رواد الفكر الحديث وتجديد النظر في الدين
يحيى محمد
اذا ما عملنا مقارنة بين رواد الفكر الحديث من امثال محمد عبده والكواكبي ورشيد رضا وبين غيرهم من الفقهاء والمفسرين التقليديين، سنجد ان هناك تطلعات واهدافاً اتجه نحوها اولئك المفكرون بعيداً عن التحفظات والمسالك التي ورثها الاخرون. فالمثقف الديني من الرواد يقف موقفاً مضاداً للنهج الذي خطّه الفقيه والمفسر التقليدي قديماً وحديثاً، وقد اتصفت اراؤه بالجرأة والصراحة.
ان اهم ما امتاز به المثقف الديني هو انه دعا الى تجديد النظر في الدين، ولم يتوقف عند حد فتح باب الاجتهاد بالمعنى التقليدي. كما انه حوّل النص الى مرتع للنظر لدى جميع المدركين ليفيدوا منه ما يفهمونه من دون التوقف عند حدود ما يقوله المفسر والفقيه وما اليهما من اصحاب الطرق التقليدية. وهو بهذا يعد نفسه غير مرتبط بالفقيه والمفسر التقليدي لعدة اعتبارات كالاتي:
1ــ انه على الاقل لا يعمل بالتقليد الذي هو شأن غالب الفقهاء، بل انه يعده من اهم اسباب انحطاط الامة وتخلفها. بل في احيان معينة نجد ان المثقف ينكر التقليد كلياً ويعده من الشرك الذي تجب محاربته من غير هوادة كالذي يذهب اليه رشيد رضا واستاذه محمد عبده، ومن ذلك شهادته على مقلدة الفقهاء وكيف انهم ساروا بطريق يخالفون فيه نصوص الايات او ظواهرها،
2ــ انكار المثقف الديني للتنطعات والتدقيقات الفقهية، ومن ذلك ان الكواكبي في (ام القرى) اعتبر ان توسيع الفقهاء لدائرة الاحكام انتج تضييق الدين على المسلمين تضييقاً اوقع الامة في ارتباك عظيم، بحيث جعل المسلم لا يكاد يستطيع ان يعد نفسه مسلماً ناجياً لتعذر تطبيق جميع عباداته ومعاملاته تبعاً لطلبات الفقهاء المتشددين الاخذين بالعزائم.
من جانب آخر ضرب الكواكبي مثلاً بارزاً على التوسع المغالي فيما ورد من اراء كثيرة عن الاحكام الخاصة بالسواك، اذ جاء عن النبي (ص) قوله: >لولا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك<، فعلى هذا الحديث تشعبت الاراء واتسعت، حيث اخذ الفقهاء يبحثون عن نوع العود المستخدم في السواك وعن طوله وطريقة استعماله والامكنة والاوقات التي ينبغي فيها استخدامه وما الى ذلك من تفريعات منافية للمقصد الشرعي.
3ــ والمثقف الديني اذ لا يعول على الفقيه بالتقليد ولا يعمل بالتنطعات والتدقيقات الفقهية فان له طرقاً معرفية عدة قام بممارستها، ويمكن تصنيفها الى اربع طرق رئيسة كالاتي:
الاولى: انفتاحه على النص مباشرة دون وسائط الفقهاء عادة. فالكواكبي قد شدد في (طبائع الاستبداد) على ضرورة فهم القرآن من غير تقييد وذلك طبقاً لمسلمة كون الدين مبنياً على العقل، وانه لا بد من التبصر في مقاصده. فالقرآن الكريم من اوله الى اخره اذا ما لوحظت مقاصده وتفهم اسباب نزول آياته لا تجد فيه من حكم الا وتلقاه العقل بالاجلال والاعظام من غير حاجة للرجوع الى غيره ممن عمل بالتوسعة والتدقيق وبالتالي التشويش والتضليل.
كذلك فان محمد عبده طالب بقراءة القرآن وفهمه مباشرة بعيداً عن التفاسير التي حذّر منها. كما ان رشيد رضا اعتبر ان مسائل الدين البحتة من العبادات والحلال والحرام لا يُرجع فيها الى اراء الفقهاء، وانما تُسند مباشرة الى الشرع من الكتاب والسنة. أما المسائل الدنيوية كالقضاء والسياسة فهي مفوضة بأمر الله الى اولي الامر الذين هم رجال الشورى من أهل الحل والعقد، وما يقررونه يجب على حكام المسلمين تنفيذه وعلى الرعية قبوله. وهذا يعني - بحسب رأي هذا المفسر - انه سواء في القضايا الدينية البحتة، او القضايا الدنيوية فانه لا يصح الاعتماد على رأي الفقهاء.
بل من حيث الدقة ان المثقف الديني اذ ينفتح على النص مباشرة فانه يميل في كثير من الاحيان باتجاه الفهم المجمل. فهو كثيراً ما ينزع على الدين نزعة الاجمال ولا يرضى بالتدقيقات والتنطعات التي الفها الفقهاء واهل الاختصاص، بل يميل الى اعتبار التدقيقات ليست صفة الدين ذاته وانما هي صفة الواقع لامكانية اختباره ومعرفة قضاياه بسهولة. وربما لهذا نجد مثلاً ان الكواكبي يصرح في (طبائع الاستبداد) بالاجمالية في عدد من العبارات، منها اعتباره ان الاسلام >وضع شريعة حكمة اجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان<. وعليه اعتبر ايات الاحكام لا تعدو عن مائة وخمسين آية، وفي محل اخر عدها لا تتجاوز المائة. وقد امتدح الطريقة التي بها يُفهم المعنى المتبادر باطمئنان مع النفور عن التوسع في البحث وعدم اعارة السمع للاشكالات، ومن ثم لا حاجة للتدقيقات والابحاث التي تسبب التشديد. بل اكثر من هذا انه اكد على ضرورة التمسك بكل ما يقبل الاتفاق وترك غيره من الموارد التي تثير الاختلاف، وذلك عن طريق الاجتماع على ما نعلمه ونفهمه من النصوص والتخلي عن كل ما يرد من نقول متخالفة.
وشبيه بهذا الموقف نجد ما يؤكده رشيد رضا في موارد الاخذ بالقطعيات وتقليص دائرة الاحكام والتكاليف، مؤيداً موقفه هذا بذكر احد الشواهد من السيرة النبوية، وهو ان بعض الاعراب كان يجيء النبي (ص) من البادية فيسلم، فيعلّمه النبي ما أوجب الله وما حرم عليه في مجلس واحد فقط، فيعاهده الاعرابي على العمل به، فيقول النبي (ص): >أفلح الاعرابي إن صدق<. فهذا الشاهد يمثل عند رشيد رضا اعظم اسباب قبول الناس بالاسلام، >لكن الفقهاء أكثروا التكاليف بآرائهم الاجتهادية حتى صار العلم بها متعسراً، والعمل بها متعذراً<. ورشيد رضا يتمسك بالمطالبة بكل ما هو قطعي بحيث يفهمه كل من عرض عليه النص، أما ما هو غير قطعي من الآيات الظنية الدلالة والاحاديث الاحادية الظنية الرواية او الدلالة فهي عنده موكولة الى اجتهاد من تثبت عنده في العبادات والاعمال الشخصية، والى اجتهاد اولي الامر في الاحكام القضائية والمسائل السياسية (المنار، ج11، ص262 و362 (.
الثانية: التمسك بمسلك السلف الاوائل قبل بروز الاختلاف ونشأة الفرق والمذاهب، ولو من خلال تحقيق بعض المتأخرين كابن تيمية، وذلك في القضايا الغيبية والمسائل العبادية. واكبر الظن ان هذا المعنى الذي اتجه صوبه بعض المثقفين الرواد، كالذي يلاحظ بوضوح لدى محمد عبده ورشيد رضا، انما جاء كرد مناسب على الطريقة السائدة لدى العلماء والفقهاء الذين يذهبون مذهب التقليد للمذاهب المعروفة، سواء في الاصول او الفروع.
الثالثة: ممارسة النظر والترجيح بين الاراء العلمية الموروثة في الحالات التي لا يسعفه النص ولا يجد طريقة اخرى تقربه الى التحقيق.
الرابعة: الاعتماد على مصادر معرفية اخرى مستمدة من العقل والواقع. وهذا ما سنركز الحديث عليه كالاتي:
المثقف الديني وتوسعة المصادر المعرفية
لقد اعاد المثقف الديني العقل الى اطاره الطليعي كمصدر مهم للفهم والتوليد المعرفي، اذ كان على وعي من ان حصر المعرفة بالنص لا يجدي نفعاً. وبذلك عبّر الكواكبي في (ام القرى) من انه >اضحى المسلمون محتاجين للحكمة العقلية التي كادت تجعل الغربيين ادرى منّا حتى في مباني ديننا<. وهو يؤكد بأن ميزة الدين الاسلامي كونه مبنياً على العقل المحض، وبالتالي انه >افضل صارف للفكر عن الوقوع في مصائد المخرفين، وانفع وازع يضبط النفس من الشطط، واقوى مؤثر لتهذيب الاخلاق، واكبر معين على تحمل مشاق الحياة، واعظم منشط على الاعمال المهمة الخطرة، واجل مثبت على المبادئ الشريفة، وفي النتيجة يكون اصح مقياس يستدل به على الاحوال النفسية في الامم والافراد رقياً وانحطاطاً.
من جانب اخر فقد عُد النظر الى الواقع مصدراً رئيسياً للمعرفة لا غنى عنه. فمحمد اقبال عبّر عن هذا المصدر في (تجديد التفكير الديني في الاسلام) بالتجارب والملاحظات والخبرات، بل ورأى ان هناك اتجاهاً تجريبياً عاماً للقرآن يتبدى من خلال ما يستهدفه من ضرورة التأمل للطبيعة، مؤكداً ان النظر في الكون والآفاق والانفس، وكذا الوقوف على أخبار الأولين، هي من مصادر المعرفة الانسانية بحسب القرآن الكريم. أما مرجعية الواقع بنظر الكواكبي فانها تشمل مختلف الميادين، بما فيها الواقع الغربي، وكذا التجارب الحضارية والحاجات الاجتماعية وجميع اصناف الثقافة المعتمدة على الموضوعات الخارجية؛ كالعلوم الاجتماعية من الحقوق والسياسة والاقتصاد والفلسفة العقلية والتاريخ القومي والجغرافي والطبيعي والسياسي والادارة الداخلية والحربية.
واذا كان البعض من الرواد الأوائل من ابدى انه لا يعمل بغير الكتاب والسنة، كالذي نراه لدى محمد عبده وتلميذه رشيد رضا، فواقع الامر ان تصريحات كهذه انما اتت كرد على مسلك الفقهاء المقلدين الذين وضعوا النصوص المباشرة من الكتاب والسنة خلف اظهرهم. وهو ما يتبين مما ذكره رشيد رضا نقلاً عن محمد عبده بأن شيخاً من اكبر الشيوخ سناً وشهرةً في العلم قال في مجلس ادارة الازهر على مسمع الملأ من العلماء: >من قال انني اعمل بالكتاب والسنة فهو زنديق<، يعني انه لا يجوز العمل الا بكتب الفقهاء. فردّ عليه محمد عبده قائلاً: >من قال انني اعمل في ديني بغير الكتاب والسنة فهو الزنديق< (المنار، ج4، ص382).
صحيح ان هذين العَلَمين يعملان بالكتاب والسنة كمختصين لا يختلفان من هذه الناحية عن الفقيه، الا انهما لم يتوقفا عند هذا الحد، بل اضافا الى ذلك مصدراً معرفياً هاماً مستمداً من الواقع، الى الدرجة التي عملا فيها على تأويل النص لصالح الواقع، او ترجيح مطالب هذا الاخير على الاول، خصوصاً اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار مدى الضغوط الزمنية والحضارية التي صادفتهما. ويكفي ان نعلم بان رشيد رضا قد رجّح العلوم الكونية على الفقهية والكلامية في فهم القرآن، وانه اعتبر ادخال العلوم الطبيعية هو اهم اركان التفسير والعمل بهدي القرآن لامتلائه بذكر آيات الله في خلق السماوات والارض. الامر الذي دعاه الى الجمع بين العلمين الكوني والديني. كل ذلك مما له دلالة على ما للواقع من مرجعية معرفية تأسيسية في فهم النص.
على ان اعتماد المثقف الديني على الواقع كمصدر رئيسي واساسي للمعرفة جعله يبعد نفسه عن الممارسة التقليدية لدى المفسر والفقيه. وهي الممارسة التي تمعن النظر في النص عبر غور معالمه اللغوية والالتزام بصورها الحرفية، او من حيث الارتباط غير المباشر بالنص عبر آليات التقليد التي لجأ اليها الفقهاء المتأخرون التابعون للأئمة الاوائل. فعلى عكس ذلك لجأ المثقف الى التعامل مع النص تارة بالتأويل والتوجيه بحسب ما تفرضه المعرفة المستوحاة من الواقع، واخرى من حيث اعتباره مجملاً يحتاج الى التفصيل المستمد من النظر الى هذا الواقع واعتباراته، كالنظر الى تجارب المجتمعات والتأثر بميادين العلم. وبالتالي فقد جعل المثقف من الواقع اداة لفهم النص؛ مبعداً نفسه في ذلك عن التدقيقات اللغوية التي يوليها كل من المفسر والفقيه جلّ اهتمامه.
اذن فالمثقف الديني يجعل من الواقع اداة موظفة لدورين في علاقته مع النص:
دور التفصيل: وهو الدور الذي أُعتبر فيه النص مجملاً لا يحل اجماله عادة بالطرق التقليدية من التحليل اللغوي، وانما بفعل ما يقدمه الواقع من تفصيل. ومن ذلك ما اشار اليه محمد عبده وهو بصدد تفسيره لاية اختلاف الناس ((كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين))، معلقاً عليها بقوله: أنا لا اعقل كيف يمكن لأحد ان يفسر الاية وهو لا يعرف احوال البشر، وكيف اتحدوا، وكيف تفرقوا؟ وما معنى تلك الوحدة التي كانوا عليها؟ وهل كانت نافعة أم ضارة؟ وماذا كان من آثار بعثة النبيين فيهم. لقد اجمل القرآن الكلام عن الامم، وعن السنن الالهية، وعن آياته في السماوات والارض، وفي الافاق والانفس، وهو اجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علماً، وأمرنا بالنظر والتفكر، والسير في الارض لنفهم اجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالاً، ولو اكتفينا من علم الكون بنظرة في ظاهره، لكنا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده لا بما حواه من علم وحكمة (المنار، ج1، ص32.كذلك: محمد عبده: مشكلات القران الكريم، ص71ــ81.)
ثم ان محمد عبده ذكر بصدد حاجة المفسّر الى التعرف على الواقع لأجل تبيان دور القرآن في هداية البشر جميعاً، معتبراً ان من الواجب عليه ان يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوة من العرب وغيرهم، ذلك لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وبالتالي كيف يفهم المفسّر ما قبّحته الايات من عوائدهم على وجه الحقيقة إن لم يكن عارفاً بأحوالهم وما كانوا عليه؟ ثم انه استند الى ما روي عن عمر بن الخطاب بقوله: >إنما تنقض عُرى الاسلام عروة عروة اذا نشأ في الاسلام من لا يعرف الجاهلية<، حيث بيّن ان المراد من ذلك أن من نشأ في الاسلام ولم يعرف حال الناس قبله فانه سيجهل تأثير هدايته وكيف ان الله تعالى غيّر احوال الناس واخرجهم من الظلمات الى النور، >ومن جهل هذا يظن ان الاسلام أمر عادي، كما ترى بعض الذين يتربون في النظافة والنعيم يعدون التشديد في الامر بالنظافة والسواك من قبيل اللغو، لأنه من ضروريات الحياة عندهم، ولو اختبروا غيرهم من طبقات الناس لعرفوا الحكمة في تلك الأوامر وتأثير تلك الاداب من أين جاء< (المنار، ج1، ص32ــ42). فهذا هو دور الواقع في تفصيل ما يجمله النص.
دور التوجيه والتأويل: وهو الدور الذي يغلب أثره عند ربط النص بمباحث العلوم الطبيعية، وكذلك ميادين السنن الكونية والاجتماعية. وقد قام محمد عبده بتبرير ادخال العلوم الطبيعية في التفسير والفهم والتأويل من خلال تأويله لاية ((يتلو عليهم اياته)) مفسراً اياها بأنها عبارة عن بيان الايات الكونية والاستفادة منها والاعتبار بها. وان الكواكبي عدّ المباحث العلمية الحديثة هي تبيان للاعجاز القراني، حتى اخذ يعدد الكثير من الايات التي لم يعرف مضمونها الحقيقي الا بفعل المكتشفات الحديثة.
يظل ان الجمع والتوفيق بين العلمين الكوني والديني كان يشوبه الكثير من التعسف في التأويل لصالح الواقع والنظريات العلمية. فمثلاً قام محمد عبده بتحميل العديد من الايات ما لا تحتمله من معاني التفسير العلمي مما جعله عرضة للنقد. ومن ذلك انه فسر سورة الفيل تفسيراً قائماً على المكروبات والجراثيم، فجوّز ان تكون الطير الوارد ذكرها في السورة عبارة عن بعض الحشرات كالبعوض والذباب، كما وجوّز ان تكون الحجارة هي جراثيم بعض الامراض. كذلك اعتبر رشيد رضا الجراثيم المرضية (المكروبات) يصح ان تكون نوعاً من الجن. كما ان الكواكبي هو الاخر قام بتأويل وتوجيه عدد من الايات طبقاً لما هو سائد من نظريات وحقائق علمية والتي منها حدوث الجدري الذي اصاب اصحاب الفيل بالمكروب ((وارسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل))، وامتلاء الكون بالاثير وانه اصل مادة الحياة ((ثم استوى الى السماء وهي دخان))، وان القمر منشق من الارض ((أفلا يرون أنّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها)) ((اقتربت الساعة وانشق القمر))، وكالاخبار عن المركبات البخارية والكهربائية ((وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون))، وكذا الاخبار عن إمساك الظل او التصوير الشمسي ((ألم ترَ الى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً))، وكذلك تطور الكائنات الحية بحسب ما ادلى به واثبته العلامة داروين ((ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين)).. والكواكبي لا يجد في كل ذلك ما يخالف اصلاً دينياً كما هو الجاري لدى الفقيه والمفسر التقليدي (ام القرى، ص203ــ303. وطبائع الاستبداد، ص454ــ654).
مع هذا نشير الى ان للمفكر الديني دوراً في التعامل المعاكس لما قدمنا وذلك بجعله مقاصد النص ومبادئه العامة تتخذ اطاراً من التوجيه لمفاصل المعرفة المستمدة من الواقع. وبالتالي فان العلاقة بين النص والواقع لدى المثقف الديني هي علاقة مزدوجة من حيث ان المعرفة المستمدة من احدهما تؤثر على الاخرى. لكن بشكل عام يمكن القول ان المثقف الديني يحفظ للنص مقامه ليس في التكوين التجزيئي مثلما هو الحال لدى الفقيه؛ وانما في التوجيه الكلي باعتباره مصدراً للهداية والارشاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق