالقياس فيما لا كتاب فيه ولا سنة ولا إجماع؟ أفبالقياس نص خبر لازم؟ قلتُ: لو كان القياس نص كتاب أو سنة قيل في كل ما كان نص كتاب (هذا حكم الله)، وفي كل ما كان نص السنة (هذا حكم رسول الله)، ولم نقل له قياس. قال: فما القياس؟ أهو الإجتهاد؟ أم هما مفترقان؟ قلت: هما إسمان لمعنى واحد...<( 3 1).

وهو مع ذلك استدل على صحة الإجتهاد جملة من النص ولكن بصورة غير مباشرة، فتساءل ليجيب قائلاً: >أفتجد تجويز ما قلتَ من الإجتهاد، فتذكره؟ قلتُ نعم إستدلالاً بقول الله: (ومن حيث خرجتَ فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره). قال: فما (شطره)؟ قلت: تلقاءه... فالعلم يحيط أن من توجّه تلقاء المسجد الحرام ممن نأتْ داره عنه على صواب بالإجتهاد للتوجه إلى البيت بالدلائل عليه، لأن الذي كُلّف التوجه إليه، وهو لا يدري أصاب بتوجهه قصد المسجد الحرام أم أخطأه، وقد يرى دلائل يعرفها فيتوجه بقدر ما يعرفه، ويعرف غيره دلائل غيرها بقدر ما يعرف وإن إختلف توجههما...<( 4 1).

هكذا نفهم أن الشافعي لا يرد الإجتهاد أو القياس إلى النصمباشرة. وهو في طريقته في الإستدلال عليه يستند إلى القياس ذاته، وبالتالي فإنه يصادر على المطلوب. حيث كيف يصح له أن يستدل على القياس من خلال فهم طلب التوجه إلى المسجد الحرام في الآية لولا أنه قاس هذه القضية على غيرها.

مهما يكن فقد كثر الجدل حول مسند القياس وغيره من موارد الإجتهاد الأُخرى. وموقف الشافعي بهذا الخصوص ربما لا يختلف عما ينسب إلى مواقف المذاهب الثلاثة الأُخرى (الحنفي والمالكي والحنبلي)، خاصة إننا نجد مبدأ الإجتهاد يُذكر في قائمة هي نفسها التي يُذكر فيها النص كمصدر للتشريع. فأتباع المذاهب الأربعة الذين يعولون على طريقة الإجتهاد فيما لا نص فيه؛ حينما يعددون مصادر التشريع فإنهم يضعون أنواع الإجتهاد مع أنواع النص وملحقاته جنباً إلى جنب، رغم أنهم يميزون بينهما من حيث الرتبة والدرجة.

فالقرافي المالكي يُحصي في (تنقيح الأُصول) أُصول مذهب مالك ويعددها كالآتي: القرآن والسنة والإجماع، وإجماع أهل المدينة وقول الصحابي، والقياس والمصالح المرسلة والعرف والعادات والإستحسان وسد الذرائع والإستصحاب( 5 1).

كما أن الشاطبي في (الموافقات) حاول أن يرد أدلة المذهب المالكي إلى أربعة؛ جامعاً فيها النص والإجتهاد معاً. فهو يرى أن هذه الأدلة عبارة عن الكتاب والسنة والإجماع والرأي، معتقداً أن مالكاً كان يرى >السنة< متضمنة لكلٍّ من عمل أهل المدينة وقول الصحابي، وأن لفظة >الرأي< تتضمن كلاً من المصالح المرسلة والإستحسان والإستصحاب وسد الذرائع والعادات( 6 1).

وأيضاً فإن الطوفي الحنبلي يحصي الأدلة بين العلماء عموماً فيجدها لا تزيد على تسعة عشر دليلاً، وهي كلٌّ من النص والإجتهاد معاً( 7 1).

كل ذلك يتسق مع الفهم الخاص للإجتهاد من كونه ليس مستلهماً مباشرة من النص ولا أنه موضوع بخصوص فهمه بالذات بل بالعرض. فهذا هو حال المرحلة الزمنية التي كانت تضم عصر أئمة المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها.

تغير مفهوم الإجتهاد وإتساعه

أخذ مفهوم الإجتهاد مع مرور الزمن يتسع ويتغير. حيث ظهرت محاولات للإستدلال بالنص على قضايا الإجتهاد، خاصة القياس منه، في الوقت الذي أخذ هذا المفهوم يكسب سعة أكبر ليشمل حالة الإجتهاد في النص، دون أن يبقى حبيساً وموقوفاً على ما لا نص فيه كما عهد عليه في السابق.

فقد شاع الإستدلال على جواز العمل بالإجتهاد بدعوى الإجماع وذكر بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتضمن عدم الممانعة من العمل به حين عدم توفر النص، ومن ذلك الاستدلال بحديث معاذ بن جبل( 8 1) وسيرة الصحابة واقوال الخلفاء الراشدين، مثلما يُنقل عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على ما سنعرف.

أما من حيث إتساع مفهوم الإجتهاد وتعبيره عما يتعلق بفهم النص دون الإقتصار على الوقائع غير المنصوص فيها؛ فهذا ما نجده لدى العلماء المتأخرين، كما هو واضح مما يقوله أبو الحسين البصري (المتوفي سنة 6 3 4 هـ): >وأعلم أن الفقهاء يعدّون من مسائل الإجتهاد ما يستدل عليه بالكتاب كالنية في الوضوء والترتيب وأن (الواو) للترتيب أو للجمع..<( 9 1). كذلك ما يصرح به البعض من أن الإجتهاد عبارة عن >بذل الجهد وغاية الوسع إما في إستنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، وإما في تطبيقها<( 0 2). وأيضاً ما يقوله أبو اسحاق الشيرازي من أن الإجتهاد هو >بذل الوسع وبذل المجهود في طلب الحكم الشرعي ممن هو من أهله<( 1 2). وكذا ما يصرح به الغزالي في كتابه (المستصفى) بأنه >بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة<( 2 2). بل أكثر من ذلك أن هذا الإمام لم يعتبر دائرة الإجتهاد خارجة عن دائرة النص، بدلالة أنه يعد أُصول الأدلة أربعة هي الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل والإستصحاب الدالين على براءة الذمة في الأفعال قبل ورود السمع( 3 2). ومثل ذلك وقبله نجد تعريف الإجتهاد عند إبن حزم (المتوفي سنة 6 5 4هـ) مقيداً بما هو منصوص باعتباره ينكر قضايا الإجتهاد فيما لا نص فيه. إذ يعرفه بأنه >بلوغ الغاية وإستنفاد الجهد في المواضع التي يرجى وجوده فيها في طلب الحق فمصيب موفق أو محروم<( 4 2).

وعلى هذه الوتيرة ظهر مفهوم الإجتهاد لدى المتأخرين التابعين من أمثال الآمدي والبيضاوي والفتوحي والشنقيطي ومحب الله بن عبد الشكور وعلاء الدين البخاري وغيرهم( 5 2). وبعضهم أمدّه الى ساحة العقليات مثلما هو الحال مع الشيخ ابي محمد السالمي (المتوفي سنة 2 3 3 1هـ) الذي عرفه بأنه >استفراغ الفقيه الوسع في استحصال حادثة بشرع أو عقل، وانما قلت كذلك ليشمل العقليات فان فيها الاجتهاد ايضاً<( 6 2).

هكذا يلاحظ أن معظم تعاريف الإجتهاد كالتي ذكرناها تجعل موضوعها الأساس هو النص وليس قضايا ما لا نص فيه. فشتان بين المفهوم القديم للإجتهاد كما حدده الشافعي وبين ما استحدثه الأتباع فيما بعد. إذ كان التحديد الأول ينحصر في حدود >الإنتاج المعرفي< الخاص بالإجتهاد فيما لا نص فيه، بينما شمل التحديد الأخير مجال >فهم النص< ووضع تفاوتاً بيّناً بين الفهم والشريعة.

مفهوم الإجتهاد في الدائرة الشيعية

كان ذلك بخصوص الدائرة السنية، أما بخصوص الدائرة الشيعية فالمقرر مبدئياً هو أن الإجتهاد لا يعبّر عن كونه عبارة عن إنتاج معرفي كما في القياس والإستحسان والمصالح المرسلة، بل عبارة عن فهم النص طبقاً لشروطه الخارجية والداخلية، أي شروط السند والمتن، حيث وُضع الإجتهاد أساساً لهذه الإعتبارات؛ من حيث أنه يعني إفراغ الجهد والوسع لإستنباط الحكم من النصوص، كما تقرر صراحة لدى المحقق الحلي (المتوفي سنة 6 7 6هـ أو 6 2 7هـ)( 7 2)، مما يعبر عن إمتداد لما آل إليه النظر السني. وبالفعل يعترف بعض المعاصرين من فقهاء الشيعة من أنه بعد أن كسب مفهوم الإجتهاد معنىً جديداً لدى السنة كما عند الغزالي (المتوفي سنة 5 0 5هـ) وأخذ الإستعمال بمعنى الرأي والقياس يقل ويضعف منذ ذلك الحين ليتجه أكثر إلى المجاهدة العلمية في طلب الأحكام؛ فإنه >بعد هذا التحول والإنقلاب بدأت الكلمة تأخذ طريقها إلى فقه الشيعة أيضاً<( 8 2).

إلا أن مفهوم الإجتهاد في الدائرة الشيعية لا يعطي مدلول الإمتداد لما آل اليه النظر السني فحسب، وإنما هناك جانب الإنفصال عنه في الوقت نفسه. فقد كانت آلية إستنباط الحكم من النص مقررة منذ بداية التنظير لدى الإتجاه الشيعي، بالرغم من وجود تحفظ على لفظة (الإجتهاد)، حيث في تلك الفترة كان هذا الإصطلاح حاملاً للمعنى الذي يتعامل به الإتجاه السني، كمرادف للقياس وما على شاكلته، والذي يخص القضايا غير المنصوص فيها. لهذا كانت عبارات المنظّرين من قدماء الشيعة تفوح برفض الإجتهاد وتحريم العمل به، كما هو الحال عند المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي( 9 2).

لكن مع ذلك فهناك إختلاف فيما تفضي إليه آلية فهم النص في عملية إستنباط الحكم الشرعي. فبعض العلماء يعتقد بأن هذه الآلية تفضي إلى القطع أو العلم، بما يجعل التطابق بين الفهم والنص تامة، كما هو الحال مع رأي الشريف المرتضى وابن ادريس الحلي وإبن زهرة والمحدث محمد أمين الإسترابادي وأتباعه( 0 3). بل لا يستبعد القول ان هذا هو مسلك جميع المتقدمين من الامامية حتى مجيء المحقق الحلي او ابن اخته الملقب بالعلامة الحلي خلال القرنين السابع والثامن الهجريين باستثناء البعض كالشيخ الطوسي.

ويؤيده ان الامدي الشافعي (المتوفي سنة 1 3 6هـ) كان يضع الامامية ضمن الاتجاهات التي لا ترى للمخطئ في الاجتهاد عذراً يسامح عليه، بتبرير مفاده انه ما من مسألة الا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق، وهو الرأي المنسوب الى بعض المعتزلة مثل بشر المريسي وابن عُليه وابي بكر الاصم، كذلك نفاة القياس كالظاهرية والامامية( 1 3).

لكن على خلافهم ذهب الإتجاه العام من الشيعة، كما هو الحال مع المتأخرين، حيث تقرر بأن آلية الفهم غالباً ما تفضي إلى الظن بالحكم الشرعي، وبالتالي فهم لا يمانعون من الإقرار بوجود خلخلة واسعة في علاقة التطابق بين الفهم والخطاب الديني.

تطور الإجتهاد عند الشيعة

وإذا ما كانت الخلخلة لدى المحقق الحلي مقتصرة على كل ما هو نظري وغير ظاهر من النص المباشر في الغالب، فإن الأمر عند المتأخرين إمتد إلى أكثر من هذا. ذلك أنه قد لاح ظاهر النص ولم يتوقف عند حدود الإطارات النظرية للنصوص. وقد تجاوز الأمر عند البعض وأخذ أبعاداً أوسع من ذلك على ما فصلناه في بعض من بحوثنا( 2 3).

تظل هناك القضايا غير المنصوص فيها، أو التي يعجز إستنباطها بواسطة فهم الخطاب، وهي ما يتضمنها الإنتاج المعرفي. فقد كان الإعتقاد السائد منذ بداية التنظير الشيعي وحتى بعض مراحله المتأخرة يجعل هذه القضايا تعود إلى أحكام العقل كالبراءة والإستصحاب... الخ. ففي البداية أُعتقد بأن هذه الأحكام قطعية، ثم مع مرور الزمن ظهر من يقول بأنها ظنية. لكن بفعل الصراع الأُصولي الإخباري فإن هذا الفهم أخذ يتغير وذلك منذ عصر وحيد الدين البهبهاني (المتوفي سنة 6 0 2 1هـ) وحتى يومنا هذا، إذ لم يعد النظر إلى هذه المدركات على أنها أحكام عقلية، بل أُعتبرت مجرد وظائف عملية أُطلق عليها >الأُصول العملية<( 3 3)، حيث ليس من مهامها معرفة الحكم الشرعي وإدراكه على حقيقته، بل تنحصر وظيفتها في تعيين السلوك العملي للمكلف كي تبرأ ذمته من التكليف، أما الحكم الشرعي فيظل معلّقاً ومجهول الحال.

وبهذا الكشف أصبح الجهد الإجتهادي للشيعة مكرساً بدرجة واسعة نحو بحث هذه الأُصول الوظيفية، فتميزت بذلك عن الإتجاه السني من حيث أنه قيّد جهده بالكشف عن الحكم الشرعي فحسب( 4 3).

الإجتهاد والعامل الزمني

يتبين مما سبق أن مفهوم الإجتهاد أخذ يتسع ويتمدد على حساب إفتراض التطابق بين الفهم والخطاب. فكلما إمتد الظرف التاريخي كلما عمل الإجتهاد على توسعة رقعة التفاوت بين الشيئين >في ذاته< و>لذاتنا< من الخطاب. فإذا كان عصر النص يشهد وجوداً للتصور الذي يبني طروحاته على فكرة التطابق؛ فإن مرحلة ما بعد هذا العصر مباشرة، وبالتحديد بداية التنظير الفقهي، قد بدأت تتحرك خلالها موجة الإهتزاز والخلخلة في التطابق، وذلك عبر الإعلان عن تأسيس الإجتهاد ـ المفضي إلى الظن ـ فيما لا نص فيه، وهي أُولى مراحل إهتزاز تلك العلاقة من خلال آلية الإنتاج المعرفي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع مرور الزمن أخذت ظاهرة الإهتزاز والخلخلة تتسرب إلى فهم الخطاب مباشرة بعد أن كانت مقتصرة على الإنتاج المعرفي.

أما في الدائرة الشيعية فقد بلغت هذه الظاهرة مداها عبر الإعلان عن الجهل المطبق بمعرفة الحكم الشرعي عند العجز عن فهم النص وفيما لا نص فيه، حيث أصبح التعويل على ما أُطلق عليه الأُصول العملية، في الوقت الذي تم ترسيم وتثبيت تلك الظاهرة لدى الغالب من فهم الخطاب الفقهي، إذ إعترف الفقهاء بالعجز عن تحصيل العلم أو القطع في الموارد الجزئية للفقه باستثناء القليل منها، ومن ثم إكتفوا بالظن المعتبر فيها ـ إذ الأصل في الظن هو عدم الحجية إلا ما خرج بدليل قطعي ـ ويقدر المفكر الصدر ان الاحكام القطعية لا تتجاوز الخمسة بالمائة من مجموع الاحكام الكلية. كما هناك مناقشات إيبستمولوجية هامة قد جرت بخصوص إفتراض ما يعرف بدليل الإنسداد الذي ذهب إليه عدد كبير من المتأخرين، وهو لا يقتصر على إنسداد باب العلم بالأحكام، بل يفترض أيضاً إنسداد باب الظن المعتبر شرعاً، وهو المعبر عنه تارة بالإنسداد العلمي، وأُخرى بالظن الخاص، والمقصود به بالدرجة الرئيسية الإنسداد الخاص بحجية خبر الآحاد( 5 3)، لما أُثير حولها من شكوك ومشاكل معرفية، خاصة أن مدار أغلبية موارد الأحكام الفقهية يتوقف عليه( 6 3). وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على المدى الذي آل اليه علم الأُصول من الكشف عن حدة الإهتزاز والخلخلة في علاقة التطابق، وبالتالي التفاوت بين ما هو >في ذاته< وما هو >لذاتنا< من الخطاب.

هكذا شتان بين الفهم الذي شيّده القدماء من الفقهاء إزاء الخطاب وبين الفهم الذي إنتهى إليه المتأخرون. فبينما كان أولئك يبنون فهمهم على الوضوح والبيان وبالتالي التطابق مع الخطاب؛ نجد المتأخرين على العكس يقيمون التباعد بين الفهم والخطاب كلما إمتد بهم الزمان. وإذا كان مآل هؤلاء هو الوقوع في خندق >الإنسداد< والإعتراف بغياب الطريق الموصلة إلى البيان في الخطاب، أو اللجوء إلى الوظيفة العملية بعد اليأس من تحصيل صور البيان؛ فإن الأمر عند القدماء يختلف تماماً، إذ إن قرب عهدهم بعصر النص ومحدودية ما يحتاجون إليه من المسائل نسبياً جعلهم يتصورون أن تحصيل البيان والوضوح حالة مطلقة ثابتة، فادعى علماء الشيعة القدماء طبقاً لهذا >أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على كل حكم شرعي دليلاً واضحاً مادام الإنسان مكلفاً والشريعة باقية<( 7 3). وهو أمر يتشابه كثيراً مع ما حصل من تطور في عالم علوم الطبيعة، إذ ساد الإعتقاد بوجود التطابق بين العقل والطبيعة قروناً طويلة، منذ اليونان وبعدها الحضارة الإسلامية، ومن ثم النهضة الحديثة، حتى بدأت أركان هذا الإعتقاد تتزعزع وتنهار شيئاً فشيئاً، وذلك منذ عصر التنوير، ومن ثم تفاقم الأمر وإتخذ بُعداً علمياً ومنطقياً خلال عصرنا الحاضر.

الإجتهاد والدلالة الظنية بالحكم الشرعي

مع أن التنظير للإجتهاد والتطورات التي لحقت به كانت تؤكد أنه عملية فكرية تفضي إلى الظن؛ إلا أن التعاريف التي دارت حوله لم يكن جميعها يؤكد هذه الناحية. فبعضها ذو دلالة عامة، وبعض آخر فيه قيد السعي في تحصيل العلم، كما أن بعضاً ثالثاً يكتفي بقيد تحصيل الظن فقط. في حين هناك تعاريف تتضمن القيدين العلم أو الظن حسب الاستطاعة.

فأغلب التعاريف التي مرت معنا تعطي دلالة عامة غير مقيدة بعلم أو بظن. لكن بعضها كان مقيداً بالعلم كتعريف الغزالي الآنف الذكر، وكذلك تعريف علاء الدين البخاري الذي يعبر عنه بأنه بذل المجهود في طلب العلم بأحكام الشرع( 8 3). وربما يكون قيد العلم في التعريف هنا ليس مشروطاً في الإجتهاد، لكنه يظل غاية يسعى إليها الفقيه ما أمكنه ذلك.

وبالنسبة إلى مفهوم الإجتهاد المؤسس طبقاً لقيد الظن فنجد تعاريف عديدة، منها ما عرفه الآمدي من أنه >إستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية<( 9 3). كما عرفه محب الله بن عبد الشكور بأنه بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني( 0 4). وعرفه الحاجبي بأنه إستفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. ومثل ذلك ما عرفه العلامة الحلي والشيخ حسن بن زين الدين وغيرهما من علماء الشيعة( 1 4).

أما تعريف الإجتهاد المنبني على أخذ إعتبار قيد العلم أو الظن فنجد مثلاً ما عرفه الشنقيطي من أنه بذل الفقيه وسعه بالنظر في الأدلة لأجل أن يحصل له الظن أو القطع بأن حكم الله في المسألة كذا( 2 4).

على أن الخلاف بين هذا التعريف وما قبله يُفترض أنه عائد إلى أن القائل بقيد الظن فقط لا يعتبر تحصيل العلم أو القطع بالحكم الشرعي من الإجتهاد كما هو صريح رأي الآمدي الذي نصّ على أن القطعي ليس محلاً للإجتهاد( 3 4) وعلى ذلك سار صاحب (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي) معتبراً >كل حكم يثبت بدليل ظني فهو اجتهادي، اذ لا اجتهاد مع القطع<( 4 4). فهذا الشرط في الاجتهاد يقيد تعريفه القائل بأنه >بذل الجهد والطاقة في طلب الحكم الشرعي بدليله< ( 5 4).

لذلك فقد وجد هذا الضرب من المفهوم نقداً من قبل الإخباريين في الوسط الشيعي رداً على ما قام به غرماؤهم الأُصوليون من تبني لذلك القيد في التعريف، وهو أمر يعود إلى الخلاف بين الجانبين حول طبيعة الأحكام التي يدركها الفقيه، هل أنها تحمل صفة العلم أم الظن؟ فمن المعلوم ان الإخباريين بخلاف الأُصوليين (المتأخرين) إعتبروا أن الطريق إلى العلم بالأحكام الشرعية مفتوح دائماً.

ولا شك أن هذا الخلاف قد أثّر على المتأخرين من الأُصوليين. فبعضهم حاول المصالحة بينهم وبين الإخباريين فإعتبر أن من الأولى تبديل قيد >الظن بالحكم الشرعي< بقيد آخر هو >الحجة على الحكم الشرعي<( 6 4)، فيكون التعريف عبارة عن بذل الفقيه وسعه في طلب الحجة على الحكم الشرعي، أو هو كما عرفه السيد الخوئي عبارة عن تحصيل الحجة على الحكم الشرعي( 7 4).

فهذا المعنى يجعل من أساس الظن قائماً على العلم. لهذا يذكر الخوئي أن المقرر لدى الإمامية هو عدم الإعتبار بالظن في شيء وأن العبرة إنما هي بما جُعلت له الحجية شرعاً سواء كان هو الظن أو غيره. وهو بذلك يجعل الحق مع الإخباريين من حيث أنهم أنكروا جواز العمل بالإجتهاد المفسر باستفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي، معتبراً أن الإجتهاد بهذا المعنى يعد بدعة لا يجوز العمل على طبقه، حيث وجود النهي عن إتباع الظن كما في جملة من الآيات الكريمة( 8 4). مع هذا يمكن القول أن علاقة الإجتهاد بالظن تظل وطيدة ومؤكدة، وهذا لا يمنع من أن تكون عليه الحجة القاطعة، كما لا يمنع من أن يفضي إلى العلم ـ بنظر المجتهد ـ أحياناً.

وقد اشتهر لدى الاصوليين أن علم المجتهد مبني على مقدمتين صغرى وجدانية وكبرى برهانية. فالصغرى هي عبارة عن >هذا ما ادى اليه ظني<. أما الكبرى البرهانية فهي: >كل ما أدى اليه ظني فهو حكم الله في حقي<. والحكم المعلوم منهما هو الحكم الظاهري( 9 4).

مراتب الإجتهاد

الإتجاه السني ومراتب الإجتهاد

لقد تناول المتأخرون من الفقهاء السنة البحث في طبقات المجتهدين إعتماداً على تحديد أنواع الإجتهاد ومراتبه، وإختلفوا في ذلك. فقد نُقل عن إبن عابدين الحنفي أنه كان يقسم الفقهاء إلى سبع طبقات هي كالآتي:

1 ـ طبقة المجتهدين في الشرع الذين يستقلون في إجتهادهم مطلقاً، حيث يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة دون إتباع لأحد، سواء في الأُصول التي يتوقف عليها أمر الإجتهاد أم في الفروع. وقد عدّ إبن عابدين من هؤلاء: الأئمة الأربعة والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم.

2 ـ طبقة المجتهدين في المذهب، وهم القادرون على إستنباط الأحكام طبقاً للإعتماد على القواعد والأُصول المقررة لدى المجتهد المستقل في الطبقة الأُولى، وإن خالفوه في الجزئيات والفروع. لذلك سُميت هذه الطبقة بطبقة المنتسبين تمييزاً لها عن طبقة المستقلين الأُولى. وقد عدّ إبن عابدين من بين رجالات هذه الطبقة كلاً من أصحاب وتلامذة أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد بن حسن وزفر وغيرهم. كما عدّ البعض رجالاً آخرين ينتسبون إلى هذه الطبقة، ففي المذهب المالكي هناك إبن قاسم وأشهب، وفي المذهب الشافعي هناك الزعفراني والسيوطي والمزني والبويطي، وفي المذهب الحنبلي هناك صالح بن أحمد بن حنبل وأبو بكر الخلال. فجميع هؤلاء عُدّوا تابعين ومنتسبين لأئمة المذاهب في القواعد والأُصول العامة التي يحتاجها الفقيه في عملية الإستنباط.

3 ـ طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن المجتهد المستقل أو أتباعه من المجتهدين المنتسبين. فهم تابعون لغيرهم في كل من الأُصول والفروع. لذلك إنهم يستنبطون أحكاماً غير منصوص فيها، ولا يجتهدون في الأحكام التي نصّ عليها المجتهد المستقل أو المنتسب إلا ضمن إعتبارات معينة لا تدل على المخالفة. وقد حَسِبَ البعض عمل هؤلاء مؤلفاً من عنصرين؛ أحدهما عبارة عن إستخلاص القواعد العامة التي يلتزمها غيره من السابقين بإعتبارها الأصل الذي كانوا يستندون إليه في عملية الإستنباط. أما الآخر فهو إستنباط الأحكام غير المنصوص فيها إعتماداً على القواعد والأُصول التي أقامها المجتهد المستقل. وفي هذه الطبقة أُعتبر من الحنفية كل من الحصاف والطحاوي وأبي الحسن الكرخي والسرخسي والبزدوي، ومن المالكية كل من الأبهري وإبن أبي زيد وإبن أبي زمين، ومن الشافعية كل من المرزي وإبن حامد والإسفراييني وأبي اسحاق الشيرازي، ومن الحنابلة الخرقي.

4 ـ طبقة أصحاب التخريج أو المرجحين الذين لا يقومون بأيّ عمل إستنباطي، بل يرجحون بين الآراء والأقوال المروية لهم ممن سبقهم من أهل الطبقات الآنفة الذكر، فلهم أن يرجحوا بعض الأدلة على بعض لقوة الدليل أو لملاءمته لظروف العصر. ويطلق عليهم أيضاً بمجتهدي الفتوى، حيث انهم يقومون بتقرير الأدلة فيصورون ويحررون ويقررون ويمهدون ويزيفون ويرجحون، لكن ليس بوسعهم الاستنباط ومعرفة الاصول. وقد عُدّ من بين رجال هذه الطبقة من الحنفية كل من أبي بكر الرازي والقدوري والكاساني والمرعيناني، ومن المالكية المازري والقاضي عياض والقرافي وابن رشد وابن العربي، ومن الشافعية كل من الرافعي والنووي وابن حجر وإبن أبي عمرون، ومن الحنابلة كل من إبن قدامة المقدسي أبي يعلى وأبي الخطاب والقاضي علاء الدين.

5 ـ طبقة أهل الموازنات بين الأقوال، من حيث تفضيل بعض الروايات على بعض آخر بقولهم: هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوضح، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرفق للناس.

6 ـ طبقة المقلدين الذين يكونون على علم بما رجّحه السابقون من الأقوال والمرويات، وإن كانوا أنفسهم ليس بوسعهم الترجيح. لهذا فهم قادرون فقط على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر الرواية وظاهر المذهب والرواية النادرة. ومن هذه الطبقة أصحاب المتون المعتبرة كالنسفي صاحب الكنز، وعبد الله بن مودود الموصلي صاحب المختار وشرحه الإختيار، كذلك صاحب الوقاية وصاحب المجمع.

7 ـ طبقة المقلدين الذين ليس بوسعهم أيّ عمل مما يقوم به أصحاب الطبقات الأُخرى، فهم ليسوا أكثر من نقلة >لا يفرقون ما يجدون كحاطب ليل<؛ كما هو قول إبن عابدين( 0 5).

لكن لوحظ على هذا التحديد للطبقات أن بعضها يتداخل مع البعض الآخر. فالطبقة الخامسة لا تتميز بوضوح عن الطبقة الرابعة، كما هي ملاحظة الشيخ أبي زهرة. وإن كان الشيخ مدكور يذكر أن إبن عابدين أشار إلى أن ايضاح تقسيم هذه الطبقات جاء على يد إبن كمال باشا وقام هو بتلخيصها. والمهم في هذا التلخيص المنقول عن إبن عابدين أنه ليس فيه ذلك التداخل. إذ ورد أن الطبقة الرابعة هي طبقة أصحاب التخريج من المقلدين، حيث كل ما بوسعهم هو أنهم لإحاطتهم بالأُصول وضبطهم للمآخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين وحكم مبهم محتمل لأمرين منقول عن صاحب المذهب أو أحد من أصحابه. أما أصحاب الطبقة الخامسة فهم المرجحون من المقلدين، حيث أنهم يفضلون بعض الروايات على بعض، ويقولون: هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أرفق للناس( 1 5).

من جهة أُخرى ورد إختلاف حول مواضع الفقهاء في تلك الطبقات السبع. فقد سبق لإبن عابدين وغيره أن عدّ أئمة المذاهب الأربعة ضمن طبقة المستقلين الأُولى، بينما إعتبر الشاه ولي الله الدهلوي أن أبا حنيفة ليس من تلك الطبقة بإعتباره ممن تلقى دراسته على فقه إبراهيم النخعي وكان شديد الموافقة معه لا يجاوزه إلا في مواضع يسيرة، بل حتى في هذه المواضع لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة( 2 5). في حين نقد ذلك أبو زهرة معتبراً أن أبا حنيفة إمام مستقل، حيث أنه يوافق إبراهيم أحياناً ويخالفه أحياناً أُخرى، وما وافقه إنما كان على بيّنة ودليل لا مجرد تقليد وإتّباع( 3 5). كذلك عدّ إبن عابدين أصحاب أبي حنيفة وتلامذته ينتمون إلى طبقة المنتسبين الثانية، بينما هم على رأي أبي زهرة ينتمون إلى طبقة المستقلين الأُولى بحجة أنهم كانوا مستقلين في تفكيرهم الفقهي حتى مع موافقتهم لأساتذتهم في الكثير من الآراء ، مادام أنهم يبنون ما يأخذونه عن إقتناع وإستدلال وتصديق للدليل( 4 5). وكذا نُقل ان كلاً من الحنفية والشافعية اختلفوا في جعل شخصيات من أمثال أبي يوسف ومحمد بن الحسن والمزني وابن السريج إن كانوا من المستقلين ام المنتسبين( 5 5).

وربما يكون الإختلاف والتردد في تعيين طبيعة شخصيات الطبقة الأُولى والثانية يعود إلى الملابسة في تحديد صفات الطبقتين.

فإذا كانت صفة الطبقة الأُولى هي وضع الأُصول العامة وإبتكار الدليل عليها؛ فإن من يستند إلى هذا الدليل ولو عن إقتناع لا إتباع وتقليد فإنه لا يرقى أن يكون مع من صفته الإبتكار، لذا يمكن عدّه ضمن الطبقة الثانية. أما لو أُتفق على أن من يستند إلى الدليل بالاقتناع والبينة ولو لم يكن مبتكراً له بأن يكون وضعه كوضع المبتكر؛ فانه في هذه الحالة يستحق أن يرقى ولو تسامحاً الى رتبة الطبقة الأُولى.

لذلك فقد يكون الخلاف السابق بين الشيخ أبي زهرة والشاه دهلوي مستنداً إلى ما ذكرنا، إذ علمنا أن أبا زهرة يرى أن الفقيه الذي يقتنع بما أورده غيره من الدليل في الأُصول وكان مجتهداً في الفروع فهو أيضاً ينتمي إلى طبقة المجتهدين المستقلين. في حين أن الشاه دهلوي يحدد طبيعة كلٍّ من المجتهديْن المستقل والمنتسب بشكل مختلف، حيث أنه يستظهر من كلام الفقهاء السابقين عليه أن المجتهد المستقل يمتاز على غيره بثلاث خصال، إحداها التصرف في الأُصول المنبني عليها إجتهاداته، والثانية تتبع الآيات والأحاديث والآثار لمعرفة الأحكام الشرعية، أما الثالثة فهي الكلام في المسائل التي لم يسبق أن أجاب عليها السابقون أخذاً من تلك الأدلة. أما المنتسب فإنه يأخذ من أُصول شيخه ويستعين بكثير من كلامه في تتبع الأدلة والتنبيه على مآخذها، لكنه مستيقن بالأحكام من جهة أدلتها وقادر على إستنباط المسائل منها( 6 5).

فهو بذلك لا يعد من يتكئ على غيره كثيراً في إيراد الأدلة والإستعانة بالأُصول ـ ولو عن بصيرة وبينة من الإقتناع ـ منتمياً إلى زمرة الطبقة الأُولى.

كما أن هناك إختلافاً حول تصنيف بعض آخر من الفقهاء، مثلما هو الحال في وضع الحسن بن زياد، حيث يضعه البعض في طبقة المنتسبين الثانية( 7 5)، بينما يضعه بعض آخر في الطبقة الثالثة( 8 5).

كذلك هناك من إختلف وداخل في تصنيف جملة من الفقهاء بوضعهم تارة في الطبقة الثالثة وأُخرى في الرابعة بحجة التقارب بينهما، باعتبار أن الترجيح بين الآراء على مقتضى الأُصول كما هو وظيفة الطبقة الرابعة لا يقل وزناً عن إستنباط أحكام الفروع التي لا نص عليها من قبل المجتهدين المستقلين أو المنتسبين( 9 5). وعليه تجد البعض يضع أمثال قاضيخان وإبن رشد والغزالي في الطبقة الرابعة بينما يضعهم البعض الآخر في الطبقة الثالثة( 0 6).

يضاف إلى ذلك فإن البعض يرى أن من يتسم بصفة الإجتهاد حقاً هم فقط أصحاب الطبقة الأُولى والثانية، أما غيرهم فهم مقلدون باعتبارهم يعتمدون على أقوال أئمتهم، ويطلق عليهم كلمة الإجتهاد تسامحاً( 1 6).

بينما يرى بعض آخر أن الإجتهاد على صنفين أحدهما مطلق ويشمل المستقل والمنتسب، والآخر مقيد، وفي الاول يفترق المنتسب عن المستقل بكونه لم يبتكر لنفسه قواعد اصولية، بل سلك طريقة المجتهد المستقل، وهو ليس مقلداً له لا في المذهب ولا في دليله، وانما انتسب اليه لِما رأى فيه انه أسدّ الطرق، حتى قال البعض بأننا اتبعنا الشافعي دون غيره؛ لأنا وجدنا قوله ارجح الاقوال واعدلها، لا أنا قلدناه( 2 6). أما المجتهد المقيد فيعبر عنه بالمجتهد في المذهب. فهو من جهة مقلد لإمامه فيما ظهر منه من المنصوص، أما فيما لم ينص عليه فإن بإمكانه الإجتهاد فيه نظراً لما يعرفه من قواعد إمامه، لذلك فهو مجتهد على مذهب هذا الإمام( 3 6).

مهما يكن فالذي نراه هو أن التصنيف الآنف الذكر يمكن إعتباره نافعاً على الصعيد المنهجي وإن لم يفد إفادة واقعية تامة. إذ قد يكون الفقيه في جوانب مستقلاً في إجتهاده على نحو الإبتكار، بينما يكون في جوانب أُخرى تابعاً على نحو الإقتناع بالدليل الذي يقدمه الغير. وربما يحمل أكثر من ذلك فيكون في بعض النواحي مرجحاً للآراء المروية، وفي أخرى مستنبطاً فيما لم ينص عليه، وهكذا... الأمر الذي يفسر لنا ما لحظناه من إختلاف في تحديد عدد طبقات الفقهاء والمجتهدين طبقاً لما فُرض من إعتبارات لا تنطبق بالتمام على الواقع، بينما يكون حملها على الصعيد المنهجي متسقاً كما هو واضح.

* * *

على أن هناك تقسيماً آخر للإجتهاد لا يخضع إلى إعتبارات طبقات المجتهدين ومراتبهم، إنما يعتمد على طبيعة الموضوع الذي يقوم عليه نفس الإجتهاد. فقديماًَ وضع الفقهاء مفهوم الإجتهاد ليدور حول ما لا نص فيه. ثم بعد ذلك أُعتبر الإجتهاد ليس منحصراً في هذه الناحية، بل أنه ينطبق أيضاً على ما ورد من النصوص. ولدى الشاطبي إن الإجتهاد دائر في ثلاث نواح رئيسية، الأُولى عبارة عن الإستنباط من النصوص والتي يقتضيها تعلم اللغة العربية. والثانية عبارة عن إستنباط المعاني من المصالح والمفاسد، ولازمها العلم بمقاصد الشرع وإن لم يلزم ذلك العلم بالعربية. أما الثالثة فهي تعلق الإجتهاد في تحقيق المناط والذي غرضه تحديد الموضوع بالدقة لكي يشخص الحكم الشرعي على ضوئه، الأمر الذي يجعلها لا تستلزم العلم بالعربية ولا مقاصد الشرع( 4 6).

الإتجاه الشيعي ومراتب الإجتهاد

الملاحظ أن الإجتهاد لدى الشيعة لم يجر عليه أيّ تقسيم بلحاظ الطبقات ولا بلحاظ الموضوع، بل ما قيل حوله هو أنه ينقسم إلى إجتهاد مطلق ومتجزئ كما هو وارد لدى أهل السنة أيضاً. ففي الإجتهاد المطلق يكون الفقيه مستنبطاً لمختلف المسائل الشرعية في كافة أبواب الفقه، بخلاف الإجتهاد المتجزئ الذي لا يكون فيه الإستنباط إلا في مسائل محدودة. مع هذا نرى المحقق الكركي (المتوفي سنة 0 4 9هـ) حينما يذكر تقسيم اهل السنة للاجتهاد الى مطلق ومقيد فانه يمنع الاول ويجوّز الثاني( 5 6)، لظنه بأن الاول منفلت من الضوابط الشرعية.

والواقع انه يمكن عد الإجتهاد لدى الشيعة منقسماً بحسب الطبقات إلى إجتهاد مستقل ومنتسب، وذلك فيما لو اعتبرنا المجتهد المستقل مبتكراً للأدلة على الأُصول، وأن المنتسب من له الاقتناع في تلك الأدلة التي يعتمد عليها المستقل عن بيّنة وليس عن إتباع وتقليد. فمثلاً إن الذي إبتكر أدلة باب الإنسداد وبنى عليها أحكامه يمكن عدّه من هذه الناحية من أصحاب الإجتهاد المستقل، أما الذي إستند إليه في ذلك بالإقتناع فإنه يُعدّ بهذا الإعتبار من أصحاب الإجتهاد المنتسب. ومع ذلك فالتقسيم منهجي كما عرفنا. فالمجتهد الواحد يصح أن يكون مستقلاً ومنتسباً، بل ومن أصحاب الترجيح في الرأي بحسب إعتبارات القضايا التي يعالجها إن كان مبتكراً أو مؤيداً أو مرجحاً أو غير ذلك، شرط أن لا يكون مقلداً في شيء يخص أمر الإستنباط.

أما بخصوص التقسيم بحسب الموضوع، فالأساس الذي يعول عليه الإجتهاد الشيعي هو النصوص الشرعية، وإن كان مع الزمن ظهر أن الإجتهاد لا يقتصر على هذه الناحية بل تعداها إلى القضايا التي يعجز الفقيه إستنباطها من الشرع أو تلك التي لا نصفيها والتي أُعتبرت في البداية عقلية ثم أُدرجت أخيراً ضمن ما يسمى بالأُصول العملية كما سبق أن عرفنا.

العلوم التي يتوقف عليها الإجتهاد

إن العلوم التي يتوقف عليها الإجتهاد لدى الإتجاه السني هي كما يذكر الشهرستاني عبارة عن معرفة اللغة وتفسير القرآن ومعرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها، كذلك معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من السلف، وأيضاً التهدي إلى مواضع الأقيسة( 6 6)، أو معرفة علل الأحكام ومسالكها. ونقل الأشعري عن البعض قوله إنه لا يجوز الإجتهاد إلا لمن علم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من الأحكام وعلم السنن وما أجمع عليه المسلمون حتى يعرف الأشياء والنظائر ويرد الفروع إلى الأُصول( 7 6). ولدى الزركشي أن تلك العلوم عبارة عن إشراف المجتهد على نصوص الكتاب والسنة ومعرفة السنن المتعلقة في الأحكام، ومعرفة الإجماعات والقياس وكيفية النظر، كذلك معرفة لسان العرب والناسخ والمنسوخ وحال الرواة وأُصول الفقه، وشروط أُخرى؛ مثل معرفة الدليل العقلي على ما ذكره الغزالي( 8 6). وأضاف الشاطبي إلى ذلك معرفة مواقع الخلاف بين الفقهاء والعلم بمقاصد الشريعة وأسرارها دفعاً للعسر والحرج( 9 6).

بل ذهب البعض الى ان من شروط المجتهد المطلق هو ان يعرف الوفاق والخلاف في الاحكام لكل عصر، كذلك ان يكون على علم بالعربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق ومن حولهم من العرب( 0 7).

وهناك من ذكر أن من شروط الإجتهاد هو أن يكون المجتهد على علم بالدليل بالعقائد والأُصول الكلامية الرئيسية، كمعرفة الرب وصفاته والتصديق بالرسل وما إلى ذلك من القضايا، ولو على نحو الإجمال( 1 7). ومنهم من أضاف علم المنطق كشرط أساسي لا غنى عنه كما هو رأي إبن حزم والغزالي( 2 7). وهذا الأخير إعتبر أن أعظم علوم الإجتهاد عبارة عن ثلاثة؛ هي الحديث واللغة وأُصول الفقه( 3 7). ولدى الرازي فأهمها هو علم أُصول الفقه( 4 7).

* * *

أما مقدمات الإجتهاد عند الإتجاه الشيعي فقد ذكر الشيخ زين الدين العاملي (المعروف بالشهيد الثاني) أن الإجتهاد يتحقق بمعرفة مقدمات ست هي: علم الكلام وأُصول الفقه والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط الأدلة والأُصول الأربعة التي هي الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل( 5 7). واعتبر العلامة الحلي ان من شرائط الاجتهاد هو العلم بشرائط الحد والبرهان فضلاً عن النحو واللغة والتصريف واحوال الرجال وما إليها( 6 7).

وعدّ جمعٌ من العلماء أن من شرائط الإجتهاد معرفة حدوث العالم وإفتقاره إلى الصانع ومعرفة أن له أنبياء يبعثهم لهداية الناس، وذلك على وجه الإجمال دون حاجة للتفصيل والتبحر كما هو دأب علماء الكلام. ومن العلماء من إعتبر أن الإجتهاد قد يتوقف على بعض المباحث المتداولة في علم الكلام والفلسفة والمنطق كمبحث الجوهر والعرض( 7 7).

وهناك من أضاف إلى ضمن الشروط معرفة أحوال الرواة في الجرح والتعديل، وأن على المجتهد أن يكون عارفاً أيضاً بشرائط البرهان بالمنطق، لكن دون حاجة إلى علم الكلام( 8 7).

كما أن هناك من إكتفى بثلاثة علوم على رأسها اللغة العربية التي بها يكون مدار الفقيه هو الظهور وليس المعنى الحقيقي، وكذلك علم أُصول الفقه وعلم الرجال، نافياً أن يكون الإجتهاد في حاجة إلى علم المنطق( 9 7). والبعض إعتبر أهم العلوم في الإجتهاد هو علم أُصول الفقه، ثم علوم العربية وعلمي الدراية والرجال( 0 8).

وهناك من خفف من الشروط كما هو الحال مع السبزواري الذي اعتبر أنه يكفي في الإجتهاد من الأُصول الإحاطة بالمسلمات والمشهورات بين العقلاء والعلماء وما هو المعتبر لدى الأذهان المستقيمة، ولا عبرة بالتدقيقات العقلية والإحتمالات البعيدة لعدم ابتناء الفقه عليها، معتبراً أن تأليفات الفقه الإستدلالي في هذه الأعصار وما قاربها تشتمل على القدر اللازم من الأُصول، أما ما زاد على ذلك فهو عنده من الفضول( 1 8). وهو بهذا لم يعتبر علم الاصول شرطاً في الاجتهاد. وقبله نجد الشيخ حسن صاحب (معالم الدين) وابن اخته السيد محمد بن علي الموسوي صاحب (مدارك الاحكام) ذهبا الى مثل ذلك، حيث اعتبرا قراءة مباحث الاصول إن هي الا مضيعة للوقت( 2 8).

لكن البعض إعتبر أن من بين ما يتوقف عليه الإجتهاد هو أن يكون الفقيه عالماً بجملة يُعتد بها من الأحكام علماً فعلياً ليسمى في العرف فقيه. وهذا ما جعل صاحب (عناية الأُصول) يرد عليه معتبراً أن العلم بتلك الأحكام هو مما يتوقف على الإجتهاد، فكيف يصح أن تكون مقدمة له( 3 8)، مما يعني أن الأمر يفضي إلى الدور أو التسلسل.

وفي الوقت الحاضر أصبح من الضروري على المجتهد أن يتزود بثقافة واسعة من العلوم العصرية التي لها علاقة بالفقه، خاصة العلوم الإنسانية، وذلك لكسب الحقائق وخبرة الواقع التي قد تحدد نتيجة الحكم والإجتهاد من جهة، وكذلك لتشخيص الموضوع الذي يراد معرفة الحكم الخاص به بدقة كتحقيق للمناط من جهة أُخرى. فتحصيل مثل هذه الثقافة هو أولى بالشرط للإجتهاد من المعرفة الإستدلالية لقضايا أُصول العقيدة التي لا علاقة لها بالإجتهاد الفقهي على الصعيد العلمي والمنهجي. ولحسن الحظ أصبحت مقولة >الأحكام تتغير وفق تغير الأزمان< التي سبق أن نادى بها الإتجاه السني؛ تأخذ طريقها في الوقت الحاضر لدى الإتجاه الشيعي ولو على نطاق لا زال ضيقاً، كما يلاحظ فيما دعا إليه الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني ربما لأول مرة في التاريخ الشيعي، حتى إعتبره بعض الفقهاء بأنه صاحب طريقة جديدة في الإجتهاد لم يسبق لها غيره من علماء المذهب( 4 8).

مهما يكن فهو أن تلك المقولة ـ التي نتوقع لها التوسع والإنتشار ـ تفرض على المجتهد أن يكون على دراية تامة للعلوم العصرية التي من شأنها دراسة الواقع وتحديد أبعاده ومشاكله.

الهوامش

( 1) أنظر بهذا الصدد ما جاء في رسالة الشافعي وهو يحدد مفهوم الإجتهاد في قبال المصادر الأُخرى ، ومنها قوله: >ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود<. الرسالة، ص 9 9 5. كذلك: إبن القيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 2، ص 4 8 2.

( 2) أعلام الموقعين، ج 2، ص 4 8 2 .

( 3) فقد قال البراء: >لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم من أحد الا وهو يحب ان يكفيه صاحبه الفتيا<.

وقال سفيان بن عيينه وسحنون بن سعيد: أجرأ الناس على >الفتيا اقلهم علماً<.

وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالكاً سُئل عن ثمان واربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا ادرى. وقيل ربما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها...<.

وقال ابو نعيم: ما رأيت عالماً اكثر قولاً لا أدري من مالك بن انس. وكان مالك يقول: >من سُئل عن مسألة، فينبغي له قبل ان يجيب فيها ان يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الاخرة، ثم يجيب فيها<. وقال ابن القاسم: >سمعت مالكاً يقول: اني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي الى الان<.

وقال أبو حصين الأسدي: >إن احدهم يفتي في المسألة لو عرضت على عمر لجمع لها اهل بدر<.

وقال عقبة بن مسلم: >صحبت ابن عمر اربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يُسأل، فيقول: لا أدري !<.

وقال ابن ابي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الانصار من أصحاب رسول الله (ص) يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها الى هذا، وهذا الى هذا، حتى ترجع الى الأول، وما منهم من أحد يحدّث بحديث، او يسأل عن شيء الا ودّ أخاه لو كفاه؟

وقال عطاء بن السائب: ادركت اقواماً إن كان احدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وانه ليرعد.

وكان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي، ولا يقول الا قال: اللهم سلمني، وسلم مني.

(لاحظ النصوص السابقة في: ابن القيم: اعلام الموقعين، ج 1، ص 4 3ـ 5 3. والحراني، احمد بن حمدان الحنبلي: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص 7 ـ 0 1. والقرضاوي، يوسف: الصحوة الاسلامية بين الجحود والتطرف، ص 4 0 2 ـ 5 0 2. وموسوعة الفقه الاسلامي، ج 7، ص 5 7 1 وما بعدها).

( 4) ابن القيم: اعلام الموقعين، ج 1، ص 4 4. أبو زهرة: تاريخ المذاهب الاسلامية، ص 7 0 4.

( 5) وجاء في صحيح مسلم في رواية عن النبي (ص) انه اذا أمّر أميراً على جيش او سرية أوصاه ومن معه ، ومن ذلك جاء في وصيته: >واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فانك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا< (ابن القيم: أحكام أهل الذمة، ج 1، ص 4ـ 5. واعلام الموقعين، ج 1، ص 9 3. والشنقيطي، محمد أمين: القول السديد في كشف حقيقة التقليد، ص 8 6). وعلى شاكلة هذا الحديث ما روي عن عمر بن الخطاب، اذ روى ابو يوسف عن أبي وائل، قال: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين: وفيه قوله: >واذا حاصرتم حصناً فأرادوكم أن ينزلوا على حكم الله، فلا تنزلوا فانكم لا تدرون أتصيبون فيهم حكم الله أم لا، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا بعد فيهم بما شئتم< (ابو يوسف: الخراج، ص 4 9 1 و 5 0 2).

( 6) اعلام الموقعين، ج 1، ص 9 3. والقول السديد في كشف حقيقة التقليد، ص 9 6.

( 7) اعلام الموقعين، ج 1، ص 9 3. كذلك: القول السديد، ص 9 6. وموسوعة الفقه الاسلامي، ج 7 1، ص 2 4 2ـ 3 4 2. لهذا قال بعض العلماء في انكاره للذين يحللون ويحرمون تقليداً لأقوال أئمتهم ما نصه: >الذين يقولون من الجهلة المقلدين: هذا حلال وهذا حرام وهذا حكم الله؛ ظناً منهم أن اقوال الامام الذي قلدوه تقوم مقام الكتاب والسنة وتغني عنهما، وأن ترك الكتاب والسنة والاكتفاء بأقوال من قلدوه أسلم لدينه. أعمتهم ظلمات الجهل المتراكمة عن الحقائق حتى صاروا يقولون هذا. فهم كما ترى، مع أن الامام الذي قلدوه، ما كان يتجرأ على مثل الذي تجرأوا عليه، لأن علمه يمنعه من ذلك< (القول السديد، ص 1 7).

( 8) انظر مثلاً في صحيح البخاري باب >ما يكره من كثرة السؤال<، وقد جاء فيه ما روي عن النبي (ص): >إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرّم من أجل مسألته< (العسقلاني، محمد بن حجر: فتح الباري، ج 3 1، ص 6 2 2 ـ 7 2 2).

( 9) اعلام الموقعين، ج 1، ص 1 7. والقرطبي: جامع أحكام القرآن، ج 6، ص 3 3 3. والمكي، محمد علي المالكي: تهذيب الفروق، ج 1، ص 0 8 1.

( 0 1) الدهلوي، ولي الله: رسالة الانصاف، ص 2. وحجة الله البالغة، ج 1، ص 1 4 1.

( 1 1) الجامع للقرطبي، ج 6، ص 2 3 3.

( 2 1) الجامع، ج 6، ص 2 3 3.

( 3 1) الرسالة، ص 6 7 4 ـ 7 7 4.

( 4 1) المصدر السابق، ص 7 8 4 ـ 8 8 4.

( 5 1) أبو زهرة: مالك، دار الفكر العربي، ص 6 7 2.

( 6 1) المصدر السابق، حاشية ص 6 7 2.

( 7 1) الأدلة التي يذكرها الطوفي هي: الكتاب والسنة وإجماع الأُمة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والإستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد أو العادات والإستقراء وسد الذرائع والإستدلال والإستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العترة وإجماع الخلفاء الأربعة. (الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، نشرت خلف كتاب مصادر التشريع الإسلامي لعبد الوهاب خلاف، ص 9 0 1ـ 0 1 1).

( 8 1) يبدو أن الشافعي لم يعوّل على حديث معاذ باعتباره مرسلاً، إذ المرسل ليس بحجة عنده كما نصّ الآمدي. (انظر: الآمدي، سيف الدين علي: الإحكام في أُصول الأحكام، ج 4، ص 6 9 2).

( 9 1) البصري، أبو الحسين: المعتمد في أُصول الفقه، ص 6 6 7.

( 0 2) أبو زهرة: الغزالي الفقيه، بحث منشور في: أبو حامد الغزالي، في الذكرى المئوية التاسعة لميلاده، ص 1 6 5. كذلك: تاريخ المذاهب الاسلامية، ص 1 2 3.

( 1 2) الشيرازي، أبو اسحاق: شرح اللمع، ج 2، ص 3 4 0 1.

( 2 2) الغزالي، أبو حامد: المستصفى من علم الأُصول، ج 2، ص 0 5 3.

( 3 2) المصدر السابق، ج 1، ص 0 0 1 و 7 1 2 ـ 8 1 2.

( 4 2) انظر لإبن حزم: الإحكام في أُصول الأحكام، مطبعة السعادة، ج 1، ص 5 4، ج 5، ص 6 2 1 ومابعدها. والمحلى، ج 1، ص 0 6.

( 5 2) انظر بهذا الصدد: الآمدي: الإحكام في اصول الأحكام، ج 4، ص 6 9 3. والأنصاري، عبد العلي محمد بن نظام الدين: فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت في أُصول الفقه، ج 2، ص 2 6 3. والمرعي، حسن أحمد: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية، ضمن كتاب الإجتهاد في الشريعة الإسلامية وبحوث أُخرى (القسم الأول)، ص 2 1ـ 3 1.

( 6 2) السالمي، عبد الله بن حميد: مشارق انوار العقول، ص 0 7.

( 7 2) يقول المحقق الحلي بهذا الصدد: إن الإجتهاد >هو في عرف الفقهاء بذل الجهد في إستخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الإعتبار يكون إستخراج الأحكام من أدلة الشرع إجتهاداً على إعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوصفي الأكثر سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره، فيكون على هذا التقرير أحد أقسام الإجتهاد. فإن قيل: يلزم ـ على هذا ـ أن يكون الإمامية من أهل الإجتهاد. قلنا: الأمر كذلك، لكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الإجتهاد فإذا استثني القياس كنّا من أهل الإجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس<. (الحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن: معارج الأُصول، ص 9 7 1ـ 0 8 1. كذلك: الصدر، محمد باقر: المعالم الجديدة للأُصول، ص 6 2).

( 8 2) مطهري، مرتضى: مبدأ الإجتهاد في الإسلام، ص 4 2.

( 9 2) انظر بهذا الصدد المصادر التالية: رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 7. كذلك: المرتضى: الإنتصار، ص 7 2. الطوسي، أبو جعفر: تمهيد الأُصول في علم الكلام، ص 4 5 3. كذلك الطوسي: عدة الأُصول، ج 1، ص 9 3. أما الشيخ المفيد فله كتاب بعنوان (النقض على إبن جنيد في إجتهاد الرأي).

( 0 3) لم نذكر الشيخ أبا جعفر الطوسي (المتوفي سنة 0 6 4 هـ) مع هؤلاء رغم ما نُقل عنه أنه يصرح في كتابه (عدة الأُصول) بأنه لا يجيز العمل بالإجتهاد ولا بالظن في الشريعة، وكثيراً ما يقول في كتابه (التهذيب) حين يتعرض لتأويل الأخبار ولا يعمل بها: >هذا من أخبار الآحاد التي لا تفيد علماً ولا عملاً (انظر: العاملي، الحر: وسائل الشيعة،ج 0 2، ص 4 6ـ 5 6). والسبب في إغفالنا لذكر الطوسي إنما يعود إلى نصوصه الأُخرى الدالة على جواز العمل بالظن، حتى أن الشيخ الأنصاري إعتبر بعض كلامه الوارد في (عدة الأُصول)؛ فيه ما يشير إلى دليل الإنسداد الذي مال إليه الكثير من المتأخرين (انظر: الأنصاري، مرتضى: فرائد الأُصول، ج 1، ص 0 5 1. عدة الأُصول، ج 1، ص 8 3 3 وما بعدها). لذلك لا يُستبعد أن تكون نصوصه في هذا المجال داخلة ضمن ما عُرف به من كثرة التناقضات في الرأي. (نُحيل القارئ بشأن ما لوحظ على الشيخ من تلك التناقضات إلى المصادر التالية: البحراني، يوسف: لؤلؤة البحرين، ص 7 9 2ـ 8 9 2. والكركي، حسن بن شهاب الدين العاملي: هداية الأبرار، ص 6 3 1. والخوانساري، محمد باقر: روضات الجنات، ج 6، ص 7 1 2ـ 8 1 2 و 5 4 2ـ 6 4 2).

( 1 3) البيانوني، محمد أبو الفتح: دراسات في الاختلافات الفقهية، ص 7 3 1.

( 2 3) أنظر بهذا الصدد كتابنا: مدخل إلى فهم الإسلام، ضمن سلسلة: المنهج في فهم الإسلام ( 1)، ص 9 4 وما بعدها.

( 3 3) الصدر، محمد باقر: بحوث في علم الأُصول، تحرير محمود الهاشمي، ج 5، ص 1 1.

( 4 3) بهذا الصدد يقول الإمام محمد باقر صدر: >إن منهج الإستنباط في الفقه الإمامي قد إعتمد على إفتراض مرحلتين للإستنباط يطلب في أُولاهما الدليل على الحكم الشرعي، ويطلب في الثانية تشخيص الوظيفة العملية تجاهه تنجيزاً أو تعذيراً. والقواعد التي تقرر في المرحلة الثانية هي التي تسمى بالأُصول العملية لأنها تشخص الموقف العملي إتجاه التشريع من دون أن تشخص الحكم الواقعي نفسه، وهذه المنهجة يتميز به الفقه الإمامي عن فقه العامة الذي يتجه إلى إثبات الحكم الشرعي دائماً - المرحلة الأُولى - فإن لم يكن إثباته بالدلالة القطعية أو المفروغ عن دليليتها شرعاً تحول إلى طرق أضعف في مقام الإثبات من الأمارات والظنون القائمة على أساس إعتبارات ومناسبات وإستحسانات، فهو يتوسل بكل وسيلة إلى إثبات الحكم الشرعي مهما أمكن، بينما في الفقه الإمامي كلما لم تقم عند الفقيه الأدلة القطعية أو الشرعية المفروغ عنها؛ إنتقل إلى المرحلة الثانية وهي تشخيص الوظيفة المقررة عند الشك ولو عقلاً دون أن يتجه إلى إلتماس الأدلة والأمارات الناقصة لإثبات الحكم الشرعي الواقعي. ومن هنا نجد أن الفقه الإمامي توسع في بحث الأُصول العملية وأقسامها وشرائط كل منها، بينما فقه العامة لم يتعرض لتلك البحوث، بل على العكس من ذلك نجد أن للبحث عن الأمارات والظنون ومحاولات إثبات الحكم الشرعي على أساسها مجالاً واسعاً في أُصول الفقه، في الوقت الذي يكون البحث عنها محصوراً في حدود ما هو في معرض قيام دليل شرعي على حجيته<. أنظر: بحوث في علم الأُصول، ج 5، ص 9ـ 0 1.

( 5 3) بهذا الصدد يذكر الإمام الصدر أن الأُصوليين منذ العصر الثالث المتمثل بعصر الوحيد البهبهاني بدأوا >يتساءلون هل يمكننا أن نظفر بدليل شرعي على حجية الخبر الظني أو لا؟ وعلى هذا الأساس وجد في مستهل العصر الثالث إتجاه يدعي إنسداد باب العلم، لأن الأخبار ليست قطعية وإنسداد باب الحجة لأنه لا دليل شرعي على حجية الأخبار الظنية، ويدعو إلى إقامة علم الأُصول على أساس الاعتراف بهذا الإنسداد، كما يدعو إلى جعل الظن بالحكم الشرعي ـ أيّ ظن ـ أساساً للعمل، دون فرق بين الظن الحاصل من الخبر وغيره ما دمنا لا نملك دليلاً شرعياً خاصاً على حجية الخبر يميزه عن سائر الظنون. وقد أخذ بهذا الإتجاه عدد كبير من رواد العصر الثالث ورجالات المدرسة التي إفتتحت هذا العصر كالاستاذ البهبهاني وتلميذه المحقق القمي وتلميذه صاحب الرياض وغيرهما، وبقي هذا الإتجاه قيد الدرس والبحث العلمي حتى يومنا هذا. وبالرغم من أن لهذا الإتجاه الإنسدادي بوادره في أواخر العصر الثاني فقد صرح المحقق الشيخ محمد باقر بن صاحب الحاشية على المعالم بإن الإلتزام بهذا الإتجاه لم يُعرف عن أحد قبل الاستاذ الوحيد البهبهاني وتلامذته، كما أكد أبوه المحقق الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم أن الأسئلة التي يطرحها هذا الإتجاه حديثة ولم تدخل الفكرالعلمي قبل عصره<. المعالم الجديدة للأُصول، ص 3 9ـ 4 9.

( 6 3) نقّح بعض المتأخرين من علماء الأُصول دليل الإنسداد بخمسة مقدمات، لو أنها صدقت لكان يكفي العمل بمطلق الظن طبقاً لأغلب القائلين بهذا الدليل، وهي كالآتي:

المقدمة الأُولى: حصول العلم الإجمالي بوجود الكثير من التكاليف في الشريعة.

المقدمة الثانية: إنسداد باب العلم والظن الخاص المعتبر شرعاً ـ باب العلمي ـ في أغلب هذه التكاليف.

المقدمة الثالثة: عدم جواز إهمال هذه التكاليف ولا ترك إمتثالها.

المقدمة الرابعة: عدم وجوب العمل بجميع تلك التكاليف الملتبسة بطريقة الإحتياط، بل عدم جواز ذلك، وأيضاً عدم جواز الرجوع في ذلك إلى الأُصول العملية ولا إلى فتوى العالم بحكمها.

المقدمة الخامسة: يعتبر ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً، وبالتالي لا يجوز ترجيح المشكوك والموهوم على المظنون.

(انظر حول ذلك: فرائد الأُصول، ج 1، ص 3 8 1 وما بعدها. والخراساني، محمد كاظم: كفاية الأُصول، ص 6 5 3 وما بعدها. والجزائري، محمد جعفر المروج: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، ج 4، ص 5 7 5 وما بعدها. والنائيني، محمد حسين الغروي: فوائد الأُصول، ج 3، ص 5 2 2 وما بعدها. والبجنوردي، حسن الموسوي: منتهى الأُصول، ج 2، ص 0 2 1 وما بعدها. والحكيم، محسن الطباطبائي: حقائق الأُصول. والمظفر، محمد رضا: أُصول الفقه، ج 3، ص 9 2).

( 7 3) المعالم الجديدة للأُصول، ص 2 9 ـ 3 9.

( 8 3) الإجتهاد في الاسلام للمرعي، نفس المعطيات السابقة، ص 3 1.

( 9 3) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 6 9 3.

( 0 4) فواتح الرحموت، ج 2، ص 2 6 3.

( 1 4) الحلي، الحسن بن يوسف: مبادئ الوصول، ضمن نصوص الدراسة في الحوزة العلمية، ص 5 9 4. والعاملي، حسن بن زين الدين: معالم الدين وملاذ المجتهدين، ص 1 8 3. والخراساني: كفاية الأُصول، ص 8 2 5. والخوئي، أبو القاسم: التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الإجتهاد والتقليد، ص 0 2.

( 2 4) الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للمرعي، ص 2 1ـ 3 1.

( 3 4) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 8 9 3.

( 4 4) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص 3 5.

( 5 4) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص 4 1.

( 6 4) أنظر: الكفاية، ص 9 2 5. كذلك: الفيروز آبادي، مرتضى الحسيني: عناية الأُصول في شرح كفاية الأُصول، ج 6، ص 6 6 1ـ 7 6 1.

( 7 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 2 2. علماً بأن البعض لم يوافق على تعريف الإجتهاد طبقاً لتحصيل الحجة، كما هو الحال مع الشيخ راضي النجفي الذي عرفه بأنه: >ليس هو تحصيل الحجة بل هو تشخيص وترجيح فيما هي الحجة، فاللازم لمن يتمكن من الإحراز فهم مراد الشارع وكشف مرامه أو الترجيح إن كان فيهما إجمال أو تعارض<. (أنظر: النجفي، راضي بن محمد حسين: تحليل العروة، بحث الإجتهاد والتقليد، ص 2 2).

( 8 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 2 2 ـ 4 2.

( 9 4) فرائد الأصول، ج 1، ص 0 1 3.

( 0 5) أنظر حول ذلك المصادر التالية: أبو زهرة: أُصول الفقه، ص 3 1 3ـ 7 1 3. كذلك: أبو زهرة: أبو حنيفة، ص 4 4 4ـ 9 4 4. الزحيلي، وهبه: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية، ضمن كتاب الإجتهاد في الشريعة الإسلامية وبحوث أُخرى (القسم الثاني)، ص 2 9 1ـ 3 9 1. مدكور، محمد سلام: مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 1 2 4. الشاطبي: الموافقات في أُصول الشريعة، مع حواشي وتعليقات عبد الله دراز، ج 4، ص 4 6 1. المكي، محمد علي: تهذيب الفروق، ج 2، ص 3 2 1.

( 1 5) مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 0 2 4. بهذا الصدد يُذكر أنه بعد عملية الإجتهاد المطلق لدى الأئمة جاءت مرحلة ظهور تشعب الآراء الفقهية داخل كل مذهب بسبب إتساع دائرته من جهة، وإختلاف آراء المخرجين فيه لأحكام الحوادث من جهة أُخرى، مضافاً إلى إختلاف الروايات في كثير من الموضوعات عن إمام المذهب نفسه، إذ قد يكون له في الموضوع الواحد عدة آراء منقولة مختلفة. وهذا ما أدى إلى استمرار حركة الترجيح والتصحيح لبعض الآراء والروايات، والتضعيف للبعض الآخر (الزرقاء، مصطفى: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ج 1، ص 5 9 1).

( 2 5) حجة الله البالغة، ج 1، ص 6 4 1.

( 3 5) أبو زهرة: أُصول الفقه، ص 0 1 3.

( 4 5) أبو حنيفة، ص 4 4 4ـ 5 4 4. وتاريخ المذاهب الاسلامية ص 1 3 3.

( 5 5) صفة الفتوى، ص 7 1ـ 8 1.

( 6 5) الدهلوي: عقد الجيد في أحكام الإجتهاد والتقليد، ص 3.

( 7 5) مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 0 2 4.

( 8 5) الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للزحيلي، ص 3 9 1.

( 9 5) أبو حنيفة، ص 7 4 4.

( 0 6) انظر إختلاف تصنيف هؤلاء في كل من: أبو حنيفة، ص 4 4 6. ومناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 0 2 4. والإجتهاد في الشريعة الإسلامية للزحيلي، ص 3 9 1.

( 1 6) الإجتهاد في الشريعة الإسلامية للزحيلي، ص 3 9 1.

( 2 6) تهذيب الفروق، ج 2، ص 0 2 1 ـ 1 2 1.

( 3 6) رسالة عقد الجيد في أحكام الإجتهاد والتقليد، ص 3.

( 4 6) الموافقات، ج 4، ص 2 6 1 و 5 6 1.

( 5 6) الجابري، علي حسين: الفكر السلفي عند الشيعة الاثنا عشرية، ص 0 6 2. نقلاً عن: الكركي: طريق استنباط الاحكام، ص 0 2، ونفحات اللاهوت، ص 2 1.

( 6 6) الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم: الملل والنحل، ص 6 8ـ 7 8. كما انظر: الجويني، إمام الحرمين عبد الملك: البرهان في أُصول الفقه، ج 2، ص 2 3 3 1.

( 7 6) الأشعري، أبو الحسن: مقالات الإسلاميين وإختلاف المصلين، ص 9 7 4.

( 8 6) الزركشي، بدر الدين محمد: البحر المحيط، ج 6، ص 9 9 1 ـ 4 0 2.

( 9 6) الموافقات، ج 4، ص 0 6 1 وما بعدها.

( 0 7) صفة الفتوى، ص 6 1.

( 1 7) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 7 9 4. كذلك: الشوكاني، محمد بن علي: إرشاد الفحول إلى تحقيق الأُصول، ص 2 5.

( 2 7) إبن حزم: رسالة التقريب لحد المنطق، ضمن رسائل إبن حزم الأندلسي، ج 4، ص 2 0 1 و 5 9. والمستصفى، ج 2، ص 1 5 3ـ 2 5 3.

( 3 7) المستصفى، ج 2، ص 3 5 3.

( 4 7) مناهج الإجتهاد في الإسلام، ص 4 6 3.

( 5 7) العاملي، زين الدين: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج 3، ص 2 6.

( 6 7) الحلي: مبادئ الوصول الى علم الاصول، نفس المعطيات السابقة، ص 6 9 4.

( 7 7) الأصفهاني، محمد حسين: الفصول الغروية في الأُصول الفقهية، ص 1 0 4. والصدر، صدر الدين: خلاصة الفصول في علم الأُصول، ج 2، ص 6 4.

( 8 7) معالم الدين، ص 3 8 3. كذلك: مغنية، محمد جواد: فقه الإمام الصادق، ج 6، ص 4 8 3 ـ 5 8 3.

( 9 7) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 4 2 و 5 2.

( 0 8) منتهى الأُصول، ج 2، ص 8 1 6.

( 1 8) السبزواري، عبد الأعلى الموسوي: تهذيب الأُصول، ج 2، ص 1 1 1.

( 2 8) جاء في كشكول البحراني ان الشيخ الاردبيلي كان يقرأ عنده الشيخ حسن والسيد محمد من شرح الشمسية ما يتوقف عليه الاجتهاد من مباحث الالفاظ وبعض احوال القضايا والقياسات، والظاهر انه لا يزيد على عشرة دروس، وقرآ عليه من شرح مختصر ابن الحاجب العضدي ما يتوقف ايضاً عليه الاجتهاد وهي دروس معدودة، وكانت الجماعة - من التلامذة - الذين يقرأون عند المولى الاردبيلي يهزؤون بهما على هذا النمط من القراءة، فقال لهم المولى: لا تهزءوا بهما فعن قليل يصلون الى درجة الاجتهاد، وأحتاج أنا الى أن آخذ تصديق اجتهادي منهما، فكان الحال كما قال (البحراني، يوسف: الكشكول، ج 1، ص 3 4 3). لكن جاء في (حدائق المقرّبين) كما يذكر الخوانساري ان العالمين المشار اليهما قد قدما الى العراق قاصدين المولى أحمد الأردبيلي يسألانه أن يعلمهما ما هو دخيل في الاجتهاد، فأجابهما الى ذلك، وعلّمهما أولاً شيئاً من المنطق وأشكاله الضرورية، ثم أرشدهما الى قراءة اصول الفقه، وقال: >إن أحسن ما كتب في هذا الشأن هو شرح العميدي، غير ان بعض مباحثه غير دخيل في الاجتهاد، وتحصيلها من المضيّع للعمر. فكانا يقرآنه عليه ويتركان تلك المباحث من البين< (روضات الجنات، طبعة الدار الاسلامية، ج 2، ص 1 9 2). ثم أن الخوانساري ذكر بعض تفاصيل الحادثة في محل آخر، ونقل انهما قرآ عند المولى الاردبيلي مدة قليلة قراءة توقيف من غير بحث. فقد كان جماعة من تلامذة الاردبيلي يقرأون عليه في (شرح مختصر العضدي) وقد مضى لهم مدة طويلة، وبقي فيه ما يقتضي صرف مدة طويلة اخرى حتى يتم، وهما اذا قرآ يتصفحان أوراقاً حال القراءة من غير سؤال وبحث، لذلك كان التلامذة يتبسّمون ويهزؤون بهما، فلما عرف منهم الاردبيلي ذلك؛ قال لهم: سترون عن قريب مصنفاتهما وأنتم تقرأون في شرح المختصر. فكان كما قال (نفس المصدر، ج 7، ص 7 4 و 2 5).

( 3 8) عناية الأُصول، ج 6، ص 2 9 1.

( 4 8) انظر: الجناتي، محمد إبراهيم: الإجتهاد في الشريعة الإسلامية وعصر الإستخدام الشامل، مجلة التوحيد في إيران، العدد 6 7، ص 0 2 وما بعدها.

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار