شروط التقليد


يحيى محمد

لم يقتصر الفقهاء على الإستدلال بجواز التقليد، كما هو معلوم، بل أضافوا إلى ذلك شروطاً تصحح هذه العملية وتجعلها سائغة مجازة أو مبرئة للذمة. ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى نوعين، حيث أن بعضها يتعلق بالمفتي أو المرجع، اما الآخر فيتعلق بالمقلّد. وقد بحث المتأخرون تلك الشروط وحاولوا أن يستدلوا على لزومها بمختلف أنواع الأدلة كما سنرى..

أولاً: الشروط الخاصة بالمرجع ومناقشتها

تتوقف صحة التقليد لدى العلماء على عدة شروط لا بد أن تتوفر في المفتي أو المرجع، بعضها متفق عليه والبعض الآخر مختلف حوله، أهمها: شرط الإسلام والإيمان والعدالة والعقل والبلوغ والحياة والأعلمية والرجولة. ومن الناحية النقدية سنكتفي ببحث الشروط الثلاثة الاخيرة وذلك حسب الفقرات التالية..

أ ـ المرجعية وشرط الحياة

ذهب أغلب رجال أهل السنة المتأخرين إلى جواز تقليد الميت فضلاً عن الحي، بل وإحتج بعض بإنعقاد الإجماع في زمنه على جواز العمل بفتاوى الموتى. بينما حكى الغزالي في (المنخول) إجماع أهل الأُصول على المنع من تقليد الأموات. وكذا ما صرح به ابن ناجي. وكذلك ذهب الفخر الرازي في (المحصول) إلى المنع من تقليدهم( 1). لكن الكثير من الذين أجازوه انما أجازوه للضرورة حيث فقدان المجتهد الحي. فقد قال جماعة من فقهاء القرن السابع الهجري بانه انعقد الاجماع في زماننا على تقليد الميت اذ لا مجتهد فيه، ولو بقي مجتهد واحد في هذا الزمان لكان قوله حجة، ومن هؤلاء الفخر الرازي والرافعي والنووي( 2). وقد سبق لإبن حزم أن ذكر أنه لا يعلم من قال بوجوب تقليد الحي دون الميت قبل الباقلاني( 3)، مما يُحتمل أن يكون هذا الأشعري هو أول من صرح بذلك.

أما في الإتجاه الشيعي فهو على العكس من الإتجاه السني من حيث النتيجة، إذ ذهب الغالبية إلى وجوب تقليد الحي إبتداءاً، ونُقل عن البعض منهم القول بجواز تقليد الميت، وهو المنسوب إلى المحقق القمي، كما ذهب التوني إلى جواز ذلك فيما لو كان المجتهد ممن لا يفتي إلا بمنطوقات الأدلة ومدلولاتها الصريحة أو الظاهرة كالصدوقين( 4). كذلك نُقل عن الأردبيلي والعلامة الحلي القول بالجواز عند فقد المجتهد الحي مطلقاً أو في ذلك الزمان( 5)، وهو ما ذهب إليه الخوئي أيضاً( 6).

وبنظر البجنوردي والخوئي إنه لم يقل بجواز تقليد الميت (الإبتدائي) على إطلاقه سوى الإخبارية والمحقق القمي، وهما مع ذلك يعدان خلافهما لعلماء المذهب لا يمنع من دعوى الإجماع أو التسالم على عدم مشروعية مثل هذا التقليد( 7). ذلك لأن ما ذهب إليه القمي من تجويز تقليد الميت إنما جاء جرياً مع نزعته الخاصة في إنسداد باب العلم والظن المعتبر، حيث تعويله على مطلق الظن، وبالتالي فإنه يجعل للمكلفين رخصة للأخذ بأي ظن كان من غير فرق بين الظن الحاصل من فتاوى العلماء الأحياء أم الموتى، لكنه يشترط الرجوع إلى الأكثر ظناً حتى لو كان ميتاً إنسجاماً مع دليل الإنسداد. أما قول الإخبارية بجواز تقليد الميت فهو أيضاً يتناسب مع نزعتهم الذاهبة إلى عدم جواز التقليد كلياً( 8).

مع أن هذه العبارة تبدو مناقضة لما ينقل عنهم أنهم يجوزون أو يوجبون تقليد الميت، وكان الأولى أن يقال أنهم لا يقولون بالتقليد وإنما بالإتباع من حيث الرجوع إلى رواة الحديث لا المجتهدين( 9)، إذا ما إستثنينا البعض منهم ممن قال بجواز التقليد كضرورة دينية كما هو الحال مع الفيض الكاشاني( 0 1).

أما بخصوص زعم الخوئي والبجنوردي والأصفهاني وغيرهم ممن قال بوجود التسالم أو الإجماع على عدم جواز تقليد الميت؛ فإنه يتنافى مع ما نُقل من أن الناس أصبحوا يقلّدون الشيخ الطوسي لمدة طويلة بعد وفاته قد تقارب القرن من الزمان، وذلك لكثرة إعتقادهم فيه وحسن ظنهم به. فعلى ما نُقل إنه لم يظهر آنذاك مفتٍ على وجه الحقيقة حتى مجيء إبن إدريس الحلي الذي إعترض عليه وعلى آرائه بشدة. لذلك روي عن الحمصي وهو ممن عاصر تلك الفترة قوله: >لم يبق للإمامية مفتٍٍ على التحقيق بل كلهم حاك<( 1 1). الأمر الذي يعني أن الفقهاء آنذاك كانوا بسيرتهم الفعلية لا يمنعون من تقليد الميت، سواء بالنسبة لهم أم لغيرهم من عوام الناس. أما ما إعترض عليه صاحب (الفصول) من أن متابعة الفقهاء للشيخ الطوسي >لم يكن عن تقليد بل عن إجتهاد، ومع التنزل لا بد من فرض عدم كونهم مجتهدين عند أنفسهم<( 2 1).. فهو مردود لكونه يسلم بما نُقل من أن الفقهاء آنذاك إنما عولوا على الطوسي لحسن ظنهم به. وهذا يعني هو أنهم كانوا بمستوى الإجتهاد، إلا أنهم لم يمانعوا من تقليد الميت باعتبارهم رأوا فيه الأعلمية التامة التي تفوق العلم عندهم بمراتب، مثلما حصل الحال عند أغلب الفقهاء لدى الإتجاه السني.

أدلة منع تقليد الميت

أما بالنسبة للمانعين من تقليد الميت فقد إستدلوا بعدة أدلة، منها ما نُقل عن جماعة من دعوى الإجماع، وقد صرح بهذا الإجماع ظاهراً عدد من الفقهاء كصاحب (جواهرالكلام) وصاحب (منتهى الأُصول) وصاحب (الفصول الغروية) وغيرهم( 3 1).

لكنه نُقد من حيث أنه على تقدير تحققه فإنه ليس إجماعاً تعبدياً قابلاً لإستكشاف قول المعصوم، لإحتمال أن يستند ذلك إلى أصالة الإشتغال أو الإحتياط، أو إلى الإعتماد على بعض الأدلة الإجتهادية، أو غير ذلك مما لا يعد من الإجماع التعبدي( 4 1). بل يمكن القول أن هذه المسألة معنونة لدى المتأخرين فكيف يُدّعى عليها الإجماع( 5 1)؟!

كما أُستدل على المنع من جواز تقليد الميت بآية الإنذار في قوله تعالى: ((ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم))، حيث أن الآية ظاهرة في إرادة إنذار المنذر الحي، إذ لا معنى لإنذار الميت. وكذا في قوله تعالى: ((فاسألوا أهل الذكر))، من حيث أن الميت لا يطلق عليه أنه داخل في أهل الذكر بالفعل( 6 1). ومن الواضح أن الآيتين لا تدلان على التقليد من أصله كما سبق أن عرفنا. يضاف إلى أنهما وإن كانا بصدد إرادة الحي، خاصة آية الإنذار، لكنه لا يفاد منهما النهي عن الرجوع إلى الميت ، كما لا يفاد منهما العكس.

كذلك أُستدل ببعض الأخبار، والتي منها قول الإمام: >فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم<، حيث أن الميت غير متصف بشيء مما ذُكر في الحديث، إذ إن لفظة >كان< ظاهرة في الإتصاف بالأوصاف المذكورة بالفعل لا الإتصاف بها في الأزمنة السابقة( 7 1). وهذه الرواية على فرض أنها دالة على المطلوب إلا أنها ضعيفة السند كما مر معنا. وهي فضلاً عن ذلك ظاهرة الدلالة على الأمر بالرجوع إلى الفقهاء الأحياء، لكنها ليست بصدد النهي عن الرجوع إلى الأموات منهم؛ لا ظاهراً ولا دلالة.

رأي الخوئي في الموضوع

أما بخصوص موقف السيد الخوئي؛ فرغم نقده لجميع الأدلة الشرعية التي قُدمت لإثبات المنع من التقليد الإبتدائي للميت كما مرت معنا؛ إلا أنه لجأ إلى دليل آخر يختلف عما سبق. ذلك أنه حيث يرى وجوب تقليد الأعلم، وعلى فرض أن تقليد الميت جائز، وكان هناك من الأموات أعلم من الكل بمن فيهم الأحياء؛ فإن الأمر على ذلك سيفضي إلى أن يكون التقليد منحصراً بشخص واحد في جميع الأعصار، وهذا برأيه مما لا يمكن الإلتزام به لأنه خلاف الضرورة من مذهب الشيعة في عدم حصر المرجعية بشخص معين، وإلا أصبح الأئمة ثلاثة عشر( 8 1). نعم إنه يستثني من ذلك فيما لو لم يتمكن المكلف من تقليد المجتهد الحي، حيث في هذه الحالة يجب عليه أن يراجع أعلم الأموات من دون محذور، باعتبار أن الأمر طارئ لا يثبت ولا يدوم( 9 1).

مع ذلك يلاحظ أن الدليل الآنف الذكر مردود للأسباب التالية:

1 ـ إن هذا الدليل يتوقف على إثبات وجوب الأعلم، وسنرى أن ذلك لم يثبت، بل العكس هو الصحيح.

2 ـ إنه على فرض التسليم بوجوب تقليد الأعلم؛ فمع ذلك لا تترتب عليه النتيجة من حصر المرجعية بشخص أو أشخاص معينين، إلا إذا أُدعي أن الإتفاق جار على وجود بعض العلماء من الموتى هم أعلم من غيرهم وأن الزمان لا يجود بمن يمكن أن يكون أعلم منهم، وهذا ما لا أظن أن يقول به قائل. فعلى الأقل هناك مسائل لم تُبحث لدى القدماء بمثل ما بُحثت لدى المتأخرين والمعاصرين عمقاً وتفصيلاً. وعليه يمكن أن يظل إعتبار الأعلمية قابلاً للبحث والمقارنة في كل عصر، كما يظل مدار الخلاف فيها وارداً كما يرد بين الأحياء أنفسهم.

3 ـ بل حتى مع ترتب النتيجة بإنحصار التقليد بشخص من الموتى؛ فإن ذلك ليس فيه محذور، ولا يُعد مخالفاً للضرورة المذهبية؛ إن كان يُعنى بها أنها ضرورة دينية لا يجوز مخالفتها. كما أن ذلك ليس من قبيل التعويل على إمام جديد ثالث عشر. فمن الواضح أن هذا الشخص وإن كان مرجعاً للناس؛ إلا أنه يُرجع إليه من حيث كونه وسيلة للكشف عن أحكام الأئمة، وبالتالي فهو ليس بمقامهم، بدليل أن أصحاب الأئمة العدول محدودون، ومع هذا لا يقال أن التعويل عليهم يعني إضافة أئمة آخرين إلى المعصومين، بل لو ثبت أن العدالة والوثوق لم تثبت إلا لدى واحد منهم كأن يكون زرارة بن أعين أو يونس بن عبد الرحمن أو غيرهما؛ فإنه مع ذلك لا يُعقل أن يدعى عدم جواز التعويل عليه بحجة الحصر وإنه بذلك يفضي إلى أن يصبح الأئمة وكأنهم ثلاثة عشر... فأيّ دليل هذا؟!

وواقع الحال ان رأي الخوئي قد يصدق من وجوه فيما لو كان تقليد الميت شاملاً للمجتهد العالم فضلاً عن العامي. اذ في هذه الحالة لا يتوفر الحد الكافي من الدواعي للاجتهاد واصلاح الرأي، وبه يمكن ان يُستدل على ضرورة عدم تقليد العالم للميت. وقد سبق لابراهيم القطيفي (المتوفي إبان أواسط القرن العاشر الهجري) أن اعتبر بأن السر الظاهر في عدم جواز تقليد الميت هو لوجوب >مراعاة الكتاب والسنة والنظر فيهما وعدم اهمالهما لأن غير المعصوم جائز - عليه - الخطأ. فقد يظفر من تأخر وإن كان بحيث لا يصل في مراتب العلم والفهم الى من تقدم من اصلاح فاسد من الأدلة والعثور على جمع مما لم يعثر عليه السابق وغير ذلك، ولو كان قول المجتهد مما يعتمد عليه مطلقاً لم يتوفر الدواعي الى معاودة النظر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وذلك من أعظم المفاسد الدينية<( 0 2).

لكن كما يلاحظ أن ما أفاده هذا الشيخ لا يدل على ما رمى اليه من منع تقليد الميت باطلاق، وإنما يدل على منعه بخصوص من له القدرة على الفهم والاجتهاد.

هكذا يتضح أنه لا يوجد دليل ناجح يمنع من تقليد الميت.

أدلة جواز تقليد الميت

أما المجوزون فقد إستدلوا بعدة أدلة، منها: دعوى إطلاق أدلة الآيات والأخبار في حجية فتوى الفقيه من غير تقييد بحال الحياة، كما في آية الإنذار والسؤال وأخبار الرجوع إلى رواة الحديث.

وقد نوقش هذا الدليل بمنع الإطلاق من حيث أن الآيتين الآنفتي الذكر لهما دلالة ظاهرة على الحي، وكذا يمكن القول بما جاء في الأخبار( 1 2).

كذلك أُستدل بدليل السيرة العقلائية من حيث أن البناء العقلائي في مختلف العلوم والمهن يرجعون إلى المختصين من دون فرق بين حي وميت، وربما يرجعون إلى الأعلم الميت ويفضلونه على غيره ولو كان حياً. وقد أُعترض على هذا الدليل بأن السيرة العقلائية إنما تصدق في هذا المقام فقط حينما لا يعلم العامي المخالفة بين العلماء بمن فيهم الأموات، أما مع العلم بذلك فإنها لا تصدق، وبالتالي فإن السيرة تكون غير شاملة للمتعارضين( 2 2).

لكن يُرد على هذا الإعتراض من أن السيرة العقلائية تشهد على أنها تشمل المتعارضين أو العلم بالخلاف، فلو أن الناس علموا بالخلاف بين آراء الأطباء الأحياء منهم والأموات لما منعهم ذلك من إتباع البعض بغض النظر عن كونه حياً أو ميتاً، خاصة حين يُظن أنه أعلم؛ فإنه يرجح على غيره حتى لو كان الأول ميتاً والآخر حياً. ومع ذلك فإن السيرة العقلائية لا تخلو من إشكال سنفصّله فيما بعد، وخلاصته هو أن التعويل عليها يعني العمل بالقياس، من حيث التعدي مما هو في القضايا الدنيوية إلى ما هو في القضايا الدينية، مع أن بينهما فارقاً لا يصح الإغفال عنه.

وقد يقال في الدليل على جواز تقليد الميت هو أنه لما كان الأصل هو جواز الأخذ بقول المجتهد الجامع للشرائط، ومع موته يظل هذا الأصل سارياً إلا أن يعلم بالدليل عكسه، وليس ذلك من قبيل الإستصحاب بالشك ببقاء الحكم وعدمه مع طروء حالة الموت حتى يقال إنه لا يصح باعتباره من الإستصحابات الحكمية، إذ الموت هنا ليس من العوامل والقضايا المشككة في بقاء الحجية.

كما قد يقال أن طروء الموت ليس له علاقة بالتأثير على تحقيق الأقربية لواقع الحكم الإلهي، فمن هذه الناحية ليس هناك فرق بين الميت والحي، وحيث أن غرض الشارع هو معرفة الأحكام الشرعية ومن ثم تطبيقها، ولم يكن للموت دخالة تمنع ذلك؛ لذا فإن إتباع الميت كإتباع الحي، خاصة حينما يكون الميت هو الأعلم. أرأيت لو أنه وصلتنا بعض فتاوى أصحاب الأئمة الموثوقين، ولنفرض أنهم مجتهدون كما يدعيه الكثير من أصحاب الإتجاه الشيعي، فهل يُعقل أن يمنع إتباع العامي لهم بحجة أنهم موتى ويوجب عليه إتباع المجتهد الحي( 3 2)؟!

تقليد الميت والمفهوم السلفي للاجتهاد

مهما يكن فقد سبق أن عرفنا أن أصل التقليد ليس عليه دليل شرعي، وبالتالي فهو للضرورة والإضطرار، ولا فرق في ذلك بين أن يكون للحي أم الميت؛ ما لم تتدخل ضرورات ومصالح عصرية كموانع خارجية تمنع الرجوع إلى الميت وترك الحي.

لكن ربما يكون أصل الدعوة الى عدم جواز تقليد الميت مستنداً الى المفهوم السلفي الاول للاجتهاد الذي يخص قضايا ما لا نص فيه، وبالخصوص مبادئ المصلحة والاستحسان والعرف باعتبارها مصادر تشريعية تعترف باعطاء الاولوية لحق الواقع ضمن حدود. فاذا كان الاجتهاد هو بهذا المعنى العالق بالقضايا المستجدة من الواقع والتي لا نص فيها، وكان المقلد يتبع المجتهد في فتاواه؛ فان من الطبيعي حينئذ ان يعول المقلد على فتوى الحي دون الميت، لا باعتبار ما للحي من خصوصيات، وانما باعتبار التجدد في الحوادث، وان للزمان والمكان تآثيراً على تغير الاحكام.

والواقع انه ليس هناك غير هذا الاعتبار يمكن ان ينفع في منع تقليد الميت. ذلك ان الفهم الآخر للاجتهاد لا يتسق تماماً مع هذه المقولة. وهو الفهم الذي ساد لدى المتأخرين من السنة والذي يعترف بشمولية الاجتهاد حتى للقضايا التي ورد بشأنها النص، او ذلك الذي يقتصر فقط عند حدود قضايا النص كما هو الحال لدى الامامية.. فسواء بهذا المعنى الخاص للاجتهاد، او بذلك المعنى الشمولي، لا نجد اي تبرير متسق يحجب عن تقليد الميت، طالما ظل الامر محصوراً بفهم النص ومعزولاً عن تأثير اي تجدد يحدث في الواقع، كما عليه الممارسة الاجتهادية بصورتها التقليدية عادة.

وهذا يعني انه قد يكون لأصل الدعوة في منع تقليد الميت أساس يجد تبريره من الناحية الوظيفية. لكن اشكالنا هو في استصحاب هذه الدعوة بعد حذف وظيفتها وتغيير شروطها المناطة بالتبرير.

وعليه كان الاحرى بالاتجاه الشيعي ان لا يذهب الى المنع من تقليد الميت، وذلك لرفضه الاجتهاد بمفهومه السلفي الاول. ففي رفضه هذا وتعويله على الاجتهاد بحسب مفهوم المتأخرين لا يتسق مع مقولة المنع من تقليد الميت، طالما ان القضية لم يرد فيها نص.

وبعبارة اخرى انه لا فارق بين الحي والميت الا من حيث ما هو عائد الى الاجتهاد بمفهومه السلفي الاول، وهو مرفوض لدى الاتجاه الشيعي؛ فكيف تسنى له قبول نتائجه؟!

على أنا لو ابتعدنا عن الطريقة التقليدية كما خطتها أيدي الفقهاء، وهي طريقة لا تجعل للواقع دوراً مهماً في العملية الاجتهادية، وأردنا ان نتصور - طبق ما سبق - التمييز بين ما يجوز فيه الرجوع الى الميت وما لا يجوز؛ فسنرى ان دائرة الجواز تتحدد بجميع الاحكام التي لا تخضع الى تأثير الواقع، كالعبادات مثلاً. أما دائرة المنع فهي على العكس تتضمن القضايا المرنة والمتحركة التي تتأثر بالواقع، ومنها القضايا التي لا نص فيها مما يتسق مع المدلول السلفي للاجتهاد. لكن يضاف اليها تلك التي ورد بحقها النص، ومع ذلك فانه لم يمنع من ان تكون موضع أحكام مختلفة لتغيرات الواقع وتحولاته؛ وإن بقيت في مظهرها كما هي، وهو أمر يتجاوز حدود الطريقة التقليدية كما فصلنا الحديث عنه في جملة من بحوثنا المستقلة.

ب ـ المرجعية وشرط الأعلمية

إختلف الأُصوليون من أهل السنة حول وجوب تقليد الأعلم، وكانت مطارحاتهم في هذا الموضوع عن الأعلمية لا تتعدى أحياناً حدود البلد الواحد وإن كانت أحياناً أُخرى يقصد منها الشمول والإطلاق( 4 2). فبعضهم قال بالوجوب وألزم العامي الإجتهاد في أعيان المفتين من الأورع والأدين والأعلم. وقد نُقل أن هذا هو مذهب أحمد بن حنبل وإبن سريج والقفال من أصحاب الشافعي وجماعة أُخرى من الفقهاء والأُصوليين؛ الذين إعتبروا أقوال المفتين في حق العامي تنزل منزلة الدليلين المتعارضين في حق المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح بين الدليلين فإنه يجب على العامي الترجيح بين المفتين. وأيضاً لأن طريق معرفة هذه الأحكام إنما هو الظن، والظن في تقليد الأعلم والأدين أقوى، فكأن المصير إليه أولى( 5 2) .

وفي القبال ذهب القاضي أبو بكر وابن حاجب واكثر الحنابلة وجماعة من الأصوليين والفقهاء إلى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء سواء تساووا أم تفاضلوا. وقيل أن هذا الإتجاه هو ما ذهب إليه الأكثر من علماء السنة( 6 2). وكانت حجتهم الرئيسية في ذلك هي سيرة الصحابة من حيث أن فيهم الفاضل والمفضول، ومع ذلك فقد كان الناس يتبعون ما حلى لهم منهم دون نكير، إذ لم يُنقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام بالإجتهاد في أعيان المجتهدين، ولا أنكروا منهم إتباع المفضول والإستفتاء منه مع وجود الأفضل( 7 2). وقد إختار الآمدي هذا الرأي معتبراً أن العامي ليس بوسعه معرفة الأعلم دون معرفة مأخذ المجتهدين ووجه الترجيح فيه، الأمر الذي يخرجه عن العامية ويمنعه من جواز الإستفتاء، فكل ما بوسعه أن يعلم هو أنهم جميعاً من أهل الإجتهاد والإختصاص( 8 2).

أما في الساحة الشيعية فإن فكرة الأعلمية تُعد من القضايا المركزية الخطيرة لدى تفكير المتأخرين والمعاصرين، وذلك لما لها من علاقة بالمرجعية ونيابة الإمام الغائب.

وعموماً ذهب الغالبية من علماء الشيعة إلى وجوب تقليد الأعلم، وخالفهم في ذلك عدد من العلماء قالوا بعدم الوجوب، كما هو منسوب إلى جمع ممن تأخر عن الشيخ زين الدين العاملي المعروف بالشهيد الثاني، وحكاه إبنه الشيخ حسن عن بعض الناس( 9 2). كما ذهب بعض ممن تأخر عنهم إلى هذا الإتجاه، ومنهم صاحب (الفصول الغروية، ص 4 2 4) وصاحب (جواهر الكلام ، ج 0 4، ص 5 4) وصاحب (مستند الشيعة، ج 2، ص 1 2 5) وجماعة من المعاصرين( 0 3). كما نُقل أن هذا الرأي قد قال به المحقق ومال إليه الأردبيلي بحسب الظاهر( 1 3). كذلك أيده كل من الشيخ محمد رضا آل ياسين في تحشيته لكتاب (العروة الوثقى) والميرزا محمد التنباكي في رسالة (التقليد)( 2 3).

مفهوم الأعلمية والخلاف حوله

معلوم أن مفهوم الأعلمية لم يعالج ويحدد ضابطه إلا منذ فترة قريبة ربما لا تزيد على قرنين من الزمان. فقد إختلف الفقهاء حول هذا الضابط، إذ ذكر بعضهم في (المهذب) بأن الأعلمية هي من الموضوعات العرفية، لذلك فإن محتملات معانيها عبارة عن أربعة: فإما إن معنى الأعلم هو أن يكون أكثر علماً من غيره، أو أن يكون أكثر إستحضاراً للفروع الفقهية ومسائلها، أو يكون أقرب إصابة إلى الواقع، أو أنه أجود فهماً وأحسن تعييناً للوظائف الشرعية( 3 3).

بينما ذهب الشيخ أحمد النراقي إستناداً لبعض الروايات إلى أن المراد بالأعلمية هو الأعلمية في الأحاديث وفي دين الله. فالأعلمية في الأحاديث هو أن يكون تارة بأكثرية الإحاطة بها والإطلاع عليها، وأُخرى بالأفهمية والأدقية وأكثرية الطور فيها، وثالثها بزيادة المهارة في إستخراج الفروع منها ورد جزئياتها إلى كلياتها، ورابعها بزيادة المعرفة بصحيحها وسقيمها وأحوال رجالها وفهم وجوه الخلل فيها، وخامسها بأكثرية الإطلاع على ما يتوقف فهم الأخبار عليها من علم اللغة والنحو وغير ذلك، وسادسها باستقامة السليقة ووقادة الذهن وحسن الفهم فيها، وسابعها بأكثرية الإطلاع على أقوال الفقهاء التي هي كالقرائن في فهم الأخبار ومواقع الإجماعات وأقوال العامة التي هي من المرجحات عند التعارض، وكذلك فهم القرآن. فالأعلم الذي يمكن الحكم الصريح بوجوب تقديمه هو الأعلم بجميع تلك المراتب أو في بعضها مع التساوي في الباقي، وإلا فإنه يشكل الحكم بالتقديم، ومن ذلك يظهر ندرة ما يحكم فيه بوجوب التقديم البتة( 4 3).

وعند صاحب (الفصول الغروية) أن مما يدخل ضمن >الأعلمية< هو أن يكون المجتهد أقوى من غيره في معرفة مضامين العلوم التي يتوقف عليها الإجتهاد كالعربية والأُصول والرجال، مضافاً إلى أن تكون له إعتبارات قوة الحفظ أو الذكاء أو كثرة التأمل أو كثرة الإطلاع أو سعة الباع في الفكر والتصرف أو إعتدال السليقة أو زيادة التحقيق أو التدقيق أو أقدمية الإشتغال ومزيد الإستيناس. لكنه إستدرك بأن من الممكن أن يتحقق التعارض بين هذه الوجوه، لهذا فهو يرى أن إعطاء ضابط للأمر يعد متعذراً على الظاهر( 5 3).

ولدى صاحب العروة الوثقى أن المراد بالأعلم هو أن يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر إطلاعاً لنظائرها وللأحاديث، وكذلك أجود فهماً لهذه الأحاديث، وبالتالي فالحاصل هو أن يكون أجود إستنباطاً من غيره( 6 3) .

ولدى صاحب (العناية) أن الأعلم هو من له ملكة أقوى وسلطة أشد في الإستنباط( 7 3). ومثل هذا ما ذكره محمد تقي الحكيم، حيث أن الأعلم بنظره هو أن يكون المجتهد أقوى ملكة من غيره في مجالات الإستنباط، لا الأوصلية إلى الواقع لعدم إمكان إحرازها في الغالب( 8 3).

ولدى صاحب (مفتاح الكرامة) أن الفاضل هو من يتبع المآخذ ويصيب في الفكر، لكن الأفضل هو من له هاتين الخصلتين إلا أن خطأه أقل( 9 3).

أما عند الخوئي فإنه يعتمد في تحديد الأعلم على بناء العقلاء والعقل. فهو ينفي أن يكون معناه مستمداً من شدة الإقتدار في معرفة القواعد والكبريات أو المبادئ التي بها تُستنتج الأحكام؛ كما إذا كان المجتهد في المطالب الأُصولية أقوى من غيره، كذلك ينفي أن يكون المراد به أكثرية الإحاطة بالفروع والتضلع في الكلمات والأقوال، بل المراد بالأعلم عنده هو أن يكون المجتهد أشد مهارة من غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها وأقوى إستنباطاً وأمتن إستنتاجاً للأحكام عن مبادئها وأدلتها، وهو ما يتوقف على علمه بالقواعد والكبريات، وحسن سليقته في تطبيقه على صغرياتها، فلا يكفي أحدهما ما لم ينضم إليه الآخر. فمثل ذلك كمثل الطبيب الأعلم في نظر العقلاء من حيث أنه أعرف بتطبيق الكبريات الطبية على مصاديقها( 0 4).

وشبيه بذلك ما لدى صاحب (التهذيب)، حيث أن الأعلم عنده هو من كان أجود فهماً في تطبيق الفروع على مداركها وأجود إستنباطاً للوظائف الشرعية( 1 4).

وأخيراً - وبسبب التحول السياسي عند الشيعة - فإن هناك من يرى أن من ضمن ما يدخل في ملاك الأعلمية هو أن يكون للمجتهد معرفة بأوضاع زمانه بالمقدار الذي له مدخلية في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية، كما هو رأي الولي الفقيه السيد علي الخامنئي. وقبله كان الإمام الخميني يرى أن من الواجب على المرجع أن يكون عالماً بالأُمور السياسية والعسكرية والإجتماعية والقيادية كافة( 2 4). فربما يكون ذلك داخلاً ضمن عنوان الأعلمية. وهو أمر له مساس بتأثير الواقع والحاجات الزمنية على الفهم الفقهي وتطويره. بل تبعاً لهذا التأثير لم يكتفِ بعض الفقهاء الجدد من التأكيد على شرطية معرفة الأُمور السياسية والإجتماعية والإقتصادية داخل النظام الإسلامي؛ إنما ذهب إلى أكثر من ذلك فاعتبر أن من لم يحرز مثل هذه الأُمور فليس بمجتهد بالمرة، وذلك باعتبار أن الفقه الشيعي حديث العهد بها، وهي تشكل ما يقارب ( 5 9%) من مجموع الأحكام الكلية( 3 4).

أدلة جواز تقليد المفضول

من أهم الأدلة التي قدمها المجوزون لإثبات عدم وجوب تقليد الأعلم ما يلي:

1 ـ دليل إطلاق الأدلة

حيث إستدل المجوزون ببعض الآيات والأخبار التي تأمر بإرجاع الناس إلى الفقهاء من دون تخصيص للأعلمية ولا التقييد بها، كآية الانذار: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون))، وكرواية أحمد بن حاتم بن ماهويه الذي كتب هو وأخوه إلى الإمام أبي الحسن الثالث يسألانه عمن يأخذان دينهما، فكتب الإمام يجيبهما بالقول: >فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى<( 4 4)، وكمشهورة أبي خديجة: >إجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً<( 5 4)، وكذلك المقبولة والتوقيع وغيرها من الروايات.. كذلك أن الأئمة أرجعوا الناس الى أشخاص معينين من الأصحاب دون تمييز لهم من جهة الأعلمية كيونس بن عبد الرحمن ومحمد بن مسلم وزرارة بن أعين وزكريا بن آدم وغيرهم. بل نُقل عن الرسول (ص) إنه كان يولي بعض أصحابه القضاء مع حضور أمير المؤمنين علي الذي هو أقضاهم، حتى قال صاحب كتاب (الدروس): >لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم إليه فله رد الحكم إلى غيره إجماعاً<( 6 4). لذلك إعتبر صاحب (جواهر الكلام) أن أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل؛ هو من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها( 7 4).

وقد نوقش في هذا الدليل المعد عمدة أدلة المجوزين، هو أنه يصدق في الرد على القائلين بعدم جواز تقليد المفضول مطلقاً. إذ إستدرك جماعة من العلماء وقالوا إن الإطلاق في أدلة الكتاب والسنة مقيد بعدم العلم بالخلاف بين العالم والأعلم، وبالتالي فإن علم العامي بالخلاف بينهما لا يشمله ذلك الإطلاق( 8 4). أو على حد قول البعض إن تلك الأدلة إنما كانت بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم، لا في كل حال، إذ إنها لم تتعرض الى حالة ما إذا كانت هناك معارضة في الفتوى بين العالم والأعلم( 9 4).

لذلك فبحسب هذه المناقشة وعلى رأي السيد الخوئي يكون الإمام قد أرجع الناس إلى أصحابه لعدم علمه بالمخالفة معه فيما يفتون به. إذ لا يُحتمل أن يُرجع الناس إليهم مع العلم بمخالفتهم له( 0 5). مما يعني أن الإمام لا يعول بالرجوع إلى الموثوقين جميعاً فيما لو علم أنهم يختلفون فيما بينهم، حيث إن هذا الإختلاف يقتضي في حد ذاته الإختلاف معه، لأن الحق لا يكون في الأمرين المتضادين. مع أن الخوئي في محل آخر سلّم بأن الخلاف بين أصحاب الأئمة كثير، بل هو الأمر الغالب، ومع ذلك فهم جميعاً يعدون برأيه حجة ما دام الناس لا يعلمون الخلاف فيما بينهم( 1 5).

إلا أن الإشكال لم يزل قائماً فيما يتعلق بعلم الإمام، حيث لا يعقل أن يُرجع الإمام الناس إلى أصحابه وهو لا يعلم بالخلاف بينهم، كما إن العادة قاضية بأن كثرة الخلاف تجعل الناس يدركون ذلك، مع أنه لم ينقل أن هؤلاء كانوا مبتلين آنذاك بمشكلة الأعلمية والترجيح بين الفاضل والمفضول، خاصة وقد ورد في بعض الأخبار أن من الناس من كان يرجع إلى الإمام ليستوضح أمر الخلاف بين الأصحاب، وكان الإمام على علم بذلك، أو أنه أراد أن يكون بينهم الخلاف لأغراض التقية، ولم يرد أيّ ذكر يتعلق بالأعلمية، مما يعني أن الظاهر عدم وجوب التقييد بها مطلقاً.

وبذلك يمكن دفع الشبهة التي ذكرها السيد الخوئي وهي أنه إعتبر الإطلاق في أدلة الكتاب والسنة لا يشمل المتعارضين كي لا يستلزم الجمع بين المتنافيين إذا ما أُخذا معاً، حيث أن الأخذ بأحدهما المعين دون الآخر هو ترجيح بلا مرجح، كما أن التخيير فيما بينهما لا دليل عليه، وبالتالي فمقتضى القاعدة هو التساقط في كل دليلين متعارضين( 2 5). لكن كما عرفنا أن الظاهر من دليل الإطلاق هو التخيير، فمن جهة إن عدم وجود المقيد لهذا الإطلاق يُبقي الإطلاق على حاله، وإعتبار القيد في الإطلاق ببعض الحالات والصور يحتاج إلى دليل، وهو منفي في مقام الإستدلال بالشرع كما سيتوضح لنا أكثر. كذلك فإن مقتضى التسليم بكثرة الخلاف بين أصحاب الأئمة يفضي كما عرفنا إلى حصول العلم بالخلاف وبالتالي قبول إتباع المفضول مع وجود الفاضل، أي عدم وجوب إتباع الأعلم.

2 ـ دليل سيرة المتشرعة

حيث جرت السيرة على رجوع المتشرعة في المسائل التي يبتلون فيها إلى أيّ عالم دون فحص وتمييز يخص الأعلمية، مما يعني عدم وجوب إتباع الأعلم. بل أصبح من المعلوم أن الصحابة كانوا يفتون الناس رغم إختلافهم بالفضيلة من دون نكير، فيكون هذا إجماعاً منهم، كما أشار إلى ذلك صاحب (المسالك)( 3 5).

إلا أن هذا الدليل واجه نقداً لا يختلف عن نقد دليل الإطلاق، من حيث أن سيرة المتشرعة تصدق فيما لو لم يُعلم بالمخالفة بين العالم والأعلم، أما مع العلم بالمخالفة فلا دليل من السيرة على ذلك( 4 5). وأكثر من هذا إدعى السيد الخوئي أن السيرة جارية على الأعلم عند العلم بالمخالفة، لكنه لم يأتِ بشاهد على دعواه، بل قفز فجأة ليقرر أن إعتبار ذلك لا يختلف عما يجري ضمن السيرة العقلائية، كالرجوع إلى الطبيب الأعلم في أخذ العلاج عند العلم بالإختلاف بينه وبين طبيب آخر أقلّ علماً منه( 5 5).

والحقيقة أن كثرة الخلاف الذي حصل لدى المتشرعة، سواء لدى صحابة النبي (ص) أو التابعين أو أصحاب الأئمة؛ كل ذلك يجعل من دليل السيرة شاملاً للعلم بالخلاف، حيث من المستبعد أن تكون تلك الكثرة في الخلاف حاصلة دون علم الناس آنذاك، مع أنه لم ينقل عنهم أنهم إبتلوا بمشكل الأعلمية، بل كان من الواجب أن ينبه على ذلك نفس المتشرعة كي لا يضل الناس بهم. لكن حيث أن ذلك لم يرد أبداً، بل ما ورد هو أن المتشرعة أمضوا على سيرة إتباع الناس لهم من دون نكير مع علمهم بذلك، فدلّ هذا الأمر بما لا يقبل الشك على أن دليل السيرة شامل لحالة العلم بالخلاف.

وليس في هذا الأمر من غرابة، إذ ربما يكون جواز إتباع المفضول مع وجود الأفضل للمسامحة؛ كي لا يكون هناك عسر ما، أو باعتبار أن زيادة الفضل مبالغة في الإختيار وليست هي معتبرة كشرط في الإتباع أو التقليد، وهو الأقرب، باعتبار أن المفضول لا يختلف عن الأفضل من جهة الإختصاص وكونه عالماً يستحق الإتباع.

3 ـ دليل السيرة العقلائية

ومفاد هذا الدليل هو الرجرع إلى غير الأعلم في جميع الحرف والصنايع، كمراجعة الناس للأطباء والمهندسين وغيرهم من أرباب العلوم والفنون، وحيث لم يُردع عنها في الشريعة فإنه يستكشف من ذلك أنها ممضاة عند الشارع. لكن القائلين بقيد العلم بالخلاف إعتبروا أن هذه السيرة جارية في حالة عدم العلم بالخلاف، أما مع العلم بالخلاف فالأمر معكوس، حيث يكون الرجوع للأعلم( 6 5).

وهناك من فصّل في الأمر معتبراً أن الرجوع للأعلم من أهل الخبرة يحصل فيما لو كانت القضايا مهمة، أما لو لم تكن مهمة فربما يمكن الرجوع إلى أيّ كان من أهل الخبرة دون شرط الأعلمية. لكنه عدّ المسائل الدينية كلها مهمة بنظر الشارع، لهذا كان من الواجب عنده التعويل على الأعلم( 7 5).

على إنا سنؤجل المناقشة في هذا الدليل. وكل ما يمكن قوله هنا هو أن صدق الدليل الشرعي سواء من حيث الأدلة في الإطلاق أو من حيث سيرة المتشرعة يعد متقدماً على دليل السيرة العقلائية، وبالتلي فإن هذا الدليل لا يزاحم الدليل الشرعي ولا يرجح عليه على فرض معارضته له.

4 ـ دليل العسر والحرج

سبق أنْ علمنا أن هناك إختلافاً في تحديد ضابط الأعلمية، ولا شك أن هذا الإختلاف لا يدع مجالاً للعامي أن يعرف من هو الأعلم، حيث تصبح الأعلمية أمراً نسبياً، وبالتالي ليس بإمكانه أن يقلّد في مثل هذه القضية، إلا أن يجتهد بنفسه في هذا الحد كسائر المجتهدين وهو خلاف ما يُلاحظ عند عامة الناس من قصور. ولو أخذنا بالرأي الذي يرى الأعلمية قد تختلف من مسألة إلى أُخرى، ومن ثم يكون الفقيه أعلم من غيره في بعض المسائل دون بعض آخر، كما هو رأي السيد الخوئي؛ فإن ذلك سوف يضاعف من العسر في معرفة الأعلم من الفقهاء، فيظل المقلّد مردداً في المسائل بين تقليد هذا أو ذاك في أيّ مسألة أو موضوع معين. يضاف إلى أنه حتى مع معلومية الضابط، وبغض النظر عن نسبية الأعلمية تبعاً لإختلاف المسائل والموضوعات من هنا وهناك؛ فإن هناك مشكلة أُخرى تتحدد في تشخيص الأعلم بين العلماء، خصوصاً وأهل الخبرة كثيراً ما يختلفون فيما بينهم حول ذلك، ومن ثم لا ينفع الشياع الذي كثيراً ما يتأثر بعوامل أُخرى سياسية ودعائية تفسد عملية تشخيص الأعلم، كما هو بيّن للعيان في أيامنا هذه.

لذلك ليس من الصحيح ما يذكره الفقهاء ومنهم السيد الخوئي من أن قضية تقليد الأعلم هي مثل سائر العلوم الأُخرى تثبت بالعلم الوجداني والشياع المفيد لهذا العلم وبالبينة، وبالتالي ليس هناك من حرج( 8 5). مع أن جميع ما ذكره يُعد من موارد إختلاف المقلّدين ومن موضع إبتلائهم، خاصة في أيامنا الحاضرة.

نعم قد يقال كما قال صاحب (الكفاية) من أنه ليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الإجتهاد( 9 5). والصحيح هو أن موقف العامي من الإجتهاد لا بد أن يستند إلى منطق طريقة النظر، وكذلك الحال في قضية الأعلمية. ولا ينفع ما ذكره هذا الأُصولي من أن قضية نفي العسر هو الإقتصار على موضع العسر فيجب تشخيص الأعلمية أو أصل الإجتهاد فيما لا يلزم عنه عسر( 0 6)، وذلك لأنّا علمنا أن الحرج يعم كافة المقلّدين من جوانب متعددة، وليس في الأمر من مخرج إلا في الإجتهاد أو إتباع طريقة النظر التي ننظّر لها كحل معقول ومشروع.

أدلة وجوب تقليد الأعلم

أما الأدلة التي قُدمت لإثبات وجوب تقليد الأعلم فهي كالاتي:

1 ـ دليل الإجماع

حيث حكي الإجماع عن الشريف المرتضى في ظاهر (الذريعة) والمحقق الثاني؛ على وجوب الترافع إبتداءاً إلى الأفضل وتقليده( 1 6).

ويعد هذا الإجماع من الإجماع المدعى الذي لا يفيد علماً. وقد يكون الإجماع الذي إدعاه المرتضى مبنياً على مسألة الإمامة العظمى كما أشار إلى ذلك صاحب (الجواهر)، وهو في غير ما نحن فيه.

2 ـ دليل الأخبار

والتي منها مقبولة عمر بن حنظلة كما سبق أن عرضناها؛ من حيث دلالتها على ترجيح الأفقه.

لكن المقبولة ضعيفة كما علمنا. يضاف إلى أنها أجنبية لكونها وردت بخصوصية القضاء؛ فاعتبارها تنطبق على التقليد يعني تجاوزاً لتلك الخصوصية، مع أن مسائل القضاء وفض المنازعات لا بد أن تحتاج إلى البتّ في الحكم من دون تخيير وإلا ترتبت المفاسد، وهو خلاف ما يحصل في التقليد عادة. يضاف إلى ذلك هو أنه ورد في المقبولة ترجيح العدالة والأصدقية، وهما من الأُمور التي لم تؤخذ بنظر الإعتبار لدى القائلين بوجوب الأعلم، فالتعويل على المقبولة في المقام إن صحّ فإنه لا يتحقق بشطرها وأخذ بعض مضامينها دون البعض الآخر. كذلك فإنه على رأي السيد الخوئي أن القائلين بالأعلمية إنما يستندون الى الأعلم مطلقاً وليس إلى الأعلم النسبي كما هو مفاد ما جاء في المقبولة( 2 6). وإن كان قد يجاب على ذلك من حيث أن هناك وحدة مناط متحققة بين الأمرين. فلو أن التعويل على الأفقه في المقبولة هو لأجل أن حكمه من شأنه يصبح أقرب من غيره إلى واقع الحكم الإلهي؛ فإن هذا الشأن من الأقربية يظل كما هو، سواء كان الإختلاف بين إثنين مثلما ورد في المقبولة أو أنه بين جمع كبير، ولا فرق بين الأمرين ولا خصوصية تتعلق بأحدهما دون الآخر.

أخيراً أن التعويل على المقبولة قد يستنتج منه عدم وجوب تقليد الأعلم لوجود الإطلاق فيها قبل فرض حصول الخلاف والعلم به، حيث جاء في النص قول الإمام: >ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا..<، إذ لم يقل: >ينظران إلى الأفضل منكم<. لكن من الواضح أن ذلك لا يرد على من يسمح بتقليد المفضول فقط عند عدم العلم بالخلاف، بل إنه ينسجم مع هذا الرأي من حيث أن ما جاء في المقبولة هو التعويل على الأفقه عند العلم بالخلاف.

وينطبق أغلب ما ذكرناه بخصوص المقبولة على ما جاء في بعض الروايات التي وردت هي الأُخرى بخصوص القضاء والحكم لا الفتوى، كما في رواية داود بن الحصين: >ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه<( 3 6)، ورواية موسى بن أكيل عن الإمام الصادق، حين سُئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فإختلفا فيما حكما، قال الإمام: وكيف يختلفان؟ قال: حكم كل واحد منهما للذي إختاره الخصمان، حينها قال الإمام: ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيُمضى حكمه( 4 6). وكذلك قول الإمام علي في عهده للأشتر: >ثم إختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك<. ذلك أن جميع هذه الروايات أجنبية عن مقام الفتوى والتقليد، وبعضها يعد ضعيف السند.

فالرواية الثانية فيها ذبيان بن حكيم وهو غير موثق. أما الرواية الثالثة فهي غير ثابتة السند، يضاف إلى أنه وردت لفظة >الأفضل< في الرواية وهي تعني ما هو أعم من الأعلم، فلا وجه للتخصيص والإعتماد بها في المقام، كذلك أن الأفضلية وردت هنا بالمعنى النسبي لا المطلق( 5 6)، وإن كان قد يجاب على هذا بمثل ما أجبنا عليه عند مناقشتنا للمقبولة. أما الرواية الأُولى فقد عُدّت معتبرة لكنها قاصرة الدلالة( 6 6).

كما جاء في كتاب (الإختصاص) للشيخ المفيد عن الرسول (ص) قوله: من تعلم علماً ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس إلى نفسه فيقول أنا رئيسكم؛ فليتبوأ مقعده من النار، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها، فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه إلى يوم القيامة( 7 6). وهي رواية مرسلة لا يعول عليها، فضلاً عن أن موردها الرئاسة وليس الفتوى، فلا مجال للتعدي والقياس.

كذلك جاء عن الإمام الجواد أنه قال مخاطباً عمّه: >يا عم إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأُمة من هو أعلم منك<. وقد عُدت هذه الرواية دالة على إعتبار الأعلمية المطلقة لكنها هي الأُخرى ضعيفة لإرسالها( 8 6).

تلك هي جملة من الروايات الضعيفة والأجنبية عن المقام. لكن رغم ذلك فقد ذكر صاحب (جواهر الكلام) أنها كانت معتمد الأصحاب الذين ذهبوا إلى الإعتقاد بوجوب تقليد الأعلم باعتبارها نصوصاً ترجيحية( 9 6).

3 ـ دليل العقل

وذلك من حيث أن فتوى الأعلم أقرب إلى واقع الحكم الإلهي. فعلى رأي البعض أن الفقهاء إنما قاسوا مسألة التقليد في الأعلم بالقضاء ـ على ما علمنا من روايات الترجيح المذكورة ـ هو لإعتبار الكشف عن الملاك في الترجيح وأنه الأقرب إلى واقع الحكم الإلهي في المقيس عليه. فلولا هذا الإعتبار ما تم لهم ما أوجبوه في الأخذ بقول الأعلم( 0 7). إذ بنوا ذلك على إلغاء الخصوصية ونفي التعبدية وكون الملاك ينحصر في أقوائية الظن والأقربية إلى واقع الحكم الإلهي( 1 7). حتى صرحوا بقولهم من >أن الظن بقول الأعلم أقوى، وإتباع الأقوى أولى، ولأن أقوال المفتين بالنسبة الى المقلّد كالأدلة، فكما يجب العمل بالدليل الراجح يجب تقليد الأعلم، كما هو واضح من رواية عمر بن حنظلة وغيرها من الروايات الصريحة في ذلك( 2 7).

وخلاصة الدليل السابق هو أن فتوى الفقيه لما كانت تعد طريقاً إلى الأحكام الإلهية، وحيث أن فتوى الأعلم أقرب إلى واقع الحكم الإلهي من فتوى غيره لسعة إحاطته وإطلاعه ودقة نظره وقوة تمكنه من الإستنباط بالقياس إلى غيره؛ لذا يتعين عليه الأخذ بفتواه دون هذا الغير.

ويرد على هذا الدليل هو أن الترجيح في الأقربية لا يقتضي تعين الوجوب بها. فكون الأقرب مفضلاً ومرجحاً على غيره لا يعني بالضرورة أنه يصبح واجباً متعيناً بهذا الإعتبار، وإلا لوجب على المجتهد أن يرجع إلى من هو أعلم منه عند الخلاف، مع أن ذلك لا يسوغ له. لذلك إعتبر السيد الخوئي أنه >لم يقم أيّ دليل على أن الملاك في التقليد ووجوبه هو الأقربية إلى الواقع، إذ العناوين المأخوذة في لسان الأدلة كعنوان العالم والفقيه وغيرها صادقة على كل من الأعلم وغير الأعلم وهما في ذلك سواء لا يختلفان، وهذا يكفي في الحكم بجواز تقليدهما<( 3 7). فالأقربية عنده لا يتجاوز معناها أن يكون على نحو الأقربية الطبعية والإقتضائية، وهي تعني أن الأعلم من شأنه أن تكون فتواه أقرب إلى واقع الحكم الإلهي من فتوى غيره من المجتهدين، وإلا فالأعلم وغيره يمتلكان نفس الحجية بلا فرق( 4 7).

وقد يقال أنه إذا كان العمل بفتوى الأعلم ينبني على الإحتياط باعتباره أقرب إلى واقع الحكم الشرعي، وبغض النظر عما ورد من الأدلة الشرعية؛ فإن مصلحة التسهيل يمكن أن تتدخل في جواز العمل بفتوى المفضول.

على أن كثيراً ما تكون فتوى المفضول موافقة لفتوى الأفضل من الأموات، وبالتالي لا يصح القول أن فتوى الأعلم هي أقرب إلى واقع الحكم الإلهي فعلاً، خاصة وقد تتدخل أُمور فنية وطرق إجتهادية أُخرى ربما لا يستسيغها الأعلم بينما يعمل بها من هو دونه، فتكون فتواه أقرب، من قبيل أن يستعين المفضول >بالواقع< كعنصر من عناصر المساعدة على تحديد الحكم الشرعي، فإنه بهذه الممارسة قد تكون فتواه أقرب إلى حقيقة الحكم الإلهي مع أنه أقل عمقاً وعلماً من الأعلم( 5 7).

4 ـ دليل السيرة العقلائية

وهذا الدليل عبارة عن الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالخلاف في جميع الحرف والعلوم، وحيث أن هذه السيرة لم يردع عنها في الشريعة لذا يمكن إستكشاف أنها ممضاة من قبل الشرع. ومنه يُعلم سقوط فتوى غير الأعلم عن الحجية حين المعارضة.

ويعتبر هذا الدليل من أقوى ما إستند إليه دعاة تقليد الأعلم، بل ذهب البعض إلى إعتبار جميع الأدلة غير ناهضة على المطلوب باستثناء هذا الدليل لوضوح صدقه وخلوه عن المعارضة، مثلما هو الحال مع السيد الخوئي( 6 7).

كما إعتبر البعض أن إستدلال المشهور بالسيرة العقلائية على وجوب الرجوع للأعلم إنما لملاك الأقربية لواقع الحكم الإلهي؛ رغم إطلاقات أدلة التقليد التي لم تكن خافية عليهم، ورغم ظهور نص رواية >وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< والتي هي دالة في صحة الرجوع إلى مطلق راوي الحديث وكون التقييد بالأعلم خلاف المنساق منها ومن أشباهها من أدلة التقليد، فما ذلك إلا دليل واضح على أن بناءهم في الأمارات إنما هو على الطريقية المحضة وأن ما أُحرز كونه أقرب للواقع هو اللازم إتباعه. ولولا شدة إرتكاز الطريقية في أذهانهم وبنائهم عليها لما رفعوا اليد عن ظهور الأدلة في جواز الرجوع إلى غير الأعلم.. أو لما لجأوا إلى نفي كون هذه المطلقات في مقام البيان من هذه الجهة مع وضوح ظهورها عرفاً في البيان ومع كون بعضها عمومات لا مطلقات( 7 7).

على أنه يمكن مناقشة دليل البناء العقلائي بما نحن بصدده من عدة زوايا كالاتي:

1 ـ إنه دليل غير ناهض طالما هناك أدلة معارضة مستمدة من الشرع كما سبق أن عرفنا.

2 ـ إنه يتضمن القياس؛ من حيث أن ما يتعلق بالشريعة أو الدين ليس بالضرورة يكون حاله كحال سائر العلوم والحرف والمهن المادية. فعلى فرض أن السيرة العقلائية تستقبح من يراجع المفضول في الحرف والمهن مع وجود الأفضل وأن ذلك مما أمضاه الشارع؛ فإنه - حتى مع التسليم بهذا الفرض - لا يدل على أن الشارع يمضي مثل ذلك فيما يخص قضايا الدين؛ إلا إذا قلنا بالقياس والتعدي من هذا الباب إلى ذاك، مع أن هناك فارقاً جوهرياً بين البابين، بحيث لا يستبعد أن نجد مسامحة في أحدهما ما لا نجده في الآخر. فمثلاً قد تتعدد الوسائل في المهن لتحقيق المطلوب، والبناء العقلائي لا يستقبح ذلك، بينما يختلف الحال في قضايا العبادة من الدين من حيث هي توقيفية، فلا يجوز مثلاً تبديل الصلاة بعبادة أُخرى بحجة أنها أشد تأثيراً على التقرب لله تعالى. لذلك فما يستقبحه العقلاء من الرجوع إلى المفضول مع وجود الفاضل في الحرف والمهن؛ قد لا يكون مستقبحاً في القضايا الدينية لدى الشارع المقدس( 8 7). وتظل القاعدة العامة هي ان البناء العقلائي لا يصح اتخاذه دليلاً ما لم يستكشف منه على نحو القطع موافقة الشارع وامضائه، مثلما أشار الى ذلك الشيخ المظفر( 9 7).

3 ـ إن إعتبار القضايا الدينية خطيرة ـ الأمر الذي يستدعي الرجوع إلى الأعلم ـ فيه مبالغة، ذلك لأنا نعلم أن الشارع يسمح بالإلتزام بقاعدة عدم العسر والحرج فيما لو أدت ممارسة تلك القضايا إلى أضرار معينة حتى لو لم تكن خطيرة، فهذا التيسير يتنافى مع إدعاء الخطورة في الأحكام على وجه الشمول والإطلاق، لذلك فالحال يختلف مع ما يحصل بالنسبة إلى البناء العقلائي في القضايا الخطيرة، وبالتالي هناك فرق كبير بين هذا البناء وبين سلوك الشارع نظراً لتفاوت قيمة القضايا لديهما. بدليل أن الأُصوليين يقرّون أن المخالفة القطعية لواقع الحكم الإلهي لا تدل أحياناً على الحرمة؛ كما لو غيّر المجتهد رأيه أو عدل المقلّد إلى الأخذ برأي مرجع آخر لعذر ما( 0 8)، بل بنظر البعض أن الإقدام على ما يحتمل أن تكون منه مخالفة ذلك الواقع قد يحسن، بل وقد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع الآنف الذكر، وبالتالي تتحول المفسدة الناتجة من المخالفة إلى المحبوبية أو الوجوب بفعل المصلحة الراجحة، >فلا يصح إطلاق الحرام على ما فيه المفسدة المعارضة بالمصلحة الراجحة عليه<( 1 8).

4 ـ قد يقال أن البناء العقلائي لا يخدم المدعى أحياناً، من حيث أن الناس ربما يقدمون إلى المفضول في القضايا الهامة ولا يستقبحون ذلك رغم العلم بالخلاف مع الأفضل، وذلك إذا ما كان المفضول لا يقل عن الأفضل بدرجة كبيرة، من حيث أنهما معاً من أهل الإختصاص ولهما القدرة التامة على ممارسة ما يعالجانه رغم التفاوت المحدود الذي إفترضناه. ففي مثل هذه الحالة لا يظن أن البناء العقلائي يستقبح متابعة المفضول وترك الأفضل مع العلم بالخلاف بينهما.

5 ـ إن الاهتمام بتوظيف الدليل العقلائي جاء لدى المتأخرين بعد الشيخ الانصاري كتعويض لما ادركه هؤلاء من عدم حصول الادلة المعتبرة على المسلمات التي كانت مقبولة لدى القدماء الأوائل. وهو امر قد كشف عنه الامام الصدر في عصرنا الحالي( 2 8). فقد أوضح هذا الامام عملية التدرج التي انتهى اليها الفقهاء مرحلة بعد اخرى حتى افضى بهم الأمر حديثاً الى توظيف الدليل العقلائي للحفاظ على المسلمات التي خلّفها المتشرعة من الأسلاف. ففي بداية الامر رغم ان المتأخرين من الفقهاء لم يجدوا الادلة الصناعية على جملة من القضايا الفقهية التي التزم بها القدماء الاوائل؛ الا انهم لم يتجرأوا على الاعتراض عليها، وانما عدوها من المسلمات المقبولة والموروثة عن الاسلاف، والتي لا غنى عنها، اذ القناعة لديهم انها لم تصدر عن الاوائل الا وعليها ما يكفي من الدليل الشرعي وإن لم يعرف هذا الدليل في حد ذاته. لهذا فلأجل تسديد هذه الثغرة من الجهل بنوع الأدلة المعتمدة؛ فقد تطلب الامر ايجاد بعض الغطاء الاصولي الذي يحفظ لتلك المسلمات مكانتها وضرورتها، فنشأت على ذلك قواعد اصولية كافية غرضها الحفاظ عليها، وهي عبارة عن قواعد حجية الشهرة والاجماع المنقول وانجبار الخبر الضعيف بعمل الاصحاب ووهن الخبر الصحيح باعراضهم عنه. كذلك انهم قاموا بتعميم >قاعدة انجبار السند بعمل الفقهاء لتشمل انجبار الدلالة بفهمهم<، مثلما هو حاصل في بعض كلمات الشيخ الانصاري الذي لم يعمل باطلاق أخبار القرعة >قائلاً: إننا نعمل بهذه الاخبار في كل مورد عمل به الاصحاب، ولا نعمل بها في كل مورد لم يعملوا بها<.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، وانما تطور الى صورة اخرى لاحت الاعتراض على تلك القواعد التي تم تأسيسها وتوظيفها لأجل المحافظة على المسلمات. فالشيخ الانصاري الذي رأيناه قبل قليل يعمل بفحوى تلك القواعد على صعيد الفقه؛ لم يشأ الاقرار بها على صعيد الاصول( 3 8). وربما يكون هو أول من قام بنقدها والاعتراض عليها مبدئياً . وكذا فعل من تلاه من الاصوليين، حيث تم طرح كل من حجية الشهرة والاجماع المنقول، وناقشوا بخصوص قاعدة انجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب. ثم تطور الأمر الى ان قام الفقهاء المعاصرون برفض التعويل على تلك القواعد في المسائل الفقهية. ويظهر هذا الأثر بارزاً لدى السيد الخوئي. اذ كان اعتراض الشيخ الانصاري ومن تبعه لا يتعدى الطرح الاصولي، أما مبانيهم الفقهية فلم تتأثر بذلك، ولم يحدث أي رد فعل عما أسسوه على الصعيد الاصولي. اذ ظلّت هذه المباني محافظة على تلك القواعد، وهو أمر لا تفسره غير الاعتبارات النفسية. أما لدى الفقهاء المعاصرين فقد كانوا على اتساق من حيث هدمهم لتلك القواعد، لا فقط بحدود المباني الاصولية، وانما كذلك بما انعكس عليها من المباني الفقهية، لكنهم وكتعويض لهذا الهدم احتاجوا الى بناء جديد يؤمّن لهم الحفاظ على المسلمات التي خلفها السلف. الأمر الذي جعلهم يجدون في السيرة العقلائية ضالتهم المنشودة. فأصبح هذا الدليل في العصر الحالي رائجاً بما لم يسبق له مثيل من قبل، ويظهر ذلك جلياً لدى السيد الخوئي. فقد أخذ توظيف السيرة العقلائية يتسع >كلما تقلصت الادلة التي كان يعول عليها سابقاً لاثبات المسلمات والمرتكزات الفقهية من امثال الاجماع المنقول والشهرة وإعراض المشهور عن خبر صحيح او عملهم بخبر ضعيف ونحو ذلك، فانه قد عوّض بالسيرة عن مثل هذه الادلة في كثير من المسائل التي يتحرج فيها الفقيه الخروج عن فتاوى القدماء من الاصحاب او الآراء الفقهية المشهورة<( 4 8).

وبهذا يتضح ان منشأ استخدام هذا الدليل وكذا سائر القواعد الاصولية التي مرت علينا لا يخرج عن الاعتبارات النفسية التي انتابت اذهان المتأخرين والمعاصرين كما كشف عنها الامام الصدر.

5 ـ دليل الأصل العملي

وتقرير هذا الدليل هو أنه لو كان هناك علم إجمالي منجز بوجود الحجية في الفتوى إجمالاً مع حصول شك دائر بين الحجية التعينية والتخيرية؛ ففي هذه الحالة يقتضي العقل الأخذ بما يحتمل تعينه، وذلك فيما لو إستند إحتمال التعين إلى أقوائية الملاك في أحدهما، كما في الأعلمية، حيث أن الملاك هو العلم والفقاهة، والأصل يقتضي التعيين؛ باعتبار أن العقل يستقل بلزوم الأخذ بما يحتمل تعينه؛ للعلم بأنه معذر على كل حال، بينما معذرية الآخر غير محرزة( 5 8). لذلك فالأمر مأخوذ على سبيل الإحتياط، لأن المصلحة في إتباع فتوى الأعلم إما هي مساوية لفتوى غيره أو أنها أزيد منها، وعليه يتعين العمل على طبق فتوى الأعلم( 6 8). في حين أن العمل بفتوى الغير لما كان مشكوكاً به؛ لذا تنطبق عليه القاعدة الأُصولية القائلة: (الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها)( 7 8).

ويعتمد الإحتياط الواجب في هذا الدليل على كون العقل يستقل بقاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب( 8 8). وبغض النظر عما يمكن أن يناقش في هذه القاعدة من حيث أنها تتعارض مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ فيما لو إفترضنا أن البيان الناقص والمجمل هما كعدم البيان إذا ما كانا صادرين عمن بقدرته إيصال البيان المفصّل دون تكلّف، الا أن يقال أن بعث البيان المجمل لا يخلو من حكمة وفوائد تقتضيها حركة الإجتهاد وتطوره( 9 8).. لكن بغض النظر عن ذلك فإن صحة الأصل والتعويل على الإحتياط إنما يتم فيما لو لم يكن هناك دليل في القبال، أما مع وجود الدليل فالأصل العملي لا يعارضه.

يضاف إلى أنه يمكن أن يجاب باعتبار آخر من منطق تعبدي، وذلك بالإستناد إلى نفس قاعدة (الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها)؛ من حيث أن تقليد الأعلم وإن كان معذراً على أيّ حال إلا أنه يشك في وجوبه، وبالتالي فإن الشك في هذا الوجوب يساوق القطع بعدمه، مما يعني جواز تقليد المفضول. ولا يصح أن يقال نفس الشيء بخصوص تقليد الآخر، لأن الأصل هو جواز الرجوع إلى العالم والخبير وأن فتواه حجة بغض النظر عن الأعلمية، لكن ورود الأعلمية جعل الشك يتعلق بوجوب إتباع الأعلم.

فمن الواضح أنه في هذه الحالة لم يعد الرجوع في الأساس إلى حكم العقل المنبني على الطريقية وأقوائية الملاك حتى يقال أن حكمه هو لزوم الإحتياط، بل نحن إزاء شك وتردد يستند إلى جهة تعبدية. ذلك أن إتباع العالم بغض النظر عما إذا كان فاضلاً أو مفضولاً قد جاء على لسان الشارع، وهو أصل، أما إتباع الأعلم فوجوبه أمر زائد مشكوك به، الأمر الذي يجعل من الحكم قائماً على البراءة لا الإحتياط. ومن المعلوم أنه سواء بهذا الإعتبار أو بإعتبار الحكم العقلي المستند إلى الطريقية فإنه تصدق القاعدة الأُصولية الآنفة الذكر.

لكن السؤال هو أيهما يرجح على الآخر عند الشك والدوران، فهل الأصل التعويل على الطريقية وترجيحها على التعبدية، أم العكس هو الصحيح؟ فمن المعلوم أن هناك خلافاً بين الأُصوليين؛ حيث بعضهم رجح الأُولى، بينما ذهب البعض الآخر إلى إعتبار الثانية هي الأصل. ونرى أن ذلك لا يخلو من تفصيل، إذ لو كانت الحيثية التعبدية تمتلك ظناً قوياً معتبراً فإنها تكون مرجحة على منافستها، كما هو الحال في مسألتنا المطروحة. وعلى العكس فيما لو لم تمتلك الظن القوي، كما هو الحال مثلاً فيما جاء من المرجحات المنصوصة للأخبار؛ كالوثوق والشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة. فقد قيل إنه لا بد من التوقف على ما هو منصوص في الترجيح بين الأخبار، كما ذهب إلى ذلك الإخباريون وبعض الأُصوليين مثل صاحب (كفاية الأُصول)( 0 9). وقيل في القبال إنه يجوز التعدي إلى غير تلك المرجحات وذلك حسب منهج الطريقية في الكشف عن كل ما يوجب الأقربية إلى واقع الحكم الإلهي، وهو المنسوب إلى جمهور الأُصوليين( 1 9). وهذا هو المرجح على الحيثية التعبدية، وذلك بإعتبار أن قيمة إحتمال صدق هذه الأخيرة ليست قوية، إذ ليس في أخبار الترجيح ما ظاهره الحصر، ولا من المتصور أن تكون هناك علة وحكمة وراء هذا الفرض ليقتضي البناء على التعبدية. في حين إنه بحسب منطق الطريقية فإن العلة معلومة وواضحة وليس من المتوقع أن يعارضها الشارع مادامت الحكمة من ذلك هو الكشف عن الحكم الحقيقي، وهو أمر لا يتوقف على التعبدية بإعتباره أمراً عقلياً يحمل ملاكه بذاته، بل يلاحظ أن أخبار الترجيح ذاتها تشير إلى تلك الحكمة بشكل أو بآخر، الأمر الذي يعني أنها وردت للتقرير لا للتأسيس( 2 9).

ج ـ المرجعية وشرط الرجولة

إستدل الفقهاء ببعض الأدلة التي تفيد عدم جواز الرجوع إلى المرأة في التقليد وكذا مثله في القضاء والزعامة العامة. فمن ذلك إعتماد الفقهاء على مشهورة أبي خديجة الذي نقل عن الإمام الصادق قوله: >إياكم.. أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، إجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر<، فهي دالة على أخذ الرجولة في باب القضاء، وحيث أن منصب الفتوى ليس بأقل مستوى من القضاء، فهو إن لم يكن أرقى منه فإنه في مستواه، إذ القضاء حكم بين إثنين أو جماعة رفعاً للتخاصم، بينما الفتوى حكم كلي يبتلي به عامة المسلمين، لذا فإن الرجولة تكون معتبرة في باب الفتوى بالأولوية.

ولوحظ على هذه الرواية هو أنه لا دلالة لها على أخذ عنوان الرجولة كشرط في القضاء لمجرد ذكر >إجعلوا بينكم رجلاً<، فمن الواضح أن الرواية كانت بصدد وضع حكم في قبال ما يحاكم به الآخرون إلى أهل الجور، وحيث أن المتعارف في القضاء هو جنس الرجولة؛ فإن أخذ هذا العنوان إنما هو من باب الغلبة لا من جهة التعبد، خاصة وأن الرواية ليست بصدد تحديد الحكم بالنسبة للجنس، وليس هناك ما يدل على قصد التعيين. يضاف إلى أن الرواية جاءت بخصوص القضاء فالتعدي إلى باب الفتوى يعد من القياس المفتقر إلى إتحاد المناط، واذا كنا نجد لدى المتأخرين من الاتجاه الشيعي توظيفاً للقياس بتمديد الحكم في شرط الذكورة من موضوع القضاء الى موضوع الفتوى؛ فان الحال لدى البعض في الاتجاه السني ينعكس، حيث القياس من الفتوى الى القضاء، وان النتيجة فيه منعكسة كذلك، أي أنها ليست لصالح الشرطية وانما لصالح نفيها. فقد ذهب الامام الطبري الى ان الذكورة ليست شرطاً في القضاء لأن هذا الأخير هو كالافتاء لا يشترط فيه الذكورة( 3 9).

كما إستدل الفقهاء بمقبولة عمر بن حنظلة، إذ ورد فيها: >ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا..<، وهي على ما عرفنا ضعيفة السند، كما أنه لا دلالة لها على المقصود بمثل ما سبق بخصوص رواية أبي خديجة.

ومثل ذلك يمكن أن يُستدل بما جاء عن النبي (ص) قوله: >لا يفلح قوم وليتهم إمرأة<، وفي حديث آخر: >لا تتولى المرأة القضاء<، وأيضاً ما جاء في وصيته لعلي بقوله: >يا علي ليس على المرأة جمعة... ولا تولي القضاء<، كذلك ما جاء في كتاب (الإختصاص) لرواية مرسلة عن إبن عباس عن النبي (ص) أنه قال: خُلقت حواء من آدم، ولو أن آدم خُلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ولم يكن بيد الرجال<، وحين سُئل النبي هل أنها خُلقت من كلّه أو من بعضه فإنه أجاب: >بل من بعضه، ولو خلقت حواء من كلّه لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال<، وما جاء في نهج البلاغة عن الإمام علي أنه قال: >النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول<، كذلك قوله: >إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن..< ( 4 9).

والملاحظ أن جميع هذه الروايات بغض النظر عن سندها لا تتعلق بالفتوى، إذ أنها جاءت بخصوص الولاية والقضاء، وبعضها لا دلالة لها على حرمة التولي.

علماً أننا نجد خلافاً في الوسط السني حول شرط الذكورة في القضاء وإن أجمعوا على هذا الشرط في الامامة الكبرى. فقد ذكر ابن رشد الحفيد بأن الفقهاء >اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي شرط في صحة الحكم. وقال ابو حنيفة: يجوز ان تكون المرأة قاضياً في الاموال. وقال الطبري: يجوز ان تكون المرأة حاكماً على الاطلاق في كل شيء.. فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الامامة الكبرى، وقاسها ايضاً على العبد لنقصان حرمتها، ومن اجاز حكمها في الاموال فتشبيهاً بجواز شهادتها في الاموال. ومن رأي حكمها نافذاً في كل شيء قال: ان الاصل هو ان كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز الا ما خصصه الاجماع من الامامة الكبرى<( 5 9). وقد اعتمد الجمهور في اعتبار الشرط على الحديث النبوي >ما افلح قوم ولوا أمرهم إمرأة<.. >وايضاً فان القاضي يحتاج الى مخالطة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم، والمرأة في الاصل ممنوعة من المخالطة التي لا ضرورة لها<. وقد اعتبر ابن حزم ان الحديث المذكور دال على الخلافة لا القضاء، وروي ان عمر بن الخطاب ولى الشفاء - وهي إمرأة من قومه - السوق( 6 9).

رأي الخوئي في الموضوع

وعلى رأي السيد الخوئي أن مقتضى إطلاق الأدلة الشرعية والسيرة العقلائية عدم الفرق بين النساء والرجال. لكن مع هذا فإنه عدّ الرجولة شرطاً في المرجع دون أن يسوغ تقليد المرأة، وذلك إستناداً إلى ما أطلق عليه بمذاق الشارع من حيث أن الوظيفة المرغوبة للنساء هي التحجب والتستر وتصدي الأُمور البيتية دون التدخل فيما ينافي تلك الأُمور، في حين >أن التصدي للإفتاء ـ بحسب العادة ـ جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لأنهما مقتضى الرئاسة للمسلمين، ولا يرضى الشارع بجعل المرأة نفسها معرضاً لذلك أبداً؛ كيف ولم يرضَ بإمامتها للرجال في صلاة الجماعة، فما ظنك بكونها قائمة بأُمورهم ومديرة لشئون المجتمع ومتصدية للزعامة الكبرى للمسلمين<. وهو قد إعتبر ذلك مرتكزاً قطعياً في أذهان المتشرعة يقيّد إطلاق الأدلة الشرعية ويردع عن السيرة العقلائية الجارية في رجوع الجاهل إلى المختص رجلاً كان أم إمرأة( 7 9).

لكن من الواضح أن ما أفاده الخوئي ليس صحيحاً بالمرة. فمن جهة إنه لو سلمنا بالدليل الذي قدمه لكان تحريم الرجوع الى المرأة في الإفتاء مقتصراً على المقلّدين من الرجال دون النساء، مع أنه حرم ذلك كلياً. أما من جهة أُخرى فهو أن الرجوع إلى المرأة في الإفتاء ليس فيه أيّ أثر من الآثار المضادة للستر والتحجب، وإلا لكنّا نعد الإتصال بالنساء لقضاء أغراض مشروعة؛ مثل الرجوع إلى المعلمة أو الطبيبة حراماً. كيف وقد إشتهرت العديد من النساء في زمن النبي بمشاركتهن على مسرح الحياة الإجتماعية، ومنهنّ اللواتي شاركن في الحروب التي خاضها النبي لأجل تضميد الجرحى؟!( 8 9).

على أن عمل المرأة في سلك المرجعية لا يُضاد وظيفتها الأساسية المتعلقة بتدبير المنزل، إذ ليس كل النساء من تفكر أن تكون من المراجع، مثلما ينطبق الحال على الرجال، والإستثناء لا يكون مزاحماً للقاعدة العامة، مادمنا نعلم أن عمل المرأة خارج المنزل ليس في حد ذاته حراماً، وأن الرجوع إليها في السؤال والإستفسار والحديث إن لم يكن فيه أثر من آثار الفساد ليس فيه حظر شرعي هو الآخر. فكيف إذا ما كانت المرأة في سن كسن الشيخوخة الذي هو الغالب في المراجع؛ فأيّ أثر لذلك على هتك الستر والحجاب؟!

ولا يُستبعد أن تكون وجهة النظر هذه متأثرة بالأعراف والتقاليد التي سادت مدة طويلة، خاصة أن الظروف التاريخية والإجتماعية كان لها دور هام في إضعاف شأن المرأة وإظهارها بمظهر سلبي يصل أحياناً إلى جعلها بموضع شبيه بالبهيمة كدلالة على غريزتها وغباوتها في الوقت نفسه( 9 9).

والمهم في الامر هو انه لا يوجد نص شرعي يدين المرأة على مزاولتها النشاط الخارج عن حدود المنزل؛ فلم يحرّم خروجها ولا إتصالها بأخيها الرجل ولا صلاتها معه في مسجد واحد. أما عدم جواز إئتمام الرجال خلفها في الصلاة فقد يعود ذلك إلى أن حركاتها لا تليق بالمقام أمام الرجال، أو يعود إلى فارق القيمومة التي يمتاز بها هؤلاء عليها، أو أنه أمر تعبدي لا نعلم سببه كلياً. وهو أمر يختلف عن حالة الرجوع إليها من أجل الإستفادة منها في المسائل الشرعية مثلما تجوز شهادتها، خاصة إنه في الوقت الحاضر أصبحت هناك وسائل متعددة تُغني الرجوع إليها مباشرة في الغالب، لذلك لا مجال للقياس بين الصلاة وبين منصب الإفتاء والقضاء. أما القيادة العامة فربما الأمر فيها يختلف بعض الشيء..

أخيراً تجدر الإشارة إلى أن الخوئي قد إعتبر جملة من القضايا ليس عليها دليل سوى ما أطلق عليه بمذاق الشارع المرتكز في أذهان المتشرعة، كان منها ما يتعلق بشرط الإيمان الذي يعني أن يكون المرجع إثنا عشرياً خالصاً. إذ اعتبر أن المستفاد من ذوق الشارع أنه لا يرضى بزعامة غير المسلم والمؤمن، ويبدو أنه يقصد به روح الشريعة الذي يتبين من خلال الاستقراء العام لها.

ثانياً: الشروط الخاصة بالمقلّد ومناقشتها

قلنا في السابق أن هناك نوعين من الشروط التي يُعتقد أنها تحقق مصداقية صحة التقليد؛ أحدهما يتعلق بالمرجع وقد تحدثنا عنه، أما الآخر فيتعلق بالعامي على ما سنبحثه الآن..

بنظر العلماء أن أهم شرط معرفي لا بد أن يتوفر لدى المقلّد كي يصح تقليده هو أن يكون مجتهداً في قضية تقليده، فبدون إجتهاده يصبح تقليده قائماً على التقليد ومن ثم التسلسل أو الدور وهو باطل، الأمر الذي يتعين عليه الإجتهاد( 0 0 1). لكن كيف يمكن أن يكون المقلّد مجتهداً وهو لا يسعه الإجتهاد؟ هذا ما حاول العلماء الجواب عنه بصورة لا تخرج المقلّد عن صحة تقليده ولا تدخله في زمرة المجتهدين. فقد ذكر البعض أن هناك ركيزتين سهلتين يستند إليهما المقلّد في تقليده، وهما لم يأتيا عن طريق التقليد حتى يقال أن تقليده باطل. الأُولى ما هو مرتكز في الذهن أو البناء العقلائي من رجوع الجاهل إلى العالم أو المختص، كما يلاحظ في مختلف الصنايع والحرف. أما الثانية فهي دليل الإنسداد، وتقريبه هو أن كل مكلف يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه، كما يعلم أنه غير مفوض في أفعاله بحيث له أن يفعل ما يشاء، وبالتالي فإن عقله يستقل بلزوم الخروج عن عهدة التكاليف الواقعية المنجزة بعلمه، وليس أمامه إلا الإجتهاد أو التقليد أو الإحتياط، لكن العامي ليس بوسعه الإجتهاد، كذلك فإن الإحتياط غير ميسور له لعدم تمكنه من تشخيص موارده، لذلك يتعين عليه التقليد للحصرالآنف الذكر( 1 0 1). ولو تجاوزنا ما نعتقده من أنه لا يوجد حصر في الحصر المذكور كما سنرى.. وتساءلنا: مإذا يكون الحال لو إلتفت المقلّد وشك في صحة تقليده للمجتهدين، بأن سمع بعض الطوائف الإسلامية تحرم التقليد وتدعي أن طريقتهم توصل إلى العلم، خاصة وأن طريقة أهل الإجتهاد والتقليد تقوم على مرتكز يفضي إلى الظن.. فهل يا ترى يصح تقليده لهؤلاء أم لأُولائك، أم أنه يجتهد إجتهاداً يخرجه عن حضيرة البناء العقلائي - حيث لا علاقة له بذلك في مثل هذه الحال - ويدخله في حضيرة أهل الإجتهاد ولو بالمعنى الذي يعم كلا الإتجاهين المجوزين والمحرمين للتقليد؟ لكن حيث فرضنا أنه مقلّد لا يسعه الإجتهاد كما هو الحال في أغلب الناس، فإن مصيره على هذا الفرض يصبح قلقاً لا يجد من يحكم له بصحة إتباع أيٍّ من الفريقين، خاصة إذا ما كان ملتفتاً إلى قوة الإختلاف الدائر بينهما. في حين كان بإمكانه أن يسلك طريقاً أُخرى ليست هي على نحو الإجتهاد المصطلح عليه ولا على نحو التقليد، بل بإتباع النظر في الأدلة والأخذ بالراجح منها حسب الإقتناع.

كما أن من الشروط التي وضعت على عاتق المقلّد هو أن لا يكون تقليده إلا للمجتهد المتصف بشروط الأعلمية والحياة والرجولة، مما يعني أن تقليده لا يصح ما لم يكن المقلّد عارفاً بصحة هذه الشروط، الأمر الذي يقتضي إجتهاده ( 2 0 1)، رغم أنها توضع كفتاوى ضمن الرسائل العملية للتقليد تسامحاً.

فبخصوص تقليد الأعلم ذكر الكثير من المتأخرين أن هذا التقليد يأتي فيما لو علم المقلّد أن هناك خلافاً بين العالم والأعلم، لهذا فإن عليه الركون إلى الأعلم طبقاً للإجتهاد المنبني على المرتكز العقلائي من رجوع الجاهل إلى الأعلم في المسائل الهامة وقبح الإعتماد على المفضول فيها كأمر إحترازي، وذلك إستناداً إلى القاعدة العقلية القائلة بأن دفع الضرر المحتمل واجب.

لكن ماذا لو علم العامي أن الأئمة كانت تُرجع الناس إلى العلماء دون تفريق بين العالم والأعلم، وبالتالي شك في وجوب تقليد الأعلم، فهل يجب عليه أيضاً أن يقلّد الأعلم؟ فهنا أن الأمر لا يعود إلى سيرة الناس أو البناء العقلائي ليبني على ما هو مرتكز في ذهنه، هذا إن كان ملتفتاً إلى مثل هذا الإرتكاز، حيث الملاحظ أن الكثير من الناس لا يلتفتون في الأعلمية الفقهية إلى المرتكز العقلائي بخلاف الرجوع إلى مطلق الخبير أو المختص، حيث الرجوع إليه يكون تلقائياً لا يحتاج إلى إجتهاد وتفكير.

وفي مسألتنا تلك قد يقال بأن من الواجب على العامي رغم تشكيكه هو إتباع الأعلم، أو أنه يقوم بعملية إجتهاد تجعله لا يختلف في بحث المسألة عن المجتهدين، لكنا فرضناه عامياً مقلّداً. فهل أنه لو لم يتبع الأعلم بحجة عدم البيان ووجود المشكك في الأمر، أو مال إلى إتباع الأورع لا الأعلم؛ فهل يعد عمله هذا باطلاً ومنافياً للتقليد ام لا؟

نحن نعتقد أن عمل العامي لو كان قائماً على الإطمئنان في إتباع الخبير فإنه يصح بغض النظر إن كان فاضلاً أو مفضولاً، وذلك لكون الإطمئنان حجة في حد ذاته طالما ليس بوسعه النظر ولا الإجتهاد. أما لو إلتفت للمرتكز العقلائي ولم يطمئن من صحة تقليد المفضول مع عدم وجود المشكك المعارض فالواجب عليه في هذه الحالة إتباع الأعلم. في حين لو طرأت عليه المشككات المتعارضة وذلك فيما لو تردد بين إتباع الأعلم أو الأورع، أو شكّ في أصل وجوب تقليد الأعلم ولم يقتنع بالبناء العقلائي؛ ففي هذه الحالة يصح له تقليد مطلق الخبير مادام لا يسعه الإجتهاد ولا النظر بأكثر من ذلك. إذ لا يصح أن يقال بأن عليه الإحتياط، وذلك لأن عمله بهذا يحتاج إلى بذل النظر والإجتهاد فيه ليعلم إن كان الإحتياط يجب في حقه أم لا. فإن كان بوسعه النظر وجب عليه ذلك، وإلا فإنه غير مكلف بالإحتياط مادام أنه يفقد القدرة على التحقيق، أو لأنه مقتنع بأن الشارع لا يكلفه بما هو غير بيّن ابتداءاً.

أما بخصوص وجوب تقليد المجتهد الحي كما ذهب إليه علماء الإمامية؛ فالملاحظ أن السيرة العقلائية والمرتكز في الأذهان لا يسعفانه، إذ لا يرى العقلاء لزوم إتباع الأحياء من المختصين، بل لا يرى الإنسان ضيراً فيما لو إتبع ميتاً ورجحه على الحي. وعليه فإن مسألة تقليد الحي من منظار المقلّد إما أن تكون تقليدية وبالتالي الوقوع في الدور أو التسلسل، أو أنها إجتهادية صرفة. لكن من الواضح أن الإجتهاد فيها ليس يسيراً كما هو الحال مع أصل التقليد، إذ لا بد أن تكون هناك دراية ومعرفة بأصل التشريع المتعلق بذلك، وهو ما يقتضي الإجتهاد، وليس هناك ما يمكن التعويل فيه على العقل ولا السيرة العقلائية. ويصدق كل ما قلناه هنا على المشكل المتعلق بشرط الذكورة في المرجعية، حيث أنها هي الأُخرى لا تستند إلى العقل ولا البناء العقلائي، وبالتالي لا يصح إلزام المقلّد أن يقلّد فيها، مما يعني أن عليه الإجتهاد مع إنّا فرضناه عامياً!

على أن مثل هذه القضية مع حالات إلتفات المقلّد إلى ما يشككه في أصل تقليده مع شروط التقليد الأُخرى التي ذكرناها؛ كلها تقف حائلاً أمام المشروعية التي طرحها الفقهاء في حق العوام( 3 0 1). وقد سبق لبعض المعاصرين للشيخ الأصفهاني أن صرح بإنسداد طريق العلم على العامي بالكلية لعدم علمه بجواز التقليد ولا بمن يجوز تقليده من الأُصولي والإخباري والمطلق والمتجزئ والحي والميت ومن جدد النظر في الواقعة أو إكتفى بإستصحاب الإجتهاد السابق، وعلى ذلك فبرأيه أنه يتعين على العامي التعويل على الظن. وإعترف الأصفهاني أن العامي يمكن أن تسبق إلى ذهنه الشبهة فتقدح في وضوح مقدمات وشروط التقليد، وهو يرى أنه مع عدم إمكان إحراز العلم واليقين فإن المتعين عليه هو العمل بالظن( 4 0 1).

ذلك أن الفقهاء لم يجدوا سبيلاً سهلاً على العوام في تصحيح تقليدهم سوى المرتكزات العقلية والذهنية للبناء العقلائي، مما يعني أن العوام سوف يضطرون إلى ممارسة التقليد عن تقليد في كل ما خرج عن تلك المرتكزات طالما أنها تعد الحد الذي يتوقف عنده العامي مادام ليس بوسعه الإجتهاد. بل إن المقلّد قد يشكك حتى في سلامة الإعتماد على المرتكز العقلائي، الأمر الذي به يبطل مقدمات التقليد وشروطه. وكما يقول صاحب (عناية الأُصول): >إن العامي الجاهل إن كان رجوعه إلى العالم هو بمقتضى طبعه الأصلي وجبليته وفطرته من دون إلتفات إلى شيء فهو. وإلا إن تفطن أن مجرد بناء العقلاء مما لا يكاد يكفي مدركاً ما لم ينضم إليه الإمضاء من الشرع لم يجز له الرجوع إلى العالم عقلاً ما لم يحرز بنفسه إمضاء الشارع له أو يعرف دلالة ساير الأدلة الدالة عليه<( 5 0 1).

من هنا يمكن القول إن الشروط المذكورة بحق المقلّد في صحة التقليد هي في حد ذاتها شروط متعالية فاقدة لشرطها؛ مادام أن من الواجب على العامي أن لا يقلّد فيها وإلا أصبح تقليده مبتنياً على تقليد آخر، وهكذا يتسلسل الأمر. وبذلك يصبح طريق العامي على خلاف طريق العالم الذي يُفترض الرجوع إليه. حيث يمكن للعامي أن يصل إلى نتيجة لا يجد فيها دليلاً على أصل تقليده، أو على وجوب أخذ إعتبار شروط التقليد كالأعلمية والحياة والرجولة؛ فتنتفي بذلك فائدة ذكر مثل هذه الشروط. لذلك ليس هناك من مسوغ في مثل هذه الحالة سوى الإستناد إلى طريقة النظر لإنتشال العامي من عاميته وإخراجه من تقليديته بوجه ما من الإجتهاد..

الهوامش

( 1) ارشاد الفحول، ص 9 6 2. ومواهب الجليل، ص 1 3.

( 2) تهذيب الفروق، ج 2، ص 7 1 1، وج 1، ص 0 2 2. ومواهب الجليل، ص 1 3ـ 2 3.

( 3) الإحكام لابن حزم، مطبعة السعادة، ج 6، ص 7 9.

( 4) عناية الأُصول، ج 6، ص 8 6 2.

( 5) الكفاية، هامش ص 4 4 5 ـ 5 4 5.

( 6) الإجتهاد والتقليد، ص 1 5 2.

( 7) علماً إن ممن ذهب إلى جواز تقليد الميت في الوقت الحاضر المرحوم الشيخ محمد العاملي الكاظمي، معتبراً ان >الادلة القاطعة من الكتاب والسنة قائمة على جواز الرجوع الى الاموات كجواز الرجوع للاحياء...< (حقائق الاحكام في رسالات الاسلام، ص 9 1). وكذا ذهب الى ذلك السيد محمد حسين فضل الله (المسائل الفقهية، ص 2 1). كذلك فإن السيد محمد الشيرازي هو الآخر إعتبر الأدلة العلمية تثبته، لكنه إستدرك في مقام العمل فعوّل على الاحتياط باعتباره >طريق النجاة< (كتابالاجتهاد والتقليد، ضمن موسوعة الفقه، ج 1، ص 8 0 1). كما مال الى الجواز المرحوم السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (تهذيب الأُصول،ج 2، ص 0 2 1). كما سبق أن ذهب الفقيه الداربندي (المتوفي سنة 5 8 2 1هـ) إلى الجواز في ذلك؛ على ما حكاه عنه بعض محشّي كتاب القوانين (انظر: القطيفي، فرج العمران: الأُصوليون والإخباريون فرقة واحدة، مجلة الموسم، العددان > 3 2ـ 4 2<، ص 9 2 1). يضاف إلى ما نقله صاحب (الفصول) عن بعض معاصريه القول بالجواز، وإن كان ذلك طبقاً لقاعدة إنسداد باب العلم مثلما هو الحال عند القمي (الفصول الغروية، ص 9 1 4).

( 8) منتهى الأُصول للبجنوردي، ج 2، ص 8 3 6ـ 0 4 6. والإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 6 9ـ 7 9.

( 9) الفوائد المدنية، ص 0 5 2. والفوائد الطوسية، ص 2 0 4 ومابعدها.

( 0 1) الكاشاني، الفيض: الأُصول الأصيلة، ص 3 5 1ـ 4 5 1. علماً إنه قيل أن من قال بتقليد الميت من الإخباريين الإسترابادي والكاشاني والجزائري (عناية الأُصول، ج 6، ص 5 6 2)، وهو خطأ، فعلى الأقل أن الإسترابادي يحرم مطلق التقليد القائم على الإجتهاد كما أشرنا إلى ذلك.

( 1 1) المعالم الجديدة، ص 6 6ـ 7 6. قيل أن العلماء بعد الشيخ الطوسي يعدون أحاديثه أصلاً مسلماً ويعتبرون التأليف في قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً على الشيخ وإهانة له، حتى مجيء إبن إدريس الذي كان يسميهم بالمقلّدة، وهو أول من خالف بعض آرائه وفتاويه وفتح باب الرد على نظرياته. ومع ذلك بقي الفقهاء على موقفهم التقليدي، حتى أن المحقق الحلي وإبن أُخته العلامة الحلي ومن عاصرهما لا يتخطون رأيه. وقد قال الشيخ أسد الله الدزفولي التستري في (المقابس) بهذا الصدد: >حتى أن كثيراً ما يذكر مثل المحقق والعلامة أو غيرهما فتاويه من دون نسبتها إليه، ثم يذكرون ما يقتضي التردد فيها فيتوهم التنافي بين الكلامين< (مقدمة المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني لكتاب التبيان في تفسير القرآن للطوسي، ج 1، ص ح ـ ط).

( 2 1) الفصول الغروية، ص 9 1 4.

( 3 1) جواهر الكلام، ج 0 4، ص 0 2 3. ومنتهى الأُصول، ج 2، ص 9 3 6. والفصول الغروية، ص 9 1 4.

( 4 1) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 4 0 1.

( 5 1) علماً بأنه سبق لأحد معاصري الشيخ الأصفهاني أن ذهب إلى نقض الإجماع المدعى بكون المسألة المطروحة حادثة دون أن تكون متداولة لدى المتقدمين من أصحاب الأئمة. وقد رد عليه الأصفهاني في (الفصول الغروية، ص 9 1 4) بقوله: >كثير من المسائل الأُصولية مشتركة الحاجة بيننا وبين الموجودين في زمن الأئمة كحجية الكتاب وخبر الواحد والإستصحاب وأصل البراءة وغير ذلك، فاستبعاده إنعقاد الإجماع على المسائل الأُصولية بقول مطلق مقطوع الفساد، لأن الحاجة إلى العمل بالأحكام تمس إلى البحث عن الطرق المقررة إليها لتعذر معرفتها بطريق القطع غالباً، وهذا أمر مشترك بيننا وبين أكثر أهل تلك الأعصار، لاسيما عند إشتداد أمر التقية وتعذر الوصول الى الإمام كما كان يتفق في حقهم غالباً<. والواقع هو أن أصل التقليد ـ كما سبق أن بينّا ـ لم يكن متداولاً في عصر الأئمة، بل الذي جرى في زمانهم هو الإتباع، والفارق بينهما واضح. أما المسائل الأُصولية فبعضها قد يتفق العمل بها على الجملة لدى جميع الأعصار باعتبارها عقلية أو جبلّية أو أنها مما لا غنى عنها في الكشف عن الأحكام بالإطمئنان مع العلم بعدم ممانعة الشارع لذلك، مثلما يلاحظ في حجية الظواهر وأخبار الآحاد حين تكون باعثة على الإطمئنان، وهي ذاتها يمكن إستنتاجها من نصوص الأئمة في شتى المجالات، وكذلك سيرة المتشرعة آنذاك. أما بخصوص مسألة تقليد الميت فالأمر يختلف، إذ القول بعدم جواز تقليده لا يبتني على العقل أو الفطرة أو المرتكز العقلائي حتى يظن أنه مما أمضاه الشارع، ولا أنه يخدش في أصالة الطريق والكشف عن الأحكام. لذلك نقول كيف يمكن أن نستكشف الإجماع على مثل هذا القول؟!

( 6 1) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 5 0 1. والفصول الغروية، ص 9 1 4.

( 7 1) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 5 0 1.

( 8 1) المصدر السابق، ص 7 0 1 و 0 5 2ـ 1 5 2.

( 9 1) المصدر السابق، ص 0 5 2ـ 1 5 2.

( 0 2) روضات الجنات، طبعة الدار الاسلامية، ج 1، ص 8 3.

( 1 2) الاجتهاد والتقليد للخوئي، ص 9 9ـ 0 0 1.

( 2 2) المصدر السابق، ص 1 0 1.

( 3 2) من المفيد أن ننقل ما ذكره المرحوم السبزواري في إستدلاله على جواز تقليد الميت، إذ إعتبر أن >مقتضى الأُصول الموضوعية من أصالة حجية الرأي في حد نفسه، وصحة الإعتذار به، وأصالة بقاء الوظيفة الظاهرية التي إستفادها من الأدلة، وأصالة بقاء حكمة الإعتبار من غلبة الإصابة أو تسهيل الأمر على الأنام؛ صحة تقليد الميت إبتداءاً. مضافاً إلى الإطلاقات والعمومات.. وتقتضيه السيرة (العقلائية) في الجملة أيضاً< (تهذيب الأُصول، ج 2، ص 0 2 1).

( 4 2) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 7 5 4. وفواتح الرحموت، ج 2، ص 5 0 4.

( 5 2) انظر بهذا الصدد المصادر التالية: المستصفى، ج 2، ص 1 9 3. والإحكام للآمدي، ج 4، ص 7 5 4ـ 8 5 4. وفواتح الرحموت، ج 2، ص 5 0 4. والموافقات، ج 4، ص 2 9 2. والإعتصام، ج 3، ص 5 5 2.

( 6 2) فواتح الرحموت، ج 2، ص 4 0 4. والحبل المتين ص 6.

( 7 2) الإحكام للآمدي، ج 4، ص 8 5 4.

( 8 2) المصدر السابق، ص 3 2 4 و 8 5 4.

( 9 2) معالم الدين، ص 9 8 3.

( 0 3) بهذا الصدد يذكر صاحب (عناية الأُصول) أن القول بجواز تقليد المفضول قد ذهب إليه جملة من متأخري أصحابنا >حتى صار في هذا الزمان قولاً معتداً به< (عناية الأُصول، ج 6، ص 6 4 2).

( 1 3) النراقي، ملا أحمد: مستند الشيعة في أحكام الشريعة، طبعة حجرية لم يكتب عنها شيء، ج 2، ص 1 2 5. لكن إن كان المقصود بالمحقق هو المحقق الأول (نجم الدين الحلي)؛ يمكن القول أن ما نُسب إليه يخالف ما جاء عنه في كتابه (المعارج)، حيث قال بوجوب تقليد الأعلم عند الإختلاف (انظر: معارج الأُصول، ص 1 0 2).

( 2 3) الجناتي، محمد إبراهيم: أعلمية الفقيه ومباني التقليد، مجلة التوحيد، العدد ( 9 7)، ص 5 3.

( 3 3) شورى الفقهاء، ج 1، ص 9 8 2.

( 4 3) مستند الشيعة، ج 2، ص 2 2 5. والمصدر السابق، ص 9 8 2.

( 5 3) الفصول الغروية، ص 4 2 4. أنظر كذلك: خلاصة الفصول، ج 2، ص 5 5.

( 6 3) اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى، ج 1، ص 7 ـ 8.

( 7 3) عناية الأُصول، ج 6، ص 8 5 2.

( 8 3) الحكيم، محمد تقي: الأُصول العامة للفقه المقارن، ص 9 5 6.

( 9 3) العاملي، محمد الجواد بن محمد الغروي: مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، ج 0 1، ص 4.

( 0 4) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 3 0 2 و 4 0 2.

( 1 4) تهذيب الأُصول، ج 2، ص 9 1 1.

( 2 4) الخامنئي، علي الحسيني: أجوية الإستفتاءات، العبادات، ص 9 و 8.

( 3 4) يعود هذا الرأي إلى الشيخ الجناتي، إذ يقول: إن >مفهوم الأعلمية اليوم - حيث هناك نظام إسلامي قائم - هو غير مفهوم الأعلمية في السابق، ولأن الأعلم في السابق هو الذي يكون أعلم المجتهدين الآخرين في إطار مسائل الرسالة العملية والتي تشمل نوعاً ما على المسائل الفردية والعبادية وهي تشكل ( 5%) فقط من مجموع الأحكام، أما اليوم فالمجتهد الأعلم هو أعلم من سائر المجتهدين في جميع المسائل التي يحتاجها الفرد؛ سياسية، عبادية، إقتصادية، إجتماعية، بالإضافة إلى مسائل العلاقات الدولية والمسائل الحكومية. لهذا يجب أن تحرز هذه الأُمور في الشخص الذي يطرح باعتباره الأعلم، وبدونها لا يمكن أن نعتبره الأعلم. بل يمكن أن لا نعتبره مجتهداً؛ لأن أدلة الفروع الموجودة في الرسائل العملية واضحة ولا تحتاج إلى بذل الوسع والإجهاد...إن الفقيه الذي لا يلم بالمسائل التي يواجهها النظام الإسلامي والتي تشكل ( 5 9%) من مجموع الأحكام، ويكتفي بالمسائل والأحكام الفردية والعبادية في حدود الرسالة العملية ـ التي تكررت مئات المرات ـ فقط؛ لا يمكن أن يكون مجتهداً مطلقاً< (أعلمية الفقيه ومباني التقليد للجناتي، مجلة التوحيد، نفس المعطيات السابقة، ص 6 3).

( 4 4) الوسائل، ج 8 1، أبواب صفات القاضي، باب 1 1، حديث 5 4، ص 0 1 1.

( 5 4) نفس المصدر والباب، حديث 6، ص 0 0 1.

( 6 4) جواهر الكلام، ج 0 4، ص 5 4.

( 7 4) جواهر الكلام، ج 0 4، ص 4 4.

( 8 4) المصدر السابق، ص 5 4.

( 9 4) الكفاية، ص 2 4 5. كذلك: منتهى الأُصول، ج 2، ص 4 3 6.

( 0 5) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 1 4 1.

( 1 5) المصدر السابق، ص 7 3 1.

( 2 5) نفس المصدر والصفحة .

( 3 5) الجواهر، ج 0 4، ص 3 4.

( 4 5) منتهى الأُصول، ج 2، ص 4 3 6.

( 5 5) الإجتهاد والتقليد، ص 1 4 1.

( 6 5) المصدر السابق، ص 3 6 1.

( 7 5) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص 4 8 1.

( 8 5) الإجتهاد والتقليد، ص 0 4 1.

( 9 5) الكفاية، ص 3 4 5.

( 0 6) نفس المصدر والصفحة.

( 1 6) الجواهر، ج 0 4، ص 5 4. ومفتاح الكرامة، ج 0 1، ص 4.

( 2 6) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 4 4 1.

( 3 6) الوسائل، ج 8 1، أبواب صفات القاضي، باب 9، حديث 0 2، ص 0 8 .

( 4 6) نفس المصدر والباب، حديث 5 4، ص 8 8.

( 5 6) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 0 3 4ـ 1 3 4 و 5 4 1. علماً بأن الشيخ المنتظري يحتمل أن المقبولة والروايتين اللتين ذكرناهما بعدها؛ كلها ترجع إلى قصة واحدة، فإن الراوي عن عمر بن حنظلة كما ورد هو داود بن الحصين، فلعل الصدوق نقل بالمعنى قطعة من الرواية الأُولى وسقط عمر بن حنظلة من سندها، وموسى بن أكيل لم يكن سائلاً بل كان حاضراً في المجلس حينما سأل إبن حنظلة (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص 2 8 1).

( 6 6) يقول الخوئي بهذا الصدد: >وهذه الرواية وإن كانت سليمة عن المناقشة من حيث السند على كلا طريقي الشيخ - الطوسي - والصدوق، وإن إشتمل كل منهما على من لم يوثق في الرجال، فإن في الأول حسن بن موسى الخشاب، وفي الثاني حكم بن مسكين. وذلك لأنهما ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات. على أن حسن بن موسى ممن مدحه النجاشي بقوله: من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم والحديث< (الإجتهاد والتقليد، ص 9 2 4).

( 7 6) المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ج 2، ص 0 1 1.

( 8 6) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 5 4 1ـ 6 4 1.

( 9 6) الجواهر، ج 0 4، ص 5 4. وانظر: منتهى الأُصول، ج 2، ص 7 3 6.

( 0 7) شورى الفقهاء، ج 1، ص 7 3 3ـ 8 3 3.

( 1 7) المصدر السابق، ص 1 4 3.

( 2 7) الجواهر، ج 0 4، ص 3 4. ومستند الشيعة، ج 2، ص 1 2 5. كذلك: الإحكام للآمدي، ج 4، ص 7 5 4. والموافقات، ج 4، ص 2 9 2. وفواتح الرحموت، ج 2، ص 5 0 4.

( 3 7) الإجتهاد والتقليد، ص 7 4 1.

( 4 7) المصدر السابق، ص 7 4 1ـ 8 4 1.

( 5 7) إن أبسط النماذج التي تشهد على تأثير الواقع في تحديد معرفة الحكم الشرعي هو ذلك المربوط بتحديد سن اليأس عند المرأة، إذ الإعتقاد الفقهي يفرق جوهرياً في جانب من جوانب التركيب الطبيعي للخلقة بين المرأة القرشية والعامية، حيث يجعل من مدة اليأس لدى الأُولى تطول على مدة اليأس لدى الأُخرى بمقدار لا يزيد عن عشر سنين. ومع أن هذا الإعتقاد يعد غريباً باعتباره يضع فارقاً فريداً لنوع الجنس البشري تبعاً للنسب الديني؛ إذا ما إستثنينا ظاهرتي النبوة والإمامة.. فمع ذلك، فإن تاريخ الفقه إلى يومنا هذا يشهد غياباً تاماً لأي تحرٍّ قام به العلماء لفحص الواقع والتأكد من القضية. إذ من السهل إجراء عملية إختبار ومسح إجتماعي لعينة مختلطة من العاميات والقرشيات ليتبين إن كان هناك فارق ملحوظ فيثبّت في كتب الفقه، أم لم يكن فيزال منها بتسقيط الروايات التي يرتكز عليها ذلك الإعتقاد(انظر بحثنا المعنون: خطوات على طريق المرجعية الرائدة، مجلة الفكر الجديد، العدد السابع، ص 3 2 3).

( 6 7) الإجتهاد والتقليد، ص 8 4 1.

( 7 7) شورى الفقهاء، ج 1، ص 1 2 3 .

( 8 7) بهذا الصدد يقول صاحب (تحليل العروة، بحث الإجتهاد والتقليد، ص 9 1ـ 0 2): >إن الإرتكاز في أمر الدين والشرائع غير الإرتكاز في سائره، ولذا لا يجوز أخذ الدين عن مطلق من عرف الدين، بل لا بد من الإيمان وغيره من الوثاقة، فالإرتكاز الصرف لا يكفي في تحصيل الإطمئنان في العمل به كما لا يخفى على المتأمل المتعمق<.

( 9 7) اصول الفقه، ج 3، ص 1 7 1.

( 0 8) فرائد الأُصول، ج 1، ص 0 0 4.

( 1 8) المصدر السابق، ج 1، ص 0 2 1 و 2 4.

( 2 8) اعتمدنا في هذه الفقرة على ما حرره السيد كمال الحيدري لتقريرات الامام الصدر. انظر مقاله المعنون: مرتكزات أساسية في الفكر الاصولي للشهيد الصدر، قضايا اسلامية، العدد 3، ص 7 3 2ـ 0 4 2.

( 3 8) كتعبير عن مثل هذا التردد فقد سبق للشهيد الثاني ان صرح قائلاً: العمل بخلاف ما عليه المشهور مشكل، والأخذ بقولهم من دون دليل أشكل (فقه الامام جعفر الصادق، ج 1، ص 0 3).

( 4 8) بحوث في علم الاصول، ج 4، فصل حجية السيرة، ص 3 3 2. كذلك مرتكزات أساسية في الفكر الاصولي للشهيد الصدر، نفس المعطيات السابقة، ص 0 4 2.

( 5 8) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 8 4 1ـ 9 4 1 و 4 1 2.

( 6 8) المصدر السابق، ص 7 5 1.

( 7 8) المصدر السابق، ص 1 5 1.

( 8 8) نفس المصدر والصفحة .

( 9 8) بهذا الصدد يحتمل الشيخ البحراني أن تكون حكمة تعبدنا بالتوقف في الشبهات هو للإبتلاء والإختبار >وهو السر في نصب جميع الشبهات وإنزال الآيات المتشابهات وخلق الشياطين والشهوات، بل أنتَ إذا تأملت في وجوه التكليفات رأيتها كلها من ذلك القبيل، وإلا فإن الله سبحانه قادر على أن ينزل جميع الأحكام التي تحتاج إليها الأُمة في القرآن بدلالات واضحة قطعية خالية من المعارض، بحيث لا يختلف فيها من نظر فيه، وكذا كان رسول الله (ص) قادراً على تأليف كتاب كذلك، بل كل واحد من الأئمة (ع)، ولكن لم يكن ذلك موافقاً لحكمة التكليف..< (البحراني، يوسف: الدرر النجفية، ص 0 3).

( 0 9) كفاية الأُصول، ص 9 0 5 وما بعدها. كما انظر: المظفر، محمد رضا: أُصول الفقه، ج 3، ص 1 6 2.

( 1 9) فرائد الأُصول، ج 2، ص 0 8 7 ـ 1 8 7. وأُصول الفقه للمظفر، ج 3، ص 1 6 2 ـ 3 6 2.

( 2 9) انظر بصدد ذلك الأخبار الواردة في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها، في : الوسائل، ج 8 1، أبواب صفات القاضي، باب 9، ص 5 7 وما بعدها.

( 3 9) زيدان، عبد الكريم: نظام القضاء، ص 1 3.

( 4 9) الوسائل، ج 8 1، أبواب صفات القاضي، باب 2، ص 6. ومستدرك الوسائل، ج 7 1، أبواب صفات القاضي، باب 2، ص 1 4 2. والجواهر، ج 0 4، ص 4 1. ونهج البلاغة، خطبة رقم 0 8، ص 5 0 1، كذلك ص 5 0 4.

( 5 9) ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج 2، ص 0 6 4. وانظر ايضاً: الماوردي: الاحكام السلطانية، ص 3 8.

( 6 9) نظام القضاء، ص 0 3ـ 1 3.

( 7 9) الإجتهاد للخوئي ص 6 2 2. تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً قليلاً من الفقهاء ذهبوا إلى جواز تقليد المرأة وعدم إعتبار الرجولة شرطاً في التقليد. فقد ذكر المرحوم السيد محسن الحكيم أن إعتبار الرجولة >ليس عليه دليل ظاهر غير دعوى إنصراف إطلاقات الأدلة إلى الرجل وإختصاص بعضها به. لكن لو سُلم فليس بحيث يصلح رادعاً عن بناء العقلاء. وكأنه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الأُنثى والخنثى< (مستمسك العروة الوثقى، ج 1، ص 3 4). كما صرح السيد الشيرازي بأن في إشراط الرجولة خلاف، إذ إستدل من قال بجواز تقليد الأُنثى والخنثى بالإطلاقات والعمومات وعموم بناء العقلاء من غير رادع (الإجتهاد والتقليد، ضمن موسوعة الفقه: ج 1، ص 6 1 2ـ 7 1 2). كما أن صاحب (العناية) صرح بعدم وجود ما يدل على إعتبار الرجولة - فضلاً عن طهارة المولد والبلوغ - في المرجعية، لكنه مع ذلك أخذ بالإحتياط بدعوى تسالم الأصحاب عليها (عناية الأُصول، ج 6، ص 3 9 2 و 4 9 2). وفي الوقت الحاضر ذهب السيد محمد حسين فضل الله إلى جواز تقليد المرأة (انظر: المسائل الفقهية، ص 6 1). كما ذهب الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى مثل ذلك، معطياً للمرأة الأهلية التامة لتولي رئاسة الدولة والسلطة السياسية وكل ما يصلح له الرجل (انظر الحوار مع شمس الدين، في: صحيفة صوت العراق، العدد 6 7 1).

( 8 9) لا بد من الاشارة الى انه لا يصح التسليم بما اتجه اليه الفقهاء الذين اعتبروا الخلطة في مشاركة النساء في الحروب التي خاضها النبي الاكرم (ص) وتضميدهن لجروح المجاهدين انما كان لوجود الحاجة الماسة. ذلك انه لو صح هذا الامر لظهر هناك نهي عن المشاركة عند ارتفاع الحاجة، مع انه لا يوجد مثل هذا النهي رغم التضخم الملحوظ في تزايد اعداد الجماعة الاسلامية قبل الفتح وبعده (يمكن التأمل في النصوص المتضافرة للمشاركة النسوية الانفة الذكر، وذلك في: زيدان، عبد الكريم: المفصل في أحكام المرأة، ج 4، 9 6 2 وما بعدها. كذلك: نيل الاوطار، ج 8، ص 3 6 وما بعدها).

( 9 9) فعلى سبيل المثال انظر الى ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: ((ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) الروم/ 1 2، حيث يقول: >قوله (خلق لكم) دليل على أن النساء خُلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى (خلق لكم ما في الأرض)، وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف، فنقول خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا وتكليفهن لاتمام النعمة علينا؛ لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه الينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى . أما النقل فهذا وغيره. وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها. وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة، فشابهت الصبي، لكن الصبي لم يكلف؛ فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد< (التفسير الكبير، ج 4 2، ص 0 1 1).

( 0 0 1) أنظر مثلاً: منتهى الأُصول، ج 2، ص 5 3 6. ومستمسك العروة الوثقى، ج 1، ص 0 4ـ 1 4.

( 1 0 1) الإجتهاد والتقليد للخوئي، ص 3 8ـ 4 8.

( 2 0 1) ومن ذلك ما ذكره العلامة الحلي من انه يجب على المقلد الاجتهاد في معرفة الاعلم والاورع، ولو انه وجد من هو أعلم وآخر أورع فان الأقوى الأخذ بقول الأعلم (مبادئ الوصول، ص 7 9 4).

( 3 0 1) بهذا الصدد ذكر النراقي أنه كما يجب على العامي الإجتهاد في مسألة تقليده فإنه يجب عليه أيضاً الإجتهاد في تعيين الفقيه الذي يقلّده من بين أصناف الفقهاء من الأُصولي والإخباري والحي والميت والأعلم وغيره والمتجزئ والمطلق (النراقي: عوائد الأيام، ص 1 9 1ـ 2 9 1).

( 4 0 1) الفصول الغروية، ص 2 2 4.

( 5 0 1) عناية الأُصول، ج 6، ص 8 1 2ـ 9 1 2.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

Top 10 best slots casinos for 2021 - SOL.EU
Best Slots Casino: Best Real Money Slots febcasino Sites 2021 · Red Dog Casino: Best Overall Slots Casino For USA Players · Ignition Casino: Best https://tricktactoe.com/ Casino For sol.edu.kg Roulette herzamanindir.com/

كتب تحت الطبع

  • مشكلة الحديث -- مؤسسة الانتشار العربي
  • العقل والبيان والاشكاليات الدينية -- معد للطبع
  • تعليقات على الاسس المنطقية للاستقراء -- مؤسسة العارف للنشر

عدد الزوار