نظرية المقاصد ونقدها

يحيى محمد

يبدو ان اول الداعين الى فكرة المقاصد العامة للشريعة هم الاشاعرة. فاول من يطلعنا ببحث ذلك هو الامام الجويني، ثم تلميذه الغزالي، حتى يستكمل البحث غايته عند الشاطبي الذي اقترنت فكرتها باسمه لكثرة ما اشبعها من البحث والتفصيل بما لم يسبقه نظير قبله، ولم يأتِ من يضيف اليه شيئاً ذا أهمية بعده.

والمقاصد لدى علماء الاصول على عدة مراتب من المصالح. فقد سبق للجويني في (البرهان) ان حدد اصول الشريعة فقسمها الى مراتب بحسب قوتها، وهي خمس ليس في كل منها ما يتممها، وذلك كالاتي:

1 ـ الضرورات.

2 ـ الحاجيات.

3 ـ المكرمات او التحسينات؛ لكل ما يلوح فيه غرض في جلب مكرمة او دفع نقيضها. والجويني يجيز ان يُلحق بهذا الجنس طهارة الحدث وازالة الخبث.

4 ـ وهو يشابه القسم الثالث من حيث انه لا يستند الى حاجة او ضرورة، لكن ذلك القسم يعد خروجاً عن قياس كلي، في حين ان هذا القسم مصرح بندبه ابتداءً.

5 ـ التعبديات التي لا يلوح فيها للمستنبط معنى، كما في العبادات البدنية المحضة 1 .

وجميع هذه المراتب عند الجويني ليس فيها ما يتممها، خلافاً لرأي من جاء بعده من الاصوليين كالغزالي والشاطبي. كذلك ان هذين العَلَمين حصرا المقاصد في ثلاثة فقط هي الضرورات والحاجيات والتحسينات او الكماليات، ولكل منها ما يتممها، الامر الذي استقر عليه علماء المقاصد من الاصوليين.

المقاصد ومراتبها

اعتقد علماء المقاصد من امثال الشاطبي ان المراتب الثلاث للمصالح هي مستنتجة بالاستقراء وشاملة لجميع الاحكام، اي لا يوجد حكم الا وينطوي ضمن مرتبة من هذه المراتب مع متمماتها. وهي كالاتي:

أ ـ الضرورات

ويقصد بها الحفاظ على ما هو ضروري للناس بدونه تختل مصالحهم وتفسد. لكن اختلف في تحديدها، والغالب في العلماء انهم لم يجعلوها اكثر من خمس مع وجود اختلاف جزئي حول بعضها. فعند الغزالي هي عبارة عن المحافظة على الدين والنفس والعقل والنسل والمال 2 . وتابعه في ذلك الامدي 3 ، وكذا ما ذهب اليه الشاطبي 4 ، وابن الأزرق والشوكاني. وزاد بعض المتأخرين حفظ الاعراض، حيث ((ان عادة العقلاء بذل نفوسهم واموالهم دون اعراضهم)) 5 .

وجاء في (تنقيح الفصول) للقرافي ان العلماء اختلفوا في عددها، فبعضهم يقول: الاديان عوض الاعراض، وبعضهم يذكر الاعراض دون الاديان 6 . كما ان البعض يُلحق النسل ضمن المحافظة على النفس كالاستاذ عبد الوهاب خلاف، واخر يستقل بذكر النسل ويضع تحته الاعراض كالشيخ ابي زهرة متبعاً في ذلك الغزالي ومن على شاكلته 7 .

والامثلة التي تذكر ضمن الضرورات هي كالاتي:

1 ـ الحفاظ على الدين: ويدخل فيه ما شُرع لأجله من احكام العبادات من الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وغيرها، حيث الغرض منها اقامة الدين بما يُصلح المكلف في اخرته، إذ ((لو عدم الدين لعدم ترتب الجزاء المرتجى)) 8 . لهذا شُرع لحفظه العديد من الاحكام كالعقوبات الخاصة بالمرتد والمبتدع وما الى ذلك.

2 ـ الحفاظ على النفس: وينضوي تحته كل ما شُرع لأجله من الاحكام التي تحفظ النفس من ايجاب المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وكذا القصاص والدية وتحريم الالقاء بها في التهلكة وما الى ذلك. وأضاف الاستاذ ابو زهرة الى ذلك؛ المحافظة على الكرامة الانسانية رغم انه عاود الذكر لها ضمن التحسينات 9 .

3 ـ الحفاظ على العقل: واهم ما شُرع لاجله تحريم المسكرات وعقوبة تناولها.

4 ـ الحفاظ على العرض: ويدخل فيه ما شرع لأجله الحدود الخاصة بالزنا والقذف وما الى ذلك.

5 ـ الحفاظ على النسل: حيث أُلحق فيه ما يعود الى العرض من الاحكام كعقوبة الزنى والقذف وما اليهما 0 1 . وربما كان الاولى ان يكون هذا الاصل داخلاً ضمن قسم الحفاظ على النفس.

6 ـ الحفاظ على المال: ولأجله يوجد عدد كبير من التشريعات من الاحكام الاقتصادية؛ كاباحة البيع وسائر العقود المالية والمبادلات التجارية، وحرمت لأجله السرقة والغصب والغش واتلاف المال والربا والغرر وما اليها 1 1 .

ب ـ الحاجيات

ويقصد بها تحقيق ما بحاجة اليه الناس من رفع المشقة وتيسير امور حياتهم، مثل الرخص الشرعية كافطار المريض والمسافر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية للمسافر، والصلاة قعوداً لمن هو عاجز عن القيام، ولزوم التيمم لمن لم يجد الماء، وعدم المؤاخذة في الخطأ والنسيان والاكراه، وغير ذلك من الرخص لرفع الحرج عنهم، كذلك اباحة السلم والعرايا والمساقاة والمزارعة وسائر العقود سداً لحاجة الناس 2 1 .

ج ـ التحسينات

أما التحسينات فهي تحقيق ما هو حسن للناس على وفق ما عليه المروءة ومكارم الاخلاق، والتي يدخل فيها احكام الطهارات وستر العورات وآداب المعاملات والندب والنهي عن المثلة والغدر وقتل الاعزل والنساء والصبيان والرهبان في الجهاد، وكذا حُرم لأجلها الغش والتدليس والتغرير والاسراف والتقتير، كما ونهي عن التسعير وبيع الانسان على بيع اخيه 3 1 .

د ـ المتممات

كما وشرع الشارع احكاماً اخرى تتمم تحقيق المقاصد في المصالح الثلاث. فمثلاً في الصلاة ان ما يتممها هو اقامتها جماعة واعلانها بطريقة الاذان. وكذا انه حيث حرم الشارع الزنا لحفظ العِرض فانه تممه بتحريم الخلوة بالاجنبية سداً للذريعة، وكذا جعل كل ما لا يتم الواجب الا به واجباً، ومثله كل ما يؤدي الى المحظور محظوراً، وغير ذلك من الاحكام المتممة 4 1 .

العلاقة بين المراتب المقصدية

اعتبر الشاطبي ان المقاصد الضرورية في الشريعة هي اصل للمقاصد الحاجية والتحسينية، اذ لو فرض اختلال الضروري باطلاق لاختل كل من الحاجي والتحسيني، أما العكس فلا يلزم، وإن كان قد يلزم من اختلال التحسيني باطلاق اختلال الحاجي بوجه ما، وكذا لو اختل الحاجي باطلاق للزم عنه اختلال الضروري بوجه ما. وعليه لأجل المحافظة على الضروري لا بد من المحافظة على الحاجي، وكذا فانه لأجل المحافظة على الحاجي ينبغي المحافظة على التحسيني، فالتحسيني يخدم الحاجي، والحاجي يخدم الضروري، وبالتالي فالضروري هو المطلوب. هكذا يرتب الشاطبي مطالب خمسة كالاتي:

1 ـ ان الضروري اصل لما سواه من الحاجي والتحسيني.

2 ـ ان اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقيين باطلاق.

3 ـ لا يلزم من اختلال الباقيين اختلال الضروري.

4 ـ يلزم من اختلال التحسيني باطلاق او الحاجي باطلاق اختلال الضروري بوجه ما.

5 ـ ينبغي المحافظة على الحاجي والتحسيني لاجل الضروري 5 1 .

نقد النظرية

من الواضح ان لنظرية المقاصد أهمية كبرى في التشريع، وهي بصورتها المألوفة تحتاج الى مراجعة ونقد. لذا سنجعل نقدنا لنظرية المقاصد على قسمين، أحدهما يتناول المراتب الثلاث وعلاقاتها ببعضها، والآخر يقتصر على المرتبة الاولى لأهميتها، وذلك كالآتي:

1 ـ نقد التقسيم الثلاثي للمقاصد

يمكن تقسيم هذا النقد الى ملاحظات اشكالية وأخرى تأسيسية كالآتي:

أـ النقد الاشكالي

1 ـ يلاحظ من جانب ان الاصوليين وإن اتفقوا على تصنيف المراتب المصلحية الى ثلاث منذ الغزالي؛ إلا أنهم لم يتفقوا على أقسام هذه الاصناف، كما لم يتفقوا على رد الاحكام اليها، وظهر هناك العديد من الاختلاف في التوزيع والادخال. ومن ذلك خلافهم حول قسم الأعراض؛ تارة بابداله عوض الاديان، وأخرى باضافته مستقلاً، وثالثة بالحاقه ضمن الحفاظ على النسل. وكذا مع هذا الاخير؛ تارة بجعله مستقلاً، وأخرى بادخاله ضمن الحفاظ على النفس. وعلى هذه الشاكلة ما حصل من خلاف حول الحاق مطلق البيع، فبعضهم يضعه ضمن الضرورات كالذي فعله الامام الجويني، وآخر يراه ضمن الحاجيات 6 1 .

كذلك ان بعض الاحكام أُبعدت عما يناسبها من أقسام أو عناوين. فمثلاً ادخل الشيخ عبد الوهاب خلاف ما شرعه الاسلام في الزواج للتوالد والتناسل ((وبقاء النوع على اكمل وجوه البقاء)) ضمن المحافظة على النفس، وكان الاولى ان يضع ذلك ضمن المحافظة على العِرض الذي جعل له استقلالية خاصة. ذلك ان بالزنى وليس فقط بالزواج يمكن الحفاظ على التوالد والتناسل وبقاء النوع، وبالتالي فما شُرع بخصوص الزواج هو لأجل الحفاظ على العِرض. وإن كان هذا لا يمنع من ان يكون تشريع الزواج محافظاً في الوقت ذاته على سلامة الاسرة وبث روح الحنان والطمأنينة بين افرادها. الأمر الذي يجعل من التشريع سواء لهذا الباب أو لغيره قابلاً للعنونة بأكثر من عنوان واعتبار كما سنعرف.

وأخيراً نجد بعضهم يداخل في بعض الاحكام بين المراتب بما يشير الى التردد والتذبذب، كالذي فعله الشيخ ابو زهرة بشأن المحافظة على الكرامة الانسانية، حيث وضعها ضمن الحفاظ على النفس، لكنه عاد وضمّها ضمن التحسينات كما أشرنا الى ذلك من قبل. وكذا ما فعله الاستاذ عبد الوهاب خلاف بشأن كل من الغش واتلاف المال او الاسراف، حيث وضعهما ضمن ضرورة الحفاظ على المال، ثم عاد وألحقهما تحت عنوان التحسينات.

2 ـ يلاحظ في التحسينات انها هجينة في احكامها بين ان تكون دالة على التجميل والعادات الحسنة، وبين ان تكون اخلاقية حقوقية؛ بعضها يصل من القوة بما هو اعظم بكثير مما ذكر من الاحكام ضمن الحاجيات، بل واغلب احكام الضرورات. فمثلاً ان النهي في الجهاد عن قتل الصبيان والنساء، وهو موضوع في التحسينات، ليس اقل حرمة من شرب الخمر الموضوعة ضمن احكام الضرورات.

وعلى العموم ان التحسينات بما يتصدرها عنوان مكارم الاخلاق، فيها من السعة ما تجمع بين الاخلاق الحميدة في العلاقات العادية وبين الحقوق العامة للاخلاق بما يرفعها الى قمة المصالح، وعلى رأسها العدل.

3 ـ كذلك يلاحظ ان الاحكام ضمن الحاجيات تتفاوت بين ان لا يكون فيها معنى الحاجة وإن تضمنت معنى الرخصة، وبين غيرها التي هي موضع حاجة فعلاً. فمثلاً إن حكم التيمم عند فقدان الماء ليس معنياً بالحاجة، ولا ان مصلحة الناس وحاجتهم متوقفة عليه، رغم ان تشريعه كان لأجل الرخصة ورفع الحرج التعبدي لا المصلحي بمعناه القابل للادراك، وبالتالي فانه لا يدخل ضمن هذا القسم ولا ضمن غيره من المراتب الثلاث.

كما قد يقال إنه اذا كان إباحة الفطر للمسافر والمريض هي لرفع المشقة وبالتالي لتسديد ما بحاجة اليه الناس؛ فان الأمر في قصر الصلاة الرباعية للمسافر يختلف من حيث أنها لو كانت مجرد قضاء حاجة لرفع المشقة لعمّت المريض أيضاً مثلما هو الحال في الصوم، وبالتالي فان ذلك الحكم لا يدخل ضمن قسم الحاجيات. لكن الصحيح هو ان هناك فرقاً واضحاً بين ترتيب الصلاة والصوم بالنسبة للمسافر والمريض. فاذا كان المسافر يقصر في كليهما للتيسير ودفع المشقة، فإن المريض وإن احتاج الى ذلك في الصوم لطول الوقت؛ الا ان حاجته للقصر في الصلاة قد لا تكون بالقدر الذي يحتاج اليه المسافر، وقد يكفيه من ذلك ما باستطاعته القيام به من الصلاة قعوداًَ أو استلقاءاً أو غير ذلك مع العجز أو المشقة الكبيرة.

ب ـ النقد التأسيسي

1 ـ اول ما يلاحظ ان العدد المذكور للمراتب او المصالح لا يفي بالمطلوب، فمن الواضح ان هناك نوعين من الاحكام لا يدخلان ضمنها: احدهما ما اشار اليه الجويني من الاحكام التعبدية التي لا يفهم غرضها ومصلحتها، فحيث انها غير مفهومة لا يمكن وضعها ضمن اي من تلك المقاصد او المراتب، لان شرط معرفة المقصد إن لم يصرح به هو ان تعرف نوع المصلحة فيه، فمثلاً انّى لنا ان نفهم المصلحة في جعل الصلاة على الهيئة التي أُمرنا بها؛ كأن نفهم علة الالتزام بعدد محدد من الصلاة والركوع والسجود، وكذا علة الاختلاف في عدد الركعات بحسب نوع الصلاة، وما الى ذلك...؟!

أما النوع الاخر فذلك الذي نصطلح عليه المصالح الحقوقية، والذي لا تشير اليه تلك المراتب بالذكر على نحو الاستقلال، سواء العامة من هذه المصالح او الخاصة. فأحكام هذا النوع تتوزع تارة ضمن الضرورات الخمس، وثانية ضمن الحاجيات، وثالثة ضمن التحسينات. لكنها تارة اخرى تستقل بنفسها دون ان تدخل في أي مما سبق، او انها تكون اقرب الى التمايز مما هي الى الانضمام والتداخل مع غيرها مما يصح افرادها مستقلة، وذلك بأخذ اعتبار ان الحكم الواحد قد تشمل مصلحته اكثر من عنوان على ما سنعرف. ولا اقل من ان تكون قسماً آخر من أقسام الضرورات، باعتبار أن بدونها تضطرب الحياة العامة ولا تستقيم.

فمثلاً ان المصلحة المتعلقة بعزل الحاكم المستبد هي مصلحة حقوقية مستقلة لا يمكن ردها الى أيّ من المصالح السابقة، ذلك أنها ليست تحسينية بالمعنى المألوف، ولا هي راجعة الى حاجات الناس من دفع المشقة وتيسير حياتهم، ولا كذلك انها تعود الى الضرورات الخمس.. بل هي حق يخص الارادة العامة للأمة في المشاركة بالحكم وتقرير المصير. كذلك ان مصلحة الفرد المتضرر بالسرقة أو الغصب في استرداد حقه؛ هي مصلحة حقوقية مهما كان حجم الجرم ضئيلاً، وكذا بغض النظر عن المصلحة المالية المترتبة عن الاسترداد والتي تدخل ضمن احكام المحافظة على المال. المهم هو ان هناك مصلحة اخرى للحكم هي التي نطلق عليها المصلحة الحقوقية.

2 ـ ليس بالضرورة ان يكون مقصد الحكم ومصلحته متخذة عنواناً واحداً من عناوين تلك المراتب الثلاث. فقد يكون له اكثر من عنوان ومرتبة، وذلك باعتبارات متعددة. فلا مانع من ان يكون الحكم من جهة يقع ضمن دائرة التحسينات، واخرى ضمن الحاجيات او الحقوق او الضرورات. فمثلاً في العاقلة - أي القتل غير المقصود - من حيث ان الدية موزعة على اقارب القاتل فان الحكم يستفاد منه لمصلحة التخفيف ورفع الحرج عن القاتل فيقع ضمن الحاجيات، لكن من حيث اعتباره حقاً لا بد من ايفائه بغض النظر عن الجهة التي تقوم بدفعه فانه يقع ضمن المصالح الحقوقية التي يستفيد منها اولياء المقتول، كذلك فان جعل الدية على اقارب القاتل له مصلحة اخرى هو انه يبعث على التضامن والتكافل فيقع ضمن دائرة التحسينات. وعلى هذه الشاكلة ان المصلحة اللازمة عن الصلاة هي توثيق الرابطة بين العبد وخالقه، وهو مقصد اساس يقع ضمن دائرة الضرورات، لكنها من جانب تدعو الى النهي عن الفحشاء والمنكر مثلما جاء في قوله تعالى: {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} 7 1 ، فتكون بهذا الاعتبار داخلة ضمن التحسينات بحسب التقسيم التقليدي، وكونها تؤثر على شخصية الانسان الروحية فانها تقع ضمن التحسينات ايضاً. كذلك ان تحريم الخمر قد يكون لمصلحة الحفاظ على العقل، وقد يكون لمصلحة الحفاظ على النفس، وكذا على سلامة المجتمع من الاضرار الاجتماعية التي يلحقها، فيدخل ضمن المصالح الحقوقية.

بهذا يتبين ان الحكم قد يفيد اكثر من مقصد ومصلحة بغض النظر عما يرد من تفاوت بين مقادير هذه المقاصد والمصالح للحكم الواحد. فقد يطغى مقصد معين على غيره، الامر الذي يبرر وضعه منهجياً في دائرة محددة من مراتب المقاصد وانواعها؛ إن لم يكن موضع التباس واختلاف في الافهام المدركة للناظرين. لكن في جميع الاحوال ان كون الحكم الواحد له قابلية على الانضمام الى اكثر من عنوان؛ فان ذلك يجعل من توزيع الاحكام ضمن مقاصد محددة لا معنى له، ما لم نقرّ بنسبيته ومنهجيته. فهو نسبي من حيث ان الحكم حُدد بمقصد ما لاعتبار معين مع اغفال سائر الاعتبارات الاخرى التي تصلح بدورها لضم الحكم ضمن عناوينها المناسبة. وهو منهجي باعتبار ان التعويل على مقصد محدد مع اغفال غيره من المقاصد المناسبة؛ لا يكون مبرراً ما لم يأتِ ذلك طبقاً لمرجح منهجي يضعّف من قوة مصالح سائر المقاصد الاخرى في قبال المقصد المحدد دون نكرانها. ذلك ان نكران هذه المصالح او المقاصد انما يُخرج التوزيع عن طابعه المنهجي ليضفي عليه طابعاً حقيقياً أو لزومياً. وهو الحال الذي توحي اليه كتابات علماء المقاصد من حيث توزيعهم للاحكام ضمن قوالب جامدة ومحددة. وكأنهم بذلك ينكرون النسبية ومن ثم الطابع المنهجي القائم عليها؛ مما يجعل طريقتهم غير دقيقة.

3 ـ ان ادراك المقاصد تارة يكون عبر النص الخاص، وأخرى من خلال الاستقراء الشرعي، وثالثة عن طريق الواقع والعقل من جهة ما يدركه هذا الاخير من المعاني المتفقة مع الاحكام الشرعية. وسواء في النهج الأول أو الثاني يلاحظ ان النتائج المترتبة عن ذلك تتفق مع مقررات الوجدان العقلي، أي أنها عقلائية وممضية لقرارات العقل وليست تعبدية أو تأسيسية الا على النحو النسبي 8 1 . فمثلاً يتفق العقل والسمع على قبح السرقة وحرمتها، فمن هذه الناحية تكون الشريعة ممضية لقرار الوجدان العقلي، لكن تحديد العقوبة بقطع اليد هو مما يعجز العقل عن ادراكه، وإن يدرك ان ذلك انما يأتي للردع كما يظهره الواقع. وفي هذه الحالة ان العقل يدرك المقصد وإن لم يفصح عنه النص، كما ويعلم ان ما اختاره الشرع من تحديد خاص للعقوبة هو افضل اجراء من بين خيارات متعددة، لكنه مع ذلك قد يتوقف في البدء، او بحسب النظر القبلي، إن كان هذا الخيار هو مطلق يؤتى به دائماً، او هو نسبي يتوقف على القصد وما يحدده من مطلب طبقاً لما يفرزه الواقع من تنوعات تتسق تارة مع الحكم المشار اليه وتختلف تارة اخرى.

وما نريد التنبيه اليه هو ان نظرية المقاصد لا يمكن ان تستقيم الا باعتبارين:

الأول: التسليم بقدرة العقل - المزود بخبرة الواقع - على ادراك المقاصد والمصالح مما لا يتضح من النص. الأمر الذي يفضي بقبول قاعدة الحسن والقبح العقلية التي رفضها اغلب فقهاء اهل السنة ومنهم علماء المقاصد تأثراً بالمذهب الاشعري. حيث أننا لو لم نسلّم بذلك لوقعنا في التناقض، وهو ما لاح علماء المقاصد فعلاً!

فهم من جهة يعدون المصالح الحقيقية هي تلك التي تقرها الشريعة لا العقل، أي أنها تكون تأسيسية تعبدية تستوي مع سائر التعبديات كما صرح بذلك الشاطبي 9 1 . لكنهم من جهة اخرى ميزوا بين الاحكام التعبدية التي لا يدرك معناها وبين الاحكام المصلحية المدركة بالعقل، وسلّموا لهذا الأخير صلاحية تقدير التفاوت بين المصالح واختلاف رتبها وانواعها وما يرجع اليها من احكام على ما سلف ذكره. أفلا يكون هذا تناقضاً؟!

الثاني: التعويل على السلوك بمنهج الاستقراء الشرعي في الوصول الى العديد من المقاصد التي قد لا تظهر واضحة بمجرد النص الخاص. وهو ما زاوله علماء المقاصد بلا ادنى شك. لكنهم لم يربطوا بينه وبين قرارات الوجدان العقلي التي تطابق نتائجه، وذلك تبعاً لذات النهج من الاستقراء وحساب الاحتمالات. الامر الذي يؤكد ما هم عليه من تناقض.

هكذا فأنه بدون هذين الاعتبارين تكون نظرية المقاصد عاجزة عن ان تقاوم النهج الحرفي الماهوي الذي اعتاد الفقهاء مزاولته بدقة واتقان. ذلك ان طبيعة النهج الماهوي يبعث على التعبد، خلافاً للنهج الوقائعي الذي طبيعته تبعث على المقاصد. فمثلاً لو حملنا الايات القرآنية في ذم اهل الكتاب والحكم عليهم ببعض الاحكام بحسب النهج الماهوي، لأفضى بنا ذلك الى التعبد من غير تمييز وتفريق بين المحسن منهم والمسيء، وكذا يقال الحال نفسه بخصوص مدح أهل الاسلام والحكم عليهم ببعض الاحكام. مع انه بحسب النهج الوقائعي لابد من التمييز والتفريق تبعاً لما هم عليه من واقع؛ فإن كانوا محسنين فانهم يستحقون الثناء، وإن كانوا مسيئين فانهم يستحقون الذم، سواء كانوا مسلمين او من اهل الكتاب، وقد قال جلّ وعلا: {يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم} الحجرات/3 1 ، وقال ايضاً: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. بلى من أوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين} آل عمران/5 7 ـ6 7 ، وقال: {ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} الحديد/6 1 ، وقال: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجزَ به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً} النساء/3 2 1 .

4 ـ يلاحظ ان نظرية المقاصد انما وضعت في الاساس وضعاً تبريرياً لما عليه احكام الشريعة باضفاء صبغة المقصد والحكمة عليها، ولم توضع لأجل تأسيس الاحكام وبنائها. أي انها جعلت لتبرير ما هو كائن، وليس لما ينبغي ان يكون. او انها اضفت على الاحكام طابعاً ماهوياً تعبدياً باستبعاد النهج الوقائعي وما يفرضه من مستلزمات غير تعبدية تتسق مع فكرة المقاصد؛ خلافاً لنهج اصحاب النظرية ذاتها.

2 ـ نقد نظرية المقاصد الضرورية

لو قصرنا الحديث عن المقاصد الضرورية باعتبارها اهم المقاصد جميعاً فسنرى ان التقسيم الانف الذكر يواجه جملة من الاشكالات يمكن تقسيمها على نحوين: ملاحظات اشكالية واخرى تأسيسية كالاتي:

أ ـ الملاحظات الاشكالية

1 ـ ان اعتبار الدين قسيماً لسائر اقسام الضرورات يفضي الى الفصل بينه وبين سائر مجالات الحياة التي تعبر عنها الضرورات الاخرى. لكن ما قصد اليه علماء المقاصد انما هو الامور العبادية لا غير، لذا فالأنسب ان يخصص اللفظ بالعبادة دون الدين الأعم منها؛ لا بما يحمله من المعارف العقدية فحسب، بل بما يقدمه ايضاً من معارف شاملة لمختلف مجالات الحياة والتي منها سائر الضرورات، سواء كان ذلك على نحو التأسيس او على نحو الامضاء لقرارات العقل. ويؤيده ان القرآن الكريم اشار صراحة الى ذكر العبادة كمقصد اساس للخلق ومن ثم الشرع دون ذكر ما يوازيه من الدين، كما في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون} الذاريات/6 5 .

2 ـ ان المقاصد وردت بلفظ الحفاظ، وهذه اللفظة تبدي ان مبرر وجود الشريعة هو لتحافظ على امر كامل في الاصل، لا ان هدفها تحقيق الكمال لأمر هو في الاصل ناقص او غير موجود. ويشهد على ذلك ان الموضوعات في قضايا الضرورات ليست تامة الكمال على ارض الواقع حتى يراد الحفاظ عليها، بل هي في جميع الاحوال ينتابها النقص والاحتياج. الامر الذي يبرر الهدف الذي أُنزلت لأجله الشريعة، وهو السعي نحو تسديد الواقع واكماله لا الحفاظ عليه، خاصة فيما يتعلق بالمصالح الحقوقية التي يترأسها مبدأ العدل. فهذا ما تشير اليه آية القسط وحديث إتمام مكارم الاخلاق، وكذا حديث التخلق باخلاق الله، وغيرها من الآيات والأحاديث.

ب ـ الملاحظات التأسيسية

وتتبلور هذه الملاحظات على الشكل التالي:

1 ـ المقاصد بين الضرورات والغايات

كثير ما يرد في الذهن السؤال الخاص عن نوع العلاقة التي تربط الحاجات المادية للانسان بحاجاته الروحية. فهل هناك رابطة غائية بين الحقيقتين؟ وهل وجد الانسان لأجل قضاء حاجاته المادية، ام للتنعم باشباع حاجاته الروحية؟

هناك حقائق اولية لا بد ان نلمّ بها قبل البت في الموضوع:

فمن ناحية نعلم بان الانسان لا غنى له عن النوعين من الحاجات. كما ونعلم ان لكل منهما تأثيراً على الاخر سلباً وايجاباً. ذلك ان اشباع احدهما يؤثر على حركة الاخر. فالافراط في اشباع الحاجات المادية مثلاً يضعف من حركة الاشباع الروحية، كما ان العكس صحيح ايضاً. ونعلم ايضاً ان الحياة البشرية يسودها نزاع مستمر بين اشباع النوعين غالباً ما لا يظهر، وإن كان في احيان معينة يبدو ظاهراً بقوة، وقد يتردد عندها المرء بأي منهما يأخذ وأي يدع. فأصحاب المناصب والمبادئ كثيراً ما يبتلون بهذا النزاع، سواء كانوا مخيرين بملئ ارادتهم او ملجئين اليه بالتهديد والوعيد. لكن من ناحية اخرى نعلم ان اشباع الحاجات المادية مهما بلغ فانه يظل محدوداً غير قابل للنمو والتطور الا بالقدر الضئيل جداً. في حين ان اشباع الحاجات الروحية في تزايد لا يقبل الانقطاع والتوقف. فانك مهما تعلمت وتعقلت ترى نفسك بحاجة اكبر الى التعلم والتعقل، وكذلك مهما تحررت وتخلقت تجد نفسك بحاجة اكبر الى التحرر والتخلق. ومهما اوثقت صلتك بالله فستظل بحاجة الى المزيد مادمت حياً. اذن الحاجات الروحية تعبر عن كنْه الحياة الانسانية وجوهرها، اذ انها مردودة الى ((المطلق)) ونفخته الروحية، وان الانسان مهما سعى لاشباعها فانه لا يحقق من ذلك الا على قدر سعيه، فيظل متصفاً بالنقص والحاجة في قبال فيض المطلق. وعليه لولا هذه الحركة التطورية من الاشباع غير المنقطع للحاجات الروحية لما اختلف الانسان عن البهيمة والحيوان. فهي التي تضفي عليه صورته الانسانية وتجعل منه الكائن الوحيد بين المخلوقات الارضية ذا قابلية مطاطة يتحول خلالها الى اطوار مختلفة من التكامل دون الوقوف عند حد. حيث تتجلى فيه الابعاد الالهية شيئاً فشيئاً حتى يظنه الواهمون الهاً فيعبد باشكال صريحة وغير صريحة، مثلما يجري الحال مع الانبياء والاولياء والقديسين.

فهذا هو سر حركة الانسان وغاية خلقه ووجوده. والتي منها يتبين ان الحاجات الروحية هي حاجات مقصدية يستهدفها الانسان في حركته الوجودية بما انعم الله فيه من النفخة الروحية.

على هذا فإن اشباع الحاجات المادية ليس له غرض في ذاته، بل تنبع ضرورته من كونه شرطاً لتحقق تلك الغاية من الاشباع الروحي. فلولاه لما استطاع الانسان أن يعيش ويحقق ما أمكن من غاية وجوده.

طبقاً لهذه المقدمة الايضاحية ان علماء المقاصد لم يكن يهمهم البحث في الغايات الوجودية لخلق الانسان؛ وذلك إما لاعتبارات نفي مبدأ الغرضية، او لاعتبارات إبعاد العقل عن الممارسة الاستكشافية، أي تلك الممارسة التي تتضمن المماحكة مع الواقع. وفي كلا الحالين فاتهم توظيف ذلك في الكشف عن مقاصد التشريع، حيث توقفوا في البحث عند حدود الحفاظ على الضرورات مما ليس في ذلك لغة تغييرية للواقع ولا يعد غاية تشريعية. فالجمود على دائرة ((الحفاظ)) لا يتناسب مع طبيعة المقاصد التي خلق لأجلها الانسان، في حين يفترض منطقياً ان تكون مقاصد التشريع تتسق مع غاية الخلق دون ان تختلف معها. والتشريع الذي لا يستهدف تحقيق هذه الغاية ولا يستهدي بهديها؛ ليس له من معنى غير الشطط. وواضح ان الضرورات المطروحة في نظرية المقاصد من الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال؛ كلها لا تعبر عن غاية الخلق من الاشباع الروحي غير المنقطع كما سبق ان بينا. وبالتالي فان ما ذكره الاصوليون من مقاصد هي ليست مقاصد جوهرية وإن سلّم لهم بانها من الشروط الضرورية لتحقيق المقاصد الحقيقية. اي انها مقاصد شرطية هدفها تحقيق اخرى حقيقية هي غاية التشريع الذي يستهدف سعادة الانسان. لذا نطلق عليها المقاصد الغائية. وهي كالاتي:

المقاصد الغائية

وهي تشتمل على مجموعة من القيم ابرزها ما يلي: التعبد والتعقل والتحرر والتخلق والتوحد والتكمل، ولكل منها ظاهر وباطن، وذلك كالاتي:

التعبد: وهو من حيث الظاهر عبارة عن العمل بما امر الله به من العبادات الظاهرة المعروفة، كالصلاة والصوم والحج وما اليها.

أما من حيث الباطن فهو توثيق الصلة للنفس بين العبد وربه، وذلك بكثرة الذكر في القلب على الدوام، مثلما اشار اليه المولى جل وعلا بقوله: {واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة} الاعراف/5 0 2 ، وقوله ايضاً: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم} الحشر/9 1 .

التعقل: وظاهره الممارسة الاستكشافية في اكتساب العلم والمعرفة لفهم الظواهر الوجودية ومنها طبيعة الانسان ومنشؤه ومصيره؛ لاجل توظيفها في صالحه، وذلك بنحو من التثبت والتيقن قدر الامكان، والا فالعلم بالنظر والترجيح من غير هوى ولا تقليد، وهناك عدد كبير جداً من الايات التي تشير الى هذا المعنى من التعقل، يكفينا منها ذكراً ما يلي: {ولا تقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلٌّ اولئك كان عنه مسئولاً} الاسراء/6 3 ، {ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلِمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم} آل عمران/6 6 ، {واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه اباءنا، أوَ لَو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} البقرة/0 7 1 ، {وبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أُلو الألباب} الزمر/7 1 ـ8 1 ، {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت، وإلى السماء كيف رُفعت، وإلى الجبال كيف نُصبت، وإلى الأرض كيف سُطحت} الغاشية/7 1 ـ0 2 .

أما باطن التعقل فهو عبارة عن الممارسة الاستكشافية المنبنية على النظر الوجداني لمعرفة الحقائق ومعاينتها. وهي عملية تتأسس عليها ظاهرة التعقل الخارجي من حيث الاصل المعرفي، لكنها ايضاً تُكمل ما يبدأ به هذا التعقل ولا تلغيه، بل تعمقه بالاحساس الباطني والمعاينة المباشرة للمعرفة الالهامية بنوع من التأمل والاستبطان. وبعضهم يشير الى هذا المعنى بقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} البقرة/2 8 2 .

التحرر: وظاهره التجرد عن كل ما يعيق حركة الانسان الكمالية في الحياة من الاستعباد والاستغلال والكسل والاتكال والخمول واتباع التقاليد والاعراف المنحرفة او التي لا خير فيها، وما الى ذلك.

أما باطنه فهو التجرد عن الاحوال السيئة التي تستعبده وتستنفد طاقته بقطع الصلة عنها، كالاهواء المضلة والشهوات المميتة وحُجب التقليد المانعة من معرفة الحق والسلوك اليه. ولا يأتي هذا التجرد الا بالمجاهدة النفسية، وقد جاء في الاثر ان اعظم الجهاد جهاد النفس.

التخلق: وظاهره العمل بمكارم الاخلاق من العدل والرحمة والتسامح والتواضع والتواد وحسن التعامل مع الطبيعة وتسخير الاشياء وما اليها. وقد جاء في الحديث: ((انما الدين المعاملة)).

أما باطنه فهو العمل بما اصطلح عليه أهل الكشف والاحوال بالتخلية والتحلية. اي التخلي عن كل الطباع والصفات النفسية السيئة واحلال محلها ما يقابلها من حسن الطباع وطيب الصفات. وهو ما يشار اليه بالتخلق باخلاق الله مثلما جاء في الحديث، واليه اشارة بعض تفاسير الاية: {ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها} الاعراف/0 8 1 .

التوحد: وظاهره السعي نحو اقامة ما امكن من رابطة الاخوة وتعميق العلاقات وسط افراد المجتمع البشري، وذلك من خلال التعاون والتآلف لما فيه خير صلاح الجميع. وقد جاء في حده الادنى ما اشار اليه قوله تعالى: {يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم} الحجرات/3 1 . أما في حده الاعلى فقد جاء قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا..} آل عمران/3 0 1 ، ويشار اليه في بعض تفاسير الاية: { ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين، الا من رحم ربك، ولذلك خلقهم} هود/8 1 1 ـ9 1 1 .

أما باطنه فهو جعل مصادر الاحساس والشعور والارادة قائمة على ميزان موحد من غير تضارب ولا تناقض. واليه الاشارة بما جاء عن الامام علي (ع): ((اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فاحبب له ما تحب لها، واكره لها ما تكره له)). كذلك اليه الاشارة بقوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} الاحزاب/4 .

تجدر الاشارة الى ان اغلب المذاهب الاسلامية ظلت ـ وللاسف ـ تعمل طوال تاريخها على خلاف هذا المقصد بالفرقة ونفي الاعتراف بشرعية الاخر، توسعة وتضييقاً، سواء في عقائده او عباداته الخاصة، متجاهلة انها مذاهب اجتهادية على حد سواء. هذا من حيث الظاهر، أما من حيث الباطن فقلّ ما تجد فيها من يعمل بميزان التوحيد لمصادر الاحساس والشعور والارادة؛ بوضع حالها موضع الانصاف مقارنة مع ما عليه الاخر.

التكمل: وظاهره اكمال جميع ظواهر الاحوال السابقة. اما باطنه فهو اكمال بواطن تلك الاحوال من غير حد ولا انقطاع. فمصدر التكمل هو اشباع الباطن وتحريكه، ومنه تنبعث حركة اكمال الظاهر. واليه الاشارة بقوله تعالى: {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم }الرعد/1 1 . ومنه يعلم ان الحركة باتجاه الكمال غير منتهية، واليه يشار في بعض تفاسير الاية: {يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه }الانشقاق/6 .

يعلم مما سبق ما يلي:

1 ـ ان العلاقة الهامة في كل ما سبق من الاحوال هي علاقة الباطن التي لها تأثيرها الفعال على حركة الظاهر. فمع ان للحركة الاخيرة دورها المقابل في التأثير؛ لكن يظل ان العامل الحاسم في الحركة هو للباطن. وينطبق هذا الامر حتى في حدود مجال التعقل، فلولا التعقل الباطني من الكشف لمصادر المعرفة الاولية لما امكن تشكيل اي معرفة من التعقل الخارجي، كذلك انه يكمل ما يبدأ به هذا الاخير، على ما اشرنا اليه آنفاً.

2 ـ ان الاحوال السابقة بعضها يؤثر على البعض الاخر بفعل الحركة الباطنية. اي ان العلاقة بين الاحوال هي علاقة توظيفية بعضها يوظف البعض الاخر ويؤثر عليه.

3 ـ ان حركة الانسان بفعل تلك الاحوال يسعها ان تكون حركة تكاملية غير متناهية باعتبارها تتجه نحو المطلق او الكمال.

2 ـ المقاصد بين حق الله وحق الانسان

مثلما رجح الاصوليون رتب المقاصد بعضها على بعض، حيث اعتبروا الضرورات أهمها جميعاً؛ فانهم كذلك فعلوا نفس الشيء مع اصناف الضرورات، فقدموا الدين على ما سواه، ثم بعده النفس فالعقل وهكذا. ومع ان تقديم الدين على النفس هي قضية لم تكن محسومة لدى كافة الاصوليين، حيث نجد البعض يرى العكس هو الصحيح 0 2 ، إلا ان غالب العلماء ذهبوا الى تفضيل الأول على الثاني ومن ثم على سائر المصالح الأخرى قاطبة، مستدلين على ذلك بالجهاد، حيث يضحى بالنفوس من اجل حماية الدين وحفظه 1 2 . فالجهاد واجب وحق لله ليس للانسان فيه من خيرة، خاصة وانه عبادة يلزم عندها تحقق نية القربة، على ما فيه من مصلحة فائقة للمجتمع.

والاصوليون حيث رجحوا الدين على غيره من المصالح انما ينطلقون من نظرية ((حق الله)) المطلق في قبال ما يُطلق عليه حق العبد مجازاً، اذ لا حق له عندهم في واقع الأمر. ذلك انهم يفرقون شكلياً بين الحقين تبعاً لمسألة جواز الاختيار للعبد وعدمه. فبخصوص حق الله نجد هناك حالتين:

1 ـ التعبدات الدينية التي هي من حق الله لعدم جواز اختيار العبد فيها بسبب عدم معقولية المعنى. حيث أن المعنى هنا موقوف الاعتبار لا يجوز تجاوزه أو اجراء القياس عليه.

2 ـ المصالح البشرية المقررة من قبل الله في إلزام الناس على الامتثال لها من غير خيرة لهم في ذلك. فسواء التعبدات او المصالح البشرية التي لا خيرة للناس فيها؛ كلها تعد بنظر الاصوليين راجعة الى حق الله. أما حق العبد فينحصر فقط في المصالح التي أُجيز له فيها الاختيار. فمثلاً ان ديون الافراد بعضهم لبعض يعد من حقوق العباد، اذ يجوز لهم اسقاطه والتنازل عنه، بينما الجهاد وعقود الربا والغرر هي من حقوق الله ولا اختيار للعباد فيها رغم انها تتعلق بمصالحهم العامة.

على هذا يصبح تعريف حق الله ـ كما يذكر الشاطبي ـ بانه عبارة عن كل ((ما فُهم من الشرع انه لا خيرة فيه للمكلف، كان له معنى معقول او غير معقول)). أما حق العبد فهو ((ما كان راجعاً الى مصالحه في الدنيا)) 2 2 .

على ان عيب التقسيم الآنف الذكر ليس من حيث ما تضمنه في الفصل بين ما هو عائد الى أمر الله وما هو عائد الى اختيار البشر، وانما الى مبرراته التي غلفته. ذلك ان إلحاق الحقوق البشرية التي لا خيرة للناس فيها وجمعها مع التعبدات ضمن دائرة حق الله؛ وإن كان صحيحاً بحسب موجبات التقسيم ومبرراته، الا أن خطأه يكمن في شكلية التقسيم، وذلك بنكرانه لأي حق من حقوق البشر في مصالحهم مطلقاً، سواء كان لهم في ذلك خيرة أو بلا خيرة، مما يتسق مع نظرية الحسن والقبح الشرعيين التي ادلى بها الاشاعرة، اذ لا اعتبار للمصلحة الا من حيث جعلها الله مصلحة لما يملكه من الحق المطلق. الأمر الذي يتساوى فيه التعبد مع المصالح البشرية بلا ادنى فرق، فكلاهما يصبحان من التعبدات المقررة من قبل الله وحقه المطلق، وبه ينتفي التقسيم من اساسه، اذ لا يكون احدهما قسيماً للآخر وانما قسماً له وفرعاً عليه. وقد اكد الشاطبي هذا التصور، فهو يدرك ان الحقين المفترضين في التقسيم انما عبارة عن حق واحد هو حق الله ((لأن ما هو حق للعبد انما ثبت كونه حقاً له باثبات الشرع ذلك له، لا بكونه مستحقاً لذلك بحكم الاصل.. فأما ما هو لله صرفاً فلا مقال فيه للعبد، وأما ما هو للعبد فللعبد فيه الاختيار من حيث جعل الله له ذلك، لا من جهة انه مستقل بالاختيار)) 3 2 .

هكذا طبقاً لهذا النظر تكون المصالح الانسانية مجرد تعبديات ليس للعقل فيها حكم ولا دخالة، بل المصلحة مصلحة بفعل اعتبار الشارع لا غير؛ على ما أشار الى ذلك الشاطبي بنفسه 4 2 .

ودفعاً للاشكال الذي يرد على هذه النظرية التي تسقط العقل من الاعتبار وتتنكر للحقوق الانسانية لتردها الى حقوق الهية مطلقة... فإنا نميز بين الحقين الالهي والانساني لا بحسب مبدأ الاختيار كما في الطريقة السابقة، وانما بحسب كل وما يناسبه من المرتبة الوجودية. فالحق الالهي لا يتعدى التعبد الذي طالبنا به الباري تعالى لما منّ علينا من النعم الوافرة. أما الحق الانساني فينحصر في الطلب الذي فيه يحقق مصالحه الحقيقية المدركة بالعقل والمعنى، سواء كان مصدر ادراكها الشرع او العقل او الواقع. فالتقابل بين الحقين هو تقابل بين ما يبرز فيه الاثر الحياتي الدنيوي بمعناه الايجابي من جلب المصالح المعتبرة ودرء المفاسد وتقويم الحياة الانسانية الفردية منها والاجتماعية تقويماً صالحاً وسليماً، وبين ما يبرز فيه الاثر الغيبي الاخروي وحق الطاعة من حيث انه حق الله باعتباره الاله الخالق المنعم. لكن يلاحظ حول ذلك الامور التالية:

1 ـ ان ما يقصد بحق الله انما هو حق طاعته وعبادته كما شاء ان يختار من غير حق للسؤال والاستشكال: { ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون} الانبياء/3 2 . أما ما يراد بحق العبد فهو عبارة عن نفس تحقيق مصالحه وتسديد حاجاته التي تتناسب مع رتبة وجوده في الخلق. وبالتالي فان التقابل بين ما يسمى حق الله وحق الانسان هو ذاته التقابل المعبر عنه بحق الطاعة والمصلحة. ونحن انما نريد بالمصلحة هنا هي مصلحته في الدنيا، باعتبار ان المصلحة الاخروية مقررة وثابتة بفعل الامتثال بالحقين، اي حق الطاعة والمصلحة. وبعبارة اخرى انه اذا كانت المصلحة الدنيوية تعد قسيمة لحق الطاعة كما اوضحنا، فان الحال مع المصلحة الاخروية شيء يختلف، باعتبارها تصبح محصلة نتاج الامتثال لكلا القسمين؛ حق الطاعة والمصلحة الدنيوية.

2 ـ اذا كنا قد اعتبرنا المصلحة من الحقوق التي تعود الى الانسان، فلا يعني ذلك ان مطلق المصالح التي يتنعم بها الانسان هي من حقه في قبال حق الله، ذلك ان أغلب المصالح الانسانية إنما هي نِعم تكميلية من قبل الله تعالى شاء ان يمن بها على الانسان. لكن حيث ان فائدتها تعود الى الانسان فقد اعتبرناها من حقه بنحو من المجاز تمييزاً لما هو عائد الى الله تعالى وحده، وهو التعبد أو حق الطاعة.

3 ـ ان التقسيم الانف الذكر منهجي ونسبي، اي قد يكون في الحكم الواحد ما يرجع في بعض جوانبه الى حق الطاعة، وفي الجانب الآخر الى المصلحة. وعليه قد يطغى احياناً حق الطاعة على المصلحة او العكس، تبعاً للاعتبارات النسبية، واكبر شاهد على ذلك الصلاة، فهي عبادة وحق لله مفروغ عنه، لكنها من جانب اخر غير معزولة عن تحقيق الكثير من المصالح المعتبرة في تقويم حياة الانسان وسلوكه وما تبعثه من حس للنهي عن الفحشاء والمنكر الذي يساهم في اصلاح المجتمع، كما في قوله تعالى: {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر} العنكبوت/5 4 ، وورد في الحديث قول النبي (ص): ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزد من الله الا بعداً)). الامر الذي يجعل من الصلاة ليست مجرد عبادة صرفة، وانما تهدف كذلك الى تحقيق المصالح التي يتطلع اليها الانسان. والحال ذاته ينطبق على العبادات الاخرى مثل الزكاة والجهاد والحج والصيام، رغم ان بعضها يتجلى فيه الجانب المصلحي ويطغى مقارنة بالتعبد، كما هو الحال مع الزكاة والجهاد.

وعليه فالعلاقة بين الحقين ليست علاقة تنافر وتضاد، طالما ان بينهما مداخلة نسبية تجعل احدهما يدخل بنسبة ما في الاخر. فمصلحة الانسان هي ايضاً حق يريده الله تعالى ويأمر به. أي أنها من هذه الناحية تدخل ضمن اعتبار حق الطاعة، وإن كانت في حد ذاتها مطلباً انسانياً. وكذا بخصوص حق الطاعة الذي به تتحقق الفائدة في تقويم الانسان واصلاحه في الدنيا. الامر الذي يجعل للاحكام الشرعية وجهين، احدهما عبادي والاخر حضاري. فحيث انها دالة على امر الله ومولويته ووجوب طاعته والامتثال لاوامره فانها تكون من هذه الحيثية عبادية. لكن حيث ان غرضها مصلحة الانسان وتسديد حاجاته لنيل الكمال وسعادة الدنيا - ناهيك عن الاخرة - فانها تكون حضارية.

والملاحظ ان النصوص الاسلامية تارة تؤكد على الحيثية الاولى، واخرى على الثانية، وثالثة تجمع بين الحيثيتين. ففي قول المولى عز وجل: {إن الحكم الا لله أمر ألا تعبدوا الا إياه} يوسف/0 4 ؛ له دلالة على الحيثية الاولى. أما في قوله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } النحل/7 9 ؛ فان له دلالة على الحيثية الثانية. بينما في قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الشورى/3 1 ، وقوله: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}الكهف/1 1 ؛ نجد الدلالة على الجمع بين الحيثيتين الانفتي الذكر.

4 ـ ان التقسيم الذي اقمناه يعكس صورة التعاكس المنهجي في السير المعرفي لفهم قضايا الاسلام، وذلك إن كانت المعرفة تصاغ برسغ نازل من اعلى الى اسفل، او العكس. فالنهج الاول يعول على حل فهم قضايا الاسلام والواقع من خلال النص باعتباره ظل الوحي. بينما النهج الاخر ينطلق من الواقع، ويرى فيه امكانية لفهم النص وقضايا الاسلام ومن ثم حل الاشكاليات العالقة بهما. فكما يلاحظ ان اعتبارات التقسيم طبقاً للنظرية التقليدية هو تعويلها على النهج الاول بجعل النص هو المحدد المطلق لمجالات حقوق الله والعباد طبقاً لمبدأ جواز الاختيار وعدمه القاضي بالنهج النزولي من النص الى الواقع، او تنزيل النص على الواقع فهماً وتطبيقاً، مما يتسق مع نظرية الاشاعرة في التحسين والتقبيح كما علمنا. بينما في التقسيم الذي اثرناه يكون الواقع الذي يطلعنا على مصالح الانسان - بغض النظر عن اشارات النص - ركناً اساساً في المنهجة، حيث انطلاق الحركة الادراكية هي في الاساس من تحت الى فوق، اي من الواقع الى النص. مع ما يلاحظ ان حالات الصعود والنزول كلاهما ضروري دون ان يُتخذ من ذلك قالب مذهبي جامد، لكن الحسم الاساس انما يعود الى طبيعة ما يراه المنهجان المتعاكسان. وهما في الحقيقة يفضيان الى نتائج متخالفة.

لكن لو غضضنا الطرف عن الحسم الأساس لأي من المنهجين وما يفضيان اليه من نتائج متغايرة؛ نلاحظ أننا إزاء عمليتين احداهما تكمل الأخرى، هما ما نطلق عليه مقولتي ((تديين الواقع)) و((توقيع الدين)). حيث يراد بالاولى أنها عبارة عن اضفاء صبغة الدين على الواقع، أو انزال طبق الغيب على عالم الشهادة. أما الثانية فهي على العكس عبارة عن اضفاء صبغة الواقع على الدين، وذلك بتصعيد لوح عالم الشهادة الى فوق وجعل الواقع يتحول الى نوع من الديانة؛ فينشأ لدينا ما نصطلح عليه ((ديانة الواقع)). والعمليتان مطلوبتان، فالاولى تريد ان تجعل من الدين واقعاً، بينما تريد الثانية ان تجعل من الواقع ديناً، والمصالحة بينهما لا تتم الا عبر جدل التنزيل والتصعيد.. أي تنزيل طبق الغيب والدين من جهة، وتصعيد لوح عالم الشهادة والواقع من جهة اخرى.

عود على بدء

على ضوء ما سبق تنقسم مقاصد الشريعة الى نوعين يتعاكسان منهجاً، لكنهما يؤطران السلوك التكليفي للانسان بتمامه؛ احدهما مقاصد الطاعة المعبر عنها بحق الله، والاخر مقاصد المصلحة المعبر عنها بحق العبد او الانسان. وتبعاً لما سلف ينبغي أن يتخذ منهج حق الله السلوك النزولي من النص الى الواقع، اذ لا يدرك هذا الحق الا بوحي من النص. في حين يتخذ المنهج الآخر - وهو منهج المصلحة - السلوك المعاكس في الاساس بالصعود من الواقع الى النص، حيث يراعى دراسة الواقع ويقرر على ضوئها ما يتفق وحاجة الانسان. وقد دلّ الذكر الحكيم باشارات الى كلا النوعين من المقاصد، ومن ذلك دلالة آيتين هامتين تكشفان عن بعض ما يتضمنه النوعان. فقد جاء في احداهما قوله تعالى: { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون }، وكذا ما ورد عن النبي (ص) قوله: ((حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) 5 2 . وبه يعلم ان الله تعالى استهدف حق الطاعة كمقصد من مقاصد الشرع والخلق معاً. أما في الآية الأخرى فقد جاء قوله تعالى: {لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} الحديد/5 2 ، ويسنده ما ورد عن النبي (ص) قوله: ((انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق))، وقوله ايضاً ((انما الدين المعاملة)). ويعلم من ذلك ان المصالح الحقوقية هي من المقاصد الاساسية التي نصّت عليها الشريعة وراعتها بالاعتبار. وبالتالي فان حق الطاعة والمصلحة كلاهما يعدان مقصدين اساسيين نصّت عليهما الشريعة بالاقرار والتوكيد.

على ان العلاقة بين المقصدين هي علاقة تكاملية لا يستغني احدهما عن الاخر، لا كما كرسته نظرية الاشاعرة في رد المصلحة الى حق الطاعة، ولا كما آلت اليه نظريات الغربيين بنفي هذا الحق الاخير ونكرانه. ذلك ان إلغاء المصلحة لا يتسق مع ما عليه مجريات أمور الحياة وسنن الوجود. كذلك ان قطع الصلة بحق الطاعة يجعل من الحياة عبئاً ثقيلاً، لكونه يفضي الى الانقطاع عن عالم الغيب وامداداته الروحية. الأمر الذي يشكل خطورة على مصالح الانسان - وهو الحبل الاخر من المقاصد - وما يترتب عليه من الحرمان لتحقيق حد الاشباع للمقاصد الغائية السالفة الذكر. لهذا نجد الاحكام الشرعية تجامع وتداخل بين المقصدين، اذا ما استثنينا عدداً قليلاً من الاحكام التعبدية المحضة التي لا يدرك معنى المصلحة فيها كلياً.

لكن مع أن المقصدين احدهما يكمل الاخر، الا انه قد يتزاحمان عند مورد الامتثال للاحكام، فيكون احدهما معارضاً للاخر. الأمر الذي يتطلب الاجابة عن ايهما ارجح عند التعارض في النظر الشرعي، فهل ان واضع التشريع رجح كفة الحق الالهي على الانساني، ام العكس هو الصحيح؟ وهل ان الشريعة قدمت البعد العبادي على الحضاري، ام الحضاري على العبادي؟

مع ان من الصحيح في الوقت نفسه ان يقال ان التعارض المذكور هو في حد ذاته يعبر عن تعارض بين افراد البعد الواحد، سواء كان عبادياً او حضارياً، وذلك طالما ان كل حكم ينطوي على الجمع والمداخلة بين البعدين. فلو تعارض الحكمان لنشأ التزاحم والمعارضة بين افراد البعد الواحد فضلاً عن البعدين. لكن مع هذا ان الغالب من البعدين في احد الحكمين المتزاحمين هو غير الاخر، لذا يظل السؤال وارداً حول أيهما نأخذ وأيهما ندع؟

وبدون شك ان الاجابة المبدئية عن السؤال المطروح لا تتحد الا بمعرفة اي منهما اهم من الاخر؟ لهذا يصح ان ينقلب السؤال المذكور الى صيغة اخرى مباشرة كالآتي:

هل خُلق الانسان لأجل العبادة بتوفية حق الطاعة، او شُرعت العبادة لأجل الانسان؟ وهل البشر في خدمة الوحي، ام العكس هو الصحيح؟ فهنا نلحظ ان العلاقة بينهما تحولت الى رابطة الوسيلة بالغاية، وحيث ان الغاية اهم من الوسيلة، لذلك فانها تتقدم عليها عند زحمة التعارضات، وطبقاً للقاعدة الاصولية فانه ((يُغتفر في الوسائل ما لا يُغتفر في المقاصد)) 6 2 .

لكن من منهما الغاية ومن الوسيلة، خاصة انهما يندكان معاً في اغلب الاحكام؟

للاجابة على ذلك لا بد من مراعاة النقاط الاتية:

1 ـ يلاحظ ان اغلب الاحكام تصطبغ بالصبغة الحضارية، فيما تنحسر الاحكام العبادية بعدد قليل. فمن ذلك حرمة الاعتداء والكذب والغيبة والنفاق والحاق الضرر بالنفس والاخرين، ومكافحة الظلم وبسط العدل وفرض الزكاة وقمع الاجرام والقصاص وشرط العدل في الحاكم والقاضي والشهادة وسد الذرائع الى الفساد وضمان الضرر الملحق بالغير وحماية الحقوق ووجوب التراضي في العقود ومسؤولية الانسان على فعله وتحريم الربا والقمار وبيع الغرر... الخ. وقد جعل الفقهاء - بهذا الصدد - جملة من نصوص الشارع كقواعد فقهية ثابتة، منها: (انما الاعمال بالنيات)، (على اليد ما اخذت حتى تؤديه)، (الولد للفراش)، (ان الله وضع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، (المسلمون على شروطهم)، (القاتل لا يرث)، (لا يقضي القاضي وهو غضبان)، (لا ضرر ولا ضرار).. وغير ذلك مما يدخل في سلامة امر العباد وتحقيق مصالحهم. يضاف الى وجود قواعد فقهية اخرى استخلصها الفقهاء من وحي الشريعة والتي منها قاعدة: العادة محكّمة، دليل الشيء في الامور الباطنة يقوم مقامه، الحاجة تنزل منزلة الضرورة، المشقة توجب التخفيف، دفع الضررالاعظم عند التعارض واجب، الشرط خلاف ما يقتضيه العقد مبطل له، الامور بمقاصدها والتي يتفرع عنها قاعدة: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للالفاظ والمباني... الخ 7 2 .

2 ـ كما يلاحظ ان اغلب المقاصد العامة للشريعة هي مقاصد حضارية، بما في ذلك المقاصد الضرورية والغائية. حيث باستثناء التعبد تجد سائر المقاصد الأخرى كلها تتضمن عنوان المصلحة. وهي بحسب المنهجة التي وضعناها - على ما سبق - لا تدخل ضمن دائرة مقصد حق الطاعة.

3 ـ ليكن في معلومنا ان الجانب العبادي من الدين يرتهن فعله بشروط حضارية أو مصلحية؛ لولاها ما صحّ التعبد ولا قام. فمثلاً إن الصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات تسقط او تخفف عندما لا تكون هناك استطاعة او يحصل منها الحرج والعسر الشديد. الأمر الذي يجعل من تلك الشروط مقدمة وحاكمة على غيرها من التعبديات، كما يشار الى ذلك بقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) التي هي حاكمة على سائر الأحكام الأخرى. أي أن الضرر لا يجتمع مع العمل بالعبادة فترجح مصلحة دفعه على بقية الأحكام، وقد جاء في قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج/8 7 ، واشتهر على الالسن مقولة ((مراعاة الابدان خير من مراعاة الاديان)) 8 2 . واذا أضفنا الى ذلك ما سبق أن توصلنا اليه من شرعية تقديم المصلحة على سائر الاحكام المعارضة كما نبّه عليه الطوفي؛ فانه لا يبقى شك في اعتبار المصلحة هي الغاية والأهم من حيث النظر الشرعي مقارنة مع حق الطاعة 9 2 .

4 ـ لكن قد يقال ان حق الطاعة مرجح على المصلحة بدلالة ان الشرع اجاز ان يغفر للعبد كل ذنب كما في قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً} الزمر/3 5 ، واستثنى من ذلك الشرك كما في قوله تعالى: { إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء/8 4 و6 1 1 . بمعنى انه الزم العبد بالايمان بالتوحيد الزاماً يفوق غيره من الواجبات والمصالح.

والجواب هو ان الإيمان بالتوحيد لا يدخل ضمن دائرة حق الطاعة، ذلك لأن هذا الحق ليس له من مبرر إلا الإيمان بالتوحيد ذاته، لذا فلو دخل الأول في الثاني لحصل الدور. يضاف الى ان من غير المعقول أن تتعارض المصلحة مع الايمان بالتوحيد لينشأ من ذلك الترجيح. ناهيك عن ان هذا الايمان هو من العوامل الهامة التي تساهم في تحقيق مصالح الانسان؛ كتحريره وتخليقه وتوحيده وتعقيله وتكميله 0 3 . فضلاً عن ان النظر الى الايات التي تتوعد لمرتكبي جرائم القتل والفساد في الارض مما لها علاقة مباشرة بمصلحة الانسان لا تقل صرامة عما توعدت به الاية السالفة عن الشرك.

هكذا نخلص انه من زاوية نظر الشرع تعد المصلحة اهم وارجح من حق الطاعة. وهي نتيجة تخالف ما استقرت عليه الطريقة التقليدية، الامر الذي جعلها لا تبدي اهتماماً بدراسة الواقع ومعالجة حاجاته ومتطلباته. فليست هناك اشكالية صريحة للواقع في الفقه واصوله، بل ان الامر يغيب حتى في علم الكلام الذي نعلم مدى تأثيره على الدراسات الفقهية والاصولية. اذ كان اهتمام العلماء لا يتجاوز في الغالب حدود منهج حق الطاعة. الأمر الذي يفسره استغراقهم العميق في البحث عن الشكليات الحرفية للنص وما يترتب عنها من اجتهادات لا علاقة لها بمساهمة الواقع؛ الا عند الضرورة وضغط الحاجة.

هذا هو مسلك الفقهاء في دفاعهم عن الصور الحرفية للنص. وكذا هو حال التفكير السلفي طبقاً لمقولة ((انما امرنا ان نأخذ العلم من فوق))، ومثلها مقولة الاشاعرة الخاصة بالحسن والقبح الشرعيين التي عززت القطيعة مع الواقع، بل الحال ينطبق حتى على الدوائر الاخرى التي عولت على القاعدة العقلية للحسن والقبح، حيث لم تستثمر ذلك في الكشف عن الابعاد الواقعية للحاجات الانسانية، إنما وظفتها للأغراض الكلامية المعنية باثبات التكليف ووجود الله وصفاته وما اليها. أما في الفقه فتكاد أن تكون هذه القاعدة عاطلة في قبال عمليات الاستثمار الموغلة في النص. وهو امر يكشف عن ان سلوك الطريقة التقليدية هو على خلاف ما استهدفته الشريعة من مراعاة المصلحة وتحقيق مقاصدها وغاياتها.

تقسيمات اخرى للمقاصد

مثلما سبق ان قسمنا المقاصد الى نوعين يؤطران سلوك التكليف الانساني هما مقاصد حق الطاعة والمصلحة؛ فانه يمكن كذلك اجراء تقسيمات اخرى عليها، فتقسم مثلاً الى مقاصد وسيلية وغائية وكذلك شرطية ضرورية، مع اخذ اعتبار ما يكون بينها من حدود نسبية. فالاولى تعد من جانب غاية لبعض الاحكام، لكنها من جانب آخر تعتبر وسيلة لغاية أخرى، وهذه الاخيرة قد تكون بدورها شرطاً ضرورياً لتحقق غرض ثالث يتمثل بما سبق ان اطلقنا عليه المقاصد الغائية التي هي غاية التشريع قاطبة. فمثلاً ان القصد من احكام الحدود هو الردع، وهذا الغرض ليس في حد ذاته مقصداً غائياً، بل انه وسيلة لتحقيق مقصد آخر يشكل الغاية من الحدود، وهو حماية المجتمع وسلامته. لكن هذا الاخير بدوره يعتبر شرطاً ضرورياً لغاية أخرى بدونه يختل تحقيقها، وهي المسماة المقاصد الغائية.

ومن التقسيمات الاخرى للمقاصد هو انها إما ان تكون خاصة أو عامة. فالأُولى تختص بعدد محدود من الابواب والاحكام بخلاف الثانية التي تتشعب لتطل على عدد كبير منها، مثل مقصد العدل المعد من المقاصد الحقوقية. لذلك تندرج المقاصد الخاصة ضمن مقاصد الوسيلة لتحقيق الاغراض العامة. فمثلاً ان القصد من وجوب الضعفية في شهادة المرأة مقارنة مع الرجل هو للتثبت من الشهادة، وهو مقصد خاص كوسيلة لتحقيق المقصد العام المتمثل بالحكم بالعدل.

الهوامش

1 الجويني: البرهان في اصول الفقه، وما بعدها، حققه وقدمه ووضع فهارسه عبد العظيم الديب، مطابع الدوحة الحديثة، ط1 ، 9 9 3 1 هـ، ج2 ، ص3 2 9 .

2 المستصفى، ج1 ص7 8 2 .

3 الاحكام، ج3 ، ص0 4 2 .

4 الموافقات، ج1 ، ص3 8 و ج2 ، ص6 1 .

5 ارشاد الفحول، ص6 1 2 . وبدائع السلك في طبائع الملك، ج1 ، ص4 9 1 ـ5 9 1 .

6 يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الاسلامية، نشر المعهد العالمي للفكر الاسلامي، اميريكا، ط1 ، 2 1 4 1 هـ ـ 1 9 9 1 م، ص1 6 1 .

7 تاريخ المذاهب الاسلامية، ص9 0 3 .

8 تاريخ المذاهب الاسلامية، ص9 0 3 .

9 تاريخ المذاهب الاسلامية، ص8 0 3 و2 1 3 .

0 1 تاريخ المذاهب الاسلامية، ص9 0 3 .

1 1 عبد الوهاب خلاف: علم اصول الفقه، دار القلم، الكويت، ط1 1 ، 7 9 3 1 هـ ـ7 7 9 1 م.ص0 0 2 ـ1 0 2 . كذلك: المستصفى، ج1 ص7 8 2 .

2 1 الموافقات، ج2 ، ص7 1 ـ8 1 . وعلم اصول الفقه، ص3 0 2 .

3 1 الموافقات، ج2 ، ص1 1 ـ2 1 . وعلم اصول، ص2 0 2 ـ4 0 2 . ومصادر التشريع في ما لا نص فيه، ص7 5 ـ9 5 .

4 1 علم اصول الفقه، ص4 0 2 ـ5 0 2 .

5 1 الموافقات، ج2 ، ص6 1 ـ7 1 .

6 1 حاشية الموافقات، ج 2 ، ص9 .

7 1 العنكبوت/5 4 .

8 1 لهذا نرى المحقق القمي من الامامية يعتبر المقاصد الخمسة للضرورات هي من أحكام العقل الخالية من المفسدة لذلك صانها الشارع الإسلامي (عن: الأصول العامة للفقه المقارن، ص3 0 4 ).

9 1 الموافقات، ج2 ، ص5 1 3 .

0 2 حاشية الموافقات، ج2 ، ص0 1 .

1 2 الموافقات، ج2 ، ص9 9 2 .

2 2 انظر: الموافقات، ج2 ، ص8 1 3 ـ9 1 3 . كذلك: ابن الحسين المكي: تهذيب الفروق، وهو مطبوع في هامش كتاب الفروق للقرافي، نشر عالم الكتب، بيروت، ج1 ، ص7 5 1 . وعلم اصول الفقه، ص0 1 2 وما بعدها. ومحمد جواد مغنية: حق الله وحق العبد، رسالة الاسلام، نشر الاستانة الرضوية، مشهد، 1 1 4 1 هـ ـ1 9 9 1 م، ج8 ، ص3 5 3 ـ5 5 3 .

3 2 الموافقات، ج2 ، ص7 7 3 ـ8 7 3 .

4 2 المصدر، ج2 ، ص5 1 3 .

5 2 تهذيب الفروق، ج1 ، ص7 5 1 .

6 2 السيوطي: الاشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، دار احياء الكتب العربية، ص5 7 1 .

7 2 الموافقات، ج2 ، ص5 0 3 ـ6 0 3 . والفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، ج1 ، ص3 6 1 ـ5 6 1 ، وج2 ، ص0 6 9 وما بعدها. والسيوري الحلي: نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية، تحقيق عبد اللطيف الكوهكمري، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 3 0 4 1 هـ، ص4 7 و5 1 1 وما بعدها.

8 2 حق الله وحق العبد، مصدر سابق، ص4 5 3 .

9 2 يؤيد هذا المعنى جملة مما روي عن النبي (ص)، منها قوله: ((هل أدلكم على افضل من درجة الصلاة والصوم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)).

0 3 هناك من يربط بين الشرك وبين التخلف الذي ساد زمناً طويلاً دون استغلال الطبيعة علمياً مما يجعل طريقة القضاء على الشرك منطقية بهذا الاعتبار. فالمؤرخ ارنولد توينبي يقول بان طاقات الطبيعة كانت موجودة دائماً على سطح الارض، ولكن لم يتم تسخيرها الا في الفترة الاخيرة. وهو يرى ان العقبة الكبرى في سبيل تسخير طاقات الطبيعة كانت عقيدة الشرك الذي ساد العقل البشري لزمن طويل والذي حوّل طاقات الطبيعة الى آلهة، حيث كان المشركون يقدسون ويعبدون هذه الطاقات بدلاً من تسخيرها. اما عقيدة التوحيد فهي التي جعلت الانسان ينظر الى هذه الطاقات بأنها مخلوقات مثله ومن ثم بدأ يفكر في تسخيرها (انظر: وحيد الدين خان: وجوب تطبيق الشريعة الاسلامية، ضمن القسم الثامن من كتاب: وجوب تطبيق الشريعة الاسلامية والشبهات التي تثار حول تطبيقها، نشر جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، الرياض، 4 0 4 1 هـ ـ4 8 9 1 م، ص1 0 3 ).

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار