البعد الحضاري وفهم النص


يحيى محمد

على الرغم من ان التشريع أساساً مصدره خطاب علوي متنزل من سماء التجرد والاطلاق الى عالم الطبيعة والتجدد؛ إلا انه مع ذلك لا يتعالى على الواقع ولا يصادره ويسلب حقيقته المتغيرة. ولعلّ اولى النكات التي يمكن ملاحظتها هو ان الخطاب الالهي قد نزل منجماً في ظروف خاصة هي ظروف شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت. فمحدودية هذه الظروف لم تمنع الخطاب من ان يتنزّل بلغة وهيئة لا تخرج عن الطبع العام للمجتمع العربي البدوي، حتى اقرّ الكثير من الأعراف والعادات والاحكام والشعائر التي كانت تمارس آنذاك، وقام بتهذيب بعضها. وهي بحسب ما ذكرته المصادر الاسلامية ــ وبغض النظر عما يمكن ان يناقش في بعضها ــ: مثل شعيرة الحج والعمرة وكسوة الكعبة، وتحريم القتال في الاشهر الحرم، وغسل الجنابة، وغسل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم، والمداومة على طهارات الفطرة العشر ( 1)، وقطع يد السارق، واشتراط الكفاءة بالخطوبة او الزواج ( 2)، والطلاق والظهار( 3)، وصوم عاشوراء قبل أن يفرض صـيام شـهر رمـضان ( 4)، والاجتماع يـوم العـروبة - الجـمعة - للـوعظ والتـذكير، والــدية ( 5)، والقراض او المضاربة ( 6)، والـعاقلـة ( 7)، والـقسامة ( 8)، والـقـصاص، والـشـورى، والـحـدود الخاصة بالزنا وشرب الخمر، والعديد من العقود العقلائية. يضاف الى بعض الانظمة التي هذبها الاسلام بشيء من التغيير مثل نظام الخمس في الغنائم بعد ما كان نظام التربيع فيها ( 9). فضلاً عما استبقاه الاسلام من بعض الانظمة التي كانت مألوفة لدى المجتمعات العالمية آنذاك، مثل نظام الرق والجزية التي كانت مقررة لدى بني اسرائيل واليونان والرومان والبيزنطيين والفرس ( 0 1).

إن هذا العرض الخاطف لما استبقاه الإسلام من أحكام وأعراف يثير في نفوسنا تساؤلاً عن معرفة طبيعة العقلية العربية التي خصّها الخطاب الإلهي وجعلها موضع المخاطب المعني. فهل هي عقلية بدوية أم متحضّرة؟

لقد كان من المسلمات التي ثبتها ابن خلدون في تعليله لعلة تأخر العرب عن العجم هو ان عرب الجاهلية كانوا (بدواً) لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين باعتبار ان العلوم من جملة الصنائع التي هي منتحل الحضر ( 1 1). فمن المسلم به ان العلماء في مختلف المعارف كانوا من الموالي باستثناء القليل، وهو ما يوضحه القول المشهور عن عبد الملك بن مروان اذ يقارن بين العرب والفرس قائلاً: (( ما رأيت كهذا الحي من الفرس، ملكوا من أول الدهر فلم يحتاجوا الينا، وملكناهم فما إستغنينا عنهم ساعة)) ( 2 1). الأمر الذي يوحي الى ان العرب ليست لديهم العقلية الحضارية التي تمتاز بالإنتاج والإبداع، بخلاف غيرهم من الموالي.

وفي الوقت الحاضر انقسم المفكرون بين مردد لوجهة النظر التي ثبّتها ابن خلدون، وبين معترض عليها؛ معتبراً ان العرب كانوا في قمة التحضر والمدنية؛ مستشهداً بآيات التحدي القرآنية التي يُفترض انها تتضمن الايحاء بأن يكون للعرب عقل رشيد يصح معه التحدي ذاته، ومستشهداً كذلك بالأعراف والاحكام الشرعية السائدة في ذلك الوقت والتي أقرها الاسلام ولا زال بعضها حياً حتى يومنا هذا.

والواقع ان كلا الموقفين يمكن ان يكون صادقاً بدلالة القرآن الكريم، حيث يفرق بين الاعراب وغيرهم، أي بين البدو والحضر؛ الأمر الذي يجعل من العرب آنذاك منقسمة على ذاتها بين عقليتين؛ عقلية بدوية تمتاز بالجهل والعصبية، وعقلية حضرية حُليتها المعرفة والرشد، دون ان يعني ذلك ان بينهما حدوداً قاطعة. ومع هذا فان ما يعنينا فعلاً هو مركز عناية الخطاب الإلهي، فهل كان هذا الخطاب يفيض عناية بالعقلية البدوية ذات الجهل والعصبية، ام كان توجهه يدور نحو العقلية الحضرية المتنورة؟

لعل من الواضح ان قطب الرحى من عناية الخطاب انما هو هذه الأخيرة، لا الأولى التي ظلت هامشية لما تمثله من جنبة مريضة داخل جسد المجتمع العربي آنذاك.

***

من جانب آخر إن ما سبق من عرض خاطف لما استصحبه الإسلام من أحكام وأعراف سابقة مع ما يلاحظ من الطريقة الخاصة للخطاب في العمل بتغيير الاحكام؛ سواء بالتدرج او النسأ او النسخ او غيرها؛ كل ذلك يؤكد حقيقة عدم تعالي الخطاب عن الواقع الذي نزل فيه، وهو واقع المجتمع العربي وظروفه الخاصة المحددة بأُطر الزمان والمكان. فمع ان للخطاب علامات ومؤشرات عديدة تؤكد انه جاء للناس كافة، وان فيه حقائق علمية مذهلة ظلت خافية حتى انكشف امرها في العصر الحديث، وانه يحمل رسالة عظمى فيها من الهدى والاحكام الشمولية والمقاصد الكلية ما يجعله مناسباً لكل زمان ومكان.. الا ان الخطاب رغم كل هذا لم يسلك طريق التحرر من ظروف ذلك الواقع، كذلك انه لم يُقيّد نفسه بقيود مطبقة فيه، بل سعى لإقامة الجدل بين هذا وذاك. وتأييداً للمعنى الآنف الذكر فقد كان الشاطبي يعتبر الشريعة الاسلامية ((أمية لم تخرج عما ألفته العرب)) لكونهم أميين أيضاً وذلك جرياً للمصلحة، مستدلاً على ذلك بما ذكره من وجود نصوص متواترة اللفظ والمعنى، كقوله تعالى: ((هو الذي بعث في الأُميين رسولاً منهم))، وقوله: ((فآمنوا بالله ورسوله النبي الأُمي الذي يؤمن بالله وكلماته))، وفي الحديث جاء قول النبي (ص): (بُعثت الى أُمة أُمية)، مؤكداً بأن العرب لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين ناكراً ما أقدم عليه الكثير من الناس في اضافة علوم المتقدمين والمتأخرين الى القرآن كعلوم الطبيعيات والرياضيات والمنطق وعلم الحروف وما اليها. لكن الشاطبي رغم ذلك لا ينفي المعرفة الخاصة بالعرب بما يجعلهم متحضرين بخصوص كل من الحكمة والوعظ والجدل، كما انه لا ينفي شمولية الشريعة وقابليتها للامتداد متخطية بذلك الظروف الخاصة والزمان ( 3 1). وكذا هو رأي العالم الهندي الشاه ولي الله دهلوي الذي أقر بان طريقة الانبياء لا تعمل على تطبيق الاحكام والشريعة الا من خلال اخذ اعتبارات الظروف والعادات التي عليها الامة المختارة للتطبيق، حيث لا يمكن تطبيق ذلك بدون اخذ اعتبار تلك الظروف، كما لا يمكن ان تترك شعوب هذه الامم تصنع لنفسها قواعدها الخاصة للسلوك ( 4 1). بل ان هذا المعنى يلزم عما ذهب اليه الكثير من العلماء كابن خلدون الذي اعتبر ((القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه، وكان ينزل جملاً جملاً وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع)) ( 5 1).

بالفعل ان الخطاب في بيانه المباشر لم يقصد في الافهام إلا ذلك المجتمع في طوره الحضاري الخاص، بكل ما يحمل من مقومات وملابسات خصوصية غالباً ما لا تشترك فيها سائر المجتمعات الأخرى، سواء تلك التي سادت وقت عصر الخطاب ذاته، او تلك التي تبعته حتى يومنا هذا. لهذا اعتقد المتأخرون من الاصوليين ان الخطاب موجّه اساساً لإفهام الحاضرين لا الغائبين والمعدومين، طالما انه موضوع على مستوى المشافهة. فأحكام الكتاب عبارة عن نصوص مشافهة تخص الموجودين؛ نحو: ((يا أيها الناس))، ((يا أيها الذين آمنوا))... الخ. ذلك أن العموم الوارد في هذه النصوص لا يشمل بصيغته من تأخر عن زمن الخطاب، كما هو رأي الامامية واكثر أهل السنة، انما تلقى الحجة على الباقين الغائبين بنصب الدلائل والامارات فيعرف ان حكمهم هو حكم الذين شافههم الرسول، بدليل الاجماع وبدليل الضرورة في اشتراك التكليف بين الكل ( 6 1)، او باعتبار العرف والعادة بأن الكل مشمول في الحكم ( 7 1).

بهذا نعلم انه اذا اعتبرنا أن مهمة الخطاب الأساسية هي إفهام الحاضرين؛ فلابد من أن نعتبر أيضاً ما تقتضيه هذه المهمة من مراعاة الخطاب لملابسات الظروف والاحوال الدائرة بالموجودين، حيث لا يمكن إنشاء الفعل الخاص بالإفهام من غير أخذ اعتبار تلك الخصوصية من الملابسات الظرفية.

مع ذلك نجد في حالات كثيرة أن النصوص الحرفية للخطاب تبدو كأنها نظام مغلق من المعنى تضيق عن أن يمتد اليها أي جديد معرفي، أو يضعها في حدود عالقة بالظروف الملابسة لعصر النص، فيتصورها المتصور ــ كما هو واضح لدى الطريقة التقليدية للنظام المعياري ــ أنها بحدودها الحرفية تنطبق وتحيط بكافة المجتمعات والاطوار الحضارية على مدى التاريخ (كالشمس اينما تذهب تجدها أمامك)، وهو أمر لم يقصده الخطاب، بل لا يمكن ان يفعل ذلك ابداً باعتباره يتضارب مباشرة مع حقيقة الواقع المتغير. رغم ذلك ندرك أننا لو كنا نعيش في ذلك الطور الحضاري الذي سادت فيه الطريقة التقليدية للنظام المعياري لكان من المتوقع ان لا نفهم من الخطاب أو نصوصه الحرفية الا هذا النظام المغلق، لكن دخولنا في طبيعة حضارية تختلف عن ذلك الطور من الحضارة أحالتنا الى فهم جديد لمتعلق الخطاب. فهناك حالة فهم متباين بين العهدين الحديث والقديم، الحديث وهو لا زال في طور التشكل البدائي، والقديم وهو بكامل ثقله وتمامه، والذي لا زالت سلطته تتحكم في عقولنا طولاً وعرضاً حتى يومنا هذا. أو قل ان التباين في الفهم بين ما يعمل الواقع على ابرازه من حقائق، وبين ما يبديه الخطاب من مظاهر حرفية اطلاقية أوهمت رجال الطريقة التقليدية فجعلتهم يتحركون ضمن دائرة الاغلاق. وهو تباين يكشف عن تنافس وجدل عالمين كلاهما لا يخرجان عن المشيئة الالهية، احدهما ما يطلق عليه بالكتاب التكويني المعبر عنه بخلق الله وسننه الكونية، والاخر ما يسمى بالكتاب التدويني المعبر عنه بأمر الله وحكمه. وإذا كنا نعلم ان منهج الطريقة التقليدية للنظام المعياري هو الاعتماد في الأساس على عالم التدوين والأمر وذلك ليفسر من خلاله عالم التكوين والخلق، طبقاً لمقولة: ((انما أُمرنا أن نأخذ العلم من فوق)) ( 8 1)؛ فان المنهج الجديد الذي لا زال في طور التشكل والبناء يسير سيراً معاكساً، حيث يجعل من كتاب الله التكويني هو الاساس في التفسير. مع ما لكل منهما من تأثر وتأثير في التغيير والتفسير، وهو ما نعنيه بالجدل بين الكتابين.

وربما كان من المفيد ان نأتي بعدد من الأمثلة التي تبرز اثر الواقع في تغيير فهم نصوص الخطاب، سواء على صعيد موارد الاعتقاد او موارد الاحكام، وذلك ليتبين لنا حجم الفارق بين فهمنا المعاصر والفهم القديم لهذه النصوص، وهو فارق يمكن ان يعكس التنافس والتضاد بين منهجين؛ أحدهما يستند الى الواقع، والاخر يعول على بيان النص وحرفيته كما هو حال طريقة النظام المعياري التقليدية التي أخذت تتشبث بمسلك التبرير كلما تراءى أمامها آثر من اثار عجز الفهم الحرفي من مطابقة الواقع او الموافقة معه. وهو تراجع يعبر عما منيت به هذه الطريقة من فشل وإنكسار.

فعلى صعيد الاعتقاد نقرأ قوله تعالى: ((وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون)) الأنعام/ 7 9، وقوله: ((انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظاً من كل شيطان مارد)) الصافات/ 6ـ 7، وكذا قوله: ((ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين)) الملك/ 5. ففيما يتعلق بهذه الآيات نرى من الطبيعي ان تحصر العقلية السائدة للطريقة التقليدية آنذاك نطاق انشدادها نحو الدلالات اللفظية الظاهرة لتضفي عليها بعداً ((منطقياً)) مغلقاً من الاطلاق على صعيد الواقع، مثلما هو الظاهر من نفس النص، فتتصور ان الغاية من خلق النجوم لا تخرج عن ان تكون لهداية المسافر في طرق البر والبحر، وللزينة، وللحفظ ورجم الشياطين؛ دون ان يخطر ببالها حالة ما اذا كان السفر في الجو، ودون ان يختلج في نفسها الشك عما اذا كان من الممكن الإستغناء عن استخدام النجم للهداية. كل ذلك يعسر ان يرد في ذهنية لم ينكشف لها اسرار وتطورات الواقع التكويني كما انكشف لها مفاهيم الكتاب التدويني. وهي لذلك لا تسمح ان يكون هناك تصور مضاف الى ما ورد وحُدّد في النص؛ بتبرير ينساب من النص ذاته بعد اضفاء الطابع المنطقي الاطلاقي عليه. فمثلاً انها تشعر لو انه كان من الممكن الاستغناء عن استخدام النجم للهداية، لكان يعني أن من الجائز أن يصبح النجم معطلاً عن الغاية التي ذكرها القرآن الكريم كصيغة من صيغ الاطلاق، وهو أمر لا تحتمله أبداً. كذلك هوالحال فيما يتعلق بصيغ الاطلاق الخاصة بخلق النجوم، فهي أيضاً لا تسمح عادة أن يضاف اي شيء من الغايات علاوة على ما ذكره النص بالاطلاق والحصر والاغلاق. لهذا كان بعض السلف لا يجيز القول بوجود فائدة أخرى تتعدى ما هو مذكور من فوائد، فكما نقل المفسرون من ان قتادة كان يقول: ((من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله سبحانه. ان الله جعلها زينة للسماء ورجوماً للشياطين ويُهتدى بها في ظلمات البر والبحر)) ( 9 1).

ويبدو ان لغة القائل كانت تستهدف الرد على الفلاسفة الذين جعلوا للنجم شأناً عظيماً في الوجود غير ما ذكره القرآن الكريم. كذلك ذكر الشوكاني - رغم انه من علماء القرن الثالث عشر الهجري - بأن ((من زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية)) ( 0 2).

لكن علينا ان نعترف، انه اذا كان اضفاء نظام ((المنطق الإطلاقي المغلق)) على ذلك النص وغيره من النصوص هو الحالة السائدة في الفكر الإسلامي المعياري؛ فان ذلك لم يمنع ظهور من يشق عصا هذه السيادة ويفكر خارج حدود النص؛ بالإرتماء في الواقع والتفكر في خلق الرحمن. فعلى ما ينقله الشيخ ابو جعفر الطوسي ان البلخي كان يقول بخصوص النجم في تلك الآيات التي مرّت معنا: ((.. بل يشهد انه ــ تعالى ــ خلقها لأمور جليلة عظيمة. ومن فكر في صغر الصغير منها وكبر الكبير، واختلاف مواقعها ومجاريها وسيرها، وظهور منافع الشمس والقمر في نشوء الحيوان والنبات علِمَ ان الأمر كذلك، ولو لم يخلقها إلا للإهتداء لما كان لخلقها صغاراً وكباراً ولا اختلاف سيرها معنى))، مسنداً دقيق نظره هذا على الإيحاء المشار اليه في تمام آية الاهتداء ((قد فصلنا الآيات لقومٍ يعلمون)) ( 1 2).

***

كذلك نقرأ في قوله تعالى: ((إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)) لقمان/ 4 3. فالآية بحسب فهم طريقة النظام المعياري التقليدية تتضمن خمسة علوم استأثرها الباري تعالى على العباد، حتى نُقل عن ابن عباس انه كان يقول: ((هذه الخمسة لا يعلمها الا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن ادعى انه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه)) ( 2 2). كما روى البخاري وغيره بهذا الصدد من أن النبي (ص) فسر مفاتح الغيب الوارد ذكرها في قوله تعالى: ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)) الانعام/ 9 5، بأنها عبارة عن العلوم الخمسة المشار اليها ( 3 2).

وما يهمنا من ذلك هو علم ما في الارحام المدعى انه من ضمن العلوم المستأثرة على العباد، حيث اصبح الكشف عن حالة الجنين وتمييزه إن كان ذكراً او انثى هو من الحقائق العلمية المؤكدة. في حين انه بحسب الطريقة التقليدية يكون هذا العلم من العلوم المستأثرة بفهم من نص الآية او مما ورد بشأنها من الأحاديث، حيث ورد في بعض الأحاديث ان من ضمن ما لا يعلمه الا الله تشخيص الذكورة والانوثة ( 4 2). وجاء عن سبب نزول الآية انه اتى النبي (ص) رجل فقال: ان امرأتي حبلى فاخبرني ماذا تلد، وبلادنا جدبة فاخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمت متى ولدت فاخبرني متى اموت، وقد علمت ما عملت اليوم فاخبرني ماذا اعمل غداً، واخبرني متى تقوم الساعة، فانزل الله الاية ( 5 2). ومثل هذا المعنى مروي عن أئمة أهل البيت (ع)، حيث ورد ان تلك الاشياء لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى ( 6 2). لذلك جاء عن بعض السلف، كما هو الحال مع قتادة، قوله: ((.. فلا يعلم أحد ما في الارحام أذكر أم أنثى، أحمر او اسود، أو ما هو؟..)) ( 7 2). مع ذلك فسر الماوردي (المتوفي سنة 0 5 4هـ) علم ما في الارحام بأن فيه وجهين: الاول من ذكر وانثى، سليم وسقيم. والثاني من مؤمن وكافر وشقي وسعيد ( 8 2). لكن غالبية العلماء ذهبوا الى أن معرفة نوع الجنين هو من ضمن العلوم المستأثرة، وكما قال ابو بكر بن العربي: ((مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها الا الله لا أمارة عليها، ولا علامة عليها؛ إلا ما أخبر به الصادق المجتبى لاطلاع الغيب من أمارات الساعة، والأربعة سواها لا أمارة عليها، فكل من قال انه ينزل الغيث غداً فهو كافر، أخبر عنه بأمارات ادّعاها، او بقول مطلق. ومن قال انه يعلم ما في الرحم فهو كافر. فأما الأمارة على هذا فتختلف، فمنها كفر، ومنها تجربة، والتجربة منها أن يقول الطبيب: اذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر، وإذا كان ذلك في الثدي الأيسر فهو انثى. وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فهو ذكر، وإن وجدت الجنب الأشأم أثقل فالولد انثى. فمن ادعى ذلك عادة لا واجباً في الخلقة لم نكفّره، ولم نفسّقه)) ( 9 2). كذلك نقل القرطبي قول العلماء انه ((من قال انه ينزل الغيث غداً وجزم فهو كافر اخبر عنه بأمارة ادعاها ام لا. وكذلك من قال: انه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فان لم يجزم.. لم يكفر)) ( 0 3). وهو في محل آخر بّين امكانية العلم ولكن على نحو ليس فيه جزم وتأكيد، حيث قال: ((ثم ان الانبياء يعلمون كثيراً من الغيب بتعريف الله تعالى اياهم. والمراد ابطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقى بالأنواء، وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وانوثته الى غير ذلك... وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده)) ( 1 3).

بل حتى في العصر الحديث وقبل تبيّن التطبيقات الأخيرة لعلم الأجنة؛ استصحب البعض الاعتقاد التقليدي بالاستئثار، بل وتحدى ان تكون هناك قدرة للعلماء في معرفة شكل الجنين ونوعه، كما هو الحال مع الاستاذ محمد عبد الله دراز (المتوفي سنة 8 5 9 1م) الذي يقول: ((فمهما نجحوا في اكتشاف اشعة أكس سيظل العلماء عاجزين عن الكشف عن يقين عن شكل الجنين ولونه ونوعه وهو داخل رحم امه. ومهما أُقيم من محطات الارصاد الجوية فان التنبؤات ستظل احتمالية...)) ( 2 3أ). وقبله علّق السيد محمد رشيد رضا على قوله تعالى: ((الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)) الرعد/ 8ــ 9، فاعتقد ان الله وحده الذي يعلم حمل كل انثى أذكر هو أم انثى، وما تغيض الارحام من نقص الحمل او فساده بعد العلوق، وما تزداد من الحمل كالحمل بالتوأمين او اكثر ( 2 3ب). وكل ذلك اصبح اليوم مما يمكن تشخيصه ومعرفته عادة.

كذلك نرى العلامة الطباطبائي يكاد ان يسير على نفس النهج التقليدي وإن خفف من هذا الامر بتشطير التفسير للاية على درجات، فهو اعتبر الله تعالى عد اموراً ثلاثة هي:

1ــ ما تعلق به علم الله، وهو العلم بالساعة الذي استأثره لنفسه لا يعلمه الا هو، بدلالة القصر في قوله تعالى: ((ان الله عنده علم الساعة)).

2ــ ما اختص به تعالى ما لم يُعلمه غيره، وهما تنزيل الغيث وعلم ما في الارحام.

3ــ وهناك أمران آخران يجهل بهما الانسان: ((ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت..)) ( 3 3).

مهما يكن فنحن نعلم اليوم انه مع ظهور الحقيقة العلمية فان الفهم التقليدي للاية قد فقد مبرراته. ذلك ان الاية من جانب ليس لها الدلالة الصريحة على الاستئثار، أما الروايات الواردة حولها فلا يمكن التعويل عليها لمخالفتها للواقع العلمي.

***

كان ذلك على صعيد الاعتقاد. أما على صعيد الاحكام فنجد ايضاً الكثير من القضايا الاسلامية التي تجدد فهمها بفضل ضغوط الواقع وتطوراته. فمثلاً ما جاء في قوله تعالى: ((واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..)) الأنفال/ 0 6. ففي الغالب ان الفهم كان لا يتعدى حدود امكانات الظرف الحضاري السائد وقيوده، خصوصاً اذا ما لاحظنا عناية الخطاب بتوجيه ثقله تجاه عقلية المجتمع الملابسة لذلك الظرف. فبحسب الطريقة التقليدية للاجتهاد ذُكر انه توجد خمسة اقاويل لمعنى القوة في الاية كالاتي:

1ــ ان القوة هي ذكور الخيل، ورباط الخيل اناثها، وهو قول عكرمة.

2ــ القوة هي السلاح، قاله الكلبي.

3ــ القوة هي التصافي واتفاق الكلمة.

4ــ القوة هي الثقة بالله والرغبة اليه.

5ــ القوة هي الرمي ( 4 3).

على ان المعنى الاخير هو الذي غلب على غيره من المعاني استناداً الى بعض الاحاديث، اذ رُوي عن النبي (ص) بأسانيد متعددة انه قال: ((.. ألا ان القوة الرمي، ألا ان القوة الرمي، ألا ان القوة الرمي))، وذكر عكرمة ان النبي اراد بذلك الحصون. كما روي عنه (ص) انه فضّل الرمي على ركوب الخيل. لذا ذهب اكثر العلماء اتساقاً مع النص الى ان الأول أفضل من الآخر، بينما ذهب القليل منهم الى العكس كما هو الحال مع الإمام مالك ( 5 3).

ورأى الطبري ان معنى الاية هو التقوي بكل ما يعد من الآلات التي تشكل قوة، وذلك من السلاح والخيل ( 6 3)، وكذا جاء عن الشيخ أبي جعفر الطوسي (المتوفي سنة 0 6 4هـ) الذي فسّر القوة في الآية بأن معناها هو مما يُتقوى به على العدو ( 7 3). ومثل ذلك ما جاء عن الفخر الرازي ناسباً الرأي الى أصحاب المعاني، وهو ان القوة عامة في كل ما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد، لكنه يعود فيعتبر في الوقت ذاته بأن المقصود من اية ((ومن رباط الخيل)) هي الخيل المربوطة في سبيل الله التي من جملة ما أُمرنا باعدادها ( 8 3). بل جاء عن بعض الصحابة والتابعين ما يقرب الى مثل هذه المعاني، او على الاقل انه لا يخلو عن تعميم - ضمن حدود- في فهم القوة، دون الاقتصار على الرمي او ما شاكله. فقد ورد عن ابن عباس ان القوة بمعنى الرمي والسيوف والسلاح. كما ورد عن الاوزاعي بأنها تعني السهم فما فوقه. وعن سعيد بن المسيب ان القوة هي الفرس الى السهم فما دونه. وعن مقاتل بن حيان انها السلاح وما سواه من قوة الجهاد. وعن مجاهد رغم ما ذُكر عنه انه يقول بأن القوة هي ذكور الخيل؛ فانه ينقل عنه ايضاً قوله لرجل لقيه وهو يتجهز الى الغزو ومعه جوالق: وهذا من القوة ( 9 3). وفهم السيوطي من مثل هذه الاقوال العائدة للصحابة والتابعين، ان المقصود بالقوة هو اعم من الرمي وغيره، ورأى انه ليس المراد من الحديث الصحيح ((ألا ان القوة الرمي)) حصر مدلول الاية في الرمي، بل ((المراد انه معظم القوة واعظم انواعها تأثيراً ونفعاً؛ على حد قول النبي (ص): (الحج عرفة)، اي معظم اعمال الحج وليس المراد انه لا ركن للحج سواه كما هو معروف)) ( 0 4).

ومثل ما ذهب اليه السيوطي ما ذكره الالوسي من ان القوة هي ((كل ما يتقوى به في الحرب كائناً ما كان))، وان علة تخصيص الرمي في الحديث هو لكونه يعد أقوى ما يتقوى به، فهو من قبيل قوله (ص) ((الحج عرفة)) ( 1 4). وكذا ما عبر عنه الشاه ولي الله دهلوي في تفسيره للحديث ((الا ان القوة الرمي)) حيث بنظره انه ((ليس المراد بذلك الحصر، بل بيان الفرد الكامل من افراده)) ( 2 4). وايضاً ما جاء عن بعض العلماء في تفسير القوة بالرمي حسب الحديث النبوي؛ من حيث انه ((ليس شيء من عدة الحرب وأداتها أحوج الى المعالجة والادمان عليها مثل القوس والرمي بها)) ( 3 4). لكن مع ذلك يظل ان رأي السيوطي ومن تبعه لا زال متأثراً بالظرف الحضاري السائد آنذاك، من حيث اعتبار الرمي هو اعظم انواع القوة وأنفعها بحسب تفسيره للحديث النبوي. وشبيه به ما ورد عن القرطبي، حيث هو الآخر لم يتعد فهمه الظرف الحضاري السائد، اذ فهم القوة بمعنى السلاح والقِس (جمع قوس)، لكنه قال: ((فإن قيل: ان قوله تعالى ((واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)) كان يكفي فلِمَ خصّ الرمي والخيل بالذكر؟ قيل له: ان الخيل لما كانت اصل الحروب واوزارها التي عقد الخير في نواصيها، وهي اقوى القوة واشد العدة وحصون الفرسان.. خصّها بالذكر تشريفاً..)) ( 4 4).

أما حديثاً فمن الواضح ان يتخذ التفسير منعطفاً ملائماً لما عليه الحال من واقع، الأمر الذي يعني اتخاذ صورة التعميم في فهم القوة. لذلك علق الالوسي ــ وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري ــ على الحديث النبوي القائل: ((انتضلوا واركبوا وإن تنتضلوا أحب الي، إن الله تعالى ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة؛ صانعه محتسباً ، والمعين به، والرامي به في سبيل الله تعالى))، فقال في التعليق: (( وانت تعلم إن الرامي بالنبال اليوم لا يصيب هدف القصد من العدو لأنهم استعملوا الرمي بالبنادق والمدافع ولا يكاد ينفع معهما نبل. واذا لم يقابلوا بالمثل عمّ الداء العضال واشتد الوبال والنكال وملك البسيطة أهل الكفر والضلال. فالذي أراه والعلم عند الله تعالى تعيّن تلك المقابلة على أئمة المسلمين وحماة الدين، ولعل فضل ذلك الرمي يثبت لهذا الرمي لقيامه مقامه في الذب عن بيضة الاسلام ولا أرى ما فيه من النار للضرورة الداعية اليه.. ولا يبعد دخول مثل هذا الرمي في عموم قوله سبحانه (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة))) ( 5 4).

كما فسر الاية محمد صدّيق حسن (المتوفي سنة 9 8 8 1م) بقوله: ((ومن فسر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب جعل عطف الخيل عليها من عطف الخاص على العام)) ( 6 4). ولا شك ان التخصيص الذي تحدث عنه يختلف كلياً عن التخصيص المذكور لدى القرطبي كما رأينا، ذلك ان مبرر التخصيص عند القرطبي هو التشريف لاعتبارها اقوى القوى، مما يتناسب مع الظرف الحضاري الذي عاش فيه هذا المفسر، خلافاً للعصر الذي عاش فيه محمد صديق حسن، فلم يعين سبب هذا التخصيص. وهو التفسير المقبول حالياً لأنه ينسجم مع ما عليه التطور الحضاري. فاتساقاً مع هذا التطور أُعتبرت الروايات التي ترفع شأن الرمي وركوب الخيل، كالروايات التي تنظر الى هاتين القوتين انها من الحق من تركها كان كافراً بالنعمة؛ اعتبرت أنها ((من باب عد المصاديق)) كما هو الحال عند العلامة الطباطبائي ( 7 4). مع ان عد المصاديق لا يكفي في حد ذاته ما لم يُؤكَّد ان ذلك مأخوذ باعتبار الظرف القائم، والا فمن الواضح ان استخدام هاتين القوتين في عصرنا ليس فيه فائدة حربية، والواجب يحتم تركهما، الامر الذي لا يتسق مع صيغة التبرير الانفة الذكر.

ولدى رشيد رضا ان الرمي الوارد في الحديث النبوي يعم الرمي الحديث، من حيث دلالة عموم اللفظ او اطلاقه ( 8 4أ). وهو من هذه الناحية لا يرى لزوم الأخذ بمفاهيم ادوات الرمي القديمة كالقوس وما على شاكلته. لكن يشكل على هذا التفسير باعتبارين: الاول انه لا يفسر علة تخصيص القوة بالرمي دون غيره من الاسلحة الاخرى طبقاً للأحاديث الكثيرة. أما الثاني فهو ان الاعتماد على الجانب اللغوي الذي ارتكن اليه هذا المفسر لا يوضح في حد ذاته الداعي من وجوب التخلي عن اساليب الرمي القديمة واستبدالها بالاساليب الحديثة، حيث ان اطلاق اللفظ وعمومه يجعل من الناحية اللغوية ان العمل بالاساليب القديمة والحديثة سيّان. لذلك ليس هناك من مخرج في هذا المجال الا الاستعانة بالواقع، فهو ذاته الذي فرض مثل هذه التوجيهات التي لم تعرف من قبل. مع هذا فان رشيد رضا تمسك بوجوب رباط الخيل، وهو الذي شهد الاسلحة الحديثة بما فيها الطائرات والمدافع، بل واعتبره قاعدة من اهم القواعد والقوى الحربية، معتبراً ان تخصيص القرآن له بالذكر ((انما للحاجة اليه وعدم الاستغناء عنه حتى في هذا العصر الذي كثرت فيه مراكب النقل البخارية والكهربائية بأنواعها)) ( 8 4ب). ولا شك ان في وقته لازالت ثمة حاجة لمثل هذا النوع من الرباط، لكن اشكالنا عليه هو لاتخاذه الفهم الاطلاقي لذلك الوجوب، رغم شهادته للتطورات المتسارعة الجارية آنذاك في المجالات العلمية والتكنلوجية ومنها العسكرية.

كما ان السيد محمد تقي الحكيم هو الآخر اعتبر اية القوة ((واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)) مسايرة لمختلف الأزمنة والأمكنة بما تنطوي عليه من حكم كلي، وان تأثير الزمان والمكان والأحوال انما هو في تبدل مصاديق مفهوم النص او الحكم الكلي. فمفهوم النص دال على وجوب الاستعداد بما يستطاع دون ان يتغير شيء في النص، بل تغيرت مصاديقه، اي ان ((التبدل في الحقيقة لم يقع في المفاهيم الكلية وانما وقع في افرادها ومصاديقها)) ( 9 4). مع هذا فانه لم يفسر شأن بقية الآية التي فيها ذكر ((رباط الخيل))، مما يجعل غرض النص في الأساس هو إفهام ذلك المجتمع في طوره الحضاري الخاص؛ بدلالة ما ورد حول النص من أحاديث مفسرة كما سبق ان عرفنا.

واتجه المفكر مرتضى مطهري في كتابه (نظام حقوق المرأة في الاسلام) الى ما يقرب من رأي الحكيم الآنف الذكر. لكنه بحث الموضوع من زاوية اخرى محكمة، وذلك عبر الكشف عن حاجات الناس الثابتة والمتغيرة تبعاً لنظام الخلقة او الواقع، حيث قرر ان ((شرط القوة أمام العدو قانون ثابت ينبع من حاجة ثابتة ودائمة. أما شرط المهارة في الرماية وركوب الخيل فمظهر لحاجة مؤقتة ومتغيرة تتغير من عصر الى عصر، وبتغير ظروف الحضارة تحل محلها امور اخرى من قبيل الاسلحة النارية المتداولة هذه الايام والمهارة والتخصص في استعمالها)). ومطهري - كما هو دأبه - يستعين بنظام الخلقة والواقع في الكشف عن التشريع. لكنا هنا بصدد فهم القوة واعدادها في الاية إن كانت تُحمل على الاطلاق الظاهر أم لا؟ فنحن وإن سلّمنا معه ان اعداد القوة أمام العدو هو حاجة ثابتة ودائمة، الا ان ذلك لا يعدو اكثر من ابراز القوة بغض النظر عن حدودها. اذ هل ان اعداد كل ما يستطاع من قوة هو حاجة ثابتة؟! وهل ان اية القوة تفهم على هذا النحو من الاطلاق الذي ليس له حد يتوقف عنده؟ وبشكل عام: هل الاسلام يتبنى هذا الموقف من الاطلاق؟ لعلنا نجد في ظاهر كلام مطهري ما يفيد هذا المعنى، كما في قوله: ((الاصالة ان يصبح المسلمون في كل عصر وزمان اصحاب قوة في النواحي العسكرية والدفاعية أمام الاعداء والى اقصى حد ممكن)) ( 0 5).

ولدى الخياط أن لفظة القوة في الاية يقصد فيها من حيث ما كان عليه العرف، فحيث ((ان العرف قد تبدل وازداد مشمول القوة بامور مستحدثة كاستعمال الاسلحة الحديثة لذلك فإن اللفظ يحمل على الامور المستحدثة المتعارف عليها)) ( 1 5). ومثل ذلك ما يراه عبد الكريم زيدان من ان اعداد القوة يختلف باختلاف درجة الاستطاعة في كل زمان ومكان.. ((فما كان يكفي في الزمن القديم من الاسلحة لم يعد كافياً في الوقت الحاضر.. فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن الكريم وبحكمه القاطع الصريح ان يأخذوا باعداد القوة بمقاييسها في العصر الحديث)) ( 2 5). وكذا ذكر ابو شريعة من ان ((المراد بالقوة ما يناسب كل عصر بحسبه، والرمي بأي نوع من السلاح غير المبيد)) ( 3 5).

يتضح مما سبق انه بفضل التطور الحديث للواقع ادرك العلماء المعنى الجديد لمفهوم الاية بصورة أخرجها عن الفهم التقليدي واغلاقه، وذلك من خلال التعويل على المعنى اللغوي للفظة ((القوة)) والابتعاد عن المعنى الظاهر مما ورد حولها من الأحاديث، مثل تلك التي ترفع من شأن الرمي وركوب الخيل واعتبارهما من الحق من تركهما كان كافراً. مع ان أصل المخاطب الذي منحه الخطاب عنايته هو ذلك المجتمع الذي كانت فيه الخيول تجول الصحاري والبوادي. فقرينة ((ومن رباط الخيل)) فضلاً عن الأحاديث الخاصة بمعنى القوة؛ تقصّر من المد الذي يرفع المدلول الى ما يتجاوز المكان والزمان الى غير حدود. فمن الطبيعي - على هذا - ان يغلب على عقلية المجتمع القديم تحديد القوة بالرمي، خصوصاً اذا ما عرفنا ان الإنسان كان لا يفكر عادة الا في حدود مثل هذه العلاقات البدائية، في حين اصبح الحكم الحالي أمراً مغايراً، وذلك لتغير الواقع.

مع هذا فنحن لا نرى ما يراه المحدثون من ذلك المعنى الذي فرضته ضغوط الحاجة الزمنية. ذلك انه لو صحّ الاطلاق في معنى القوة الذي عوّل عليه هؤلاء - باستثناء ما نصّ عليه أبو شريعة - لكان من الجائز اعداد ما يستطاع اليه من القوة مهما كانت ضخمة وكبيرة، ومن ذلك القوة التي تهدد البشرية بالفناء مثل السلاح النووي والبايولوجي والكيميائي وغيرها من الاسلحة المدمرة الفتاكة. وهو أمر بعيد عن روح الاسلام ومقاصده واخلاقه ونبله، كما انه بعيد عن رسالة السماء واهدافها الخيرة، ولا يليق مثل هذا الأمر الا بأصحاب الشر والنزعات الوحشية الذين لا تساوي عندهم حياة البشر وارواح الناس شيئاً ذا قيمة. نعم قد يُضطر الى ذلك الأمر اضطراراً او ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها لا اكثر.

وفي جميع الاحوال كان يمكن الخروج عن الفهم المغلق للقوة كما عند الطريقة التقليدية للنظام المعياري، وذلك بتحويل النص الى صورة إرشاد، لا الى نظام ((منطقي اطلاقي مغلق)). فإذا كان منهج هذا الأخير يعمل على اضفاء صفة الاطلاق على النص واستصحاب الظرف المحدود الى ما يتجاوز حدود الزمان والمكان او العمل بالقياس عليه؛ فان منهج الارشاد بدوره رغم انه يجعل من النص مرتبطاً اساساً بظرفه المحدود ما لم تدل هناك دلالة صارفة عن ذلك؛ فانه يتيح لمراد الخطاب ان يكون قادراً على ان يتجاوز فعلاً تلك الحدود من الزمان والمكان، لكن بشرط العمل بمقاصد التشريع الكلية.

***

وعلى تلك الشاكلة اجري تفسير آية الجلباب من سورة الاحزاب، اذ يقول تعالى: ((يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين وكان الله غفوراً رحيماً)) الاحزاب/ 9 5ــ 0 6. اذ صُورت الآية عند الكثير بأنها تفرض حكماً لازماً في وجوب لبس ثوب اكبر من الخمار كالملحفة او العباءة او الملاءة وما شاكلها ( 4 5)؛ مما يوضع فوق الخمار ويغطي الوجه ( 5 5). وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الاية: بأن الله أوجب على رسوله (ص) ان يأمر النساء المؤمنات المسلمات بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الاماء، والجلباب هو الرداء فوق الخمار، كما قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وابراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغيرهم، وهو بمنزلة الازار اليوم. وجاء عن ابن عباس ان الله أمر نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن معنى الاية، فغطى وجهه ورأسه وابرز عينه اليسرى. وقال عكرمة تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها. كما جاء عن ام سلمة انها قالت لما نزلت هذه الاية خرجت نساء الانصار وكان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها. كما سُئل الزهري ذات يوم: هل على الوليدة خمار متزوجة او غير متزوجة؟ قال: عليها إن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب لانه يكره لهن ان يتشبهن بالحرائر المحصنات وقد قال الله تعالى ((يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)). وروي عن سفيان الثوري انه قال: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام الى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فاذا كان الليل خرج النساء الى الطرق يقضين حاجتهن فكان اولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فاذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها، واذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها. وقال مجاهد يتجلببن فيُعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة ( 6 5).

لكن رغم ذلك فقد اعتبرت التوجيهات الحديثة ان تلك الزيادة في الاية انما هو مما يناسب ظروف شبه الجزيرة العربية وقت نزول النص، فهي وسيلة تتلائم مع ما كان عليه الأمر من أحوال، وبالتالي أنها ليست مؤبدة بهذا الاعتبار، مثلما ذُكر بخصوص حكم آية ((رباط الخيل)) من حيث انه وسيلة يتناسب مع تلك الاحوال، الا أنه لا يعد مناسباً لما عليه اليوم. من هنا فكل ما يحقق الهدف من اللبس الذي أشار اليه تعالى في الاية: ((ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين)) يعد صحيحاً وإن خالف ما نصّت عليه الآية من ذكر الوسيلة ( 7 5).

***

والواقع ان هناك العديد من الآيات الكريمة التي توهم انها مطلقة مغلقة بحكم ظاهرها، بينما هي دالة بحكم التطور الحضاري والزمان على انشدادها بالظرف. فللواقع أثر بارز في تغيير فهم نصوص الخطاب، كما له الفضل في الكشف عن فشل الطريقة التقليدية وقصورها. وينطبق هذا الحكم على آيات كثيرة، ومن ذلك ما جاء في آية: ((زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب)) ( 8 5). حيث ان هناك من الشهوات ما يمكن عدّه بأنه فطرة متأصلة في الناس بغض النظر عن ظروفهم الخاصة، ومنها ما يمكن ارجاعه الى مثل هذه الظروف. وعند العودة الى الآية السابقة نرى ان المعنى الظاهر منها يفيد الاطلاق والشمول، في حين انه بحسب الواقع نلاحظ ان بعض ما ذكرته الآية لا يمكن ان ينطبق عليه الشمول أو العموم، كما هو الحال مع الخيل، اذ الشهوة اليه ليست منفصلة عن الظرف. الأمر الذي يجعل المعنى المحصل من الآية له دلالة الانشداد الى الظرف وليس الاطلاق. وعلى هذه الشاكلة ينطبق الأمر على آيتي المصابرة وآيات الرق والجزية وغيرها.

ونفس الشيء يمكن قوله مع نصوص الحديث، مثل الحديث النبوي: ((لا سبق الا في نصل او خف او حافر)) ( 9 5). حيث يدخل في النصل السيف والسهم والحراب، وفي الخف الابل، وبعضهم أضاف الفيلة، وفي الحافر الخيل، وبعضهم أضاف البغال والحمير. لكن بعض الفقهاء لم يحصر السبق على عوض في الاصناف الثلاثة الآنفة الذكر استناداً الى بعض الاخبار والروايات الدالة على جواز السبق في اصناف اخرى كالمصارعة والطيور والسفن والزيارق ( 0 6). كذلك زيد على الاصناف الثلاثة الاولى السبق باقديم طبقاً لحديث عائشة ( 1 6)، وربما يقصد بهذا الاخير بانه السبق بالاقدام مثلما أجازته الشافعية. وفي جميع الاحوال يعلم ان حديث السبق في الاصناف المذكورة هو مما يناسب المجتمع الاسلامي في العصور السابقة، خاصة اذا ما اعتبرنا القصد منه هو الحث والتشجيع على التمرن والاستعداد الحربي، كما هو منظور بعض المعاصرين.

ومثل ذلك ما روي عن النبي (ص) قوله: ((حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر الناضح ستون ذراعاً وحريم بئر العطن اربعون ذراعاً ، عطناً للماشية)) ( 2 6). ومثله قوله (ص): ((اذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع)). كما روي عن الامام الصادق (ع) أنه قال: ((حريم البئر العادية أربعون ذراعاً حولها، وحريم المسجد أربعون..)) ( 3 6). لكن يعلم ان هذه الأبعاد اصبحت اليوم غير لازمة لتغير الظروف.

وكذاجاء عن الامام الصادق (ع) انه قال: ((لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع أهل المصر)) ( 4 6). حيث من الواضح انه لا يمكن التعويل على مثل هذا الحديث بمعزل عن الظرف السائد آنذاك.

لذا نجد بعض العلماء المعاصرين يوجهون مثل هذه الاحاديث التي مرت معنا وجهة اخرى ، كما هو الحال مع المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية ( 5 6).

وعلى نفس شاكلة ما سبق قول النبي (ص): ((كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل، الا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته، فانهن من الحق)) ( 6 6)، ومثله الحديث القائل: (( كل شيء ليس من ذكر الله تعالى فهو لغو وسهو الا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين - أي المشي للرمي - وتأديب فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة)) ( 7 6). حيث يعلم اليوم ان هناك العديد من وسائل اللهو الحديثة لم يحكم عليها بالبطلان، أما الرمي بالقوس وتأديب الفرس فمن الواضح انهما معنيان بالظروف الخاصة للمجتمع الاسلامي في العصور التي كان لمثل هذه الاشياء دور في الحياة الاجتماعية، والحربية منها على وجه الخصوص.

كما جاء في كتاب (الخراج) لابي يوسف ما رواه عن النبي (ص) قوله: (( من منع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ منعه الله فضله يوم القيامة))، وقوله: ((لا تمنعوا كلأً ولا ماءً ولا ناراً، فانه متاع للمقوين، وقوة للمستضعفين))، وقوله: (( المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)) ( 8 6). مع انه في الوقت الحاضر وبحكم تغير الظروف ووجود الحدود الدولية وتعدد الاوطان اصبح العمل باطلاق الحديث غير ممكن، كما ان الحاجة فرضت نفسها على ولي الامر بأن يأخذ بعض الضرائب ويتحكم بتقييد ايصال تلك الأشياء للناس، وبالتالي فما ورد فيها من حديث انما ينطبق على ما كان من ظروف قائمة.

وواضح مما سبق ان عملية فهم تلك النصوص لا يمكن عزلها عن فهم الواقع، الامر الذي يكشف عن قصور الطريقة التقليدية التي اتخذت ــ في الغالب ــ مواقف شبه محددة وثابتة في الفهم البياني والحرفي للنص، وذلك تبعاً للظرف الحضاري الذي نشأت وترعرعت فيه. على هذا فان مواقفها في العديد من الانظمة الاجتماعية هي على خلاف تصوراتنا الحالية، ويصدق هذا الامر على نظام الرق والجزية وتوزيع غنائم الحرب وطبيعة التعاقدات على الاراضي المفتوحة عنوة وبعض ما يتعلق بنظام الخلافة كعدم تعدد ولي الأمر وشرط النسب القرشي عند البعض، والعصمة عند البعض الآخر... الخ.

***

هكذا كان من المحتم ان تفهم مثل الآيات الكريمة السابقة وبعض القضايا التي أشرنا اليها بما يتناسب ويتسق مع ظروف الحضارة في ذلك الوقت. فحيث ان تلك الظروف لم تتطور بالسرعة والحجم كما هو الحال مع ظروفنا الحديثة؛ لذا كان من الطبيعي ان تستلهم العقلية السائدة آنذاك النظام التوقيفي (التعبدي) من الخطاب، وتجعله يجري مجرى الواقع ذاته. فهي لم تستعن الا باشكالية النص والعقل، اذ كان الواقع لا يجري جرياناً امتدادياً متصاعداً، بل كانت خطواته أشبه بالسكنات الدائرة على بعضها البعض. بينما كان شغل العقل وهمّه في الغالب يدور حول الدلالات المعيارية والميتافيزيقية المتعالية، وبالتالي فلم يبق إلا ((النص))، مما جعل الطريقة التقليدية تعمل على زجّه واقحامه في ((النظام المنطيقي المغلق)). فليس هناك من منافس، لا من ((العقل)) الذي يعترف بإنسحابه من الميدان، ولا من ((الواقع)) الذي كان آنذاك يحبو حبو الطفل الصغير مقارنة مع ما عليه اليوم.

والحقيقة ان ما قامت به هذه الطريقة من اضفاء الطابع المنطقي الإطلاقي على النص؛ يتسق فعلاً مع وضع الخطاب. فحكمة الخطاب كانت تستهدف مخاطبة العقلية البشرية آنذاك بصورة تتمظهر بمظهر ذلك ((المنطق)) من النظام المغلق للمعنى، وهي اذ تفعل ذلك انما تريد ان تحاكي ما يناسب فهم تلك العقلية استناداً الى ظروفها الخاصة بدل ان تقفز على الواقع المعاش او تتجرد عنه، رغم ان دلالاتها التي تتمظهر خارج حدود النص الخاص؛ لا تقصد ذلك النظام المغلق أبداً. الأمر الذي يعني ان الخطاب كان يريد شيئاً آخر غير ما يظهر من صيغ آليات النص الموظفة لتوصيل المراد من المعنى، حتى وصفه الامام علي (ع) بأنه حمال ذو وجوه.

قد يتصور المتصور ان ذلك عين التناقض، فكيف يريد الخطاب مراداً خلاف ما يظهره النص، فهل كان النص غامضاً او مشكلاً يحتاج الى عملية توجيه وتأويل؛ كي يتطابق ظاهر النص مع حقيقته؟ وهل اننا نعود ونكرر ما كان يمارسه النشاط العقلي من النظام المعياري التقليدي في توجيه دلالات النص بما يرضي تصوراتنا نحن التي نفرضها على النص ذاته؟ وإلا فكيف يمكن تصور الوصول الى مراد الخطاب من دون فهم للنص ذاته؟

بالفعل كان من الصعب تقريباً ان يخطر فرض متناقض كهذا الفرض في عقلية تعيش نظاماً متسقاً من التفكير يحدده الظرف المحدود وعلاقته بالنص. ذلك ان عقلية الطريقة التقليدية وهي تمارس فهمها لنص الخطاب لم تكن بمعزل عن الظرف الحضاري الخاص الذي تعيش في اطاره. فبهذه الملابسة بين العقل والظرف تَشكّلَ المعيار الخاص لروح العصر آنذاك، وهو المقوم لعملية الفهم التي تجري بصورة ((ممنطقة)) تتناسب مع ما يظهره النص ذاته من هذا النظام المنطيقي، وان كان مراد الخطاب أمراً آخر يجري بصورة بعيدة عن هذا الشكل من الاغلاق. فقد جاء بصورة ارشادية ولم يفرض نفسه كمنطق منظّر. فهو حمال ذو وجوه على حد وصف الامام علي. وربما لهذا جاءت مقولة ابن عباس - إن صح النقل - دعوا القرآن يفسره الزمان ( 9 6).

ولو انا عقدنا مقارنة بين الروحين الحضاريتين القديمة والحديثة من زاوية علاقة عقلية الإنسان بالنص والواقع؛ لوجدنا ان الروح الاولى تميل الى جعل النص ما يقع مفسراً للواقع ومقوماً له في الوقت نفسه، بينما التطور الحضاري الحالي قد دمغ روح العصر الجديدة ان تميل وبخطى حثيثة الى السير بالإتجاه المعاكس. الامر الذي يعني ان للظرف الحضاري مكانة خاصة تؤثر - سلباً وإيجاباً - على تحديد الموقف من عملية الفهم وطريقة تحويل الإتجاه من الواقع الى النص او العكس. فاذا كان مجتمع مرحلة الخطاب يفهم الخطاب مباشرة عبر أداة اللغة ولسان الحال؛ فان مجتمع مرحلة ما بعد الخطاب لم يكتف بالفهم اللغوي ولم يفهم الخطاب كلياً كما هو وبمعزل عن روح العصر، بحيث يمكن تقرير انه كلّما ابتعدنا عن مرحلة الخطاب كلما زادت وثقلت تطورات روح العصر لتراكم الأحداث وبالتالي تراكم المعلومات والثقافة مما له انعكاس على كيفية فهم الخطاب، الى درجة قد يصل الأمر الى اعتبار روح العصر هي في حد ذاتها بمثابة ((رسول الخطاب)) والموجه له في الوقت نفسه، كما يلاحظ في عصرنا الحاضر الذي يزخر بالتفاسير العلمية للخطاب وفهم مختلف قضايا الإسلام طبقاً لما يفرزه الواقع من نتائج؛ خاصة مفرزات الواقع الغربي باعتباره يمتلك مرحلة الضغط والتراكم العلمي الثقافي.

ومع ذلك لا بد من التذكير بأن قضايا الخطاب التي اصيبت بالتأثر بالواقع هي تلك التي لها مساس بالجانب الحضاري من الإنسان، أما تلك التي تنعزل نسبياً عن هذا الجانب كالعبادات الخالصة فهي تكاد لم تتأثر بذلك، اذ ظلت حيادية تُستقى كلياً من منابع نص الخطاب ذاته. وبعبارة اخرى إن أصل الاحكام في العبادات راجع الى حق الله، وهو يميل الى الثبات، وذلك بسبب عدم معقولية المعنى في كثير من الاحيان، وهو الاصل المطلق عليه بالتعبديات والتي لا يطلب فيها الا الانقياد من غير زيادة ولا نقصان، وبالتالي لا يصح فيها القياس كما يقول الشاطبي. وعلى العكس من ذلك فيما أُطلق عليه بأصل العادات، وهو يتعلق باحكام الجانب الحضاري او الدنيوي ( 0 7)؛ التي هي منبع التجدد والتغير طبقاً للتجدد الحضاري او العادات. فهذا الاصل يُعنى بحقوق العباد او الانسان، وهو معقول المعنى، لذا كان التشريع فيه من قبل فهم الانسان واجتهاده وارداً بحسب ملاحظة الخطاب من جانب، والواقع من جانب آخر.

***

ان تنزيل الخطاب على مدى اكثر من عشرين سنة شملت أحداثاً وظروفاً كثيرة قد عبّرت عن ظاهرة ((انشداد الخطاب)) نحو هذه الظروف، كما وعبّرت عن ظاهرة أخرى هي ظاهرة ((الفصل او المَفْصلية)) في داخل نفس الخطاب، وذلك لكون الأحداث التي كانت تجري طوال تلك الفترة هي احداث انفصالية تعبّر عن موضوعات متعددة، حتى في الموضوع الواحد، الأمر الذي جعل هناك حاجة الى تكوين علم خاص اطلق عليه ((علم اسباب النزول)) ( 1 7). وهو علم كان بامكانه ان يحدث نقلة في طريقة فهم الخطاب غير ما تعرفه الطريقة التقليدية للنظام المعياري؛ لولا انه لم يلق الاهتمام الكافي فولد فقيراً جدباً من غير ان يعرف النهوض والتطور او يصل الى مستوى العلم المستقل بالمعنى المصطلح عليه، حتى زعم البعض ان هذا الفن لا طائل تحته لجريانه مجرى التاريخ ( 2 7). وقد صيغ لذلك قاعدة اصولية مفادها: العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص السبب. وهي قاعدة تتسق مع الطابع البياني الاطلاقي الذي امتازت به الطريقة التقليدية واهمالها للواقع الذي تنزّل فيه الخطاب. مع ان الصحيح ان يقال بأن العبرة في بيان القصد واستكشافه لا في عموم اللفظ ولا في خصوص السبب.

يظل ان حقيقة اتصاف الخطاب بظاهرتي المفصلية والانشداد رغم ما له من دلالة مؤكدة، لكن مع ذلك فان الفواصل فيه لا تعني التشتت من دون أواصر جامعة وأسس حاكمة، كما ان انشداد الخطاب بالظرف الذي تعلّق به لا يسلبه حق الإمتداد والإنسياب بالشمول. فالخطاب ليس مغلقاً، ولو كان كذلك لكان متعالياً على الواقع باعتباره يصبح مجحفاً لأغلب ما تبقى من الوقائع التي ظهرت بعد تلك المرحلة التي تعلّق بها الخطاب مباشرة. ذلك ان الترابط المؤلَّف بين ظاهرتي ((المفصلية والإنشداد)) وبين خاصية ((الإطلاق)) التي يمتاز بها النص المقدس؛ يجعل من حقيقة الخطاب ليست اطلاقية، ولا مغلقة، ولا انها متعالية على الواقع العام. فهناك جدل بين ((الإطلاق)) الذي يبديه النص وبين ((الإنشداد)) نحو الظرف الذي يتفاعل معه. وهذا الجدل ــ الذي يتمظهر بين الإطلاقات ذاتها ــ لا يُحل ويكشف عما يستبطنه من حقيقة إلا من خلال ((المفصلية)) في الخطاب. فظاهرة الإنشداد التي تدعو الى الإغلاق تتحول الى صورة انفتاح وتجدد وشمول بفعل الجدل مع خاصية الاطلاق عبر المفصلية التي تحوّل صيغة الاطلاق الى تجاه ((النسبية)) فيما يريد الخطاب تثبيته من منهج وسلوك، وذلك من خلال فك الاطلاق بضرب الاطلاقات المتقابلة بعضها بالبعض الآخر، وهو السمة البارزة في الخطاب. الامر الذي يمنحه التمييز عن غيره من الخطابات الأخرى، اذ بعضه لا يفسر الا بالبعض الآخر، مما يجعله نافذ الشمول والحيوية. حيث ان الاثراء الذي تفرزه تلك العملية من الجدل هو مؤشر الاسترشاد والهداية التي يمتاز بها الخطاب الإلهي على غيره من الخطابات الأخرى، اذ يصبح النص في هذه الحالة متحولاً مما ظاهره نظام منطقي إطلاقي مغلق الى حقيقة أخرى ((نسبية)) يدل عليها الخطاب ذاته بذاته.

تلك هي طبيعة الخطاب التي فيها تتجلى قوته وديمومته كمصدر يفيض بالنور للهداية والرشاد، اذ لا يجعل من الظرف القائم حقيقة مطلقة تقاس عليها سائر الظروف الأخرى، كما لا يجعل من ذاته مصدر التعالي على الواقع السائد، ولا يمحو شخصيته بالإنغماس والذوبان فيه، بل يتخذ بين هذه المنافذ والممرات ناصية ((النسبية)) كي يكون مع الواقع على وفاق واتفاق، لذلك يصبح نافذ الشمول والحيوية بامتلاكه المرونة ازاء التفاعل مع مجريات الحياة دون ان يحدّه زمان او مكان. ولا شك ان هذه الطريقة من التعامل الارشادي تجعل من الظرف نموذجاً او ((مثالاً)) من الأمثال التي يضربها الخطاب للناس ((لعلهم يتفكرون.. وما يعقلها الا العالمون))، وفيها من الذكرى ما ينفع المؤمنين. خاصة وان الذي يتحكم بأحكام هذا الظرف وبغيره من الظروف ما أكده الخطاب وشدد عليه من وجود مقاصد كلية ثابتة ومؤطرة لكل زمان ومكان. فهذه المقاصد هي جوهر التشريع الالهي وروحه الثابتة، وبدونها لا يكون للتشريع معنى ، بل انها كانت ولا زالت مصدر الهام لمختلف التشريعات البشرية على طول التاريخ، وهو من فضل الله تعالى على عباده.

وعليه فإن الاختلاف الاساس مع طريقة الاجتهاد التقليدية هو أننا نعد شبه الجزيرة العربية كموضوع وردت عليها أحكام - من المعاملات الحضارية - تمس أهلها مباشرة على نحو اللزوم والفرض، أما بالنسبة لنا فالأمر يختلف موضوعاً، دون ان يُفهم من ذلك ان ما جيء من هذه الاحكام - الحضارية - لا علاقة لنا بها طالما تتعلق بمجتمع وظروف هي غير مجتمعنا وظروفنا، بل ما يعنينا منها هو الارشاد والعبرة، فهي نموذج أصيل وسابق لا بد أن نجعل منه مورد الاعتماد في التشريع، لكن لا بطريقة القياس والاستصحاب التي لا زالت مورد الاعتماد في الاجتهاد، ذلك انه لا فقط ان دلالة تغيرات الواقع تكفي بعدم صحة التعويل على تلك الطريقة، بل كذلك ان دلالة الخطاب ذاته هي الاخرى يستفاد منها الأخذ بمنهج الارشاد والعبرة، فالعبرة ضالة المؤمن، ولطالما دعا القرآن الكريم الى النظر في الاقوام السالفة وأخذ العبرة مما ابتلوا به في ظل ظروفهم الخاصة. فالعبرة التي وردت في الكتاب ليس لها دلالة القياس ( 3 7)، إذ القياس يطالب باللزوم والفرض لا الارشاد، وحاله من هذه الناحية لا يختلف عن حال الاستصحاب، حيث كلاهما يطالب باللزوم، وهي صفة التمنطق والاغلاق. أما بطريقة العبرة والارشاد فالأمر يختلف كلياً ، حيث لا لزوم فيه ولا تمنطق ولا اغلاق. فهو لا يحدد النتيجة سلفاً ولا يفرض لزوماً ولا يتشرنق على نفسه من غير منافذ، بل انه يعمل تبعاً لأمرين، أحدهما ثابت نسبياً، وهو ما وردنا من أحكام، والآخر متغير وهو الواقع، ولا يصح العمل بالحكم الوارد من غير مراعاة الواقع، كما لا يصح الحكم على الواقع من غير لحاظ الاحكام السالفة، بل لا بد من مراعاة الأمرين معاً بطريقة مفتوحة متجددة غرضها الوفاق مع الواقع من غير اضطراب، او غرضها الحفاظ على مقاصد الخير الكلية التي بشرت بها الرسالات السماوية، مما يحتم عدم الحرفية.

على ذلك كان مجتمع الجزيرة في وضع لم يؤهل من الناحية العقلية ان يعطى الحقائق كما هي دفعة واحدة، بل أُخضع الى موارد مختلفة من التجارب والخبرات التشريعية المتغايرة غايتها تعليمه كيف يمكن له ان يصل الى الطريقة الصحيحة لفهم الشريعة من حيث علاقتها بالواقع. الامر الذي يدل عليه السلوك المتغاير للتشريع النبوي، وكذلك سلوك الصحابة وتشريعاتهم المتغايرة التي انبنت على مراعاة المقاصد العامة لا الحرفية. وتقريباً لهذه الفكرة نعلم أننا لا يمكن تفهيم القواعد الاخلاقية لغير البالغين الا بالمعنى المطلق المغلق، فبغير هذه الطريقة يكون من السهل ان يساء فهمها وتطبيقها في واقع شديد التغير، لكن تجارب الحياة تتيح للانسان ان يتعلم ان فهم هذه القواعد وتطبيقها لا يصح الا على النحو النسبي تبعاً لطبيعة الواقع وحيثياته المتغايرة. لهذا فالانسان لا يمكنه ان يستغني عن العبرة والارشاد، فمنهما يستلهم كيف يمكنه ان يفهم ويطبق القواعد الاخلاقية والتشريعية في مواقعها الصحيحة المناسبة. من هنا يمكن ان نعلم لماذا لم يوضح الخطاب مطالبه بشكل كاف وواف لجميع الاجيال. ذلك انه مـن جـهة لم يـرد أن يكـون خـطابه خـارج ما وضعـه من سـنن قائمة على مراعات الاسباب ومسبباتها، وبذلك فانه يتسق ويتماشى مع ما وضعه من سنن تكوينية، وهنا ان التشريع يتفق مع التكوين، حيث كلاهما يتبع السنن التدريجية الموضوعة. فمثلما ان الانسان ظل آلاف السنين يكابد دون ان يتمكن من ان يعرف كيف يقضي على كثير من المشاكل الحياتية التي تعترض سبيله كالامراض القاتلة مثل السل والطاعون وغيرهما، حتى استطاع في النهاية أن يعرف ذلك، وانه لا زال ينتظر سنين طويلة ليتمكن من معرفة كيفية القضاء على سائر ما يعترضه من مشاكل وصعوبات حياتية واجتماعية.. كذلك فانه في مجال التشريع عليه أن يكابد ليتعلم من خلال ما أوحى اليه الباري من نعمة التشريع النبوي ومن خلال دراسة الواقع والجدل معه الى ان يضع اصبعه على الكثير من النقاط التي ظل يعاني منها قروناً طويلة.

أما من جهة اخرى، فهو ان ايضاح ما يريده الخطاب لا يتحقق وسط مجتمع كان بمثابة ناشئ صغير لم يعِ من الواقع شيئاً، لذلك فقد يسيء استخدام ما يكشف عنه، فيأتي الايضاح بالضرر أكثر مما يجنيه من نفع، طالما ان الواقع لم يبلغ درجة كافية من التطور الذي يفتح مدارك الانسان، وعليه كان لا بد من مراعاة السلوك والسيرة للتفهيم عوضاً عن التصريح المباشر. وهو امر سلكه الخطاب على مستويات عدة؛ كما في النسخ والنسأ والتدرج في الاحكام، فضلاً عما مارسته السيرة النبوية العطرة من التنويع والتغيير في الاحكام، حتى صرح ابن القيم بعد ذكره للكثير من المسائل التي يدركها وجدان العقل ويقدر ما فيها من تخصيص لما ورد من أحكام، منصوصة بلفظ العموم والاطلاق وذلك طبقاً لما ((جرى العمل فيه على العرف والعادة، ونزل ذلك منزلة النطق الصريح اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال))، مؤكداً بأن الشريعة لا ترد حقاً ولا تكذب دليلاً ولا تبطل أمارة صحيحة ( 4 7).

هكذا تصبح شبه الجزيرة العربية ليست مركزاً يستقى منها الاحكام الحضارية لسائر دوائر الخليقة على مدى الدهور الى يوم القيامة، بل هي نموذج طُبق عليه شطر من الاحكام التي ناسبتها واتفقت مع ما كانت عليه من ظروف خاصة، أما سائر الظروف الاخرى فلا يشترط أن يُطبق عليها نفس تلك الاحكام، سواء بالقياس او الاستصحاب، اذ كلاهما لا يتسقان مع طبيعة التغير الحاصلة في ظروف الواقع واحواله، وبالتالي فليست تلك المنطقة منطقة قطب ومركز، بل انها نقطة ارشاد وعبرة. وهذا التحليل وجدناه اقرب ما يكون الى فلسفة محمد اقبال الذي استعان في نظريته بالفقيه المجدد الشاه دهلوي (المتوفي سنة 6 7 1 1هـ)، والذي لا يخلو من تأثره بالشاطبي في فهمه للشريعة وعلاقتها بالظروف الخاصة التي نزلت فيها والتي اشرنا اليها من قبل. فقد استند اقبال الى فكرة تطبيق مبادئ الشريعة على نموذج معين من صور الحياة الاجتماعية للامة طبقاً لاحوالها واعرافها الخاصة، وذلك بتطبيق جملة من الاحكام التي تناسب تلك الحياة تبعاً لعاداتها واحوالها، وحيث ان الامم تختلف في ذلك فانه لا يمكن ان يكون التطبيق موحداً وإن كانت المبادئ تظل واحدة وقابلة للتطبيق على مختلف صور الحياة بما يجعل الشريعة شاملة وحاكمة على مجريات الواقع رغم اختلاف الزمان والمكان ( 5 7). وهذا العرض يتسق من بعض الوجوه مع ما أفاده الفقهاء من ربط الاحكام بالعوائد، كما هو الحال مع القرافي والشاطبي وابن القيم وغيرهم، وذلك تبعاً للمقاصد الشرعية.

بذلك ندرك ان القول بان الشريعة الاسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان؛ هو قول صحيح تماماً وذلك عندما يكون فهم الشريعة - في القضايا الحضارية - غير متوقف على الحدود البيانية او الحرفية الخاصة، مراعياً في الأمر اتباع المقاصد العامة لها، مع أخذ الواقع بعين النظر والاعتبار. وهو امر سوف نعمل على اجلائه في حلقة اخرى قادمة إن شاء الله تعالى.

الهوامش

( 1) وهي خمسة في الرأس واخرى في الجسد، ففي الرأس: المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والفرق والسواك. وفي الجسد: الاستنجاء وتقليم الاظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان، وكلها مقررة من قبل الاسلام كسنة من السنن. الشهرستاني: الملل والنحل، ص 2 4 2.

( 2) الملل والنحل، ص 1 4 2ــ 2 4 2. وتفسير ابن كثير، ج 2، ص 2 6.

( 3) ابن الحسين المكي، محمد علي: تهذيب الفروق،، ج 1، ص 4 3 و 8 3.

( 4) جاء في صحيح البخاري عن السيدة عائشة قالت بأن رسول الله (ص) كان قد ((أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر)). وعنها أيضاً قالت: ((كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله (ص) يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه)) العسقلاني، ابن حجر: فتح الباري، ج 4، ص 8 9 1. كذلك انظر: مالك: الموطأ، رواية القعنبي، ص 2 2 2. الهمذاني، ابو بكر محمد بن موسى: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الاثار، ص 5 3 1. ابن رشد: البيان والتحصيل، ص 3 2 3.

( 5) الشاطـبي: المـوافقات في اصول الـشريعة، ج 2، ص 7 0 3. تفسير ابن كثير، ج 2، ص 2 6. النجفي، محمد حسن: جواهر الكلام، ج 2 4، ص 7.

( 6) الموافقات، ج 2، ص 7 0 3.

( 7) العاقلة هي جمع عاقل وهو دافع الدية للقتل الخطأ. وسميت بالعاقلة لأنها تعقل الدماء من السفك، أي تحبسها وتمنعها. والمقصود بالعاقلة اصطلاحاً بأنها الدية التي تتحملها عشيرة أو قبيلة القاتل بالقتل الخطأ أو شبه العمد (الشوكاني: نيل الاوطار، ج 7، ص 3 4 2).

( 8) القسامة هي مصدر أقسم قسماً، وتعني الأيمان او الحلف. ومن حيث الاصطلاح الفقهي فانها تعني الحلف الوارد من قبل جماعة ضمن شروط معينة بعدم القتل. وكيفيتها هو ان يحلف خمسون رجلاً من أهل المنطقة التي وجد فيها القتيل على أنهم ما قتلوه ولا عرفوا من قتله، يختارهم ولي القتيل، ثم يحكم على أهل المنطقة جميعاً بالدية. وقد قيل ان اول قسامة كانت في الجاهلية هي في بني هاشم (التشريع الجنائي لعبد القادر عودة، ج 2، ص 3 2 3). لكن رغم ما قيل من ان العلماء اجمعوا على ان النبي (ص) أقر حكم القسامة، الا انهم اختلفوا فيما لو كانت مخالفة لاصول الشريعة ام لا. والذين ذهبوا الى انها مخالفة لاصول الشرع اعتبروا النبي (ص) تلطف وأبقاها ليري المسلمين بطلانها كما هو المنقول عن بعض السلف، حيث ذُكر أن النبي (ص) قال لأصحابه: أتحلفون خمسين يميناً: اعني لولاة الدم وهم الانصار؟ قالوا كيف نحلف ولم نشاهد؟ قال: فيحلف لكم اليهود، قالوا كيف نقبل ايمان قوم كفار؟. وعليه اعتبر المانعون انه لو كانت سنة لقال لهم الرسول هي السنة. وفي القبال رأى مالك كغيره من الائمة الاربعة وسائر القائلين بها ((ان سنة القسامة سنة منفردة بنفسها مخصصة للاصول كسائر السنن المخصصة، وزعم ان العلة في ذلك حوطة الدماء)) (انظر حول القسامة والخلاف حولها المصادر التالية: نيل الاوطار، ج 7، ص 4 8 1. ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج 2، ص 8 2 4. الشافعي: الام، ج 6، ص 0 0 1 ــ 1 0 1. ابن القيم: زاد المعاد، ج 5، ص 1 1. العسقلاني، ابن حجر: بلوغ المرام،، ص 5 6 2).

( 9) خليل عبد الكريم، الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، ص 5 9.

( 0 1) الزحيلي، وهبه: آثار الحرب في الفقه الإسلامي، ص 0 7 6.

( 1 1) لاحظ الفصل الثالث والأربعون المعنون بـ ((في أن حملة العلم في الإسلام اكثرهم العجم))، تاريخ ابن خلدون ج 1، ص 8 4 0 1ــ 9 4 0 1.

( 2 1) صالح احمد العلي، دراسات في تطور الحركة الفكرية في صدر الإسلام، ص 0 4 1. وبهذا الصدد نقل انه (( قال ابن ابي ليلى: قال لي عيسى بن موسى وكان جائراً شديد العصبية: من كان فقيه البصرة؟ قلت الحسن بن ابي الحسن. قال ثم من؟ قلت محمد بن سيرين. قال فما هما؟ قلت موليان. قال: فمن كان فقيه مكة؟ قلت عطاء بن ابي رباح، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وسليمان بن يسار. قال فما هؤلاء؟ قلت موالي. قال: فمن فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن اسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافع بن ابي نجيح. قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالي. فتغير لونه، ثم قال: فمن افقه اهل قباء؟ قلت ربيعة الرأي، وابن ابي الزناد. قال: فما كانا؟ قلت: من الموالي. فاربد وجهه، ثم قال: فمن كان فقيه اليمن؟ قلت: طاووس وابنه، وهمام بن منبه. قال فما هؤلاء؟ قلت من الموالي. فانتفخت اوداجه، وانتصب قاعداً، ثم قال: فمن كان فقيه خراسان؟ قلت عطاء بن عبد الله الخراساني. قال: فما كان عطاء هذا؟ قلت مولى. فازداد وجهه تربداً، واسود اسوداداً حتى خفته. ثم قال فمن كان فقيه الشام؟ قلت مكحول. قال فما كان مكحول هذا ؟ قلت مولى. فازداد تغيظاً محنقاً، ثم قال: فمن كان فقيه الجزيرة؟ قلت ميمون بن مهران. قال: فما كان؟ قلت: مولى. فتنفس الصعداء، ثم قال: فمن كان فقيه الكوفة؟ قال: فوالله لولا خوفه لقلت: الحكم بن عيينة، وعمار بن ابي سليمان، ولكن رأيت فيه الشر، فقلت ابراهيم والشعبي. قال: فما كانا؟ قلت: عربيان. قال: الله اكبر، وسكن جأشه)) (ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 3، تحقيق د. عبد المجيد الترحيني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 4 0 4 1هـ ــ 3 8 9 1م، ص 3 6 3ــ 4 6 3).

( 3 1) الموافقات، ج 2، ص 9 6 و 9 7.

( 4 1) تجديد التفكير الديني، ص 7 9 1ــ 8 9 1.

( 5 1) مقدمة ابن خلدون، ص 9 7 2.

( 6 1) العامـلي، حـسن بن زين الدين: معـالم الدين ومـلاذ المجتـهدين، ص 9 6 2ــ 0 7 2 و 7 4 3. والوحيد البهبهاني: الفوائد الحائرية، ص 2 5 1ــ 4 5 1. وفرائد الاصول، ج 1، ص 1 7. وكفاية الاصول، ص 6 6 2 وما بعدها.

( 7 1) قوانين الاصول، ص 0 5 4. لذلك فان هذه القضية أخذت أبعاداً هامة من التنظير الاصولي لدى بعض المتأخرين ؛ اعتماداً على وجود فوارق كبيرة بين من قُصد افهامه من الحاضرين وبين من لم يُقصد افهامه من الغائبين. اذ ان من قُصد افهامه كان على علم بالاحكام، بينما من لم يُقصد افهامه لم يتمكن الا تحصيل الظن حيث لا يجد علماً قاطعاً. وذلك واضح من حيث اختفاء قرائن الوضوح عنا كغائبين، فضلاً عن المشاكل التي تخص الرواية من حيث السند والمتن، وانه يكاد لا يحصل على الروايات القاطعة. لهذا أُعتبرت ظواهر الكتاب ليست حجة على من لم يُقصد افهامه لذهاب قرائن الفهم والوضوح (الكفاية، ص 4 2 3ــ 7 2 3. وفرائد الاصول، ج 1، ص 8 6 وما بعدها). ولم يستبعد الانصاري ان ما خفي عنا من الأخبار والقرائن اكثر مما ظفرنا بها، كالقرائن المتصلة الحالية وما اعتمد عليه المتكلم من الامور الصارفة لظاهر الكلام (فرائد الاصول، ج 1، ص 8 6). بل ان البعض منع طبقاً لذلك التكليف بالمجمل، وذلك عندما يكون معلوماً بالتفصيل لدى الحاضرين، لكنه مجمل علينا نحن الغائبين، مثلما هو الحال مع المحقق القمي (فرائد الاصول، ج 2 ص 1 5 4 و 2 5 4).

( 8 1) يرجع هذا القول الى ابن حنبل. انظر: ابن الجوزي، مناقب الامام احمد بن حنبل،، ص 3 9 1. وهو قول على شاكلة ما سبق اليه الشافعي بقوله: ((العلم طبقات شتى.. ولا يصار الى شيء غير الكتاب والسنة، وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من اعلى)) الام، ج 7، ص 0 5 2. وتاريخ المذاهب الاسلامية، ص 0 6 4. والرويشد: قادة الفكر الاسلامي عبر القرون، ص 1 6.

( 9 1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم،ج 2، ص 9 3 1. الطبري: جامع البيان، ج 9 2، ص 4. الجامع لاحكام القرآن، ج 8 1، ص 1 1 2، الماوردي: النكت والعيون/تفسير الماوردي، ج 3، ص 5 0 4. أحكام القرآن، ج 3، ص 8 4 1 1.

( 0 2) الشوكاني: فتح القدير،ج 2، ص 3 4 1.

( 1 2) أبو جعفر الطوسي: التبيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 2 1 2ــ 3 1 2.

( 2 2) الجامع للقرطبي، ج 4 1، ص 2 8.

( 3 2) صحيح البخاري، كتاب التفسير، ج 5، ص 9 1 2. وجامع البيان للطبري، ج 1 2، ص 8 8ــ 9 8. والجامع للقرطبي، ج 4 1، ص 2 8. وتفسير ابن كثير، ج 3، ص 8 8 3ــ 9 8 3. كذلك: الالوسي: روح المعاني، ج 1 2، ص 1 1 1.

( 4 2) فتح القدير، ج 4، ص 5 4 2.

( 5 2) الجامع للقرطبي، ج 4 1، ص 3 8. وجامع البيان للطبري، ج 1 2، ص 7 8ــ 8 8. وتفسير الماوردي، ج 3، ص 0 9 2. وفتح القدير، ج 4، ص 5 4 2ــ 6 4 2.

( 6 2) الطبرسي، ابو علي الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 8، ص 6 9.

( 7 2) جامع البيان للطبري، ج 1 2، ص 8 8. وروح المعاني، ج 1 2، ص 1 1 1ــ 2 1 1.

( 8 2) تفسير الماوردي، ج 3، ص 9 8 2.

( 9 2) احكام القرآن، ج 2، ص 8 3 7ــ 9 3 7.

( 0 3) الجامع، ج 7، ص 2.

( 1 3) الجامع للقرطبي، ج 4 1، ص 2 8.

( 2 3أ) دراز، محمد عبد الله: مدخل الى القرآن الكريم، ص 0 8 1.

( 2 3ب) رشيد رضا: تفسير المنار، ج 7، ص 7 6 4.

( 3 3) الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، ج 6 1، ص 8 3 2.

( 4 3) تفسير الماوردي، ج 2، ص 0 1 1.

( 5 3) تفسير ابن كثير، ج 2، ص 8 7 2ــ 9 7 2. وجامع البيان للطبري، ج 0 1، ص 0 3. كذلك: الطوسي، ابو جعفر: المبسوط في فقه الامامية، ج 6، ص 9 8 2.

( 6 3) جامع البيان، ج 0 1، ص 9 2.

( 7 3) التبيان، ج 5، ص 8 4 1.

( 8 3) الرازي: التفسير الكبير، ج 5 1، ص 5 8 1ــ 6 8 1.

( 9 3) السيوطي: الحاوي للفتاوى، ج 1، ص 4 4 2.

( 0 4) الحاوي للفتاوى، ج 1، ص 4 4 2.

( 1 4) روح المعاني، ج 0 1، ص 4 2 و 5 2.

( 2 4) دهلوي، الشاه ولي الله: المسْوى شرح الموطأ، ج 2، ص 3 0 3ــ 4 0 3.

( 3 4) زيدان، عبد الكريم: المفصل في احكام المرأة، ج 4، ص 0 2 4.

( 4 4) الجامع للقرطبي، ج 8، ص 5 3 و 7 3.

( 5 4) روح المعاني، ج 0 1، ص 5 2.

( 6 4) حسن، محمد صديق: نيل المرام من تفسير آيات الاحكام، ص 5 8 3.

( 7 4) الميزان، ج 9، ص 0 3 1ــ 1 3 1.

( 8 4أ) المفصل في احكام المرأة، ج 4، ص 1 2 4.

( 8 4ب) رشيد رضا: تفسير المنار، ج 0 1، ص 9 3 1.

( 9 4) الحكيم، محمد تقي: الاصول العامة للفقه المقارن، ص 8 8 3.

( 0 5) مطهري: نظام حقوق المرأة في الاسلام، ص 2 9ــ 3 9.

( 1 5) الخياط، عبد العزيز: نظرية العرف، ص 6 6.

( 2 5) المفصل في احكام المرأة، ج 4، ص 7 1 4.

( 3 5) ابو شريعة، اسماعيل ابراهيم محمد: نظرية الحرب في الشريعة الاسلامية، ص 7 7.

( 4 5) مجمع البيان، ج 8، ص 1 8 1. وفتح القدير، ج 4، ص 4 0 3.

( 5 5) قيل في الجلباب ثلاثة أقوال: أحدها انه الرداء، قاله ابن مسعود والحسن. والثاني انه القناع، قاله ابن جبير. والثالث انه كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، قاله قطرب. وذُكر في إدناء الجلابيب عليهن قولان: احدهما ان تشده فوق رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا تُرى ثغرة نحرها، قاله عكرمة. والثاني هو ان تغطي وجهها حتى لا تظهر الا عينها اليسرى، قاله عبيدة السلماني (تفسير الماوردي، ج 4، ص 3 2 4ــ 4 2 4).

( 6 5) تفسير ابن كثير، ج 3، ص 8 1 5ــ 9 1 5. حديثاً رجح الطباطبائي تفسير الاية بالمعنى الذي فيه يُعرفن النساء أنهن أهل الستر والصلاح فلا يؤذين. ولم يرجح التفسير المشهور بأن الغرض من الجلباب في الاية هو لخصوص المسلمات الحرائر، كي لا يتعرض لهن احد، فيتميزن عن الإماء وغير المسلمات (الميزان، ج 6 1، ص 0 4 3).

( 7 5) القرضاوي: الصحوة الاسلامية، ص 3 5 1

( 8 5) ال عمران/ 4 1. قال القرطبي بصدد هذه الاية: ((قال العلماء: ذكر الله تعالى أربعة اصناف من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس، أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، أما الانعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق ــ اي السواد والقرى وأحدها رستاق ــ)) (الجامع، ج 4، ص 6 3).

( 9 5) الام، ج 8، ص 2 7 5. الكيا الهراسي: احكام القرآن، ج 1ــ 2، ص 6 2 1. السباعي، مصطفى: السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي، ص 8 8. ابن تيمية: مجموع فتاوى ابن تيمية، ج 9 2، ص 8 4. ونيل الاوطار، ج 8، ص 8 3 2.

( 0 6) المبسوط للطوسي، ج 6، ص 1 9 2ــ 2 9 2. جواهر الكلام، ج 8 2، ص 7 1 2ــ 8 1 2.

( 1 6) الكاساني، ابو بكر بن مسعود: بدائع الصنائع، ج 6، ص 6 0 2.

( 2 6) ابو يوسف: الخراج، ص 4 0 1. ابن سلام، ابو عبيد القاسم: الاموال، ص 3 2 1. ابن فرج القرطبي، عبد الله محمد: أقضية رسول الله، ص 7 1 1.

( 3 6) مغنية، محمد جواد: فقه الإمام جعفر الصادق، ج 2، ص 9 4 ــ 1 5. المحقق الحلي، نجم الدين: شرائع الإسلام، ج 3، ص 2 7 2ــ 3 7 2.

( 4 6) فقه الإمام جعفر الصادق، ج 3، ص 4 3 1.

( 5 6) فقه الامام الصادق، ج 4، ص 5 3 2ــ 6 3 2. كذلك: اصول الاثبات في الفقه الجعفري، ص 5 3 2ــ 7 3 2. كما انظر: مدخل الى فهم الاسلام، ص 0 5 ــ 1 5.

( 6 6) الجامع للقرطبي، ج 8، ص 5 3. ومجموع فتاوى ابن تيمية، ج 9 2، ص 8 4. والمسوى شرح الموطأ، ج 2، ص 4 0 3.

( 7 6) روح المعاني، ج 0 1، ص 5 2.

( 8 6) الخراج، ص 9 9 و 0 0 1. علماً انه روي الحديث الأخير بشكل آخر هو: (( الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)) (الاموال لابن سلام، ص 4 2 1. ومجموع فتاوى ابن تيمية، ج 9 2، ص 8 1 2ــ 9 1 2). وفي حادثة ان أحداً سأل النبي عن الشيء الذي لا يجوز منعه فقال (ص): الماء. قال: وماذا أيضاً ؟ قال (ص): الكلأ. قال وماذا؟ قال (ص): الملح (الاموال، ص 4 2 1).

( 9 6) مع هذا فقد كان الكثير من القدماء يدركون ان نصوص الخطاب ليست في حد ذاتها خالية عن احتمالات المعاني ووجوهها، وبالتالي فان ما تفيده لا يتعدى الظن، الأمر الذي يبرر ظاهرة التوجيه والتأويل كما هو رأي الغزالي والفخر الرازي والشريف المرتضى وغيرهم. وقد صرح الماوردي بهذا الصدد كما في (نصيحة الملوك) قائلاً: ((كلام كل كتاب وأخبار كل نبي لا يخلو من احتمال تأويلات مختلفة، لأن ذلك موجود في الكلام بنفس طباعه، ولا كلام أولى بهذه الصفات من كلام الله جل ذكره، إذ كان أفصح الكلام وأوجزه وأكثره رموزاً وأجمعه للمعاني الكثيرة (...) ولابد في الدين من وقوع الحوادث (الطارئة) التي يحتاج الى النظر فيها، والنوازل التي لا تستغني العلماء عن استخراجها. ولذلك صار لكل رأي تُبَّع ومشرّعون، وأئمة ومؤتمون. وكان سبباً لاختلاف الأمم وانشقاق عصاها)) (عن: في شرعية الخلاف، ص 5 5).

( 0 7) الموافقات، ج 2، ص 8 0 3 و 8 1 3.

( 1 7) قال الواحدي: ان من الممتنع معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (الواحدي، علي بن احمد النيسابوري: أسباب النزول، المقدمة، ص 2 1. والاتقان، ج 1، ص 3 9). وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. كما قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فان العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب (الاتقان ج 1، ص 3 9).

( 2 7) الاتقان، ج 1، ص 2 9.

( 3 7) انظر بهذا الصدد دراستنا: الاجتهاد والتقليد والاتباع والنظر، ص 2 4.

( 4 7) ابن القيم: الطرق الحكمية، ص 7 2ــ 8 2. وابن عابدين: نشر العرف، ص 8 2 1.

( 5 7) تجديد التفكير الديني في الاسلام، ص 7 9 1ــ 8 9 1 .

ليست هناك تعليقات:

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار