خطوات على طريق المرجعية الرائدة
يحيى محمد
لم يشهد تاريخ الامامية ازمة حقيقية كما شهدتها السنوات الاخيرة الماضية. فبفعل التطورات التي ادت إلى انشاء دولة تسعى لان تحكم بالشريعة الإسلامية، كما ويفعل ضغوط الحاجة، فان الازمة كانت مزدوجة تمس كلاً من نظام المرجعية ونظام الحكم معاً.
فعلى الصعيد الاول ان المرجعية التاريخية التي لا زالت قائمة منذ قرون عديدة والى يومنا هذا، لكنها قد تعرضت خلال القرن الحالي لعدة هزّات خطابية من النقد الاصلاحي، كان اهمها ذلك الذي يسعى نحو تبديلها مما هي عليه من هيكلية قائمة على شخص المرجع وحده في تلبية الحاجات الدينية للمجتمع الاسلامي، على المستويين العلمي والعملي، إلى هيكلية مؤسسة يشترك فيها المرجع الاعلى ووزراؤه من الفقهاء لتلبية الحاجات العملية من الفروض الدينية.
ومثلما هذا النزاع يدور في مجال المرجعية، فان هناك نزاعاً مماثلاً يدور على صعيد نظام الحكم بين الهيكلية الفردية المطبّقة تحت عنوان ولاية الفقيه المطلقة، وبين صيغة تقترح ان تكون هناك ولاية لشورى الفقهاء بدل الفقيه الواحد.
ومع وجود الفارق بين قضية المرجعية وقضية نظام الحكم، الا ان العلاقة بينهما وثيقة للغاية، لا فقط على الصعيد العلمي، حيث يلاحظ ا الاستدلال على الاعلمية في المرجعية وعلى ولاية الفقيه في الحكم مستمدة في بعض الجهات مما يتعلق برؤية الاعلم في القضاء وحسم المنازعات والحكومة، كما في مقولة عمر بن حنظلة ورواية داود بن الحصين وبعض اقوال الامام علي(ع) في عهده لمالك الاشتر.. بل حتى بالنظر إلى العلاقة بينهما على صعيد الواقع، فأي تفريق بينهما يفضي إلى التفكيك بين الديانة والسياسة، اذ قد ينشأ بينهما تعارض يتحول إلى ازمة حقيقية في نفس وسلوك المقلدين، فهم مشدودون بين حبلين متقاطعين احدهما يدعوهم إلى اتباع سياسة الحاكم الذي يناقدون تحت لوائه، والآخر يفرض عليهم اتباع المرجع الذي يقلدونه، كما هو ملاحظ في ظل الدولة الإسلامية في ايران.
ان اخذ اعتبار العلاقة الوثيقة بين المرجعية والحكم يجعل هناك انسجاماً بين اطراف الصور المقدمة لكل منهما. فهناك اتساق تام بين النظام الفردي في المرجعية وبين ولاية الفقيه المطلقة في الحكم، كما ان هناك اتساقاً واضحاً بين اطروحة المؤسسة للمرجعية وبين نظام الشورى للفقهاء في الحكم.
ومع هذا الاعتبار من الانسجام الذي يربط قضية المرجعية بقضية الحكم، يتبين لنا ان المشكلة مزدوجة تتعلق بالتوأمين معاً. لكن إذا ما علمنا ان المرجعية تمثل الجانب التشريعي من الحياة في الفقه الاسلامي، وان نظام الحكم هو الجانب التنفيذي منها، وحيث ان المشكل في الجانب التشريعي مقدم على المشكل في الجانب التنفيذي لتقدم الاول على الثاني، لذا كانت مشكلتنا الاساسية تتعلق مباشرة بنظام المرجعية ذاته.
من الناحية الاساسية لا يهمنا في هذا المقال بحث المشكلة التي يعانيها النظام الفردي من المرجعية على الصعيد العملي. اذ نعتقد ان هذا النظام قد اخذ فعلاً يضيق بتطورات الحياة يوماً بعد آخر. فما يهمنا كثيراً هو بحث المشكلة التي سيستقبلها النظام المؤسسي حين يجد لنفسه مجالاً للتنفيذ والتطبيق، ذلك ان هذا النظام سيجد نفسه عاجزاً من ان يقف فترة طويلة من الزمن امام تحديات الحياة وتطورات الواقع. فهو يقدم ورقة لاصلاح الجانب العملي من المرجعية، ولم يقدم ورقة لاصلاح الجانب العلمي من حيث الطريقة، خاصة وان عصرنا الحاضر قد يفرض نظام التخصص في مختلف العلوم التي يعجز الفرد ان يستوعبها سعة ودقة.
وبعبارة اخرى هو اننا وان كنا نقدّر ضرورة نظام المرجعية المؤسسية، بل ونعتقد ان المستقبل سيرى لها النور، إلاّ ان ضغوط الواقع وتطورات الحياة تجعل من ذلك النظام يقف عاجزاً عن سد الحاجات والمتطلبات العلمية المناسبة. فليس من المعقول على الفقيه أو مجموعة الفقهاء ان يغطوا كافة نواحي الفقه سعة ودقة ليلامسوا الحياة العصرية كما هي وبعيداً عن ملامسة حياة اخرى تعود إلى امتنا قبل قرون. نعم، ليس من المعقول ان تكون هناك تغطية للتساؤلات التي تفرضها العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها، ما لم يكن هناك نوع من التخصص العلمي يعمل طبق ميزان العلاقة الجدلية بين الواقع والفتوى.
وبطبيعة الحال لا ينفع ما قد يقال ان بالامكان الاستفادة من اصحاب الخبرات من دون حاجة للتخصصية. اذ فضلاً عما يخلقه هذا الوضع من ثغرة لتسلل ذوي المنافع الخاصة نحو توجيه المرجعية بغير الاتجاه الذي نصبت لاجله، وذلك بتصوير الواقع على خلاف ما هو عليه، فكذلك ان المرجع ـ فرداً أو جماعة ـ ما لم يتعايش مع الواقع بألفة ودراية، فانه سوف يعجز من ان يجد لنفسه بصيرة تؤهله لفهم الواقع كما هو.
هكذا فكما ان النظام المؤسسي يشكل ضرورة يفرضها ضغط الحاجة الزمنية من الواقع، فان نظام التخصص وفحص الواقع هو مما يفرضه ذلك الضغط على عملية الاجتهاد ذاتها.
من السذاجة ان يصور المرء ان الامر لا يعد سوى مجرد عملية توزيع في المهام الفقهية وعلاقتها مع الموضوعات الخارجية المستحدثة. ذلك ان جوهر هذه العملية لا يختلف حقيقة عن جوهر الممارسة الاجتهادية بصورتها التقليدية سوى توزيع المهام والتخصص. بل ان العملية عبارة عن تغيير جوهري للطريقة المألوفة في دراسة الفقه، وذلك بادخال عناصر هامة تتعلق بحقائق الواقع، يحتاجها الفقيه كي يحدد موقفه الثابت من الحكم الشرعي، ليس على مستوى معرفة الموضوع الذي عليه يحدد الحكم كما هو فحسب، بل الاهم من ذلك مراعاة ما يفرضه الواقع حقائق هي فوق جميع الاعتبارات الاخرى، فلا زالت دراسة الواقع من هذه الجهة معدومة أو تكاد ان تكون كذلك، رغم ما لها من اثراء كبير على عملية الاجتهاد في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية.
ولعل ابسط النماذج على ذلك، تلك القضية الخاصة بتحديد سن اليأس عند المرأة، اذ الاعتقاد الفقهي يفرّق جوهرياً في جانب من جوانب التركيب الطبيعي للخلقة بين المرأة القرشية والعامية، حيث يجعل من مدة اليأس لدى الاولى تطول على مدة الياس لدى الثانية بمقدار لا يزيد عن عشرة سنين. ومع ان هذا الاعتقاد يعد غريباً باعتباره يضع فارقاً فريداً من نوعية الجنس البشري تبعاً للنسب الديني، إذا ما استثنينا ظاهرتي النبوة والامامة.. فمع ذلك، فان تاريخ الفقه إلى يومنا هذا يشهد غياباً تاماً لأي تحر قام به العلماء لفحص الواقع والتأكد من القضية. اذ من السهل اجراء عملية اختبار ومسح اجتماعي لعينة مختلطة من العاميات والقرشيات اليائسات ليتبين ان كان هناك فارق ملحوظ فيثبت في كتب الفقه، ام لم يكن فيزال منها بتسقيط الروايات التي يرتكز عليها ذلك الاعتقاد.
وهذا يعني من الواجب ملاحظة الواقع وفحصه فحصاً دقيقاً، لا من جهة التحقيق في مصداقية الاخبار والروايات فحسب، بل وكذلك من جهة فهم الاحكام ذاتها، فهي مربوطة بفهمه، وحسب ما يقول الشهيد المطهري <ان التعاليم والاحكام الإسلامية سواء التي يتعلق منها بالحقوق الاجتماعية والحدود والروابط بين الناس، ام التي تتعلق بامور اخرى، مبنية على مجموعة من الحقائق. لو اننا تعرفنا على تلك الحقائق طبق اصولها وموازينها العلمية الخاصة ـ والكثير منها لحسن الحظ اصبح معروفاً في العالم ـ لكان فهمنا لمفاهيم التعاليم الإسلامية التي اتتنا على لسان الوحي ولمعانيها افضل واعمق.. اننا لو تعرفنا على تلك الحقائق التي اصبحت بالتدريج وبمرور القرون علوماً مدونة ودرسناها عن قرب، لكنا اقدر على فهم المقاصد والمفاهيم التي نزلت على لسان الوحي.. في الإسلام تعاليم ترتبط بالاقتصاد والاجتماع والحكم والسياسة. ولقد ظهر الآن انها جميعا تعاليم وقواعد قاطعة ومسلم بها. فكيف يمكن ان يدعي شخص بانه يستطيع بغير ان يطّلع على هذه الاصول والقواعد ان يدرك مقاصد الإسلام في هذه الامور حق الادراك، وان يقدمها للعالم على انها من ارفع التعاليم الاجتماعية>.
ان من الممكن توضيح فهم جانب من جوانب اواصر العلاقة الخاصة بين الواقع والشرع من خلال التطبيق على مورد محدد من موارد الفقه، كمورد النهي عن المنكر. فالفهم المتداول للفقهاء عن طرق النهي عن المنكر حسب الروايات المختلقة والتي منها الحديث النبوي المشهور (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه..) هو ان هناك ثلاث مراتب للنهي، بالقلب والقول والقوة، وهناك اختلاف في التسلسل الذي ينبغي اتخاذه لايفاء الغرض، اقربها إلى الوجدان ذلك الذي يحملها على التدرج من الايسر فالاعسر. والذي يهمنا في هذه المسالة هو فقط ما يتعلق بالنهي عن المنكر بالقوة استناداً إلى لفظة (اليد) التي لها دلالة عرفية ظاهرة على القوة. والسؤال الذي يحق طرحه بهذا الصدد: لو مارسنا هذه القوة في الحالات التي لا يجدى منها النهي اللساني والقلبي، فهل يا ترى اننا سنصل إلى المطلوب الامثل؟
لا شك ان للقوة اثراً ايجابياً في كثير من الاحيان، لكن في احيان اخرى لا تقل عن الاولى ان لم تفُقْها، ليس لها ذلك المفعول، بل قد يكون لها مردود سلبي وخيم، خاصة بالنسبة إلى الشعوب التي الفت الحرية، مع ان من الممكن اتخاذ وسائل اخرى للنهي غير القوة، لا سيما حينما يحمل المنكر تيار اجتماعي عام، اذ في هذه الحالة ليس من السهل على القوة ان تفعل شيئاً. بل ينبغي دراسة نفس الواقع الاجتماعي وما يتطلبه من صور للنهي، فقد يصلح ان يكون النهي من خلال انشاء نواد اسلامية أو مكتبات أو دور ثقافية أو اتحادات رياضية أو تسديد حاجات مادية أو اقامة اعلام وفنون هادفة، وما إلى ذلك من الصور التي تستهدف محاربة المنكر، بما في ذلك الصور الباطنية لتغيير رواسب الافكار المنحرفة في العقل الباطن، بالطريقة التي لا يتحسس بها الفرد انها عملية غسل وتهذيب باتجاه المعروف.
وجميع الطرق السابقة بما فيها عامل القوة، كلها تنضوي تحت عنوان عام هو (النشاط الإنساني). وليس من التأويل بشي لو فسّرنا (اليد) بهذا العنوان، حيث ينسجم مع سياق الحديث مثلما ينسجم مفهوم القوة، الا ان العنوان الاول قد دلّنا عليه الواقع بصورة لا تقبل الشك، فلا يدع للنزاع محل. كما ان في الحديث النبوي الآنف الذكر، يعتبر الدرج من النشاط الإنساني إلى القول فالقلب، انسياقاً طبيعياً لا تكلّف فيه. اما لو اخذنا بالعنوان الآخر (القوة)، لكان الانسياق تكلّفياً فيما لو تدرجنا من الايسر إلى الاعسر.
بل وحتى لو قيل ان الظهور في لفظة (اليد) واضحة تماما في معنى القوة، فحتى مع هذا القول فان ما يثبته الواقع الاجتماعي اضافة إلى النظر إلى مقاصد الشريعة يجعل من الحصر في النص جارياً على مورد المصاديق ما كان غالباً في التأثير بالنسبة للمجتمع الاسلامي القديم، كما يرد بالنسبة إلى لفظة (ومن رباط الخيل) حيث المقصود منها ما هو السائد في المجتمع آنذاك، لا التعبد، بشهادة تغير الواقع الحضاري مع اخذ اعتبار مقاصد الشريعة.
ان ما نروم إليه من بعض الامثلة التي قُدمّت في العرض، هو إلفات النظر إلى امرين متلازمين، احدهما علمي والآخر عملي. فمن الناحية العلمية من الضرورة البحث عن شكل محدد من التقنين الذي يربط العلاقة بين الواقع وبين العلوم الإسلامية، كالفقه والتفسير والكلام وغيرها، الامر الذي يحتاج إلى دراسة علم الطريقة لفهم الإسلام وعلاقة ذلك بالواقع، مما لا يسعنا تفصيل الحديث عن ذلك في مقال كهذا. اما من الناحية العملية، فان وضع التقنين لعلاقة الواقع بالفقه يقتضي نظام التخصص في علم الفقه. مما يعني ان نظام المرجعية المؤسسية لا يمكنه ان يستغني عن هذين المطلبين المتلازمين.
لذا يُقترح على الصعيد العملي ان يكون نظام المرجعية التخصصية يضم لجان مختلفة تستوعب فروع الفقه، بحيث تضم كل لجنة منها مجموعة من الفقهاء يتم انتخابهم بين مدة واخرى، وهم يعملون طبق مبدأ الشورى الاسلامي، وذلك كي يكون هناك ضمان على الصعيدين العلمي والعملي معاً.
فطبيعة الشورى تضع المزيد من التثبيت والحصانة العلمية قبل ابداء الحكم النهائي، وهي ايضاً تحجب العملية الاجتهادية من نوازع الذات والاهواء التي قد تستولي على نفس الفقيه الفرد وهو يمارس دوره في ملاحظة تزاحمات المصالح العامة في المجتمع. كما انها مع النظام التخصصي سوف تتيح لاول مرة ان يكون التقليد تقليداً للمؤسسة ذاتها أو لجميع الفقهاء، اذ الكل يشتركون في صياغة الفقه، والكل يشاركون في عملية التقنين مشاركة فعالة مثمرة بعيداً عن النوازع الذاتية والمنافسة والانشقاق التي يخلقها نظام المرجعية الفردي. فتصبح هناك رسالة عملية موحدة في الفقه قابلة للمراجعة والتجديد بين فترة واخرى تحدد طبق ضوابط زمنية مناسبة.
ومن الطبيعي ان تكون جميع اللجان تحت اشراف لجنة مرجعية عليا منتخبة ومؤهلة بالقدرة العلمية وخبرة الواقع الاجتماعي والسياسي، وظيفتها مراقبة اوضاع اللجان والعمل على حل مشاكلها الخاصة واضفاء طابع المشروعية والمصداقية على اعمالها، فضلاً عن الاعمال الاخرى التي تخص نظام الحكم تبعاً لمبدأ الشورى.
وبهذه الطريقة المقترحة يمكن تذويب مشكلة تقليد الاعم التي يقول بها مشهور الفقهاء اعتماداً على بعض الامارات المعتبرة، خلافاً لظاهر بعض النصوص الذي يفيد العكس بتقليد مطلق العالم الورع. فنظرية تقليد الاعلم تواجه مشكلتين، احداهما على صعيد تحديد الضابط من الاعلمية، كما يعترف الفقهاء بذلك، فهل هي الاعلمية من جهة الدقة أو الوساعة أو زيادة ابداء المهارة في استخراج الفروع عن الكليات أو كثرة الاطلاع على معرفة آراء الفقهاء واجماعاتهم وتعارضاتهم أو غيرها.. اما الاخرى فهي واقعية تتعلق بتشخيص من هو اعلم وسط الفقهاء المجتهدين. فالمقياس الموضوع لمعرفة ذلك من خلال الشياع واهل الخبرة أو غير ذلك، كلها معرضة للاختلاف الشديد، الامر الذي يدعو إلى التعددية في التقليد، والصراع بين الاتباع احياناً، كما يشهد عليه الواقع، مما يذكرنا بالصراعات الحادة التي مرّت على اتباع المذاهب االربعة على طول التاريخ، لنفس المشكلة من التعددية.
وعليه إذا كان الواقع يثير مشكلة كهذه لغياب التقنين بينه وبين الحكم الشرعي، كما وإذا كان فقدان الضابط لتحديد الاعلمية هي مشكلة ذاتية اخرى، فان بطريقة المرجعية التخصصية يمكن التخلص من المشكلتين معاً. ذلك انّه إذا كان مدار الكثير من الفقهاء هو انهم يعتبرون قول الاعلم حجة دون غيره انما يعود إلى كونه اقرب من جهة التوصل إلى حقيقة الحكم الشرعي ـ خاصة ان التعليل لدى العديد منهم هو التعليل بامر ارتكازي طريقي لا تعبدي، فعند الدوران والشك بين التعبدية والطريقية اخذوا بهذه الاخيرة ورجحوها على الاولى، فاذا كان مدار الفقهاء هكذا، يصبح من الواضح ان القول بالتخصص هو اقوى مجالاً واقرب امكانية للكشف عن حقيقة الحكم الشرعي.
كما وإذا كان الشمول والدقة وغيرها هي من الموارد الهامة والمعتبرة في الاعلمية، وهي في الغالب مشتتة بين الفقهاء، فقد تجد بعض العلماء اكثر شمولاً وسعة في تناول الفقه، وتجد آخر اكثر دقة وفهماً وان كان ينقصه الشمول والسعة.. فاذا كان هذا ما يجري في الغالب بين الفقهاء; فان من المفترض في طريقة التخصص ان تسدد كلا الجانبين معاً، فهي شاملة تحتضن كل ما يمكن ان يدخل في موارد الفقه، كما انها دقيقة باعتبار التخصص. وهي فوق كل ذلك حيث تعمل بمبدأ الشورى; فان لها اعتباراً اقوى من جهة الاقربية إلى الكشف عن حقيقة الحكم الشرعي.
وبذلك تكون المرجعية التخصصية غير عاملة بنظرية الاعلمية من الناحية الفردية، لكنها من حيث المجموع انما تعمل بذلك حسب الصور التي قدمناها. وهي من جهة اخرى تحل مشكلة التقابل بين وجود العالم والأعلم وفرز احدهما عن الآخر بالتشخيص والتعيين، اذ يصبح كلاهما موظفين معاً في نفس الدور من عملية التقنين لعلاقة الواقع بالفقه حسب مبدأ الشورى الاسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق